موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

الله تعالى قادر

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 393 - 397

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: الثاني في صفاته. وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب.

أقول: لما فرغ من البحث عن الدلالة على وجود الصانع تعالى شرع في الاستدلال على صفاته تعالى وابتدأ بالقدرة، والدليل على أنه تعالى قادر أنا قد بينا أن العالم حادث، فالمؤثر فيه إن كان موجبا لزم حدوثه أو قدم ما فرضناه حادثا أعني العالم والتالي بقسميه باطل، بيان الملازمة أن المؤثر الموجب يستحيل تخلف أثره عنه، وذلك يستلزم إما قدم العالم وقد فرضناه حادثا أو حدوث المؤثر ويلزم التسلسل، فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار.

 

قال: "والواسطة غير معقولة".

أقول: لما فرغ من الاستدلال على مطلوبه شرع في أنواع من الاعتراضات للخصم مع وجه المخلص منها، وتقرير هذا السؤال أن يقال: دليلكم يدل على أن مؤثر العالم مختار وليس يدل على أن الواجب مختار بل جاز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته معلولا يؤثر في العالم على سبيل الاختيار، وتقرير الجواب أن هذه الواسطة غير معقولة لأنا قد بينا حدوث العالم بجملته وأجزائه، والمعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى، وثبوت واسطة بين ذات الله تعالى وبين ما سواه غير معقول.

قال: "ويمكن عروض الوجوب والامكان للأثر باعتبارين".

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن المؤثر إما أن يستجمع جميع جهات المؤثرية أو لا، فإن كان الأول كان وجود الأثر عنه واجبا وإلا لافتقر ترجيحه إلى مرجح زائد فلا تكون الجهات بأسرها موجودة هذا خلف، أو لزم الترجيح من غير مرجح وهو باطل بالضرورة، وإن لم يكن مستجمعا لجميع الجهات استحال صدور الأثر عنه، وحينئذ لا يمكن تحقق القادر لأنه على تقدير حصول جميع الجهات يمتنع الترك، وعلى تقدير انتفاء بعضها يمتنع الفعل فلا تتحقق المكنة من الطرفين.

وتقرير الجواب أن الأثر تعرض له نسبتا الوجوب والإمكان باعتبارين فلا يتحقق الموجب ولا يلزم الترجيح من غير مرجح، وبيانه أن فرض استجماع المؤثر جميع ما لا بد منه في المؤثرية هو بأن يكون المؤثر المختار مأخوذا مع قدرته التي يستوي طرفا الوجود والعدم بالنسبة إليها ومع داعيه الذي يرجح أحد طرفيه، وحينئذ يجب الفعل بعدهما نظرا إلى وجود الداعي والقدرة ولا تنافي بين هذا الوجوب وبين الإمكان نظرا إلى مجرد القدرة والاختيار، وهذا كما إذا فرضنا وقوع الفعل من المختار فإنه يصير واجبا من جهة فرض الوقوع ولا ينافي الاختيار، وبهذا التحقيق يندفع جميع المحاذير اللازمة لأكثر المتكلمين في قولهم القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجح.

 

قال: واجتماع القدرة على المستقبل مع العدم.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن نقول: الأثر إما حاصل في الحال فواجب فلا يكون مقدورا، أو معدوم فممتنع فلا قدرة.

وتقرير الجواب أن الأثر معدوم حال حصول القدرة ولا نقول: أن القدرة حال عدم الأثر تفعل الوجود في تلك الحال بل في المستقبل، فيمكن اجتماع القدرة على الوجود في المستقبل مع العدم في الحال. لا يقال: الوجود في الاستقبال غير ممكن في الحال لأنه مشروط بالاستقبال الممتنع في الحال، وإذا كان كذلك فلا قدرة عليه في الحال وعند حصول الاستقبال يعود الكلام، لأنا نقول: القدرة لا تتعلق بالوجود في الاستقبال في الحال بل في الاستقبال.

 

قال: وانتفاء الفعل ليس فعل الضد.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن القادر لا يتعلق فعله بالعدم فلا يتعلق فعله بالوجود. أما بيان المقدمة الأولى فلأن الفعل يستدعي الوجود والامتياز وهما ممتنعان في حق المعدوم، وأما الثانية فلأنكم قلتم القادر هو الذي يمكنه الفعل والترك وإذا انتفى إمكان الترك انتفى إمكان الفعل. وتقرير الجواب أن القادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل، وليس لا يفعل عبارة عن فعل الضد.

 

قال: وعمومية العلة تستلزم عمومية الصفة.

أقول: يريد بيان أنه تعالى قادر على كل مقدور وهو مذهب الأشاعرة، وخالف أكثر الناس في ذلك فإن الفلاسفة قالوا: إنه تعالى قادر على شئ واحد لأن الواحد لا يتعدد أثره، وقد تقدم بطلان مقالتهم.

والمجوس ذهبوا إلى أن الخير من الله تعالى والشر من الشيطان، لأن الله تعالى خير محض وفاعل الشر شرير.

والمانوية ذهبوا إلى أن الخير من النور والشر من الظلمة.

والنظام قال: إن الله تعالى لا يقدر على القبيح لأنه يدل على الجهل أو الحاجة.

وذهب البلخي إلى أن الله لا يقدر على مثل مقدور العبد لأنه إما طاعة أو سفه.

وذهب الجبائيان إلى أنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد وإلا لزم اجتماع الوجود والعدم على تقدير أن يريد الله إحداثه والعبد عدمه.

وهذه المقالات كلها باطلة، لأن المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور أنما هو الإمكان، إذ مع الوجوب والامتناع لا تعلق والإمكان ثابت في الجميع فثبت الحكم وهو صحة التعلق، وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله: عمومية العلة أي الإمكان تستلزم عمومية الصفة، أعني القدرة على كل مقدور.

والجواب عن شبهة المجوس أن المراد من الخير والشرير إن كان من فعلهما فلم لا يجوز إسنادهما إلى شئ واحد، وأيضا الخير والشر ليسا ذاتيين للشئ فجاز أن يكون الشئ خيرا بالقياس إلى شئ وشرا بالقياس إلى آخر، وحينئذ يصح إسنادهما إلى ذات واحدة.

وعن شبهة النظام أن الإحالة حصلت بالنظر إلى الداعي، فلا تنافي الإمكان الذاتي المقتضي لصحة تعلق القادر.

وعن شبهة البلخي أن الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي.

وعن شبهة الجبائيين أن العدم أنما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى إيجاده.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي