موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

 

الله تعالى عالم

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 397-401

 

 

قال صاجب تجريد الاعتقاد: "والأحكام والتجرد واستناد كل شيء إليه دلائل العلم".

أقول: لما فرغ من بيان كونه تعالى قادرا وكيفية قدرته شرع في بيان كونه تعالى عالما وكيفية علمه، واستدل على كونه تعالى عالما بوجوه ثلاثة، الأول منها للمتكلمين والأخيران للحكماء:

الوجه الأول: أنه تعالى فعل الأفعال المحكمة وكل من كان كذلك فهو عالم، (أما المقدمة الأولى) فحسية لأن العالم إما فلكي أو عنصري، وآثار الحكمة والإتقان فيهما ظاهرة مشاهدة، (وأما الثانية) فضرورية لأن الضرورة قاضية بأن غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرة بعد أخرى.

الوجه الثاني: أنه تعالى مجرد وكل مجرد عالم بذاته وبغيره، أما الصغرى فإنها وإن كانت ظاهرة لكن بيانها يأتي فيما بعد عند الاستدلال على كونه تعالى ليس بجسم ولا جسماني، وأما الكبرى فلأن كل مجرد فإن ذاته حاصلة لذاته لا لغيره وكل مجرد حصل له مجرد فإنه عاقل لذلك المجرد، لأنا لا نعني بالتعقل إلا الحصول فإذن كل مجرد فإنه عاقل لذاته.

وأما إن كل مجرد عالم بغيره فلأن كل مجرد أمكن أن يكون معقولا وحده وكل ما يمكن أن يكون معقولا وحده أمكن أن يكون معقولا مع غيره وكل مجرد يعقل مع غيره فإنه عاقل لذلك الغير، أما ثبوت المعقولية لكل مجرد فظاهر لأن المانع من التعقل أنما هو المادة لا غير، وأما صحة التقارن في المعقولية فلأن كل معقول فإنه لا ينفك عن الأمور العامة، وأما وجوب العاقلية حينئذ فلأن إمكان مقارنة المجرد للغير لا يتوقف على الحضور في العقل لأنه نوع من المقارنة فيتوقف إمكان الشئ على ثبوته فعلا وهو باطل، وإمكان المقارنة هو إمكان التعقل، وفي هذا الوجه أبحاث مذكورة في كتبنا العقلية.

الوجه الثالث: أن كل موجود سواه ممكن على ما يأتي في باب الوحدانية، وكل ممكن فإنه مستند إلى الواجب إما ابتداءا أو بوسائط على ما تقدم، وقد سلف أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول، والله تعالى عالم بذاته على ما تقدم فهو عالم بغيره.

قال: "والأخير عام".

أقول: الوجه الأخير من الأدلة الثلاثة الدالة على كونه تعالى عالما يدل على عمومية علمه بكل معلوم، وتقريره أن كل موجود سواه ممكن وكل ممكن مستند إليه فيكون عالما به سواء كان جزئيا أو كليا، وسواء كان موجودا قائما بذاته أو عرضا قائما بغيره، وسواء كان موجودا في الأعيان أو متعقلا في الأذهان لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا فيستند إليه، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن أو ممتنع، فلا يعزب عن علمه شئ من الممكنات ولا من الممتنعات، وهذا برهان شريف قاطع.

 

قال: "والتغاير اعتباري".

أقول: لما فرغ من الاستدلال على كونه تعالى عالما بكل معلوم شرع في الجواب عن الاعتراضات الواردة عن المخالفين وابتدأ باعتراض من نفى علمه تعالى بذاته ولم يذكر الاعتراض صريحا بل أجاب عنه وحذفه للعلم به. وتقرير الاعتراض أن نقول: العلم إضافة بين العالم والمعلوم أو مستلزم للإضافة، وعلى كلا التقديرين فلا بد من المغايرة بين العالم والمعلوم ولا مغايرة في علمه بذاته.

