موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

مسائل في الإلهيات

في كلامه تعالى

 

- في حقيقة أن الله متكلم

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 59 - 60

حقيقة الكلام. البحث الرابع: في أنه تعالى متكلم، وفيه مطالب:

المطلب الأول: في حقيقة الكلام. الكلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة. وأثبت الأشاعرة كلاما آخر نفسانيا، مغايرا لهذه الحروف والأصوات دالة عليه. وهذا غير معقول، فإن كل عاقل إنما يفهم من الكلام ما قلناه، فأما ما ذهبوا إليه فإنه غير معقول لهم ولغيرهم البتة. فكيف يجوز إثباته لله تعالى؟. وهل هذا إلا جهل عظيم؟. لأن الضرورة قاضية بسبق التصور على التصديق. وإذ قد تمهدت هذه المقدمة فنقول: لا شك في أنه تعالى متكلم، على معنى أنه أوجد حروفا وأصواتا مسموعة، قائمة بالأجسام الجمادية، كما كلم الله تعالى موسى من الشجرة، فأوجد فيها الحروف والأصوات.. والأشعرية خالفوا عقولهم، وعقول كافة البشر، وأثبتوا له تعالى كلاما لا يفهمونه هم ولا غيرهم. وإثبات مثل هذا الشئ والمكابرة عليه، مع أنه غير متصور البتة، فضلا عن أن يكون مدلولا عليه، معلوم البطلان. ومع ذلك فإنه صادر منا أو فينا عندهم، ولا نعقله نحن، ولا من ادعى ثبوته.

- كلامه تعالى متعدد

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 60 - 61

المطلب الثاني: في أن كلامه تعالى متعدد.

المعقول من الكلام على ما تقدم: أنه الحروف والأصوات المسموعة، وهذه الحروف المسموعة إنما تلتئم كلاما مفهوما، إذا كان الانتظام أحد الوجوه التي يحصل بها الأفهام. وذلك بأن يكون خبرا، أو أمرا، أو نهيا، أو استفهاما، أو تنبيها. وهو الشامل للتمني، والترجي، والتعجب، والقسم، والنداء، ولا وجود له إلا في هذه الجزئيات. والذين أثبتوا قدم الكلام اختلفوا، فذهب بعضهم: إلى أن كلامه  تعالى واحد مغاير لهذه المعاني، وذهب آخرون: إلى تعدده. والذين أثبتوا وحدته، خالفوا جميع العقلاء في إثبات شئ لا يتصورونه، هم ولا خصومهم، ومن أثبت لله تعالى وصفا لا يعقله ولا يتصوره هو ولا غيره كيف يجوز أن يجعل إماما يقتدى به، ويناط به الأحكام؟!

- حدوث الكلام

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 61 - 63

حدوث الكلام المطلب الثالث: في حدوثه.

العقل والسمع متطابقان على أن كلامه تعالى محدث ليس بأزلي، لأنه مركب من الحروف والأصوات، ويمتنع اجتماع حرفين في السماع دفعة واحدة، فلا بد أن يكون أحدهما سابقا على الآخر، والمسبوق حادث بالضرورة، والسابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضرورة، وقد قال الله تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث".

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك، فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه، وأنه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين. وإثبات ذلك في غاية السفه والنقص في حقه تعالى، فإن الواحد منا لو جلس في بيت وحده منفردا، وقال: يا سالم قم، ويا غانم اضرب، ويا سعيد كل، ولا أحد عنده من هؤلاء، عده كل عاقل سفيها، جاهلا، عادما للتحصيل. فكيف يجوز منهم نسبة هذا العقل الدال على السفه، والجهل، والحماقة إليه تعالى؟.

وكيف يصح منه تعالى أن يقول في الأزل: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم" ولا مخاطب هناك، ولا ناس عنده؟. ويقول: "يا أيها الذين آمنوا" و "أقيموا الصلاة". و "لا تأكلوا أموالكم" "ولا تقتلوا أولادكم" "وأوفوا بالعقود".

وأيضا لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه تعالى، لأنه إن لم يفد بكلامه في الأزل شيئا كان سفيها، وهو قبيح عليه تعالى، وإن أفاد، فإما لنفسه، أو لغيره، والأول باطل، لأن المخاطب إنما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه، أو يكرره ليحفظه، أو يتعبد به كما يعبد الله بقراءة القرآن. وهذه في حقه تعالى محال لتنزهه عنها. والثاني باطل، لأن إفادة الغير إنما تصح لو خاطب غيره ليفهمه مراده، أو يأمره بفعل، أو ينهاه عن فعل. ولما لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه... كان كلامه سفها وعبثا. وأيضا يلزمه الكذب في إخباره تعالى، لأنه لو قال في الأزل: " إنا أرسلنا نوحا "، " إنا أوحينا إلى إبراهيم "، و " لقد أهلكنا القرون " و " ضربنا لكم الأمثال "، مع أن هذه إخبارات عن الماضي، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب تعالى الله عنه. وأيضا قال الله تعالى: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له: كن فيكون " فهو إخبار عن المستقبل، فيكون حادثا.

- استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة

- كلامه تعالى صدق

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 63

المطلب الرابع: في استلزام الأمر، والنهي: الإرادة، والكراهة:

كل عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فإنه يأمر به، فإذا كره الفعل، فإنه ينهى عنه، وإن الأمر والنهي دليلان على الإرادة والكراهة.

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك، وقالوا: إن الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده، بل بما يكرهه، وإنما ينهى عن ما لا يكرهه، بل عما يريده. وكل عاقل ينسب من يفعل هذا إلى السفه والجهل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

- كلامه تعالى صدق

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 63-65

كلامه تعالى صدق المطلب الخامس: في أن كلامه تعالى صدق: اعلم أن الحكم يكون كلام الله تعالى صادقا، لا يجوز عليه الكذب، إنما يتم على قواعد العدلية، الذين أحالوا صدور القبيح عنه تعالى، من حيث الحكمة، ولا يتمشى على مذهب الأشعرية، لوجهين: الأول: أنهم أسندوا جميع القبائح إليه تعالى، وقالوا: لا مؤثر في الوجود من القبائح بأسرها وغيرها إلا الله تعالى.

ومن يفعل أنواع الشرك، والظلم، والجور، والعدوان، وأنواع المعاصي، والقبائح المنسوبة إلى البشر، كيف يمتنع أن يكذب في كلامه؟. وكيف يقدر الباحث على إثبات كونه صادقا؟. الثاني: أن الكلام النفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات، ولا طريق لهم إلى إثبات كونه تعالى صادقا في الحروف والأصوات! صفاته عين ذاته المطلب السادس: في أنه تعالى لا يشاركه شيء في القدم.. العقل والسمع متطابقان على أنه تعالى مخصوص بالقدم، وأنه ليس في الأزل سواه، لأن كل ما عداه سبحانه وتعالى ممكن، وكل ممكن حادث، وقال تعالى: "هو الأول والآخر".

وأثبتت الأشاعرة معه معاني قديمة ثمانية، هي علل الصفات، كالقدرة، والعلم، والحياة، إلى غير ذلك ولزمهم من ذلك محالات: منها: إثبات قديم غير الله تعالى، قال فخر الدين الرازي: "النصارى كفروا بأنهم أثبتوا ثلاثة قدماء، وأصحابنا أثبتوا تسعة"!.

ومنها: أنه يلزمهم افتقار الله تعالى في كونه عالما إلى إثبات معنى هو العلم، ولولاه لم يكن عالما، وافتقاره في كونه تعالى قادرا إلى القدرة، ولولاها لم يكن قادرا، وكذا باقي الصفات، والله تعالى منزه عن الحاجة، والافتقار، لأن كل مفتقر إلى الغير فهو ممكن. ومنها: أنه يلزم إثبات ما لا نهاية له من المعاني القائمة بذاته تعالى، وهو محال، بيان الملازمة: إن العلم بالشئ مغاير للعلم بما عداه، فإن من شرط العلم المطابقة، ومحال أن يطابق الشيء الواحد أمورا متغايرة متخالفة في الذات والحقيقة، لكن المعلومات غير متناهية، فيكون له علوم غير متناهية، لا مرة واحدة بل مرارا غير متناهية، باعتبار كل علم يفرض في كل مرتبة من المراتب الغير المتناهية، لأن العلم بالشئ مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء. ثم العلم بالعلم بالشئ مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء، وهكذا إلى ما لا يتناهى، وفي كل واحدة من هذه المراتب علوم غير متناهية، وهذه السفسطة لعدم تعقله بالمرة. ومنها: أنه لو كان الله تعالى موصوفا بهذه الصفات، وكانت قائمة بذاته، كانت حقيقة الإلهية مركبة، وكل مركب محتاج إلى جزئه، وجزء غيره، فيكون الله تعالى محتاجا إلى غيره، فيكون ممكنا.. وإلى هذا أشار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: حيث قال: " أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه، فقد جهله "!. ومنها: أنهم ارتكبوا هاهنا ما هو معلوم البطلان، وهو أنهم قالوا: إن هذه المعاني لا هي نفس الذات، ولا مغايرة لها، وهذا غير معقول لأن الشيء إذا نسب إلى آخر فإما أن يكون هو هو، أو غيره. ولا يعقل سلبهما معا.