عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

 ابن عمر يحيي أحداث أبيه

 

هاهنا يوقفنا السبر عن أخبار ابن عمر على مواقف اتباعه أحداث والده واتخاذه آرائه الشاذة عن الكتاب والسنة دينا بعد تبين الرشد من الغي ، ما بالهم إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ؟ ! .

 (منها) : ذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 4: 265 عن ابن عمر لما سئل عن المتعة ، قال: حرام .

 فقيل: إن ابن عباس لا يرى بها بأسا .

 فقال: والله لقد علم ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وما كنا مسافحين .

 وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 7: 206 عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن متعة النساء فقال: حرام ، أما إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة .

 إن الرجل متقول على الله وعلى رسوله بحكمه البات بحرمة المتعة ، والسائل إنما سأله عن دين الله لا عما أحدثه أبوه ، وهو في قوله هذا مكذب لأبيه حيث يقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الاستيعاب 1: 123 .

 

/ صفحة 64 /

متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما .

 ويقول: ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة الحج .

 ومتعة النساء .

 وحي على خير العمل .

 ولم يستثن من ذلك العهد شيئا ونسب التحريم إلى نفسه ، وقد عد من أوليات عمر .

 ومكذب أيضا ابن عباس وقاذف إياه بأنه كان يعلم حكم الله ويحكم بخلافه ، ويحلف بالله في قوله الفاحش ، وحاشى حبر الأمة عن هذه الطامة الكبرى .

 ومكذب فحول الصحابة نظراء جابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، وعمران ابن حصين ، القائلين بإباحة المتعة في السنة الشريفة ، وإنهم تمتعوا على عهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر ، وإن عمر هو الذي نهى عنها .

 ومكذب سيد العترة أمير المؤمنين عليه السلام في عزوه النهي عن المتعة إلى عمر ، وقوله: لولا نهيه عنها ما زنى إلا شقي .

 على أن النهي عن المتعة بخيبر يكذبه به إطباق الحفاظ وشراح البخاري على عدم وجود النهي عنها يومئذ ، وقد سبق القول عن السهيلي وأبي عمرو الزرقاني في الجزء السادس ص 226 ط 2 بأنه وهم وغلط لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر .

 مر الكلام حول هذا البحث ضافيا في الجزء السادس ص 198 - 240 ط 2 .

 (ومنها) : نهيه عن البكاء على الأموات احتذاء منه سيرة أبيه خلاف ما جاء في السنة الشريفة من فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله وتقريره ، وكان ذلك بعد قيام الحجة عليهما كما مر في الجزء السادس ، وكان الرجل يقول: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر فقال: إن هذا ليعذب الآن ببكاء أهله عليه فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهم ، إن الله تعالى يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى .

 إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا ليعذب الآن وأهله يبكون عليه (1) فصلنا القول في المسألة في الجزء السادس 159 - 167 ط 2 وفي هذا الجزء ص 43 ، 44 .

 (ومنها) : استنكافه من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذا برأي أبيه ، السابق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مسند أحمد 2: 31 ، 38 .

 

/ صفحة 65 /

ذكره في ج 6 ص 294 ط 2 ، قال الشعبي: قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا (1) .

 (ومنها) : قوله في طواف الوداع على الحائض التي أفاضت حذو رأي أبيه خلاف السنة النبوية الشريفة ، وكان على ذلك ردحا من الزمن ، ثم لما لم ير من وافقه في الرأي لم يجد بدا من البخوع للحق فأخبت إليه كما أسلفناه في ج 6: 111 ط 2 .

 (ومنها) : حضه الناس على ما أحدثه أبوه من المنع عن السؤال عما لم يقع (2) وقوله: يا أيها الناس لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن (3) .

 ألا تعجب من سوء حظ أمة محمد صلى الله عليه وآله أن تدعم الأحدوثة فيها بالمسبة ، وتنهى عن المعروف بالفسوق ؟ .

 (ومنها) : قوله في المتطيب عند الاحرام اقتداء بأحدوثة أبيه خلاف السنة الثابتة ، أخرج البخاري ومسلم من طريق إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يقول: لإن أصبح مطليا بقطران أحب إلي من أن أصبح محرما أنضخ (4) طيبا قال: فدخلت على عائشة فأخبرتها بقوله فقالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما .

 وفي لفظ البخاري: ذكرته لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ، كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا .

 وفي لفظ النسائي: سألت ابن عمر عن الطيب عند الاحرام فقال: لإن أطلي بالقطران أحب إلي من ذلك .

 فذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف في نسائه ثم يصبح ينضخ طيباً (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سنن الدارمي 1: 84 ، سنن ابن ماجة 1: 15 ، مسند أحمد 2: 157 ، ولفظه: جالست ابن عمر سنتين ما سمعته روى شيئا عن رسول الله .

 (2) مر البحث عنه في ج 6: 293 ط 2 .

 (3) كتاب العلم لأبي عمر 2: 143 ، مختصر كتاب العلم ص 190 .

 (4) النضخ بالخاء المعجمة كاللطخ فيما يبقى له أثر يقال: نضخ ثوبه بالطيب . والنضح بالمهملة فيما كان رقيقا مثل الماء .

 (5) صحيح البخاري 1: 102 ، 103 ، صحيح مسلم 4: 12 ، 13 ، سنن النسائي 5: 141 .

 

/ صفحة 66 /

(ومنها) : ما أخرجه الشيخان (1) من طريق مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى في - المسجد فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة .

 فقال له عروة: يا أبا عبد الرحمن ! كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أربع عمر إحداهن في رجب ، فكرهنا أن نكذبه ونرد عليه ، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة فقال عروة: ألا تسمعين يا أم المؤمنين ! إلى ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ فقالت: وما يقول ؟ قال: يقول: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب .

 فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه ، وما اعتمر في رجب قط .

 الظاهر من الرواية أن ابن عمر تعمد باختلاق عمرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رجب وإن كره مجاهد ، وعروة أن يكذباه ، وإنما فعل ذلك روما لتدعيم ما تأول به رأي أبيه الشاذ في متعة الحج مما رواه أحمد في مسنده 2: 95 من قوله: إن عمر لم يقل لكم إن العمرة في أشهر الحج حرام ولكنه قال: إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج .

 فأراد ابن عمر بعزو عمرة رجب المختلقة إلى رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم تأييدا لتأويله الذي يضاد صريح قول أبيه: إني أحرمها وأعاقب عليها . وقد فصلنا القول فيها في ج 6 .

 ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما اعتمر في رجب قط كما جاء في حديث أنس أيضا: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلها في ذي العقدة (2) وأخرج ابن ماجة في سننه 2: 233 من طريق ابن عباس قال: لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة إلا في ذي العقدة .

 وكان ابن عمر يحسب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر مرتين فأنكرت عليه عائشة أيضا ، ولعله كان قبل إنكارها السابق عليه ، أخرج أبو داود وأحمد (3) من طريق مجاهد قال: سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: مرتين .

 فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 3: 144 ، صحيح مسلم 4: 61 ، مسند أحمد 2: 73 ، 129 ، 155 ، وفي تيسير الوصول 1 ص 336: أخرجه الخمسة إلا النسائي .

 (2) صحيح البخاري 3: 145 ، صحيح مسلم 4: 60 ، سنن أبي داود 1: 312 ، الاجابة للزركشي ص 115 .

 (3) راجع سنن أبي داود 1: 312 ، مسند أحمد 2: 70 ، 139 ، فتح الباري 3 ، 473 .

 

/ صفحة 67 /

ولعل الباحث يقرب من عرفان حقيقة ابن عمر إن أمعن النظر فيما أخرجه ابن عساكر من طريق إمام الحنابلة أحمد عن ابن ابزي: إن عبد الله بن الزبير قال لعثمان يوم حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك ، فهل لك أن تتحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك ؟ قال: لا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله عليه نصف أوزار الناس ، ولا أراك إلا إياه أو عبد الله بن عمر (تاريخ ابن عساكر 7: 414) .

 وأخرج أحمد في مسنده 2: 136: أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير إياك والالحاد في حرم الله تبارك وتعالى فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت . قال: فانظر لا تكونه .

 الفريق الثاني .

 أما الفريق الثاني من أخبار ابن عمر فحدث عنه ولا حرج ، تراه لا يدعه عداءه المحتدم ونفسيته الواجدة على أمير المؤمنين ، أو حبه المعمى والمصم للبيت العبشمي أن يجري على لسانه اسم علي وذكر أيام خلافته فضلا عن أن يبايعه ، مر حول حديث ذكرناه في هذا الجزء صفحة 24 قول ابن حجر: لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه . إلى آخر كلامه .

 وسبق في ص 36 من طريق الحافظ ابن عساكر ذكر ابن عمر الخلافة الإسلامية و عده خلفائها الاثني عشر من قريش: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح و منصور وجابر والأمين وسلام والمهدي وأمير العصب وقوله فيهم: إن كلهم صالح لا يوجد مثله .

 أي نفسية ذميمة أو عقلية ساقطة دعت الرجل إلى هذه العصبية عصبية الجاهلية الأولى ، هب أن خلافة أمير المؤمنين كانت غير مشروعة - العياذ بالله - ولكن هل كانت من السقوط على حد هو أسوء حالا من أيام يزيد الطاغية الباغية وملكه العضوض الذي استساغ الرجل أن يلهج به دون عهد أمير المؤمنين وخلافته ؟ وهلا تسوغ تسمية أيام الفراعنة والجبابرة لدى سرد تاريخ قصة أو قضية ؟ وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله عند

/ صفحة 68 /

القوم أن الخلافة بعده صلى الله عليه وآله ثلثون عاما ، ثم ملك عضوض ، ثم كائن عتوا وجبرية و فسادا في الأمة ، يستحلون الفروج والخمور (1) وهل كان على لسان الرجل عقال عي به عن سرد فضائل أمير المؤمنين وتبكمت عليه مما ملأ بين الخافقين ، وقد نزلت فيه عليه السلام ثلاثمائة آية ، وجاءت في الثناء عليه آلاف من الحديث لم ترو منها عن ابن عمر إلا نزر يعد بالأنامل ، وذلك بصورة مصغرة مشوهة ، يضم آرائه السخيفة إليها مثل ما أخرجه أحمد في مسنده 2: 26 عن ابن عمر قال: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وآله: رسول الله خير الناس .

 ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لإن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله ابنته وولدت له . وسدت الأبواب إلا بابه في المسجد . وأعطاه الراية يوم خيبر .

 وفي حديث: قيل لابن عمر: ما قولك في علي وعثمان رضي الله عنها ؟ فقال ابن عمر: أما عثمان فقد عفي الله عنه فكرهتم أن تعفو ، وأما علي فابن عم رسول الله وختنه (2) .

وتراه يوازن أبا بكر وعمر وعثمان مع رسول الله ويزنهم بميزان قسطه الذي فيه ألف عين ثم يرفعه ولم تلحق الزنة عليا ، أخرج أحمد في المسند 2: 76 من طريق ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين ، فأما المقاليد فهذه المفاتيح ، وأما الموازين فهي التي تزنون بها فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة ، فوزنت بهم فرجحت ، ثم جئ بأبي بكر فوزن بهم فوزن ، ثم جئ بعمر فوزن ، ثم جئ بعثمان فوزن بهم . ثم رفعت .

 يؤيد ابن عمر بهذه الأسطورة رأيه في المفاضلة بين الصحابة ، وإنه لا تفاضل بينهم بعد أبي بكر وعمر وعثمان ، وإذا ذهبوا استوى الناس .

 نعم: ثقيل على ابن عمر أن يذكر عليا بخير ، ويبوح بشئ من فضائله الجمة ، وهو يأتي في غيره بما لا يقبله قط ذو مسكة ، ولا يساعده فيه العقل والمنطق مثل قوله: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال ، فنزل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع الخصايص الكبرى 2: 119 ، فيض القدير 3: 509 .

 (2) أخرجه البخاري .

 

/ صفحة 69 /

عليه جبريل فقال: ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال ؟ إلى آخر ما مر في ج 5 ص 274 ط 1 ، و 321 ط 2 .

 وقوله مرفوعا: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح .

 لسان الميزان 3: 310 .

 وقوله مرفوعا: أتيت في المنام بعس مملوء لبنا فشربت منه حتى امتلأت فرأيته يجري في عروقي ، فضلت فضلة فأخذها عمر بن الخطاب فشربها .

 إلى آخر ما أسلفناه في ج 5: 279 ط 1 ، و 326 ط 2 .

 وقوله مرفوعا: أحشر يوم القيامة بين أبي بكر وعمر ، حتى أقف بين الحرمين فيأتيني أهل مكة والمدينة .

 وقوله مرفوعا: هبط جبريل فقال: إن رب العرش يقول لك: لما أخذت ميثاق النبيين أخذت ميثاقك وجعلتك سيدهم وجعلت وزيرك أبا بكر وعمر .

 وقوله مرفوعا: لما أسري بي إلى السماء فصرت إلى السماء الرابعة سقطت في حجري تفاحة فأخذتها بيدي فانفلقت فخرج منها حوراء تقهقه فقلت لها: تكلمي لمن أنت ؟ قالت: للمقتول شهيدا عثمان بن عفان .

 وقوله مرفوعا: أما إن معاوية يبعث يوم القيامة عليه رداء من نور الإيمان .

 وقوله مرفوعا: إنه أوحي إلي أن أشاور ابن أبي سفيان في بعض أمري .

 وقوله: لما نزلت آية الكرسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية: اكتبها فقال لي: ما لي بكتبها إن كتبتها ؟ قال: لا يقرؤها أحد إلا كتب لك أجرها .

 وقوله مرفوعا: الآن يطلع عليكم رجل من أهل الجنة .

 فطلع معاوية ، فقال: أنت يا معاوية ! مني وأنا منك ، لتزاحمني على باب الجنة كهاتين .

 وأشار بإصبعيه .

 وقوله مرفوعا: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة .

 فطلع معاوية ، ثم قال من الغد مثل ذلك ، فطلع معاوية ، ثم قال من الغد مثل ذلك ، فطلع معاوية .

 وقوله: إن جعفر بن أبي طالب أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرجلا فأعطى معاوية ثلاث سفرجلات وقال: تلقاني بهن في الجنة .

 

/ صفحة 70 /

إلى روايات أخرى أسلفناها في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات ، ونحن وإن ماشينا القوم هنالك وأخذنا بتلكم الطامات أناسا آخرين من رجال أسانيدها ، غير أن ما صح عن ابن عمر من أخباره كحديث المفاضلة ، وما علم من نزعاته الوبيلة ، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه تقرب إلى الذهن إنه هو صائغ تلكم الصحاصح ، ولا رجحان لغيره عليه في كفة الاختلاق والتقول ، كما أن له في نحت الأعذار لمن انحاز إليهم من الأمويين قدما وقدما ، وقد مر شطر من شواهد ذلك ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده 2: 101 من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من مصر يحج البيت قال فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم ؟ فقالوا: قريش .

 قال: فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا: عبد الله بن عمر .

 قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شئ أو أنشدك بحرمة هذا البيت ، أتعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال: نعم .

 قال: فتعلم أنه غاب عن بدر فلم يشهده ؟ قال: نعم .

 قال: وتعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ؟ قال: نعم .

 قال فكبر المصري ، فقال ابن عمر: تعال أبين لك ما سألتني عنه ، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله قد عفى عنه وغفر له ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنها مرضت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر رجل شهد بدر أو سهمه .

 أما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان ، فضرب بها يده وقال: هذه لعثمان .

 قال: وقال ابن عمر: اذهب هذا الآن معك .

 وأخرجه البخاري في صحيحه 6: 122 .

 وفي مرسلة عن المهلب بن عبد الله أنه دخل على سالم بن عبد الله بن عمر رجل وكان ممن يحمد عليا ويذم عثمان فقال الرجل: يا أبا الفضل ؟ ألا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح ؟ فقال سالم: لا .

 فكبر الرجل وقام ونفض ردائه و خرج منطلقا فلما أن خرج قال له جلساؤه: والله ما أراك تدري ما أمر الرجل ، قال: أجل ، وما أمره ؟ قالوا: فإنه ممن يحمد عليا ويذم عثمان فقال: علي بالرجل فأرسل إليه فأتاه فقال: يا عبد الله الصالح إنك سألتني: هل شهد عثمان .

 البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح ؟ فقلت: لا .

 فكبرت وخرجت شامتا فلعلك ممن يحمد عليا ويذم عثمان ؟

/ صفحة 71 /

فقال: أجل والله إني لمنهم ، قال: فاستمع مني ثم اردد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس تحت الشجرة كان بعث عثمان في سرية وكان في حاجة الله وحاجة رسوله و حاجة المؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن يميني يدي وشمالي يد عثمان ، فضرب شماله على يمينه وقال: هذه يد عثمان وإني قد بايعت له ، ثم كان من شأن عثمان في البيعة الثانية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عثمان إلى علي فكان أمير اليمن فصنع به مثل ذلك .

 إلى آخر الرواية وهي طويلة أخرجها المحب الطبري في الرياض النضرة 2: 94 وقد حذف إسنادها تحفظا عليها ، وفي متنها شواهد تدل على وضعها وانها مكذوبة مختلقة وهي تغنينا عن عرفان رجال السند .

 وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 98 من طريق حبيب بن أبي مليكة ، قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أشهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قال: لا .

 قال: فشهد بدرا ؟ قال: لا .

 قال: فكان ممن استزله الشيطان قال: نعم .

 فقام الرجل ، فقال له بعض القوم: إن هذا يزعم الآن إنك وقعت في عثمان .

 قال: كذلك يقول ؟ قال: ردوا علي الرجل ، فقال: عقلت ما قلت لك ؟ قال: نعم سألتك هل شهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قلت: لا .

 وسألتك هل شهد بدرا ؟ فقلت: لا .

 وسألتك هل كان ممن استزله الشيطان ؟ فقلت: نعم .

 فقال: أما بيعة الرضوان فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله .

 فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره ، وأما الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إن الله غفور حليم .

 ألا تعجب من هذه الأعذار المفتعلة الباردة وقد خفيت على الصحابة الحضور يوم بدر البالغ جمعهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا (1) وعلى الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر (2) لم يك يعلم بها إلا رجلين أحدهما ابن عمر الذي كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 6: 74 في المغازي ، تاريخ الطبري 2: 272 ، سيرة ابن هشام 2: 354 .

 (2) صحيح البخاري 7: 223 في تفسير سورة الفتح ، تفسير القرطبي 16: 276 .

 

/ صفحة 72 /

يوم بدر واحد صبيا لم يبلغ الحلم وقد استصغره رسول الله في اليومين وكان له يوم بيعة الرضوان ست عشر سنة (1) وثانيهما نفس عثمان الغائب عن هاتيك المواقف ، فالرواية مدبرة بين اثنين بين صبي وغايب يوم حوصر عثمان وتبعهما في بعضها أنس فحسب ، ومن الغريب جدا أن عبد الرحمن بن عوف أخا عثمان (2) وصاحبه الذي أقعده دست الخلافة ، وكان حاضرا في بدر واحد لم يكن قرع سمعه شئ من تلكم الأعذار إلى يوم حوصر عثمان ، ولو كانت بمقربة من الصحة لكانت الألسن تتداولها ، والأندية لا تخلو عن ذكرها ، فجاء عبد الرحمن ينتقد الرجل بعدم حضوره في الغزوتين وتركه سنة عمر فبلغ ذلك عثمان فتخلص عنه بما خلق له ابن عمر أو اختلق هو ، أخرج أحمد في مسنده 1: 68 من طريق شقيق قال: لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد: مالي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ؟ فقال له عبد الرحمن: أبلغه: إني لم أفر يوم عينين - قال عاصم: يقول: يوم أحد - ولم أتخلف يوم بدر ، ولم أترك سنة عمر رضي الله عنه قال: فانطلق فخبر ذلك عثمان رضي الله عنه فقال: أما قوله: إني لم أفر يوم عينين فكيف بذنب ؟ وقد عفا الله عنه ، فقال: إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ، وأما قوله: إني تخلفت يوم بدر ، فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ماتت و قد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمي ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه فقد شهد .

 وأما قوله: إني لم أترك سنة عمر رضي الله عنه ، فإني لا أطيقها ولا هو ، فأته و حدثه بذلك .

 دع ابن عمر يصور لبعث عثمان إلى مكة صورة مكبرة من أنه لم يبعثه إلا لأنه أعز من في بطن مكة (3) فإن الواقف على القصة جد عليم بأن تلك البعثة ما كانت لها صلة بالعزة والذلة فإنها كانت إلى أبي سفيان يريد بها التخفيف من وطئته في استهواء قريش واستهدائه على استثارتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان طبع الحال يستدعي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع صفحة 4 من هذا الجزء .

 (2) آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما يوم المؤاخاة الأولى: (3) كما مر في ص 70 .

 

/ صفحة 73 /

أن يبعث إليه رجلا من حامته يأمن من بطشه ويؤمل تنازله له لما بينهما من واشجة الرحم والقرابة ، ولذلك انتخب لها عثمان ، إن لم يقل القائل: إنه صلى الله عليه وآله إنما بعثه ليغيب عن بيعة الرضوان وفضلها حتى لا يقال غدا: إن عدول الصحابة قد أجمعت على قتل رجل من أهل بيعة الرضوان .

 هاهنا ننهي البحث عن حديث المفاضلة - الذي جاء به ابن عمر وصححه البخاري - وإنه باطل لا يعتمد عليه ، يخالف الكتاب والسنة والعقل والقياس والاجماع والمنطق ونرجع إلى بقية ما جاء في المناقب: 5 - عن أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبت حراء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان .

 قال الأميني: أخرجه الخطيب في تاريخه 5: 365 من طريق محمد بن يونس الكديمي ذلك الكذاب الوضاع الذي وضع على رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من ألف حديث كما مر في الجزء الخامس في سلسلة الكذابين ص 230 ، وفي هذا الجزء فيما يأتي . عن قريش بن أنس الأموي البصري .

 قال ابن حبان: اختلط فظهر في حديثه مناكير فلم يجز الاحتجاج بأفراده .

 وقال البخاري: إختلط ست سنين (1) عن سعيد بن أبي عروبة البصري قال ابن سعد: اختلط في آخر عمره .

 وقال ابن حبان بقي في اختلاطه خمس سنين ، ولا يحتج إلا بما روى القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك .

 وقال الذهلي: عاش بعد ما خولط تسع سنين .

 وقال غيرهم: اختلط سنين لم يجز الاحتجاج بحديثه فيما انفرد (2) .

 هذا ما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل غير أن الخطيب مر بها كريما ، لا تسمع منه حولها ركزا ، ولم ينبس فيها ببنت شفة ، عادته في فضائل من أعماه حبه وأصمه .

 6 - أخرج الدارقطني في سننه عن إسماعيل بن العباس الوراق عن عباد بن الوليد أبي بدر عن الوليد بن الفضل عن عبد الجبار بن الحجاج الخراساني عن مكرم بن حكيم عن سيف بن منير عن أبي الدرداء قال: أربع سمعتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تهذيب التهذيب 8: 375 .

 (2) تهذيب التهذيب 4: 63 - 66 .

 

/ صفحة 74 /

لا تكفروا أحدا من أهل قبلتي بذنب وإن عملوا الكبائر ، وصلوا خلف كل إمام ، وجاهدوا أو قال: قاتلوا ، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلا خيرا قولوا: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (1) .

 رجال الاسناد: 1 - الوليد بن الفضل المقبري .

 قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به بحال ، وقال الذهبي: هو الذي حديثه في جزء ابن عرفة عن إسماعيل بن عبيد الله: إن عمر حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه .

 وإسماعيل هالك ، والخبر باطل ، وفي سنن الدارقطني: حدثنا إسماعيل بن العباس الوراق ثنا عباد بن الوليد أبو بدر (وذكر الحديث بالإسناد المذكور) فقال: قال الدارقطني: من بعد عباد ضعفاء (يعني الوليد وعبد الجبار ومكرم وسيف) .

 وقال ابن حجر: لفظ الدارقطني بين عباد وأبي الدرداء ضعفاء ، فدخل فيهم عبد الجبار كما دخل في قول العقيلي: إسناد مجهول ، ووقع هنا سيف بن منير وفي الرواية الأخرى: منير بن سيف ، فلعله انقلب .

 وقال ابن أبي حاتم عن أبيه مجهول ، وقال الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد النقاش: روى عن الكوفيين الموضوعات .

 " ميزان الاعتدال 3: 273 ، لسان الميزان 6: 225 " 2 - عبد الجبار بن الحجاج الخراساني ، ذكره ابن حجر في لسان الميزان 3: 387 وذكر شطرا من الحديث بالإسناد وقال: هذا غير محفوظ ، وليس في هذا المتن إسناد ثبت ، وضعفه الدارقطني فإنه ساق في السنن الحديث المذكور من الطريق المذكور لكنه من رواية عباد بن الوليد الغبري (2) ، عن الوليد بن الفضل وقال: من بعد عباد ضعيف فدخل عبد الجبار فيهم كما دخل ابن منير . [ لسان الميزان 3: 388 ] .

 3 - مكرم بن حكيم الخثعمي: قال الذهبي في الميزان: روى خبرا باطلا (يعني هذا الحديث) وقال: قال الأزدي: ليس حديثه بشئ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 3: 273 و ج 6: 226 .

 (2) بضم المعجمة وفتح الموحدة المخففة .

 

/ صفحة 75 /

وقال ابن حجر: وزاد (يعني الأزدي) إنه مجهول ، والحديث مذكور في ترجمة الوليد بن الفضل ، وقد ضعفه الدارقطني أيضا . [ الميزان 3: 198 ، لسان الميزان 6: 85 ] .

 4 - سيف بن منير: قال الذهبي: يجهل وضعفه الدارقطني لكونه أتى بأمر معضل عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا: لا تكفروا أهل ملتي وإن عملوا الكبائر .

 لكنه من رواية مكرم بن حكيم أحد الضعفاء عنه .

 وقال ابن حجر: وذكره الأزدي فقال: ضعيف مجهول يكتب حديثه ، وإسناد حديثه ليس بالقايم .

 وقال صاحب الحافل: رواه عنه مكرم بن حكيم وليس بشئ ، والحديث في سنن الدارقطني .

 ميزان الاعتدال 1: 439: لسان الميزان 3: 133 .

 7 - عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من نبي إلا وله نظير في أمتي فأبو بكر نظير إبراهيم ، وعمر نظير موسى ، وعثمان نظير هارون ، وعلي بن أبي طالب نظيري .

 قال الأميني: أخرجه ابن الأعرابي عن محمد بن زكريا الغلابي البصري عن أحمد ابن غسان الهجيمي عن أحمد بن عطاء أبي عمر . والهجيمي عن عبد الحكم عن أنس . قال الذهبي في الميزان 1: 56: أخاف أن يكون الغلابي كذبه ، وقال في 3: 58: هو ضعيف . وقال ابن مندة: تكلم فيه . وقال الدارقطني: يضع الحديث .

 وذكر الحاكم في تاريخه حديثا من طريق محمد بن زكريا الغلابي فقال: رواته ثقات إلا محمد بن زكريا وهو الغلابي فهو آفته .

 وفي الاسناد أحمد بن عطاء ، قال الدارقطني: متروك .

 وقال الأزدي: كان داعية إلى القدر متعبدا مغفلا يحدث بما لم يسمع ، وقال زكريا الساجي قبله مثله ، وقال ابن المديني: أتيته يوما فجلست إليه فرأيت معه درجا يحدث به فلما تفرقوا عنه قلت له: هذا سمعته ؟ قال: لا ، ولكنه اشتريته وفيه أحاديث حسان أحدث بها هؤلاء ليعملوا بها وأرغبهم وأقربهم إلى الله ، ليس فيه حكم ولا تبديل سنة ، قلت له: أما تخاف الله تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .

 ميزان الاعتدال 1: 56 ، ج 3: 58 ، لسان الميزان 1: 221 ، و ج 5: 168 .

 

/ صفحة 76 /

8 - ذكر المحب الطبري في الرياض النضرة 1: 30 عن محمد بن إدريس الشافعي قال: بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنوارا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما خلق أسكنا ظهره ، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة إلى أن نقلني الله صلب عبد الله ، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة ، ونقل عمر إلى صلب الخطاب ، ونقل عثمان إلى صلب عفان ، ونقل عليا إلى صلب أبي طالب ثم اختارهم لي أصحابا فجعل أبا بكر صديقا ، وعمر فاروقا ، وعثمان ذا النورين ، وعليا وصيا ، فمن سب أصحابي فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله أكبه في النار على منخره ، أخرجه الملا في سيرته.

 قال الأميني: نحن في إبطال هذا الحديث في غنى عن النظرة إلى إسناده المحذوف لكنا مهما ذهلنا عن شئ فلا يفوتنا العلم بأن الأصلاب الأموية غير طاهرة وإنما هي الشجرة الملعونة في القرآن راجع الجزء الثامن ص 254 ، 255 ط 1 .

إن الخـــيار من البرية هاشم * وبنــــو أميــــــة أرذل الأشرار

وبنــو أمية عدوهم من خروع * ولها شم في المجد عود نضار

أما الـدعاة إلى الجنان فهاشم * وبنـــو أميــــــة من دعاة النار

وبهاشم زكـت البلاد وأعشبت * وبنــــو أمية كالسراب الجاري

ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار باب 66 لأبي عطاء أفلح السندي .

 وتجد في غضون أجزاء كتابنا هذا نبذا وافية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وبقية الصحابة مما فيه غنى وكفاية في سقوط الأمويين عن مستوى الاعتبار والنزاهة في الجاهلية والاسلام ، على ما يؤثر عنهم في العهدين من المخازي والمخاريق المؤكدة لذلك كله ، فنحن نحاشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يصف تلكم الأصلاب بالطهارة في عداد الأصلاب الطاهرة التي تنقل فيها الرسول الأطهر ووصيه المطهر أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السلام .

 وهي الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين .

 على أنا لم نجد في أبي قحافة والخطاب وأسلافهما ما يمكن أن يعد من المآثر البشرية فضلا عن المآثر الدينية التي نقطع بعدم تحليهما بها فقد أسلفنا الكلام حول

 

/ صفحة 77 /

إسلام أبي قحافة في الجزء السابع ص 312 - 321 ط 1 وأما الخطاب فمن المقطوع به أنه لم يسلم وقد ثبت عن عمر قوله لعباس عم النبي صلى الله عليه وآله يوم أسلم: يا عباس ! فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم (1) .

 وأما عفان فسل عنه الكلبي والبلاذري فإن لهما في " المثالب " و " الأنساب " جمل تعرب عن مجمل حقيقة الرجل دون تفصيلها .

 وإنا أسلفنا القول حول الألقاب في ج 2: 312 - 314 و ج 3: 187 ط 2: وإن الصديق والفاروق من الألقاب الثابتة الخاصة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإنما تداولتهما الناس للرجلين وعند ذلك وضعوا مثل هذه المفتعلات .

 ونحن لا نسترسل في بيان حكم سب الصحابة لكنا لو أخذنا بإطلاق هذه الرواية وقلنا: أن المخاطبين منهم كانوا مكلفين بمفادها لأشكل الأمر في أكثر الصحابة الذين اطرد بينهم السباب المقذع ، والوقيعة الفاضحة ، والعداء المحتدم حتى أنه كان قد يؤل الأمر من جراء ذلك إلى المقاتلة ، فهل هؤلاء كلهم يكبون في النار على مناخرهم ؟ أنا لا أدري .

 9 - قال المحب الطبري في الرياض النضرة 1: 24: عن ابن يخامر السكسكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أللهم صل على أبي بكر فإنه يحبك ويحب رسولك ، أللهم صل على عمر فإنه يحبك ويحب رسولك ، أللهم صل على عثمان فإنه يحبك ويحب رسولك ، أللهم صل على أبي عبيدة بن الجراح فإنه يحبك ويحب رسولك ، أللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحبك ويحب رسولك . أخرجه الخلعي .

 قال الأميني: ليت المحب الطبري أوقفنا على إسناد هذا الحديث المبتور حتى نعرف عدد من فيه من الوضاعين ، وليته بعد أن موه الأمر في ذلك عرفنا ابن يخامر السكسكي من هو أمن الصحابة ؟ أم من التابعين ؟ أم ممن بعدهم من طبقات الرجال ؟ وهل سمع هو من رسول الله صلى الله عليه وآله أو أنه موه ودلس ؟ أو أنه بشر لم يخلق بعد ؟ وإن تعجب فعجب أنه حذف بين الأسماء من يقطع بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي استفاض النقل الصحيح بذلك عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيرة ابن هشام 4: 21 ، عيون الأثر 2: 169 ، الشفاء للقاضي 2 ص 18 .

 

/ صفحة 78 /

النبي الأعظم صلى الله عليه وآله راجع ج 3 ص 21 - 23 ط 2 وتقدم في الجزء السابع 199 ط 1 وفي صفحات هذا الجزء أحاديث جمة تدل على أنه أحب الناس إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله ، ومن المعلوم إذن أن هذه المرتبة من الحب متبادل بينه سلام الله عليه وبينهما ويدل على هذا التبادل بنحو الإطلاق قوله تعالى: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله .

 وكان في الصحابة أناس آخرون يتهالكون في المحبة لله ولرسوله لا يفوقهم من ذكر وإن كنا نعتقد أنهم دون أولئك المنسيين بمنازل كثيرة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار والعباس عم النبي صلى الله عليه وآله إلى كثيرين من نظرائهم .

 لكن نوبة الحب وصلت إلى الأبتر ابن الشائن الأبتر ، إلى ابن النابغة ، إلى ابن الأمة السوداء المجنونة الحمقاء التي كانت تبول من قيام ، ويعلوها اللئام ، ركبها في يوم واحد أربعون رجلا ، إلى ابن العاصي ، إلى ابن الجزار ، إلى ابن دعي ستة ، إلى المدافع عن نفسه في معترك القتال بإسته ، إلى من رأى فحل زوجته على فراشه فلم يغر ولم ينكر ، إلى الوغد اللئيم ، إلى النكد الذميم ، إلى الوضيع الزنيم (1) إلى مناوئي الحق ونصير الباطل ، إلى إلى..

 نعم: وصلت نوبة الحب إليه ولم تصل إلى من ذكرناهم من رجال الدين وأفذاذ الاسلام وأعاظم الأمة وصلحاء الصحابة .

إن دام هذا ولم يحدث به غير * لم يبك ميـت ولم يفرح بمولود

نعم: راق ذلك السكسكي أو من قبله من الوضاعين ولم يرقهم غيره .

 وكم في صفحات تاريخ عمرو بن العاصي وقرناءه الأربعة شواهد دالة على ما عزاهم إليه مختلق الرواية من حب الله وحب رسوله ، نكل الوقوف عليها إلى سعة باع الباحث .

 10 - أخرج ابن عدي عن أحمد بن محمد الضبيعي عن الحسين بن يوسف عن أبي هاشم أصرم بن حوشب عن قرة بن خالد البصري عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: أنا الأول وأبو بكر الثاني ، وعمر الثالث ، والناس بعدنا على السبق الأول فالأول .

 قال الأميني: قال السيوطي في اللئالي 1: 311: موضوع آفته أصرم .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تجد تفصيل هذه الجمل إلى أمثالها الكثيرة المعربة عن حقيقة ابن العاصي في الجزء الثاني 120 - 170 ط 2 .

 

/ صفحة 79 /

وقال الذهبي: أصرم هالك ، قال يحيي: كذاب خبيث ، وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك الحديث ، وقال الدارقطني: منكر الحديث ، وقال السعدي: كتبت عنه بهمدان سنة اثنتين ومائتين وهو ضعيف ، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات ، وقال ابن المديني: كتبت عنه بهمدان وضربت على حديثه .

 وقال الفلاس: متروك يرى الإرجاء .

 وقال ابن حجر: أورد له العقيلي حديثا عن زياد بن سعد وقال: لا يتابع عليه و لا يعرف به ، وليس له أصل من جهة يثبت . وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو متروك الحديث . وتكلم فيه يحيي بن معين .

 وقال ابن المديني: لقيناه بهمدان ثم حدث بعدنا بعجائب وضعفه جدا ، وقال الحاكم والنقاش: يروي الموضوعات.

 وقال الخليلي: روى عن نهشل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما مناكير ، وروى الأئمة عنه ثم رأوا ضعفه فتركوه .

 ميزان الاعتدال 1: 126 ، لسان الميزان 1: 461 .

 على أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس كما في تاريخ ابن عساكر 5: 142 ، و كان شعبة لا يحدث عن الضحاك وينكر أن يكون لقي ابن عباس ، وقال: يحيي بن سعيد: الضحاك عندنا ضعيف .

(تاريخ ابن عساكر 5: 160) 11 - أخرج ابن عساكر في تاريخه 6: 405 عن ابن عباس مرفوعا: إن أحب أصهاري إلي ، وأعظمهم عندي منزلة ، وأقربهم من الله وسيلة ، وأنجح أهل الجنة أبو بكر .

 والثاني عمر يعطيه الله قصرا من لؤلؤة ألف فرسخ في ألف فرسخ قصورها ودورها ومجانبها وجهاتها وسررها وأكوابها وطيرها من هذه اللؤلؤة الواحدة ، وله الرضا بعد الرضا .

 والثالث عثمان بن عفان وله في الجنة ما لا أقدر على وصفه ، يعطيه الله ثواب عبادة الملائكة أولهم وآخرهم .

 والرابع علي بن أبي طالب ، بخ بخ من مثل علي ؟ وزيري عند [          ] (1) وأنيسي عند كربتي ، وخليفتي في أمتي ، وهو مني على دعاي ومن مثل أبي سفيان ؟ لم يزل الدين به مؤيدا قبل أن يسلم وبعد ما أسلم ، ومن مثل أبي سفيان إذا أقبلت من عند ذي العرش أريد الحساب فإذا أنا بأبي سفيان معه كأس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بياض في الأصل .

 

/ صفحة 80 /

من ياقوتة حمراء يقول: اشرب يا خليلي ، أعار بأبي سفيان ، وله الرضا بعد الرضا رحمه الله .

 قال الأميني: لقد أعرب عن بعض الحقيقة الحافظ ابن عساكر نفسه بقوله: هذا حديث منكر .

 أي منكر هذا يعد أبا سفيان ممن لم يزل الدين به مؤيدا قبل إسلامه وبعده ؟ فكأنه غير رأس المشركين يوم أحد ، وغير مجهز جيش الأحزاب والمجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله والرافع عقيرته وهو يرتجز بقوله: اعل هبل ، اعل هبل .

 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا تجيبونه ؟ قالوا: يا رسول الله ؟ ما نقول ؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل .

 فقال أبو سفيان إن لنا العزى لا عزى لكم ، فقال رسول الله ألا تجيبونه ؟ فقالوا: يا رسول الله ! ما نقول ؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم (1) وكأنه ليس من أئمة الكفر الذين نزل فيهم قوله تعالى: فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون .

 سورة التوبة 12 (2) وكأنه غير من أريد بقوله عز وجل: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. سورة الأنفال: 36 .

 أخرج نزوله فيه ابن مردويه من طريق ابن عباس ، وعبد بن حميد وابن جرير و أبو الشيخ من طريق مجاهد ، وهؤلاء وغيرهم من طريق سعيد بن جبير ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الحكم بن عتيبة(3). وكأنه غير المعني هو وأصحابه بقوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين . سورة الأنفال (4) .

 وكأنه غير من مشى مع جمع من رجال قريش إلى أبي طالب قائلين له: إن ابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيرة ابن هشام 3: 45 ، تاريخ ابن عساكر 6: 396 ، عيون الأثر 2: 18 ، تفسير القرطبي 4: 234 .

 (2) تفسير الطبري 10: 262 ، تاريخ ابن عساكر 6: 393 ، تفسير ابن جزي 2: 71 ، تفسير السيوطي ، تفسير الخازن 2: 218 ، تفسير الآلوسي 10: 59 .

 (3) تفسير الطبري 9: 159 ، تاريخ ابن عساكر 6: 393 ، الكشاف 2: 13 ، تفسير الرازي 4: 379 ، تفسير ابن جزي 2: 65 ، تفسير ابن كثير 4: 37 ، تفسير الخازن 2: 192 ، تفسير الشوكاني 2: 293 ، تفسير الآلوسي 9: 204 .

 (4) تفسير النسفي هامش تفسير الخازن 2: 193 ، تفسير الآلوسي 9: 206 .

 

/ صفحة 81 /

أخيك قد سبت آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه إلخ .

 (1) وكأنه ليس أحد المجتمعين بدار الندوة الذين تفرقوا على رأي أبي جهل من أن يؤخذ من كل قبيلة شاب فتى جليد نسيب وسط ثم يعطى كل منهم سيفا صارما فيعمدوا إلى رسول الله فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه (2) .

 وكأنه غير من أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية وكل أوقية اثنان و أربعون مثقالا .

 وكأنه غير من استأجر ألفين من الأحابيش من بني كنانة ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله سوى من استجاش من العرب (3) .

 وكأنه غير من لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية .

 بقوله: أللهم العن أبا سفيان . وصفوان بن أمية . والحارث بن هشام (4) .

 وكأنه غير من لعنه رسول الله في سبعة مواطن لا يتأتى لأي أحد ردها أولها: يوم لقي رسول الله صلى الله عليه وآله خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به و سبه وشتمه وكذبه وتوعده وهم أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه .

 الثانية: يوم العير إذ عرض لها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يطف المسلمون بها ولعنه رسول الله ودعا عليه ، فكانت وقعة بدر لأجلها .

 الثالثة: يوم أحد حيث وقف تحت الجبل ورسول الله صلى الله عليه وآله في أعلاه وهو ينادي: أعل هبل .

 مرارا ، فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله عشر مرات ولعنه المسلمون .

 الرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله وابتهل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيرة ابن هشام 1: 277 ، ج 2: 26 .

 (2) سيرة ابن هشام 2: 94 ، نصب الراية للزيلعي 2: 129 ، وأخرجه البخاري في المغازي 2: 582 ، وفي التفسير بلفظ فلانا وفلانا ولم يسم أحدا تحفظا على كرامة أبي سفيان وشاكلته .

 (3) تفسير الطبري 9: 159 ، 160 ، الكشاف 2: 13 ، تفسير الرازي 4: 397 ، تفسير الخازن 2: 192 ، تفسير الآلوسي 9: 204 .

 (4) تفسير الطبري 4: 58 ، وأخرجه الترمذي في جامعه كما في نيل الأوطار للشوكاني 2: 398 .

 

/ صفحة 82 /

الخامسة: يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ، ذلك يوم الحديبية فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان و لعن القادة والأتباع وقال: ملعونون كلهم ، وليس فيهم من يؤمن ، فقيل: يا رسول الله ؟ أفما يرجى الاسلام لأحد منهم فكيف باللعنة ؟ فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع و أما القادة فلا يفلح منهم أحد . السادسة يوم الجمل الأحمر .

 السابعة يوم وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلا منهم أبو سفيان(1) هذه المواطن السبعة عدها الإمام الحسن السبط سلام الله عليه . وكأنه غير من عدا على دور المهاجرين من بني جحش بن رئاب بعد ما هاجروا . وباعها من عمرو بن علقمة وقيل فيه:

 

 

أبلــــــغ أبـــا سفيان عن * أمــــر عــــــواقبه ندامه

دار ابــــن عـمـــك بعتها * تقضي بها عنك الغرامه

وحلــيفكـــــم بـــــالله رب * النـــاس مجتهد القسامه

إذهب بها اذهــــــــب بها * طوقتها طوق الحمامه(2)

وكأنه غير صاحب البائية يوم أحد يقول فيها:

أقــاتلهم وادعي يــــــال غــــــالــــــب * وأدفعــــــهم عــــــني بـــــركن صليب

فبكي ولا ترعى مقــــــالــــــة عـــادل * ولا تســــــأمي مــــــن عــبرة ونحيب

أباك وإخــــــوانا لــــــه قـــــد تتابعوا * وحق لهــــــم مــــــن عـــــبرة بنصيب

وسلـــي الذي قد كان في النفس إنني * قتلت من النجــــــار كــــــل نجــــــيب

ومن هاشم قرما كريما ومصعبا (3)  وكــــان لــــــدى الهيجاء غير هيوب

ولــــــو أنني لـــــم أشف نفسي منهم * لكــــــانت شجا فــي القلب ذات ندوب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرح ابن أبي الحديد 2 ، 102 ، 103 .

 (2) سيرة ابن هشام 2 ، 117 .

 (3) عني به سيدنا حمزة بن عبد المطلب .

 

/ صفحة 83 /

فآبوا وقد أودى الجلابيب (1) منهم * بهــــــم خــــــدب من معـــبط وكئيب

أصابهم مــــــن لــــــم يكن لدمائهم * كــــــفاء ولا فـــي خطة بضريب (2)

وكأنه غير من كان يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح قائلا: ذق عقق(3) سيرة ابن هشام 3: 44.

 وكأنه غير من داس قبر حمزة برجله وقال: يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به . شرح ابن أبي الحديد 4: 51 .

 وكأنه غير من قال لما رأى الناس يطؤن عقب رسول الله صلى الله عليه وآله وحسده: لو عاودت الجمع لهذا الرجل . فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدره ثم قال: إذا يخزيك الله . الإصابة 2: 179 .

 وكأنه غير من قال لعثمان يوم تسنم عرش الخلافة: صارت إليك بعد تيم وعدي فادرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أمية ، فإنما هو الملك ، ولا أدري ما جنة ولا نار . راجع ج 8: 285 .

 وكأنه غير من دخل على عثمان بعد ما عمى وقال: هاهنا أحد ؟ فقالوا: لا .

 فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية [ تاريخ ابن عساكر 6: 407 ].

 وكأنه غير من عرفه أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب له إلى معاوية بقوله: منا النبي ، ومنكم المكذب ، قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 452: يعني أبا سفيان بن حرب كان عدو رسول الله ، والمكذب له ، والمجلب عليه.

 وكأنه غير من جاء فيه قول أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب له إلى محمد بن أبي بكر: قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية .

 وكأنه غير من ذكره أمير المؤمنين بقوله في كتاب له إلى ابنه معاوية: يا بن صخر يا ابن اللعين .

 والإمام الطاهر عليه السلام في لعنه الرجل اقتفى أثر النبي الأعظم ، وقد سمع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الجلابيب جمع جلباب: الإزار الخشن . كان الكفار من أهل مكة يسمون من أسلم مع النبي صلى الله عليه وآله والجلابيب .

 (2) الخطة: الخصلة الرفيعة الضريب: الشبيه . راجع سيرة ابن هشام 3: 22 .

 (3) عقق ، أي يا عقق ، يريد يا عاق .

 

/ صفحة 84 /

منه صلى الله عليه وآله وسلم وهو يلعنه في مواطن شتى .

 وكأنه غير من قال فيه عمر بن الخطاب: أبو سفيان عدو الله ، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني يا رسول الله ! أضرب عنقه . تاريخ ابن عساكر 6: 399 .

 وكأنه غير من قال فيه عمر أيضا: إن أبا سفيان لقديم الظلم .

 الإصابة 2: 180 وكأنه غير من أسلفنا ترجمته في الجزء الثالث ص 221 - 224 وفي الثامن ص 284 - 286 .

 هذا مجمل حال الرجل في العهدين الجاهلي والاسلامي ، أفبمثله أيد الدين قبل إسلامه وبعد إسلامه ؟ أو مثله يتولى سقاية رسول الله صلى الله عليه وآله يوم المحشر إذا أقبل من عند ذي العرش ؟ وهل مستوى العرش معبأ لمثل أبي سفيان هذا ونظرائه ؟ إذا فعلى العرش ومن بفنائه السلام .

 ثم اقرأ المجازفة في حساب عثمان الذي حاز في مزعمة ملفق هذه الرواية ثواب عبادة الملائكة أولهم وآخرهم أولئك الملائكة المعصومين ، وجنة لا يقدر على وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو من قرأت صحيفة حياته في الجزء التاسع وقبله ، ووقفت على عقائد الصحابة العدول فيه وفي أحداثه ، وإجماعهم على إهدار دمه ، فلماذا ذلك الثواب ولماذا تلكم الجنة ؟ ولماذا هذه العظمة في أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن ؟ أعوذ بالله من السرف في القول والغلو في الفضائل .

 12 - أخرج ابن عساكر وابن مندة والخلعي والطبراني والعقيلي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وآله من حجة الوداع إلى المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس ! إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له ، يا أيها الناس ! إني راض عن أبي بكر وعمر وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف ، والمهاجرين الأولين فاعرفوا ذلك لهم .

 أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية .

 أيها الناس ؟ احفظوني في أصحابي وأصهاري وفي أختاني لا يطلبنكم الله بمظلمة أحد منهم فإنها مما لا توهب أيها الناس ! ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين ، وإذا مات أحد من المسلمين 

/ صفحة 85 /

فقولوا فيه خيرا (1) .

 قال الأميني: قال ابن عبد البر في الاستيعاب 2: 573: حديثه [ يعني حديث سهل بن مالك ] يدور على خالد بن عمرو القرشي الأموي وهو منكر الحديث ، متروك الحديث ، قال بعد ذكر الحديث: حديث منكر موضوع ، يقال فيه: إنه من الأنصار ولا يصح ، وفي إسناد حديثه مجهولون ضعفاء معروفون يدور على سهل بن يوسف بن مالك بن سهل عن أبيه عن جده وكلهم لا يعرف . وقال ابن مندة: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وقال العقيلي: إسناده مجهول لا يتابع عليه .

 والعجب من الحافظين وحكمهما بغرابة الحديث والجهل وقد أخرجاه من طريق خالد بن عمرو ، ومر في الجزء الثامن ص 48 ، 49 عن أئمة الجرح والتعديل أنه كان كذابا وضاعا يتفرد عن الثقات بالموضوعات لا يجوز الاحتجاج بخبره ، أحاديثه موضوعة باطلة . وجزم الدارقطني في الأفراد بأن خالد بن عمرو تفرد بهذا الحديث .

 وأخرجه سيف بن عمر ، وقد أسلفنا في الجزء الثامن ص 86 و 355 أقوال الحفاظ فيه وأنه وضاع ، متروك ، ساقط ، متهم بالزندقة ، عامة أحاديثه منكرة لم يتابع عليها . وفي طرق الحديث مجاهيل منهم: محمد بن يوسف المسمعي . قال الذهبي: لا يدرى من هو . وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه . ومنهم: علي بن محمد بن يوسف .

 قال الضياء: لم أجد له ولا لشيخه .

 ومنهم: حبان بن أبي تراب (2) أو: منان بن أبي ثواب (3) أو: قنان ابن أبي أيوب (4) أو: قنار بن أبي أيوب (5) من رجل الغيب لا يعرف اسمه واسم أبيه فضلا عن عرفان شخصيتهما .

 ومن الوهم الغريب للطبراني إخراجه الرواية من طريق علي بن محمد بن يوسف المسمعي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ، وتبعه في ذلك الضياء في المختارة ، وقد أخرجها العقيلي من طريق محمد بن يوسف المسمعي والد علي المذكور في إسناد الطبراني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن عساكر 6: 127 ، الاستيعاب 2: 572: (2) كذا في لسان الميزان 5: 435 .

 (3) كذا في لسان الميزان 3: 123 .

 (4) كذا في الإصابة 2: 90 .

 (5) كذا في لسان الميزان 4: 475 .

 

/ صفحة 86 /

عن حبان ، رقبان ، رقنار ، رمنان ، عن خالد بن عمرو الأموي عن سهل ، فطبقة علي تستدعي سقط ثلاثة من رجال إسناد الطبراني .

 راجع ميزان الاعتدال 1 ، 3 ، الإصابة 2 ، 90 ، لسان الميزان 3: 123 ، ج 4: 261 ، ج 5: 435 .

 13 - عن عبادة بن الصامت قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحب من تحب كما تحب ؟ فقال: اكتم علي يا عبادة ! حياتي فقلت: نعم ، فقال: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم علي .

 ثم سكت ، فقلت: ثم من يا نبي الله ؟ فقال: من عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيوب وأنت يا عبادة ! وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو مسعود وابن عوف وابن عفان ، ثم هؤلاء الرهط من الموالي سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة ، هؤلاء خاصتي وكل أصحابي علي كريم حبيب إلي وإن كان عبدا حبشيا .

 قال أبو عبد الله الصنابحي: قلت لعبادة: لم يذكر حمزة ولا جعفرا ، فقال عبادة: إنهما كانا أصيبا يوم سألت عن هذا إنما كان هذا بآخرة أو كما قال . تاريخ ابن عساكر 5: 38 ، و ج 7: 210 .

 قال الأميني: ألا تعجب من نبي العظمة أن يتحاشى عن بيان ما يهم الأمة عرفانه ويعهد إلى السائل بأن يكتمه عليه في حياته وهو في أخرياتها ؟ أليس هو القائل لعائشة فيما أخرجه الخجندي: إن عليا أحب الرجل إلي وأكرمهم علي .

 والقائل: أحب الناس إلي من الرجال علي .

 والقائل: علي أحبهم إلي وأحبهم إلى الله ؟ هلا كانت الصحابة يعرفون أحب الناس إليه صلى الله عليه وآله وسلم بعد تلكم الآيات والنصوص النبوية الواردة في مولانا علي أمير المؤمنين ؟ أما صح عن عائشة قولها: والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله من علي ، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إليه من امرأته .

 وهلا صحح الحفاظ قول بريدة وأبي بن كعب: أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من الناس فاطمة ومن الرجال علي (1) .

 ثم ما الذي أنسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعاظم صحابته الذين نزل فيهم القرآن وأثنى صلى الله عليه وآله عليهم بما لا يزيد عليه كعمه العباس وأبي ذر وعمار والمقداد وابن مسعود إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 21 - 24 طبع 2 .

 

/ صفحة 87 /

آخرين من أمثالهم ؟ وما الذي بخس حظهم من حب نبيهم الأقدس إياهم مع تلكم الفضائل والفواضل الجمة ولا يدانيهم فيها غيرهم حتى جل المذكورين إن لم نقل كلهم غير سيد العترة ؟ أفي وسع الباحث أن يرى أبا عبيدة حفار القبور مثلا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من أبي ذر الصديق شبيه عيسى في أمة محمد صلى الله عليه وآله هديا وبرا ونسكا وزهدا وصدقا وجدا وخلقا وخلقا ؟ من أبي ذر الذي كان صلى الله عليه وآله يدنيه دون أصحابه إذا حضر ويتفقده إذا غاب (1) .

 أو من عمار جلدة ما بين عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وأنفه .

 الطيب المطيب الذي ملئ إيمانا إلى مشاشه ، الذي خلط الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه ، خلط الإيمان بلحمه ودمه ، الذي كان مع الحق والحق معه يدور مع الحق أينما دار (2) .

 أعوذ بالله من التقول والتحدث بالزعمات بلا تعقل .

 14 - أخرج ابن عساكر في تاريخه 6: 173 من طريق سعيد بن مسلمة بن أمية ابن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دخل المسجد وهو آخذ بيد أبي بكر وعمر ، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ، ثم قال: هكذا نبعث يوم القيامة . ورواه الترمذي .

 قال الأميني: حذف بدران مهذب تاريخ ابن عساكر إسناد هذه الرواية سترا على ما فيه من العلل ذاهلا عن أن في ذكر سعيد بن مسلمة غنى وكفاية ، وإسناده كما في " الميزان " عن سعيد عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر .

 قال البخاري في تاريخه: سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية فيه نظر ، يروي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مناكير . وقال أيضا: منكر الحديث . وقال مرة: ضعيف . وقال يحيى ابن معين: ليس بشئ . وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكره . وقال الدارقطني: هو ضعيف الحديث يعتبر به . وقال ابن حبان: فاحش الخطأ ، منكر الحديث جدا (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع الجزء الثامن ص 315 - 326 ط 1 ، و 308 - 319 ط 2 .

 (2) راجع الجزء التاسع ص 20 - 27 ط 1 ، 2 .

 (3) تاريخ ابن عساكر 6: 174 ، ميزان الاعتدال 1: 391 ، تهذيب التهذيب 4: 83 .

 

/ صفحة 88 /

وأخرجه الدارقطني من طريق الحارث بن عبد الله المديني مولى بني سليم عن إسحاق بن محمد الفروي الأموي مولى عثمان عن مالك عن نافع عن ابن عمر . فقال: لا يصح والحارث هذا ضعيف .

 أقول : وإسحاق الأموي وهاه أبو داود جدا وقال: لو جاء بذلك الحديث عن مالك يحيي بن سعيد لم يحتمل له .

 وقال النسائي: متروك وقال أيضا: ليس بثقة . وقال الدارقطني: ضعيف وقد روى عنه البخاري ويوبخونه في هذا . وقال الدارقطني أيضا: لا يترك . وقال الساجي: فيه لين . روى عن مالك أحاديث تفرد بها . وقال العقيلي: جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها . وقال الحاكم: عيب على محمد - يعني البخاري - إخراج حديثه وقد غمزوه (1) .

 15 - أخرج ابن عساكر من طريق سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عزيز (2) بن زيد الأنصاري عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره فقال: هكذا نكون ، ثم هكذا نموت ، ثم هكذا نبعث ، ثم هكذا ندخل الجنة . تاريخ ابن عساكر 6: 246 .

 قال الأميني: هذا الاسناد فيه وهم واختلاط من ناحية سليمان أولا فإن بلال بن أبي الدرداء لم يذكر له ولد يروي عنه ، ولا يوجد له قط اسم في المعاجم ، والصحيح: سليمان عن بلال عن أبيه ، وفي تلك الطبقة غير واحد كلهم يسمون سليمان بين كذاب وضاع ، وبين ضعيف ساقط متروك ، وبين مجهول منكر لا يعرف .

