موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في الألم ووجه حسنه

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 449-452

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "وبعض الألم قبيح يصدر منا خاصة وبعضه حسن يصدر منه تعالى ومنا وحسنه إما لاستحقاقه أو لاشتماله على النفع أو دفع الضرر الزائدين أو لكونه عاديا أو على وجه الدفع".

أقول: في هذا الكلام مباحث: الأول: في مناسبة هذا البحث وما بعده لما قبله.

إعلم أنا قد بينا وجوب الألطاف والمصالح وهي ضربان: مصالح في الدين ومصالح في الدنيا أعني المنافع الدنياوية، ومصالح الدين إما مضار أو منافع، والمضار منها آلام وأمراض وغيرها كالآجال والغلاء، والمنافع الصحة والسعة في الرزق والرخص، فلأجل هذا بحث المصنف رحمه الله عقيب اللطف عن هذه الأشياء، ولما كانت الآلام تستلزم الأعواض وجب البحث عنها أيضا.

البحث الثاني: اختلف الناس في قبح الألم وحسنه، فذهبت الثنوية إلى قبح جميع الآلام، وذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من الله تعالى، وذهبت البكرية وأهل التناسخ والعدلية إلى حسن بعضها وقبح الباقي.

البحث الثالث: في علة الحسن، اختلف القائلون بحسن بعض الألم في وجه الحسن، فقال أهل التناسخ: إن علة الحسن هي الاستحقاق لا غير لأن النفوس البشرية إذا كانت في أبدان قبل هذه الأبدان وفعلت ذنوبا استحقت الألم عليها، وهذا أيضا قول البكرية. وقالت المعتزلة: إنه يحسن عند شروط: أحدها: أن يكون مستحقا، وثانيها: أن يكون فيها نفع عظيم يوفى عليها، وثالثها: أن يكون فيها دفع ضرر أعظم منها، ورابعها: أن يكون مفعولا على مجرى العادة كما يفعله الله تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار، وخامسها: أن يكون مفعولا على سبيل الدفع عن النفس كما إذا آلمنا من يقصد قتلنا، لأنا متى علمنا اشتمال الألم على أحد هذه الوجوه حكمنا بحسنه قطعا.

 

قال: "ولا بد في المشتمل على النفع من اللطف".

أقول: هذا شرط لحسن الألم المبتدأ الذي يفعله الله تعالى لاشتماله على نفع المتألم وهو كونه مشتملا على اللطف إما للمتألم أو لغيره، لأن خلو الألم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه الألم يستلزم الظلم وخلوه عن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان فلا بد من هذين الاعتبارين في هذا النوع من الألم، وهنا اختلف الشيخان فقال أبو علي: إن علة قبح الألم كونه ظلما لا غير فلم يشترط هذا الشرط. وقال أبو هاشم: إنه يقبح لكونه ظلما أو لكونه عبثا فأوجب في الأمراض التي يفعلها الله تعالى في الصبيان مع الأعواض الزائدة اشتمالها على اللطف لمكلف آخر، ولهذا يقبح منا تخليص الغريق بشرط كسر يده واستيجار من ينزح ماء البئر ويقذفه فيها لغير غرض مع توفية الأجرة، ويمكن الجواب هنا لأبي علي بما ذكرناه في كتاب نهاية المرام.

 

قال: "ويجوز في المستحق كونه عقابا".

أقول: هذا مذهب أبي الحسين البصري فإنه جوز أن تقع الأمراض في الكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق، لأنه ألم واصل إلى المستحق فأمكن أن يكون عقابا ويكون تعجيله قد اشتمل على مصلحة لبعض المكلفين كما في الحدود. ومنع قاضي القضاة من ذلك وجزم بكون أمراضهم محنا لا عقوبات لأنه يجب عليهم الرضا والصبر عليها والتسليم وترك الجزع ولا يلزمهم ذلك في العقاب.

والجواب المنع من عدم اللزوم في العقاب لأن الرضا يطلق على معنيين:

أحدهما: الاعتقاد لحسن الفعل وهو مشترك بين العقاب والمحنة، والثاني: موافقة الفعل للشهوة وهذا غير مقدور للعبد فلا يجب في المحنة ولا في العقاب، وإذا كان الرضا بالمعنى الأول واجبا في العقاب فكذلك الصبر على ذلك الاعتقاد واجب بأن لا يظهر خلاف الرضا وهو الجزع، ويجب أيضا التسليم بأن يعتقد أنه لو تمكن من دفع المرض الذي هو مصلحة له لا يدفعه ولا يمتنع منه.

 

قال: "ولا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن".

أقول: هذا مذهب الشيخين وقاضي القضاة، وجوز بعض المشايخ إدخال الألم على المكلف إذا اشتمل على اللطف والاعتبار وإن لم يحصل في مقابلته عوض، لأن الألم كما يحسن لنفع يقابله فكذا يحسن لما يؤدي إليه الألم، ولهذا حسن منا تحمل مشاق السفر لربح يقابل السلعة ولا يقابل مشاق السفر، ولما كان مشاق السفر علة في حصول الربح المقابل للسلعة فكذا الألم الذي هو لطف لولاه لما حصل الثواب المقابل للطاعة فحسن فعله وإن خلى عن العوض لأدائه إلى النفع.

وحجة الأوائل أن الألم غير المستحق لولا اشتماله على النفع أو دفع الضرر كان قبيحا والطاعة المفعولة لأجل الألم ليست بنفع والثواب المستحق عليها يقابل

الطاعة دون الألم فيبقى الألم مجردا عن النفع وذلك قبيح.

 

قال: "ولا يحسن مع اشتمال اللذة على لطفيته".

أقول: هذا مذهب أبي الحسين البصري خلافا لأبي هاشم، وتقرير مذهب أبي هاشم أنا لو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل عليه الألم هل يحسن منه تعالى فعل الألم بالحي لأجل لطف الغير مع العوض الزائد الذي يختاره المتألم لو عرض عليه؟ قال أبو هاشم: نعم لأن الألم المشتمل على المنفعة الموفية في حكم المنفعة عند العقلاء، ولهذا لا يعد العقلاء مشاق السفر الموصلة إلى الأرباح مضارا، وإذا كان الألم في حكم المنفعة صار حصول اللطف في تقدير منفعتين فيتخير الحكيم في أيهما شاء. وأبو الحسين منع ذلك لأن الألم أنما يصير في حكم المنفعة إذا لم يكن طريق لتلك المنفعة إلا ذلك الألم، ولو أمكن الوصول إلى تلك المنفعة بدون ذلك الألم كان ذلك الألم ضررا وعبثا، ولهذا يعد العقلاء السفر ضررا مع حصول الربح بدونه.

 

قال: "ولا يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل".

أقول: لا يشترط في حسن الألم المفعول ابتداء من الله تعالى اختيار المتألم للعوض الزائد عليه بالفعل، لأن اعتبار الاختيار أنما يكون في النفع الذي يتفاوت فيه اختيار المتألمين، فأما النفع البالغ إلى حد لا يجوز اختلاف الاختيار فيه فإنه يحسن وإن لم يحصل الاختيار بالفعل وهذا هو العوض المستحق عليه تعالى.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي