موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

مسائل في النبوة

الأنبياء معصومون

 

- الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر ومنزهون عن المعاصي قبل النبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان وعن كل رذيلة ومنقصة وما يدل على الخسة والضعة

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 142 - 158

عصمة الأنبياء

المبحث الثاني: أن الأنبياء معصومون.

ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر، ومنزهون عن المعاصي، قبل النبوة، وبعدها. على سبيل العمد، والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل على الخسة والضعة.

وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوزوا عليهم المعاصي. وبعضهم: جوزوا الكفر عليهم، قبل النبوة، وبعدها، وجوزوا عليهم السهو والغلط ونسبوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السهو في القرآن بما يوجب الكفر، فقالوا: إنه صلى يوما، وقرأ في سورة "النجم" عند قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى): (تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى). وهذا اعتراف منه صلى الله عليه وآله بأن تلك الأصنام ترتجى الشفاعة منها، نعوذ بالله من هذه المقالة، التي نسب النبي صلى الله عليه وآله إليها. وهي توجب الشرك، فما عذرهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد قتل جماعة كثيرة من أهله وأقاربه على عبادة الأصنام؟ "ولم تأخذه في الله لومة لائم"، وينسب إليه هذا القول الموجب للكفر والشرك، وهو مقام إرشاد العالم؟ وهل هذا إلا أبلغ أنواع الضلالة؟! وكيف يجامع هذا قوله تعالى: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"؟ وهل أبلغ من هذه الحجة، وهي أن يقول العبد: إنك أرسلت رسولا يدعو إلى الشرك والكفر، وتعظيم الأصنام وعبادتها؟ ولا ريب أن القائلين بهذه المقالة صدق عليهم قوله تعالى: "وما قدروا الله حق قدره". ورووا عنه صلى الله عليه وآله: أنه صلى الظهر ركعتين، فقال له ذو اليد: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال: أصدق ذو اليد؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم (الحديث).

ورووا في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وآله صلى بالناس صلاة العصر ركعتين، ودخل حجرته، ثم خرج لبعض حوائجه، فذكره بعض فأتمها!. وأي نسبة أنقص من هذا، وأبلغ في الدناءة؟ فإنها تدل على إعراض النبي عن عبادة ربه، وإهمالها، والاشتغال عنها بغيرها، والتكلم في الصلاة، وعدم تدارك السهو من نفسه لو كان، نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة.

ونسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله كثيرا من النقص: روى الحميدي في (الجمع بين الصحيحين): عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وآله، وكانت لي صواحب يلعبن معي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل تقبعن منه، فيشير إليهن فيلعبن معي.

وحديث الحميدي أيضا: "كنت ألعب بالبنات في بيته، وهن اللعب". مع أنهم رووا في صحاح الأحاديث: أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صور مجسمة، أو تماثيل، وتواتر النقل عنه، بإنكار عمل الصور والتماثيل، فكيف يجوز لهم نسبة هذا إلى النبي صلى الله عليه وآله، وإلى زوجته من عمل الصور في بيته، الذي أسس للعبادة، وهو محل هبوط الملائكة، والروح الأمين في كل وقت؟!. ولما رأى النبي صلى الله عليه وآله الصور في الكعبة لم يدخلها حتى محيت، مع أن الكعبة بيت الله تعالى، فإذا امتنع من دخوله، مع شرفه، وعلو مرتبته، فكيف يتخذ في بيته، وهو أدون من الكعبة صورا، ويجعله محلا له.

وروى الحميدي في (الجمع بين الصحيحين): قالت عائشة: "رأيت النبي يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر".

وروى الحميدي، عن عائشة قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله، وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر، فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل عليه رسول الله، وقال: دعها. فلما غفل، غمزتهما، فخرجنا".

وكيف يجوز للنبي صلى الله عليه وآله الصبر على، هذا مع أنه نص على تحريم اللعب واللهو، والقرآن مملوء به. وبالخصوص مع زوجته، وهلا دخلته الحمية والغيرة مع أنه صلى الله عليه وآله أغير الناس؟؟ وكيف أنكر أبو بكر وعمر، ومنعهما؟ فهل كانا أفضل منه؟ وقد رووا عنه صلى الله عليه وآله: (أنه لما قدم المدينة من سفر، خرجت إليه نساء المدينة يلعبن بالدف فرحا بقدومه، وهو يرقص بأكمامه).

وهل يصدر مثل هذا عن رئيس، أو من له أدنى وقار، نعوذ بالله من هذه السقطات. مع أنه لو نسب أحدهم إلى مثل هذا قابله بالسب والشتم، وتبرأ منه، فكيف يجوز نسبة النبي صلى الله عليه وآله إلى مثل هذه الأشياء التي يتبرأ منها.

وفي الصحيحين: أن ملك الموت، لما جاء لقبض روح موسى، لطمه موسى، ففقأ عينه. فكيف يجوز لعاقل: أن ينسب موسى عليه السلام مع عظمته، وشرف منزلته، وطلب قربه من الله تعالى، والفوز بمجاورة عالم القدس إلى هذه الكراهة؟ وكيف يجوز منه: أن يوقع بملك الموت ذلك، وهو مأمور من قبل الله تعالى؟! وفي الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في صفة الخلق يوم القيامة: وإنهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة، فيعتذر إليهم، فيأتون نوحا فيعتذر إليهم، فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله، وإني قد كذبت ثلاث كذبات، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري!.

وفي الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (لم يكذب إبراهيم النبي إلا ثلاث كذبات).

كيف يحل لهؤلاء نسبة الكذب إلى الأنبياء؟ وكيف الوثوق بشريعتهم، مع الاعتراف بتعمد كذبهم؟ وفي الجمع بين الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: "رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي"، ويرحم الله لوطا "لقد كان يأوي إلى ركن شديد"، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف، لأجبت الداعي!.

كيف يجوز لهؤلاء الاجتراء على النبي بالشك في العقيدة؟. وفي الصحيحين قال: (بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله بحرابهم دخل عمر، فأهوى إلى الحصباء، فحصبهم بها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: دعهم يا عمر). وروى الغزالي في إحياء علوم الدين: (أن النبي صلى الله عليه وآله كان جالسا، وعنده جوار يغنين ويلعبن، فجاء عمر، فاستأذن، فقال النبي للجواري: أسكتن، فسكتن، فدخل عمر، وقضى حاجته، ثم خرج، فقال لهن عدن، فعدن إلى الغناء. فقلن: يا رسول الله، من هذا الذي كلما دخل قلت اسكتن، وكلما خرج قلت: عدن إلى الغناء؟ قال هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل.

كيف يحل لهؤلاء القوم رواية مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله؟ أيرى عمر أشرف من النبي صلى الله عليه وآله؟ حيث لا يؤثر سماع الباطل والنبي يؤثره؟.

وفي الجمع بين الصحيحين: عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة، وعدلت الصفوف قياما، قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما قام في مصلاه، ذكر أنه جنب، فقال لنا: مكانكم. فلبثنا على هيئتنا قياما، فاغتسل، ثم خرج إلينا، ورأسه يقطر، فكبر، وصلينا.

فلينظر العاقل: هل يحسن منه وصف أدنى الناس بأنه يحضر الصلاة ويقوم في الصف وهو جنب؟ وهل هذا إلا من التقصير في عبادة ربه؟، وعدم المسارعة إليها؟، وقد قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم"، "فاستبقوا الخيرات"، فأي مكلف أجدر بقبول هذا الأمر من النبي صلى الله عليه وآله؟؟.

وفي الجمع بين الصحيحين، عن أبي هريرة، قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله إحدى صلاتي العشي، قال: وأكثر ظني العصر ركعتين، ثم سلم، ثم قال إلى خشبة في مقام المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر. فهاباه أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وآله ذو اليدين، فقال: لم أنس ولم أقصر، قال: بل قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم.

فلينظر العاقل: هل يجوز نسبة هذا الفعل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وكيف يجوز منه أن يقول: ما نسيت؟ فإن هذا سهو في سهو، ومن يعلم أن أبا بكر وعمر حفظا ما نسي رسول الله صلى الله عليه وآله، مع أنهما لم يذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله؟.

وفي الصحيحين، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أنه دعا زيد بن عمرو بن نفيل، وذلك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل ما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه.

فلينظر العاقل: هل يجوز له أن ينسب نبيه إلى عبادة الأصنام، والذبح على الأنصاب، ويأكل منه؟ وإن زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه، وأتم حفظا ورعاية لجانب الله تعالى؟ نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة.

وفي الصحيحين، عن حذيفة بن اليمان، قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وآله، فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما، فتنحيت، فقال: ادنه، فدنوت حتى قمت عند عقبيه، فتوضأ، فمسح على خفيه).

فكيف يجوز: أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله البول قائما؟ مع أن أرذل الناس لو نسب هذا إليه تبرأ منه؟!. ثم المسح على الخفين، والله تعالى يقول: "وأرجلكم".