موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

 

فضائل علي عليه السلام التي توجب إمامته

من فضائل علي عليه السلام النفسانية

 

- إيمان أمير المؤمنين

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 234 - 235

وأما بعد ولادته، فأقسامها ثلاثة: نفسانية، وبدنية، وخارجية.

أما النفسانية فينظمها مطالب:

الأول: الإيمان. وبواسطة سيفه تمهدت قواعده، وتشيدت أركانه، وبواسطة تعليمه الناس حصل لهم الإيمان أصوله وفروعه. ولم يشرك بالله طرفة عين. ولم يسجد لصنم، بل هو كسر الأصنام لما صعد على كتف النبي صلى الله عليه وآله.

روى أحمد بن حنبل: أنه أول من أسلم، وأول من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله.

وفي مسنده: أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: أما ترضين: أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. وحديث الدار يدل عليه أيضا.

- علم أمير المؤمنين

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 235 - 241

الثاني: العلم، والناس كلهم عيال عليه في المعارف الحقيقية، والعلوم اليقينية، والأحكام الشرعية، والقضايا النقلية، لأنه كان في غاية الذكاء، والحرص على التعلم، وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أشفق الناس عليه، لا ينفك عنه ليلا ولا نهارا، فيكون بالضرورة أعلم من غيره.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه: "أقضاكم علي"، والقضاء يستلزم العلم والدين. وروى الترمذي في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". وذكر البغوي في الصحاح: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "أنا دار الحكمة وعلي بابها".

وفيه (أي في حقه)، عن أبي الحمراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب". وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: من أراد أن  ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

مصدر العلوم كلها علي (ع) وأيضا: جميع العلوم مستندة إليه.

أما (الكلام وأصول الفقه) فظاهر، وكلامه في النهج يدل على كمال معرفته في التوحيد والعدل، وجميع جزئيات علم الكلام والأصول.

وأما (الفقه): فالفقهاء كلهم يرجعون إليه. أما الإمامية فظاهر.. وأما الحنفية، فإن أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة، وهو تلميذ الصادق عليه السلام. وأما الشافعية، فأخذوا عن محمد بن إدريس الشافعي، وهو قرأ على محمد بن الحسن، تلميذ أبي حنيفة، وعلى مالك، فرجع فقهه إليهما. وأما أحمد بن حنبل، فقرأ على الشافعي، فرجع فقهه إليه. وأما مالك، فقرأ على اثنين: أحدهما: ربيعة الرأي، وهو تلميذ عكرمة، وهو تلميذ عبد الله بن عباس، وهو تلميذ علي عليه السلام، والثاني: مولانا جعفر بن محمد الصادق. وكان الخوارج تلامذة له.

وأما (النجوم): فهو واضعه.

وكذا (علم التفسير)، قال ابن عباس: حدثني أمير المؤمنين في باء بسم الله الرحمن الرحيم، من أول الليل إلى الفجر، لم يتم.

و (علم الفصاحة) إليه منسوب، حتى قيل في كلامه: إنه فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق، ومن كلامه تعلم الفصاحة، وقال ابن نباتة: (حفظت من كلامه ألف خطبة، ففاضت ثم فاضت). وأما المتكلمون، فأربعة: معتزلة، وأشاعرة، وشيعة، وخوارج. وانتساب الشيعة معلوم. والخوارج كذلك، فإن فضلاءهم رجعوا إليه. وأما المعتزلة، فإنهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء، وهو تلميذ أبي هاشم عبد الله، وهو تلميذ أبيه محمد بن الحنفية، وهو تلميذ أبيه علي. وأما الأشاعرة، فإنهم تلاميذ أبي الحسن علي الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وهو من مشايخ المعتزلة.

