عقائد الشيعة الإمامية >> القاضي الكراجكي

 

 

العلامة أبو الفتح الكراحكي

 

 

 

 

 

الاستدلال على صحة النبوة

 

 

كنزالفوائد- أبو الفتح الكراجكي  ص 88 :

فصل من الاستدلال على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه واله

اعلم ايدك الله ان المتمحلين من الكفار في ابطال نبوة نبينا عليه وعلى آله السلام قد اداهم الحرص في الانكار الى وجوب الاذعان والاقرار وساقهم الخبر والقضاء الى لزوم التسليم والرضا فلا خلاص لهم من ثبوت الحجة عليهم وهم راغمون ولا محيص لهم من وجوب تصديقه وهم صاغرون وذاك انهم لم يجدوا طريقا يسلكونها في انكار حقه من النبوة والدفع لما اتى به من الرسالة إلا بان اقروا له ببلوغه من كل درجة في الفضل منيفة ومرتبة في الكمال والعقل شريفة ما قد قصر عنه جميع خلق الله وبدون ذلك تجب له الرياسة والتقدم على الكافة ولا يجوز ان يتوجه إليه الظنة والتهمة لمنافاتها لما اقروا به في موجب العقل والحكم وبيان ذلك انهم إذا سمعوا القرآن الوارد على يده الذي قد جعله علما على صدقه وراوا قصور العرب عن معارضته وعجزهم عن الاتيان بمثله قالوا انه كان قد فاق جميع البلغاء في البلاغة وزاد على سائر الفصحاء في الفصاحة قصر مساواته في ذلك الناس كافة ففضلوه بهذا على الخلق اجمعين وقدموه على العالمين فإذا تأملوا ما في القرآن من اخبار الماضين والذاكرين واعاجيب السالفين وذكر شرائع الانبياء المتقدمين قالوا قد كان اعرف عباد الله باخبار الناس واعلمهم بجميع ما حدث وكان في سالف الازمان قد احاط بنبا الغابرين وحفظ جميع علوم الماضين ففضلوه بهذه الرتبة على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا راوا ما تضمنه القرآن من عجيب الفقه والدين وبديع عبادات المكلفين وترتيب الفرائض وانتظامها وحدود الشريعة واحكامها قالوا قد كان احكم أهل زمانه وافضلهم وابصرهم بانواع الحكم واعلمهم ولم يكن خلق في ذلك يساويه ولا بشر يدانيه ففضلوه بذلك ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا علموا ما في القرآن من الاخبار بالغائبات وتقديم الاعلام بمستقبل الكائنات وسمعوا ما تواترت به الاخبار من انبائه لكثير من الناس بما في نفوسهم واظهاره في الاوقات لمغيب مستورهم قالوا قد كان اعرف الناس باحكام النجوم وابصرهم بما تدل عليه في مستانف الامور وان لم يظهر معرفته بها لامته ونهاهم عن الاطلاع فيها لينتظم له حال نبوته وانه كان معولا عليها مستندا في اموره إليها له قولا يخرم واخباره بالشيء لا يختلف يعلم الحوادث والضمائر ويطلع على الخبايا والسرائر ولا يخفى عنه اوقات المساعد والمناجين ولم يكن أحد يعثره في ذلك ففضلوه بهذا ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا قيل لهم فما تقولون في المأثور من معجزاته والمنقول من جرائحه وآياته الخارقة للعادة التي اقام بها الحجة قال المسلمون منهم لذلك المتعاطون لاخراج معناه كان اعرف الناس بخواص الموجودات واسرار طبائع الحيوان والحوادث فيظهر من ذلك للناس ما يتحير له من رآه لقصوره عن ادراك سببه ومعناه ففضلوه بهذا ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين وقد سمعنا في بعض الاحاديث ان أحد السحرة قال لموسى عليه السلام ان هذه العصا من طبعها ان تسعى إذا القيت وتتشكل حيوانا إذا رميت وخاصية لها بسبب فيها فقال له موسى على نبينا وآله وعليه السلام فخذها انت وارمها قالوا فاخذها الساحر ورماها فما تغيرت عن حالها فاخذها موسى ورماها فصارت حية تسعى فقال الساحر ليس السر في العصا وإنما السر فيمن القاها آمنت باله موسى افترى لو اخذ أحد المشركين الحصا الذي سبح في كف رسول الله صلى الله عليه واله فتركه في يده كان يسبح ايضا فيها ام ترى احدهم لو اشار بيده الى الشجرة التي اشار إليها رسول الله صلى الله عليه واله فاتت لكانت تأتيه ايضا إذا اوما إليها وان هذه الاشياء تفعل بالطبع كما يفعل حجر المغناطيس في الحديد الجذب كلا والحمد لله ما يتصور هذا عاقل فإذ نظر واحسن تمام النظر أمر رسول الله صلى الله عليه واله وانتظام مراده الذي قصده وانه نشا بين قوم يتجاذبون العز والمنعة ويتنافسون في التقدمة و الرفعة ويانفون من العار والشنعة ولا يعطون لاحد امره ولا طاعة فلم يزل بهم حتى قادهم الى امره وساقهم الى طاعته واستعبدهم بما لم يكونوا عرفوه وامرهم بهجران ما الفوه الى ان صاروا يبذلون انفسهم دون نفسه ويسلمون لقوله وياتمون لامره من غير ان كان له ملك خافوه ولا مال املوه تفتح له البلاد واذعن له ملوك العباد ونفذ امره في الانفس والاموال والحلائل والاولاد قالوا إنما تم له ذلك لانه فاق العالمين بكمال عقله وحسن تدبيره ورايه ولم يكن ذلك في أحد غيره ففضلوه بهذا ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا سمعوا المشتهر من عدله ونصفته وحسن سيرته في امته ورعيته وانه كان لا يكلف احدا شيئا في ماله وإذا حصلت المغانم فرقها في امته وقنع من عيشه بدون كفايته هذا مع سخاوته وكرمه وايثاره على نفسه ووفائه بوعده وصدق لهجته واشتهاره منذ كان بامانته وشريف طريقته وحسن عفوه و مسامحته وجميل صبره وحلمه قالوا كان ازهد الناس واعلاهم قدرا في العدل والانصاف ولا طريق الى انكار احاطته بالفضائل الكرام والمناقب العظام ففضلوه في جميع هذه الامور على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا قيل لهم فهذه العلوم العظيمة متى ادركها وفي أي زمان جمعها وتلقطها وأي قلب يعيها ويحفظها وهل راى قط بشر يحيط بجميع الفضائل ويتقدم العالمين كافة في سائر المناقب ويكون اوحد الخلق في كمال العقل والتمييز وثاقب الراي والتدبير مع نزاهه النفس وصفائها وجلالتها وشرفها وزهدها وفضلها وجودها وبذلها قالوا كانت له سعادات فلكية وعطايا نجومية فاق بها على جميع البرية قيل لهم فمن يكون بهذا الوصف العظيم والمحل الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته وبمن يقتدي افضل منه ومتى يكون مصيبا في الانصراف عنه بل كيف لا يرضى بعقل اعقل وياخذ العلم من اعلم الناس ويقتبس الحكمة من احكم الناس وما الفرق بينكم في قولكم ان هذه العطايا التي حصلت له إنما كانت فلكية ونجومية وبيننا إذا قلنا الهية ربانية وبعد فكيف يستجيز من يكون بهذا العقل الكامل والفضل الشامل والورع الظاهر والزهد الباهر والشرف العريق واللسان الصدوق ان يكذب على خالق السموات والارضين فيقول للناس انا رسول رب العالمين ويدعى هذا المقام الجليل ويكون الامر بخلاف ما يقول وكيف تلائم صفاته التي سلمتموها لهذه الحال التي ادعيتموها فدعوا المناقضة والمكابرة واثبتوا على ما اقررتم به في المناظرة فكلامكم لازم لكم وقولكم حجة لكم عليكم قد اقررتم بالحق وانتم راغمون والتجاتم الى ما هربتم منه وانتم صاغرون واعلموا ان من باين المسعود كان منحوسا ومن خالف العاقل العالم كان جاهلا غبيا ومن كذب الصادق كان هو في الحقيقة كاذبا والحمد لله مقيم الحجة على من انكرها وموضح الحجة لمن آثرها.