والجواب أن المغايرة قد تكون بالذات وقد تكون بنوع من الاعتبار، وهاهنا ذاته تعالى من حيث إنها عالمة مغايرة لها من حيث إنها معلومة وذلك كاف في تعلق العلم.

قال: "ولا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده، لأن نسبة الحصول إليه أشد من نسبة الصور المعقولة لنا".

أقول: هذا جواب عن اعتراض آخر أورده من نفي علم الله تعالى بالماهيات المغايرة له، وتقرير الاعتراض أن العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم، فلو كان الله تعالى عالما بغيره من الماهيات لزم حصول صور تلك المعلومات في ذاته تعالى وذلك يستلزم تكثره تعالى، وكونه قابلا وفاعلا ومحلا لآثاره، وأنه تعالى لا يوجد شيئا مما يباين ذاته بل بتوسط الأمور الحالة فيه وكل ذلك باطل.

وتقرير الجواب أن العلم لا يستدعي صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى لأن العلم هو الحصول عند المجرد على ما تقدم، ولا ريب في أن الأشياء كلها حاصلة له لأنه مؤثرها وموجدها، وحصول الأثر للمؤثر أشد من حصول المقبول لقابله مع أن الثاني لا يستدعي حصول صورة مغايرة لذات الحاصل، فإنا إذا عقلنا ذواتنا لم نفتقر إلى صورة مغايرة لذواتنا، ثم إذا أدركنا شيئا ما بصورة

تحصل في أذهاننا فإنا ندرك تلك الصورة الحاصلة في الذهن بذاتها لا باعتبار صورة أخرى وإلا لزم تضاعف الصور مع أن تلك الصورة حاصلة لذاتنا لا بانفرادها بل بمشاركة من المعقولات، فحصول العلم بالموجودات لواجب الوجود الذي تحصل له الأشياء من ذاته بانفراده من غير افتقار إلى صور لها أولى، ولما كانت ذاته سببا لكل موجود وعلمه بذاته علة لعلمه بآثاره وكانت ذاته وعلمه بذاته العلتان متغايرتين بالاعتبار متحدتين بالذات فكذا معلوله والعلم به متحدان بالذات متغايران بنوع من الاعتبار، وهذا بحث شريف أشار إليه صاحب التحصيل وبسطه المصنف رحمه الله في شرح الإشارات، وبهذا التحقيق يندفع جميع المحالات لأنها لزمت باعتبار حصول صور في ذاته تعالى عن ذلك.

 

قال: "وتغير الإضافات ممكن".

أقول: هذا جواب عن اعتراض الحكماء القائلين بنفي علمه تعالى بالجزئيات الزمانية، وتقرير الاعتراض أن العلم يجب تغيره عند تغير المعلوم وإلا لانتفت المطابقة، لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغير علمه تعالى، والتغير في علم الله تعالى محال.

وتقرير الجواب أن التغير هنا أنما هو في الإضافات لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية كالقدرة التي تتغير نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن لم تتغير في نفسها، وتغير الإضافات جائز لأنها أمور اعتبارية لا تحقق لها في الخارج.

 

قال: "ويمكن اجتماع الوجوب والامكان باعتبارين".

أقول: هذا جواب عن احتجاج من نفى علمه تعالى بالمتجددات قبل وجودها، وتقرير كلامهم أن العلم لو تعلق بالمتجدد قبل تجدده لزم وجوبه وإلا لجاز أن لا يوجد، فينقلب علمه تعالى جهلا وهو محال.

والجواب إن أردتم بوجوب ما علمه تعالى أنه واجب الصدور عن العلم فهو باطل، لأنه تعالى يعلم ذاته ويعلم المعدومات وإن أردتم وجوب المطابقة لعلمه فهو صحيح لكن ذلك وجوب لاحق لا سابق فلا ينافي الإمكان الذاتي، وإلى هذا أشار بقوله: ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين.

 

العودة لصفحة العلامة الحلي