وأما (علم الطريقة)، فإن جميع الصوفية، وأرباب الإشارات والحقيقة، يسندون الخرقة إليه. و (أصحاب الفتوة)، يرجعون إليه، وهو الذي نزل جبرائيل ينادي عليه يوم بدر: "لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي". وقال النبي صلى  الله عليه وآله: "أنا الفتى، ابن الفتى، أخو الفتى": أما أنه الفتى، فلأنه سيد العرب، وأما أنه ابن الفتى فلأنه ابن إبراهيم الذي قال تعالى فيه: "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم"، وأما أنه أخو الفتى، فلأنه أخو علي، الذي قال جبرائيل فيه: لا فتى إلا علي.

رجوع الصحابة إلى علي (ع) وأيضا جميع الصحابة رجعوا إليه في الأحكام، واستفادوا منه، ولم يرجع هو إلى أحد منهم في شيء البتة. وقال عمر بن الخطاب، في عدة مواضع: "لولا علي لهلك عمر"، حيث رده عن خطأ كثير. وفي مسند أحمد بن حنبل: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقول: سلوني إلا علي بن أبي طالب. وفي صحيح مسلم: أن عليا قال على المنبر: "سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله عز وجل، فما من آية إلا وأعلم حيث نزلت، بحضيض جبل، أو سهل أرض، سلوني عن الفتن، فما فتنة إلا وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيها". وكان يقول: "سلوني عن طرق السماء، فإني أعرف بها من طرق الأرض". وقال علي (ع): علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم، في كل باب ألف باب.

وقضاياه العجيبة أكثر من أن تحصى. كقسمة الدراهم على صاحبي الأرغفة. وبسط الدية على القارضة، والقامصة، والواقصة. وإلحاق الولد بالقرعة، وصوبه النبي صلى الله عليه وآله. والأمر بشق الولد نصفين، حتى رجعت المتداعيتان إلى الحق. والأمر بضرب عنق العبد، حتى رجع إلى الحق. وحكمه في ذي الرأسين بإيقاظ أحدهما. واستخراج حكم الخنثى. وأحكام البغاة. قال الشافعي: عرفنا حكم البغاة من علي. وغير ذلك من الأحكام الغريبة، التي يستحيل أن يهتدي إليها من سئل (أي عمر) عن الكلالة والأب فلم يعرفهما، وحكم في الجد بمائة قضية كلها بعضها بعضا.

- إخبار أمير المؤمنين بالغيب

الثالث: الإخبار بالغيب.

وقد حصل منه في عدة مواطن: فمنها: أنه قال في خطبة: "سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألونني عن فئة تضل مائة، وتهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة، فقام إليه رجل فقال له: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟ فقال: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت، وإن على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، وإن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزك، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به، ولكن آية ذلك ما نبأت به من لعنك وسخلك الملعون". وكان ابنه في ذلك الوقت صغيرا، وهو الذي تولى قتل الحسين عليه السلام.

وأخبر بقتل (ذي الثدية) من الخوارج، وعدم عبور الخوارج النهر، بعد أن قيل له: قد عبروا. وعن قتل نفسه. وبقطع يدي جويرية بن مسهر، وصلبه، فوقع في أيام معاوية. وبصلب ميثم التمار، وطعنه بحربة عاشر عشرة، وأراه النخلة التي يصلب على جذعها، ففعل به ذلك عبيد الله بن زياد عليهما اللعنة. وبقطع يدي رشيد الهجري، ورجليه، وصلبه، ففعل ذلك به. وقتل قنبر، فقتله الحجاج. وبأفعال الحجاج التي صدرت عنه. وجاء رجل إليه، فقال: إن خالد بن عرفطة قد مات، فقال عليه السلام: إنه لم يمت، ولا يموت، حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن جمار، فقام رجل من تحت المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، إني لك شيعة ومحب؟ فقال: من أنت؟ فقال: أنا حبيب بن جمار، قال: وإياك أن تحملها، ولتحملنها، وتدخل بها من هذا الباب، وأومئ بيده إلى باب الفيل. فلما كان زمان الحسين عليه السلام، جعل ابن زياد خالد بن عرفطة على مقدمة عمر بن سعد، وحبيب بن جمار حتى دخل من باب الفيل. وقال للبراء بن عازب: يقتل ابني الحسين وأنت لا تنصره، فقتل الحسين (ع)، فلم ينصره. ولما اجتاز بكربلا في وقعة صفين بكى، وقال: "هذا والله مناخ ركابهم، وموضع قتلهم"، وأشار إلى ولده الحسين وأصحابه.

