موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

البعثة

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 468-470

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد كمعاضدة العقل فيما يدل عليه واستفادة الحكم فيما لا يدل وإزالة الخوف واستفادة الحسن والقبح والنافع والضار وحفظ النوع الانساني وتكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة وتعليمهم الصنائع الخفية والأخلاق والسياسات والأخبار بالعقاب والثواب فيحصل اللطف للمكلف".

أقول: في هذا المقصد مسائل:

في حسن البعثة

اختلف الناس في ذلك، فذهب المسلمون كافة وجميع أرباب الملل وجماعة من الفلاسفة إلى ذلك ومنعت البراهمة منه، والدليل على حسن البعثة أنها قد اشتملت على فوائد وخلت عن المفاسد فكانت حسنة قطعا، وقد ذكر المصنف رحمه الله جملة من فوائد البعثة:

منها: أن يعتضد العقل بالنقل فيما يدل العقل عليه من الأحكام كوحدة الصانع وغيرها، وأن يستفاد الحكم من البعثة فيما لا يدل العقل عليه كالشرائع وغيرها من

مسائل الأصول.

ومنها: إزالة الخوف الحاصل للمكلف عند تصرفاته، إذ قد علم بالدليل العقلي أنه مملوك لغيره وأن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح، فلولا البعثة لما علم حسن التصرفات فيحصل الخوف بالتصرف وبعدمه، إذ يجوز العقل طلب المالك من العبد فعلا لا سبيل إلى فعله إلا بالبعثة فيحصل الخوف.

ومنها: أن بعض الأفعال حسنة وبعضها قبيحة، ثم الحسنة منها ما يستقل العقل بمعرفة حسنه ومنها ما لا يستقل وكذا القبيحة ومع البعثة يحصل معرفة الحسن والقبح اللذين لا يستقل العقل بمعرفتهما.

ومنها: أن بعض الأشياء نافعة لنا مثل كثير من الأغذية والأدوية وبعضها ضار لنا مثل كثير من السموم والحشائش والعقل لا يدرك ذلك كله، وفي البعثة تحصل هذه الفائدة العظيمة.

ومنها: أن النوع الانساني خلق لا كغيره من الحيوانات فإنه مدني بالطبع يحتاج إلى أمور كثيرة في معاشه لا يتم نظامه إلا بها وهو عاجز عن فعل الأكثر منها إلا بمشاركة ومعاونة والتغلب موجود في الطبائع البشرية بحيث يحصل التنافر المضاد لحكمة الاجتماع فلا بد من جامع يقهرهم على الاجتماع وهو السنة والشرع، ولا بد للسنة من شارع يسنه ويقرر ضوابطها ولا بد وأن يتميز ذلك الشخص من غيره من بني نوعه لعدم الأولوية، وذلك المائز لا يجوز أن يكون مما يحصل من بني النوع لوقوع التنافر في التخصيص فلا بد وأن يتميز من قبل الله تعالى بمعجزة ينقاد البشر إلى تصديق مدعيها ويخوفهم من مخالفته ويعدهم على متابعته بحيث يتم النظام ويستقر حفظ النوع الإنساني على كماله الممكن له.

ومنها: أن أشخاص البشر متفاوتة في إدراك الكمالات وتحصيل المعارف واقتناء الفضائل، فبعضهم مستغن عن معاون لقوة نفسه وكمال إدراكه وشدة استعداده للاتصال بالأمور العالية، وبعضهم عاجز عن ذلك بالكلية، وبعضهم متوسط الحال وتتفاوت مراتب الكمال في هذه المرتبة بحسب قربها من أحد الطرفين وبعدها عن الآخر، وفائدة النبي تكميل الناقص من أشخاص النوع بحسب استعداداتهم المختلفة في الزيادة والنقصان.

ومنها: أن النوع الإنساني محتاج إلى آلات وأشياء نافعة في بقائه كالثياب والمساكن وغيرها وذلك مما يحتاج في تحصيله إلى معرفة عمله والقوة البشرية عاجزة عنه، ففائدة النبي في ذلك تعليم هذه الصنائع النافعة الخفية.

ومنها: أن مراتب الأخلاق وتفاوتها معلوم يفتقر فيه إلى مكمل بتعليم الأخلاق والسياسات بحيث تنتظم أمور الانسان بحسب بلده ومنزله.

ومنها: أن الأنبياء يعرفون الثواب والعقاب على الطاعة وتركها فيحصل للمكلف اللطف ببعثتهم فتجب بعثتهم لهذه الفوائد.

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "وشبهة البراهمة باطلة بما تقدم".

أقول: احتجت البراهمة على انتفاء البعثة بأن الرسول إما أن يأتي بما يوافق العقول أو بما يخالفها، فإن جاء بما يوافق العقول لم يكن إليه حاجة ولا فائدة فيه، وإن جاء بما يخالف العقول وجب رد قوله. وهذه الشبهة باطلة بما تقدم في أول الفوائد وذلك أن نقول: لم لا يجوز أن يأتوا بما يوافق العقول وتكون الفائدة فيه التأكيد لدليل العقل؟ أو نقول: لم لا يجوز أن يأتوا بما لا تقتضيه العقول ولا تهتدي إليه وإن لم يكن مخالفا للعقول؟ بمعنى أنهم لا يأتون بما يقتضي العقل نقيضه مثل كثير من الشرائع والعبادات التي لا يهتدي العقل إلى تفصيلها.

 

العودة لصفحة العلامة الحلي