 وفي الاسناد وهم من ناحية بلال ثانيا فإنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرو عنه قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي الصحابة بلال بن أبي الدرداء توفي سنة 92 - 93 وكان قاضيا على دمشق في ولاية يزيد وبعده حتى عزله عبد الملك .

 ولعلك تهتدي بذلك إلى مبلغه من الثقة والدين .

 وبقية رجال السند المحذوفة أسمائهم لا نعرف أحدا منهم حتى نعطي النظر حقه ، وبمثلها من رواية لا يثبت حق ، ولا تعتبر فضيلة .

 16 - أخرج ابن عساكر في تاريخه 4: 224 من طريق الحسن بن محمد بن الحسن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 1: 93 ، تهذيب التهذيب 1: 248 ، لسان الميزان 2: 154 .

 (2) كذا في النسخ والصحيح المتسالم عليه: عويمر .

 هو أبو الدرداء المعروف .

 

/ صفحة 89 /

أبي علي الأبهري المالكي نزيل دمشق إلى شداد بن أوس مرفوعا: أبو بكر أرأف أمتي وأرحمها .

 وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها . وعثمان أحيا امتي وأكرمها وأصدقها . وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها .

 ومعاوية أحكم أمتي وأجودها .

 وفي لفظ العقيلي من طريق بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ركن عن شداد بن أوس مرفوعا: أبو بكر أوزن أمتي ، و (عمر) حير أمتي ، وعثمان أحيى أمتي ، و معاوية أحكم أمتي .

 (لسان الميزان 2: 37) وفي لفظ السيوطي نقلا عن العقيلي أيضا: أبو بكر أوزن أمتي وأرحمها .

 وعمر خير أمتي وأكملها ، وعثمان أحيى أمتي وأعدلها ، وعلي أوفى أمتي وأوسمها ، وعبد الله بن مسعود أمين أمتي وأوصلها ، وأبو ذر أزهد أمتي وأرقها ، وأبو الدرداء أعدل أمتي وأرحمها ، ومعاوية أحلم أمتي وأجودها .

 (اللئالي 1: 428) قال الأميني: قال الحافظ ابن عساكر: هذا الحديث ضعيف .

 ونحن على يقين من أن الباحث بعد ما أوقفناه على ترجمة رجال الاسناد يحكم بالوضع لا بالضعف كما حكم به الحافظ وإليك الرجال: 1 - بشير بن زاذان .

 ضعفه الدارقطني وغيره ، واتهمه ابن الجوزي ، وقال ابن معين: ليس بشئ ، وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء ، وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نور ، وهو ضعيف غير ثقة ، يحدث عن جماعة ضعفاء وهو بين الضعف .

 وقال ابن حجر في ترجمته بعد ذكر الحديث: ولا يتابع بشير بن زاذان على هذا ولا يعرف إلا به ولما ذكر له ابن الجوزي حديثا في فضل الصحابة قال: هو المتهم به عندي فإما أن يكون من فعله ، أو من تدليسه من الضعفاء .

 وقال ابن حبان: غلب الوهم على حديثه حتى بطل الاحتجاج (1) .

2 - عمر بن صبح أبو نعيم الخراساني ، قال ابن راهويه: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير في البدعة والكذب: جهم بن صفوان . عمر بن صبح . مقاتل بن سليمان .

 وقال البخاري في التاريخ الأوسط: حدثني يحيي اليشكري عن علي بن جرير سمعت عمر بن صبح يقول: أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو حاتم وابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 1: 152 ، لسان الميزان 2: 37 .

 

/ صفحة 90 /

عدي: منكر الحديث . وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات لا يحل كتب حديثه إلا على وجه التعجب . وقال الأزدي: كذاب . وقال الدارقطني: متروك . وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ لا متنا ولا إسنادا . وقال النسائي: ليس بثقة . وقال - العقيلي: ليس حديثه بالقائم وليس بالمعروف بالنقل . وقال أبو نعيم: روى عن قتادة و مقاتل الموضوعات . ميزان الاعتدال 2: 262 ، تهذيب التهذيب 7: 463 .

 3 - ركن الشامي ، وهاه ابن المبارك ، وقال يحيي: ليس بشئ . وقال النسائي والدارقطني: متروك . وقال أبو أحمد الحاكم: يروي عن مكحول أحاديث موضوعة . وقال ابن الجارود: ليس بثقة . وعن ابن حماد: إنه متروك الحديث . وقال عبد الله بن المبارك .

 لإن أقطع الطريق أحب إلي من أن أروي عن عبد القدوس الشامي ، وعبد القدوس خير من مائة مثل ركن .

 تاريخ ابن عساكر 5: 327 ، تاريخ الخطيب 8: 436 ، ميزان الاعتدال 1: 340 ، لسان الميزان 2: 462 .

 هذا شأن إسناد الرواية ونكل النظرة إليها متنا إلى سعة باع الباحث ثقة بوقوفه على ما فصلناه في أجزاء كتابنا هذا مما تعرف به جلية الحال .

 لفظ آخر بإسناد آخر: عن علي بن عبد الله عن علي بن أحمد عن خلف بن عمرو العكبري عن محمد بن إبراهيم عن يزيد الخلال عن أحمد بن القاسم بن مهران عن محمد بن بشير بن زاذان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر خير أمتي وأتقاها ، وعمر أعزها وأعدلها ، وعثمان أكرمها وأحياها ، وعلي ألبها وأوسمها ، وابن مسعود آمنها وأعدلها ، وأبو ذر أزهدها وأصدقها ، وأبو الدرداء أعبدها ، ومعاوية أحلمها وأجودها .

 قال السيوطي في اللئالي المصنوعة 1: 428: في هذا الطريق أيضا مجروحون ، و قد خلط بشير بن زاذان في إسناده .

 ونحن نقول: لو لم يكن في الاسناد من المجروحين إلا يزيد الخلال لكفاه علة ، قال يحيى بن معين: كذاب ، وقال أبو سعيد: قد أدركت يزيد هذا وهو ضعيف قريب مما قال يحيى (1) .

وقال أبو داود: ضعيف ، وقال الدارقطني: ضعيف جدا ، وقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الخطيب 14: 348: ميزان الاعتدال 3: 318 .

 

/ صفحة 91 /

ابن عدي: ليس بذاك المعروف (1).

17 - عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه يقال له سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن فلما صار في الطريق إذا بالسبع رابض في وسط الطريق فخاف أن يجوز فيقوم إليه فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله إلى معاذ ، وهذا كتاب رسول الله .

 فقام السبع فهرول قدامه غلوة ثم همهم ثم صرخ وتنحي عن الطريق ، فمضى بكتاب رسول الله إلى معاذ ، ثم رجع بالجواب فإذا هو بالسبع فخاف أن يجوز فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله من عند معاذ ، وهذا جواب كتاب رسول الله من معاذ .

 فقام السبع فصرخ ثم همهم ثم تنحى عن الطريق ، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: أو تدرون ما قال أول مرة ؟ قال: كيف رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؟ وأما الثاني: فقال: إقرأ رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسلمان وصهيبا وبلالا مني السلام . (تاريخ ابن عساكر 3: 314) .

 قال الأميني: مثل هذه الرواية التي فيها أعلام النبوة ، وكرامة الخلفاء ، وفضل جمع من الصحابة لا بد من أن تلوكه الأشداق ، وتتداوله الألسن ، وتكثر روايته في المجامع والأندية ، ولا تخص بحافظ الشام بين أئمة الحديث وحفاظه ، وقد تفرد به ابن عساكر ، وقال ابن بدران في غير موضع: كل ما تفرد به ابن عساكر فهو ضعيف راجع تاريخه ج 4: 236 ، و ج 5: 183 ، 184 ، وعلى الرواية نفسها من ملامح الافتعال ما لا يخفي .

 وما أعرف هذا السبع بالخلفاء حتى ذكرهم مرتين ، وأهدى إليهم السلام على ترتيب خلافتهم ، فكأن علم الغيب القي إلى السباع شطره فعرفوا خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يستخلفوا ، وعرفت من الصحابة أناسا ليسوا هم في الغارب والسنام ، كما أنها جهلت بأناس هم في الذروة العالية من جلالة الصحبة وعظمتها ، فحذفت عمن سلم عليهم أسمائهم وبلغ تزلفها إلى الطبقة الواطئة من الموالي ، أو هكذا تكون رشحات عالم الغيب ؟ أم هكذا تخبط السباع خبط عشواء ؟ أم هذه كلها جناية الغلو في الفضائل ؟ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لسان الميزان 6: 293 .