وأخبر بعمارة بغداد. وملك بني عباس، وأحوالهم. وأخذ المغول الملك منهم. وبواسطة هذا الخبر سلمت الحلة، والكوفة، والمشهدان من القتل في وقعة هلاكو، لأنه لما ورد بغداد كاتبه والدي، والسيد بن طاوس، والفقيه ابن أبي المعز، وسألوا الأمان قبل فتح بغداد، فطلبهم، فخافوا، فمضى والدي إليه خاصة، فقال: كيف أقدمت قبل الظفر؟ فقال له والدي: لأن أمير المؤمنين عليه السلام أخبر بك، وقال: "إنه يرد الترك على الأخير من بني العباس، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم، جهوري الصوت، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا نكسها، الويل الويل لمن ناوأه، فلا يزال كذلك حتى يظفر". والأخبار بذلك كثيرة:

- شجاعة أمير المؤمنين

الرابع: في الشجاعة.

وقد أجمع الناس كافة على أن عليا عليه السلام كان أشجع الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله، وتعجب الملائكة من حملاته. وفضل النبي صلى الله عليه وآله قتله لعمرو بن عبد ود على عباده الثقلين، ونادى جبرائيل: "لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي". وروى الجمهور أن المشركين كانوا إذا أبصروا عليا في الحرب عهد بعضهم بعضا.

- زهد أمير المؤمنين

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 244 - 245

الخامس: في الزهد.

لا خلاف في أنه أزهد أهل زمانه، طلق الدنيا ثلاثا، قال قبيصة بن جابر: "ما رأيت في الدنيا أزهد من علي بن أبي طالب، كان قوته الشعير غير المأدوم، ولم يشبع من البر ثلاثة أيام". قال عمر بن عبد العزيز: "ما علمنا أن أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله أزهد من علي بن أبي طالب". وروى أخطب خوارزم، عن عمار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "يا علي، إن الله تعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة هي أحب إليه منها، زهدك في الدنيا، وبغضها إليك، وحبب إليك الفقراء، فرضيت بهم أتباعا، ورضوا بك إماما، يا علي، طوبى لمن أحبك وصدق عليك، والويل لمن أبغضك، وكذب عليك. أما من أحبك وصدق عليك فإخوانك في دينك، وشركاؤك في جنتك، وأما من أبغضك وكذب عليك، فحقيق على الله: أن يقيمه يوم القيامة مقام الكاذبين".

- كرم أمير المؤمنين

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 245 - 246

السادس: كرمه

لا خلاف في أنه كان أسخى الناس، جاد بنفسه فأنزل الله في حقه: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله". وتصدق بجميع ماله في عدة مرات. وجاد بقوته ثلاثة أيام. وكان يعمل بيده حديقة ويتصدق بها.

- استجابة دعاء أمير المؤمنين

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 246 - 247

السابع: في استجابة دعائه.

كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد استسعد به، وطلب تأمينه على دعائه يوم المباهلة، ولم تحصل هذه المرتبة لأحد من الصحابة. ودعا على أنس بن مالك، لما استشهد به على قول النبي صلى الله عليه وآله: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، فاعتذر بالنسيان، فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه العمامة، فبرص.ودعا على البراء بالعمى، لأجل نقل أخباره إلى معاوية، فعمي.وردت عليه الشمس مرتين لما دعا به. ودعا في زيادة الماء لأهل الكوفة، حتى خافوا الغرق، فنقص حتى ظهرت الحيتان فكلمته، إلا الجري، والمار ما هي، والزمار، فتعجب الناس من ذلك.

- حسن خلق أمير المؤمنين وحلمه

وأما حسن الخلق: فبلغ فيه الغاية، حتى نسبه أعداؤه إلى الدعابة. وكذا الحلم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة (ع): "إني زوجتك من أقدم الناس سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما".