عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

ما هذا الاختيار ؟ وكيف يتم ؟ ولم وبم ؟

 

هل تدري ما الذي دعى ابن عمر إلى رمي القول على عواهنه ؟ إلى رمي الصحابة بعزوه المختلق ، ونسبة هذا الاختيار المبير إليهم وأنهم تركوا المفاضلة بعد الثلاثة وأنهم قالوا: ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم .

 وقالوا: كنا نقول: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره ؟ .

 أم هل تدري بماذا تتصور المفاضلة والخيرة ؟ وبم تتم ؟ وأنى تصح ؟ بعد ثبوت ما جاء في الصحاح والمسانيد مرفوعا من أن عليا عليه السلام كان أعظمهم حلما ، وأحسنهم خلقا ، وأكثرهم علما ، وأعلمهم بالكتاب والسنة ، وأقدمهم سلما ، وأولهم صلاة من رسول الله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأخشنهم في ذات الله ، وأقسمهم بالسوية ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية ، وأعظمهم عند الله مزية ، وأفضلهم في القضاء ، وأو لهم واردا علي الحوض ، وأعظمهم عناء ، وأحبهم إلى الله ورسوله ، وأخصهم عنده منزلة ، وأقربهم قرابة ، وأولاهم بهم من أنفسهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأقربهم عهدا به صلى الله عليه وآله (1) وجبريل ينادي لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار (2) فهل يبقى هنالك موضوع للمفاضلة بعد هذه كلها حتى يخير فيه الصبي ابن عمر أو غيره ، فيختارون على علي غيره ؟ غفرانك اللهم وإليك المصير .

 قال الجاحظ: لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الاسلام والتقدم فيه ، ومتى ذكرت النجدة والذب عن الاسلام ، ومتى ذكر الفقه في الدين ، ومتى ذكر الزهد في الأموال التي تتناصر الناس عليها ، ومتى ذكر الاعطاء في الماعون ، كان مذكورا في هذه الخصال كلها إلا علي رضي الله عنه .

 ثمار القلوب للثعالبي ص 67 .

 لست أدري كيف ترك المخيرون أصحاب محمد بعد الثلاثة لا تفاضل بينهم ؟ وبماذا استوى الناس وفيهم العشرة المبشرة ؟ وفيهم من رآه رسول الله صلى الله عليه وآله شبيه عيسى في أمته هديا وبر أو نسكا وزهدا وصدقا وجدا وخلقا وخلقا (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مرت هذه الأحاديث كلها بمصادرها في طيات الأجزاء الماضية .

 (2) راجع الجزء الثاني ص 54 - 56 ط 1 ، و 59 - 61 ط 2 .

 (3) هو سيدنا أبو ذر راجع الجزء الثامن .

 

/ صفحة 18 /

وفيهم من كان صلى الله عليه وآله يراه جلدة ما بين عينيه وأنفه ، طيبا مطيبا ، قد ملئ إيمانا إلى مشاشه ، يدور مع الحق أينما دار (1) .

 وفيهم من رآه صلى الله عليه وآله أثقل في الميزان من أحد ، ويراه رجال الصحابة: أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وآله (2) وفيهم من قربه صلى الله عليه وآله وأدناه وعلمه علم ما كان وما يكون (3) وفيهم من جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: من أراد أن ينظر إلى رجل نور قلبه فلينظر إلى سلمان .

 وقوله: إن الله عز وجل يحب من أصحابي أربعة أخبرني أنه يحبهم ، وأمرني أن أحبهم: علي ، أبو ذر ، سلمان ، المقداد ، وصح فيه قوله: سلمان منا أهل البيت .

 وقال علي أمير المؤمنين: سلمان رجل منا أهل البيت ، أدرك علم الأولين والآخرين ، ما لكم بلقمان الحكيم كان بحرا لا ينزف (4) وفيهم العباس عم النبي صلى الله عليه وآله الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم يجله إجلال الولد والده ، خاصة خص الله العباس بها من بين الناس ، وله قال صلى الله عليه وآله: يا أبا الفضل ! لك من الله حتى ترضى .

 وخطب صلى الله عليه وآله في قضية فقال: من أكرم الناس على الله ؟ قالوا: أنت يا رسول الله قال: فإن العباس مني وأنا منه . (مستدرك الحاكم 3: 325) .

وجاء في حديث استسقاء عمر بالعباس عام الرمادة (5) إن عمر خطب الناس فقال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله عز وجل فيما نزل بكم (6) وفيهم معاذ بن جبل وقد صح فيه عند القوم قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه أعلم الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين ، وإن الله يباهي به الملائكة (7) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) هو سيدنا عمار بن ياسر راجع من الجزء التاسع صحيفة 24 - 28 .

 (2) هو سيدنا ابن مسعود راجع من الجزء التاسع صحيفة 7 - 11 .

 (3) هو سيدنا حذيفة اليماني راجع ج 5: 53 ط 1 ، و 60 ط 2 .

 (4) تاريخ ابن عساكر 6: 198 - 203 .

 (5) راجع ما مر في الجزء السابع: 300 ، 301 .

 (6) مستدرك الحاكم 3: 324 ، 325 ، 329 ، 334 .

 (7) مستدرك الحاكم 3: 271 .

 

/ صفحة 19 /

وفيهم أبي بن كعب وقد صحح الحاكم فيه قول أبي مسهر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله سماه سيد الأنصار فلم يمت حتى قالوا: سيد المسلمين .

 (1) وفيهم أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد جاء فيه عن ابن عمر نفسه في الصحيحين قوله صلى الله عليه وآله لما طعن بعض الناس في أمارته وقد أمره على جيش كان فيهم أبو بكر وعمر: فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده (2) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أسامة أحب إلي ما حاشا فاطمة ولا غيرها (مسند أحمد 2: 96 ، 106 ، 110) .

 إلى أناس آخرين يعدون في الرعيل الأول من رجالات الفضائل والفواضل من أمة محمد صلى الله عليه وآله فهل كان ابن عمر يعرف هؤلاء الرجال ومبلغهم من العظمة وما ورد فيهم عن النبي الأقدس من جمل الثناء عليهم ثم يساوي بينهم وبين من عداهم نظراء أبناء هند والنابغة والزرقاء ؟ .

فإن كان لا يدري فتلك مصيبة * وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

وكيف يتم هذا الاختيار وقد عزى القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء رفقاء وأعطيت أنا أربعة عشر: سبعة من قريش: علي والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر .

 وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود ، وسلمان ، وأبو ذر ، وحذيفة ، وعمار ، والمقداد ، وبلال ؟ (3) نعم لا يرضى ابن عمر أن يكون علي أمير المؤمنين أفضل من أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله حتى بعد عثمان وليد بيت أمية ، قتيل الصحابة العدول ومخذولهم ، ولا يروقه أن يحكم بالمفاضلة بينه عليه السلام وبين ابن هند وإن كان عاليا من المسرفين ، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ، كأن في أذنيه وقرا ، ولا بينه وبين ابن النابغة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مستدرك الحاكم 3: 302 .

 (2) صحيح البخاري 5: 279 ، صحيح مسلم 7: 131 ، صحيح الترمذي 13: 218 ، مسند أحمد 2: 20 .

 (3) تاريخ ابن عساكر 5: 21 ، وفي كنز العمال نقلا عن أحمد وتمام وابن عساكر من طريق علي عليه السلام.

 

/ صفحة 20 /

الأبتر ابن الأبتر ، ولا بينه وبين مغيرة بن شعبة أزنى ثقيف ، ولا بينه وبين أبناء أمية أثمار الشجرة الملعونة في القرآن من وزغ طريد إلى لعين مثله إلى فاسق مستهتر إلى فاحش متفحش ، ولا بينه وبين سلسلة الخمارين رجال الخمور والفجور في الجاهلية أو - الاسلام نظراء: أبي بكر بن شغوب . راجع الغدير 7: 99 .

 أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري . مسند أحمد 3: 181 ، 227 ، سنن البيهقي 8: 286 ، الغدير 7: 99 .

 أبي عبيدة ابن الجراح . مسند أحمد 3: 181 ، سنن البيهقي 8: 286 ، شرح صحيح مسلم للنووي 8: 23 هامش إرشاد الساري ، مجمع الزوائد 5: 52 .

 أبي محجن الثقفي . تفسير القرطبي 3: 57 ، الإصابة 4: 175 .

 أبي بن كعب . مسند أحمد 3: 181 ، سنن البيهقي 8: 286 .

 أنس بن مالك . غير واحد من الصحاح والمسانيد ، راجع الغدير 7: 97 ، 101 .

 حسان بن ثابت . تفسير القرطبي 3: 56 وهو القائل: ونشر بها فتركنا ملوكا * وأسدا ما ينهنهنا اللقاء خالد بن عجير .

 الإصابة 1: 459 . سعد بن أبي وقاص .

 سنن البيهقي 8: 285 ، تفسير ابن كثير 2: 95 ، تفسير أبي حيان 4: 12 ، إرشاد الساري 7: 104 ، تفسير الخازن 1: 252 ، تفسير الآلوسي 2: 11 ، تفسير الشوكاني 2: 71 .

 

/ صفحة 21 /

سليط بن النعمان . الامتاع للمقريزي ص 112 .

 سهيل بن بيضاء . منسد أحمد 3: 227 ، سنن البيهقي 8: 290 ، الغدير 7: 99 .

 ضرار بن الأزور . تاريخ ابن عساكر 7: 31 ، 133 .

 ضرار بن الخطاب . تاريخ ابن عساكر 7: 133 .

 عبد الرحمن بن عمر . المعارف لابن قتيبة ص 80 ، الغدير 6: 296 - 300 ط 1 .

 عبد الرحمن بن عوف . أحكام القرآن للجصاص 2: 245 ، مستدرك الحاكم 4: 142: وكثير من التفاسير ، وفي الحديث تحريف أشار إليه الحاكم في المستدرك 2: 307 ، راجع الغدير 6: 236 ط 1 ، و 252 ط 2 .

 عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة . كتاب صفين ص 180 .

 عتبان بن مالك . تفسير الخازن 1: 152 .

 عمرو بن العاص . الغدير 2: 136 ط 2 .

 قيس بن عاصم المنقري . تفسير القرطبي 3: 56 .

 كنانة بن أبي الحقيق . الامتاع للمقريزي ص 112 .

 معاذ بن جبل . شرح صحيح مسلم للنووي 8: 232 هامش إرشاد الساري ، الغدير 7: 99 .

 

/ صفحة 22 /

نعيم بن مسعود الأشجعي . الامتاع للمقريزي ص 112 .

 نعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري . الاستيعاب 1: 308 ، أسد الغابة 5: 36 ، تاريخ ابن كثير 8: 70 .

 وليد بن عقبة أخي عثمان لأمه . الغدير 8: 123 - 128 ط 1 .

/ صفحة 23 /

 

بيعة ابن عمر

تارة وتقاعسه عنها أخرى

هذه عقلية ابن عمر النابية عن إدراك الحقايق ، وهي التي أرجأته عن بيعة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وحدته إلى بيعة عثمان ولم يتسلل عنه حتى يوم مقتله بعد ما نقم عليه الصحابة أجمع خلا شذاذا منهم ، بل كان هو الذي أغرى عثمان بنفسه حتى قتل كما جاء في أنساب البلاذري 5: 76 عن نافع قال: حدثني عبد الله بن عمر قال قال عثمان وهو محصور: ما تقول فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس ؟ قال: قلت: وما هو ؟ قال: قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعك فإن فعلت وإلا قتلوك فدع أمرهم إليهم .

 قال: فقلت: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على قتلك ؟ قال: لا .

 قال: فقلت: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الاسلام فكلما سخط قوم أميرهم خلعوه لا تخلع قميصا قمصكه الله .

 وفي إثر هذا جاء في الأثر: إن عثمان لما أشرف على الناس فسمع بعضهم يقول: لا نقتله ولكن نعزله قال: أما عزلي فلا وأما قتلي فعسى .

 وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر فإن أمره عثمان أن لا يخلع نفسه خيفة أن يطرد ذلك جار في صورة عدم الخلع المنتهي إلى القتل الذي هو أفظع من الخلع ، وفي كل منهما سقوط هيبة السلطان وزوال أبهة الخلافة ، غير أن البقاء مخلوعا أخف وطأة وأبعد عن مثار الفتن ، ومن المشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتليه والحاضين عليه والمتخاذلين عنه فمن قائلة: اقتلوا نعثلا . قتل الله نعثلا . تطلب ثاره . ومألبين عليه أخذا بضبعي الهودج يحثان على الهتاف بثارات عثمان ، وموها عليها نبح كلاب الحوأب ، ومتقاعد عنه بالشام حتى إذا أودي به كتب الكتائب وخرج إلى صفين وأزلف إليه من كان يقول لما بلغه أنه محصور: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار .

 ولما بلغه مقتله قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع (1) قال هذا ثم طفق يثب مع معاوية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في الجزء الثاني ص 139 ، والجزء التاسع ص 137 - 140 .

 

/ صفحة 24 /

يطلب الثار ، وكان من ولائد وقعة صفين مقتل الخوارج بنهروان ، فمن جراء هذه المعامع كانت مجزرة كبرى لزرافات من الصحابة والتابعين ووجهاء الأمصار ورؤساء القبائل وصلحاء المسلمين ، وهل كانت هذه المفاسد إلا ولائد ذلك الرأي الفطير الذي أسدى به ابن عمر للخليفة المقتول ، ولو كان سالم القوم كما أشار إليه المغيرة بن الأخنس فخلعوه بقي حلس بيته ولا ثائر ولا مشاغب ، وبقيت بيوت المسلمين عامرة ولم تكن تنتشر الفتن في البلاد ، قال ابن حجر في فتح الباري 13: 10: انتشرت الفتن في البلاد فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان ، والقتال بالنهروان بسبب التحكيم بصفين ، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شئ من ذلك أو عن شئ تولد عنه . ا ه‍ .

 وقال في ص 42: قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق عثمان: بلاء يصيبنه .

 هو ما وقع له من القتل الذي نشأت عنه الفتن الواقعة بين الصحابة في الجمل ثم في صفين وما بعد ذلك . ه‍ .

 ونحن لا نعرف لابن عمر حجة فيما ارتكبه من البيعة والقعود إلا ما نحته له ابن حجر في فتح الباري 5: 19 بقوله: لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الأخبار ، وكان رأي ابن عمر أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس ، ولهذا لم يبايع أيضا لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما ، وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير . ا ه‍ .

 وقال في الفتح أيضا ج 13: 165: كان عبد الله بن عمر في تلك المدة إمتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي ، واجتمع عليه الناس ، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ، ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ .

 هذه حجة داحضة موه بها ابن حجر على الحقايق الراهنة لتغرير أمة جاهلة ، و لعله اتخذها مما جاء في الحديث من إنه لما تخلف عبد الله بن عمر عن بيعة علي عليه السلام أمر بإحضاره فأحضر فقال له: بايع .

 قال: لا أبايع حتى تبايع جميع الناس .

 قال له علي عليه السلام فأعطني حميلا (1) أن لا تبرح .

 قال: ولا أعطيك حميلا .

 فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الحميل كفعيل: الكفيل .

 

/ صفحة 25 /

إن هذا قد أمن سوطك وسيفك ، فدعني أضرب عنقه . قال: لست أريد ذلك منه على كره خلوا سبيله . فلما انصرف قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد كان صغيرا وهو سئ الخلق وهو في كبره أسوأ خلقا .

 وروي أنه أتاه في اليوم الثاني فقال: إني لك ناصح إن بيعتك لم يرض بها الناس كلهم ، فلو نظرت لدينك ورددت الأمر شورى بين المسلمين .

 فقال علي عليه السلام: ويحك وهل ما كان عن طلب مني ؟ ألم يبلغك صنيعهم بي ؟ قم يا أحمق ، ما أنت وهذا الكلام ؟ فخرج ثم أتى عليا عليه السلام آت في اليوم الثالث فقال: إن ابن عمر قد خرج إلى مكة يفسد الناس عليك فأمر بالبعثة في أثره فجاءت أم كلثوم ابنته فسألته وضرعت إليه فيه وقالت: يا أمير المؤمنين ! إنما خرج إلى مكة ليقيم بها ، وإنه ليس بصاحب سلطان ، ولا هو من رجال هذا الشأن ، وطلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره لأنه ابن بعلها فأجابها وكف البعثة إليه وقال: دعوه وما أراد .

 جواهر الأخبار للصعدي المطبوع في ذيل كتاب البحر الزخار ج 5: 71 .

 هلموا معي يا أمة محمد صلى الله عليه وآله نسائل ابن عمر ، هلا بايع هو أبا بكر ولم يجتمع عليه الناس ، وانعقدت بيعته باثنين أو أربعة أو خمسة كما مر في ج 7 ص 141 ط 1 ؟ والاختلاف هنالك كان قائما على ساق ، وهو الذي فرق صفوف الأمة حتى اليوم ، وكان ابن عمر ينظر إليه من كثب ، ثم لحقتها موافقة الناس بالإرهاب في بعض ، وإطماع في آخرين ، وأمر دبر بليل بين لفيف من زبانية الخلافة ، وتمت بعد وصمات مر الايعاز إليها في الجزء السابع ص 74 - 87 ، تمت وصدور أمة صالحة واغرة عليها وعلى من تقمصها ، وهو يعلم أن محل علي عليه السلام منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عنه السيل ، ولا يرقى إليه الطير .

 وأما أبوه فلم يثبت أمره إلا بتعيين أبي بكر إياه ، فيا عجبا يستقيلها في حياته إذا عقدها لآخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها ، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها (1) والناس متذمر على المستخلف كلهم ورم أنفه من ذلك قائلين: ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا ؟ ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) جمل لمولانا أمير المؤمنين من خطبته الشقشقية راجع ج 7: 81 ط 2.

 

/ صفحة 26 /

ألحقت الناس به العوامل المذكورة .

 وأما حديث الشورى ، وما أدراك ما حديث الشورى ؟ فسل عنه سيف عبد الرحمن بن عوف الذي لم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره ، واذكر قوله لعلي: بايع وإلا ضربت عنقك أو قوله له: لا تجعلن على نفسك سبيلا كما ذكره البخاري والطبري وغيرهما (1) وزاد ابن قتيبة: فإنه السيف لا غير .

 أو قول أصحاب الشورى لما خرج علي مغضبا ولحقوه: بايع وإلا جاهدناك (2) أو قول أمير المؤمنين: متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكني أسففت إذا سفوا ، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال آخر لصهره مع هن وهن .

 الخ (3) لكن ابن عمر - على زعم ابن حجر - لا يرى كل هذه خلافا في خلافة القوم ، ولا في معاوية من إنجاز الأمر بعد أمير المؤمنين علي عليه السلام بين السيف والمطامع ، وفي القلوب منه ما فيها إلى أن لفظ نفسه الأخير ، هذا سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة ومن رجال الشورى الست تخلف عن بيعته ، دخل على معاوية فقال له: السلام عليك أيها الملك فقال له: فهلا غير ذلك ؟ أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فقال سعد: نعم إن كنا أمرناك وفي لفظ: نحن المؤمنون ولم نؤمرك .

 فقال معاوية: لا يبلغني أن أحدا يقول: إن سعدا ليس من قريش إلا فعلت به وفعلت ، إن سعدا الوسط في قريش .

 ثابت النسب (4) .

وهذا ابن عباس وهو يجابه معاوية ويدحض حجته ، قال عبيد الله بن عبد الله المديني: حج معاوية فمر بالمدينة فجلس في مجلس فيه سعد وفيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس فالتفت إلى عبد الله بن العباس فقال: يا أبا عباس إنك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا ، فكنت علينا ولم تكن معنا ، وأنا ابن عم المقتول ظلما يعني عثمان وكنت أحق بهذا الأمر من غيري .

 فقال ابن عباس: أللهم إن كان هكذا فهذا - وأومأ إلى ابن عمر - أحق بها منك لأن أباه قتل قبل ابن عمك .

 فقال معاوية: ولا سواء إن أباه هذا قتله المشركون ، وابن عمي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري باب كيف يبايع الإمام ج 10: 208 ، تاريخ الطبري 5: 37 ، 40 ، الإمامة والسياسة 1: 25 ، الكامل لابن الأثير 3: 30 ، الصواعق ص 36 ، فتح الباري 13: 168 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 102 .

 (2) أنساب البلاذري 5: 22 .

 (3) راجع الجزء السابع ص 81 .

 (4) تاريخ ابن عساكر 5: 251 و ج 6: 106 .

 

/ صفحة 27 /

قتله المسلمون . فقال ابن عباس: هم والله أبعد لك وأدحض لحجتك . فتركه (1) .

 وأنكرت عائشة على معاوية في دعواه الخلافة وبلغه ذلك فقال: عجبا لعائشة تزعم أني في غير ما أنا أهله وأن الذي أصبحت فيه ليس لي بحق ، ما لها ولهذا يغفر الله لها إنما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به .

 فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) أو عجب ذلك يا معاوية ؟ قال: أي والله قال: أفلا أخبرك بما هو أعجب من هذا ؟ قال: ما هو ؟ قال: جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك (شرح ابن أبي الحديد 4: 5) .

 وهكذا كان أكابر الصحابة مناوئين له في المدينة الطيبة فأسمعوه النكير ، وسمعوا إدا من القول .

 ورأوا إمرا من أمره ، وشاهدوا منه أحداثا وبدعا في الدين الحنيف تخلد مع الأبد ، وعاينوا منه جنايات على الأمة الإسلامية وصلحائها وعظمائها من هتك و حبس وشتم وسب مقذع وضرب وتنكيل وعذاب وقتل قط لا تغفر له - وحاش لله أن يغفرها له - دع عمر بن عبد الغزيز يرى في الطيف أنه مغفور له (2) - وتذمرت عليه صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله لما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيه من لعنه والتخذيل عنه ، وأمره الصحابة بقتاله ، وتوصيفه فئته بالقسط وأنها الفئة الباغية ، وقوله السائر الدائر: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (3) وقوله صلى الله عليه وآله الخلافة بالمدينة والملك بالشام (4) ليت شعري أين كان ابن عمر من هذه كلها ومن قوله صلى الله عليه وآله الحاسم لمادة النزاع: ستكون خلفاء فتكثر .

 قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول (5) .

 وقوله صلى الله عليه وآله: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (6) .

 وقوله صلى الله عليه وآله: ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن عساكر 6: 107 .

 (2) سيوافيك تفصيله إنشاء الله تعالى .

 (3) كنوز الدقائق للمناوي ص 10 . أخرجه ابن عدي عن أبي سعيد والعقيلي عن طريق الحسن وسفيان بن محمد من طريق جابر وغيرهم . وسيوافيك الكلام في إسناده إنشاء الله تعالى .

 (4) تاريخ ابن كثير 6: 221 .

 (5) صحيح مسلم 6: 17 ، سنن ابن ماجة 2: 204 ، سنن البيهقي 8 .

 144 عن الشيخين ، تيسير الوصول 2: 35 عن الشيخين أيضا ، مسند أحمد 2: 297 ، المحلى 9: 360 .

 (6) صحيح مسلم 6: 23 ، مستدرك الحاكم 2: 156 ، سنن البيهقي 8 .

 144 ، الفصل لابن حزم 4: 88 ، المحلى 9: 360 ، تيسير الوصول 2: 35 .

 

/ صفحة 28 /

جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان . وفي لفظ: فاقتلوه(1) .

وقوله صلى الله عليه وآله: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه (2) .

وقوله صلى الله عليه وآله: من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر .

 قال عبد الرحمن بن عبد رب: فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه .

 وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي .

 فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله عز وجل يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما .

 قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله (3) .

 قال النووي في شرح مسلم هامش إرشاد الساري 8: 43: قوله صلى الله عليه وآله: فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر .

 معناه: ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام ، فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه ، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله . قال: قوله: فقلت له: هذا ابن عمك معاوية . إلى آخره .

 المقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول وأن الثاني يقتل فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليا رضي الله عنه وكانت قد سبقت بيعة علي فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل ، ومن قتل النفس ، لأنه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالا في مقاتلته .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح مسلم 6: 22 ، مستدرك الحاكم 2: 156 ، سنن البيهقي 8 . 168 ، 169 .

 (2) صحيح مسلم 6: 23 ، سنن البيهقي 8: 169 ، تيسير الوصول 2: 35 ، المحلى 9: 360 .

 (3) صحيح مسلم 6: 18 ، سنن البيهقي 8: 169 ، سنن ابن ماجة 2: 467 ، المحلى 9: 360 .

 

/ صفحة 29 /

وقال ص 40 في شرح قوله صلى الله عليه وآله: ستكون خلفاء فتكثر .

 الحديث: معنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها ، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ، ويحرم عليه طلبها وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم جاهلين ، وسواء كانا في بلدين أو بلد ، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره ، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء ، وقيل: تكون لمن عقدت في بلد الإمام . وقيل: يقرع بينهم .

 وهذان فاسدان ، واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الاسلام أم لا ، وقال إمام الحرمين في كتابه " الارشاد " (1): قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين ، قال: وعندي إنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه ، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال ، وهو خارج عن القواطع .

 وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصول ، وأراد به إمام الحرمين ، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث والله أعلم .

 ا ه‍ فكان من واجب ابن عمر نظرا إلى هذه النصوص أن يبايع عليا ولا يتقاعد عن بيعته وقد بايعه المهاجرون والأنصار والبدريون وأصحاب الشجرة على بكرة أبيهم ، قال ابن حجر في فتح الباري 7: 586: كانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة 35 فبايعه المهاجرون والأنصار وكل من حضر وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعد ما كان .

 ه‍ وكان من واجب الرجل قتال معاوية الخارج على الإمام الطاهر إن كان هو عضادة الدين آخذا بطقوسه ، تابعا سننه اللاحب ، مؤمنا بما جاء به نبيه الأقدس صلى الله عليه وآله بل الأمر كما قال عبد الله بن هاشم المرقال في كلمة له: فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ، ولا جنة ولا نار ، لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية بن أكالة الأكباد . كتاب صفين ص 405 .

 متى اختلف في بيعة علي أمير المؤمنين اثنان من رجال الحل والعقد من صلحاء الأمة ؟ ومتى تمت كلمة الأمة في بيعة خليفة منذ اسس الانتخاب الدستوري مثل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع الارشاد ص 525 طبع مكتبة الخانجي .

 

/ صفحة 30 /

ما تمت لعلي عليه السلام ؟ ولم يكن متقاعس عن بيعته سلام الله عليه إلا شرذمة المعتزلة العثمانيين وهم سبعة وثامنهم ابن عمر كما مر في الجزء السابع ص 142 ، فما الذي جعل بيعة أناس معدودين لم تبلغ عدتهم عشرة إجماعا واتفاقا في بيعة أبي بكر ، وأوجب على ابن عمر اتباعهم ، وحرم عليه التزحزح عنهم ؟ وجعل إجماع الأمة من المهاجرين والأنصار ورجال الأمصار على بيعة علي أمير المؤمنين وتخلف عدة تعد بالأنامل عنها خلافا وتفرقا ؟ .

 وليت ابن عمر إن كان لم يأخذ بحكم الكتاب والسنة في الاستخلاف كان يأخذ برأي أبيه فيه وقد سمعه يقول: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثم في أهل أحد ثم في كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ (1) .

وقال في كلام له: لا تختلفوا فإنكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله ابن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلا لسابقتكم ، وإن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء (2) .

 ولعل هذا الرأي كان من المتسالم عليه عند السلف وبذلك احتج مولانا أمير المؤمنين على معاوية في كتاب له كتب إليه بقول: واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ، ولا تعقد معهم الإمامة ، ولا يدخلون في الشورى (3) .

 وكتب ابن عباس إلى معاوية: ما أنت وذكر الخلافة ؟ وإنما أنت طليق بن طليق والخلافة للمهاجرين الأولين ، وليس الطلقاء منها في شئ (4) وفي لفظ: إن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشورى فما أنت والخلافة ؟ وأنت طليق الاسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر .

 ومن كلام لابن عباس يخاطب أبا موسى الأشعري: ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة وأعلم يا أبا موسى ؟ إن معاوية طليق الاسلام ، وأن أباه رأس الأحزاب ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 248 ، فتح الباري 13: 176 ، أسد الغابة 4: 387 .

 (2) الإصابة 2: 305 .

 (3) الإمامة والسياسة 71 وفي ط 81 ، العقد الفريد 2: 233 وفي ط 284 ، نهج البلاغة 2: 5 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 248 ، و ج 3: 300 .

 (4) الإمامة والسياسة 1: 85 ، وفي ط 97 ، شرح ابن أبي الحديد 2: 289 .

 

/ صفحة 31 /

وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة (1) .

 ومن كتاب لمسور بن مخرمة ، (2) إلى معاوية: إنك أخطأت خطأ عظيما ، وأخطأت مواضع النصرة ، وتناولتها من مكان بعيد ، وما أنت والخلافة يا معاوية ؟ وأنت طليق وأبوك من الأحزاب ؟ فكف عنا فليس لك قبلنا ولي ولا نصير (3) .

 وفي مناظرة لسعنة بن عريض الصحابي مع معاوية: منعت ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافة ، وما أنت وهي وأنت طليق بن طليق ؟ يأتي تمام الحديث إنشاء الله تعالى .

 وعاتب عبد الرحمن بن غنم الأشعري الصحابي (4) أبا هريرة وأبا الدرداء بحمص إذا انصرفا من عند علي رضي الله عنه رسولين لمعاوية وكان مما قال لهما: عجبا منكما كيف جاز عليكما ما جئتما به تدعوان عليا إلى أن يجعلها شورى ؟ وقد علمتما أنه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق ، وإن من رضيه خير ممن كرهه ، ومن بايعه خير ممن لم يبايعه ، وأي مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة ؟ وهو وأبوه من رؤس الأحزاب .

 فندما على مسيرهما وتابا منه بين يديه (5) .

 ومن كلام لصعصعة بن صوحان يخاطب به معاوية: إنما أنت طليق به طليق ، أطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله فأنى تصح الخلافة لطليق ؟ ! (6) .

 فأين يقع عندئذ معاوية الطليق ابن الطليق من الخلافة ؟ وأي قيمة في سوق الاعتبار لرأي ابن عمر ؟ وما الذي يبرر بيعته إياه إن لم يبررها عداء سيد العترة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرح ابن أبي الحديد 1: 195 .

 (2) نسب هذا الكتاب في كتاب صفين ص 70 إلى عبد الله بن عمر وهو وهم ، والأبيات التي كتبها رجل من الأنصار مع الكتاب تكذب تلك النسبة . فراجع .

 (3) الإمامة والسياسة 1: 75 ، وفي ط 85 .

 (4) قال أبو عمر في الاستيعاب: كان من أفقه أهل الشام ، وهو الذي فقه عامة التابعين بالشام وكانت له جلالة وقدر .

 (5) الاستيعاب ترجمة عبد الرحمن ج 2: 402 ، أسد الغابة 3: 318 .

 (6) مروج الذهب 1: 78 ، يأتي تمام الكلام في هذا الجزء إنشاء الله تعالى .

 

/ صفحة 32 /

 

أي إجماع على بيعة يزيد ؟

ثم أي إجماع صحيح من رجال الدين صحح لابن عمر بيعة يزيد الممجوج عند الصحابة والتابعين ، المنبوذ لدى صلحاء الأمة ، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور على حد قول شاعر القضاة الأستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير ص 217:

رافــــع الصـــــــوت داعيا للفلاح * اخفض الصوت في أذان الصباح

وترفـــق بصاحب العرش مشغولا * عــــن الله بالقـــيـــان المــــــلاح

ألـــف " الله أكـــبر " لا يســـاوي * بين كـــفي يـــزيد نهـــلـــــة راح

تتـــلظى فـــي الدنـــان بـــكرا فــلم * تـــدنس بلثـــم ولا بـــماء قــراح

والأمة مجمعة على شرطية العدالة في الإمامة ، قال القرطبي في تفسيره 1: 231: الحادي عشر - من شروط الإمامة - أن يكون عدلا لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق ، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم لقوله عليه السلام: أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون . وفي التنزيل في وصف طالوت: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم . فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوة .

 وقال في صفحة 232: الإمام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم ، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره ، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض فيها ، فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله ، ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له وكذلك هذا مثله . ه‍ .

أجل: المائة ألف المقبوضة من معاوية لتلك البيعة الغاشمة (1) جعلت الفرقة لابن عمر إجماعا ، والاختلاف إصفاقا ، كما فعلت مثله عند غير ابن عمر من سماسرة النهمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع أنساب الأشراف للبلاذري 5: 31 .

 

/ صفحة 33 /

والشره ، فركضوا إلى البيعة ضابحين يقدمهم عبد الله فبايعه بعد أبيه وكتب إليه ببيعته ، ونصب عينه الناهض الكريم ، والفادي الأقدس ، الحسين السبط سلام الله عليه المتحلي بآصرة النبوة ، وشرف الإمامة ، وعلم الشريعة ، وخلق الأنبياء ، والفضائل المرموقة ، سيد شباب أهل الجنة أجمعين ، وقد حنت إليه القلوب ، وارتمت إليه الأفئدة فرحين بكسر رتاج الجور ، ورافضين لمن بعده .

 لكن الرجل لم يتأثر بكل هذه ولم يرها خلافا ، ونبذ وصية نبيه الكريم وراء ظهره ولم يعبأ بقوله صلى الله عليه وآله إن ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها: كربلا .

 فمن شهد ذلك منكم فلينصره (1) نعم: نصر ذلك المظلوم قرة عين رسول صلى الله عليه وآله بتقرير بيعة يزيد .

 وحسبانها بيعة صحيحة ، كان ينهى عن نكثها عند مرتجع الوفد المدني من الشام وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات معتقدين خروجه عن حدود الاسلام قائلين: إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، ويضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الحراب والفتيان ، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه.

 فتابعهم الناس (2) وقال ابن فليح: إن أبا عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه وأحسن جائزته ، فلما قدم المدينة قام إلى جنب المنبر وكان مرضيا صالحا فقال: ألم أحب ؟ ألم أكرم ؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكرا . فأجمع الناس على خلعه بالمدينة (3) .

وكان مسور بن مخرمة الصحابي ممن وفد إلى يزيد ، فلما قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر فكتب إلى يزيد بذلك فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسورا الحد فقال أبو حرة:

أيشــربها صحباء كالمسك ريحها * أبو خالد والحد يضرب مسور(4)

قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما فصلناه في الجزء السابع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإصابة 2: 68 .

(2) تاريخ الطبري 7: 4 ، أنساب البلاذري 5: 31 ، فتح الباري 13: 59 . يأتي الحديث على تفصيله في هذا الجزء .

(3) تاريخ ابن عساكر 7: 280 .

(4) أنساب الأشراف للبلاذري 5: 31 .

 

/ صفحة 34 /

ص 145 ، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال: لا يخعلن أحد منكم يزيد ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما بيني وبينه .

 وفي لفظ البخاري: إني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه .

 وتمسك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان .

 جهلا منه بأساليب الكلام لما هو المعلوم من أن مصداق هذا الكلي هو الفرد المتأهل للبيعة الدينية بيع الله ورسوله ، لا من هو بمنتأى عن الله سبحانه ، وبمجنب عن رسوله ، كيزيد الطاغية أو والده الباغي .

 ومهما ننس من شئ فإنا لا ننسى مبدء البيعة ليزيد على عهد ابن آكلة الأكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مفاضة ، أقعدت هاتيك من نفى جدارة الخلافة عن يزيد ، وأثارت هذه سماسرة الشهوات ، فبايعوا بين صدور واغرة ، وأفئدة لا ترى ما تأتي به من البيعة إلا هزوا .

 وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز كل فار بدينه متعوذين من معرة هذه البيعة الغاشمة ، وكان عبد الله نفسه ممن تأبى عن البيعة (1) لأول وهلة من قبل أن يتذوق طعم هاتيك الرضيخة ، - مائة ألف - وكان يقول: إن هذه الخلافة ليست بهرقلية ولا قيصرية ولا كسروية يتوارثها الأبناء على الآباء (2) وبعد أن تذوقه كان لم يزل بين اثنتين: فضيحة العدول عن رأيه في يزيد ، ومغبة التمرد عليه ، لا سيما بعد أخذ المنحة ، فلم يبرح مصانعا حتى بايعه بعد أبيه ، ولما جاءت بيعته قال: إن كان خيرا رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا (3) ونحت لذلك التريث حجة تافهة من أن المانع عن البيعة كان هو وجود أبيه .

 وكان ليزيد أن يناقشه الحساب بأن أباه لم يكن يأخذ البيعة له في عرض بيعته ، وإنما أخذها طولية لما بعده ، لكنه لم يناقشه لحصول الغاية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الإمامة والسياسة 1: 143 ، تاريخ الطبري 6: 170 ، تاريخ ابن كثير 8: 79 ، لسان الميزان 6: 203 (2) الإمامة والسياسة 1: 143 .

 (3) لسان الميزان 6: 294 .

 

/ صفحة 35 /

هذه صفة بيعة يزيد منذ أول الأمر ولما هلك أبوه ازدلفت إليه رواد المطامع نظراء ابن عمر في نهيق ورغاء يجد دون ذلك الإرهاب والإطماع ، فمن جراء تقريرهم بيعة ذلك المجرم المستهتر ، وتعاونهم على الإثم والعدوان ، والله يقول: تعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وشقهم عصا المسلمين ، وخلافهم الأمة الصالحة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، جهز يزيد جيش مسلم بن عقبة ، وأباح له دماء مجاوري رسول الله صلى الله عليه وآله وأموالهم ، فاستباحها ثلاثة أيام نهبا وقتلا ، وقتل من حملة القرآن يوم ذاك سبعمأة نفس ، وحكى البلاذري: إنه قتل بالحرة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر ، سوى من قتل من الأنصار ، وفيهم ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة ، وممن قتل صبرا من الصحابة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة ، وقتل معه ثمانية من بنيه ، ومعقل بن سنان الأشجعي ، و عبد الله بن زيد ، والفضل بن العباس بن ربيعة ، وإسماعيل بن خالد ، ويحيى ابن نافع ، وعبد الله بن عتبة ، والمغيرة بن عبد الله ، وعياض بن حمير ، ومحمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن أبي عمرو ، وعبيد الله وسليمان ابنا عاصم ، ونجا الله أبا سعيد وجابرا وسهل بن سعد (1) وقد جاء في قتلى الحرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إنهم خيار أمتي بعد أصحابي (2) ثم بايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد ومن امتنع قتل (3) ووقعت يوم ذاك جرائم وفجائع وطامات حتى قيل: إنه قتل في تلكم الأيام نحو من عشرة آلاف إنسان سوى النساء والصبيان ، وافتض فيها نحو ألف بكر ، وحبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج (4) ولما بلغ يزيد خبر تلك الوقعة المخزية قال:

ليـــــت أشيـــــاخي ببــــدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل(5)

فاتبع ابن عمر في بيعة يزيد إجماع أولئك الأوباش سفلة الأعراب وبقية الأحزاب ولم يعبأ بإجماع رجال الحل والعقد من أبناء المهاجرين والأنصار ، وخيرة الخلف للسلف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أنساب البلاذري 5: 42 ، الاستيعاب 1: 258 ، تاريخ ابن كثير 8: 221 ، الإصابة 3: 473 ، وفاء الوفاء 1: 93 .

 (2) الروض الأنف 5: 185 .

 (3) لسان الميزان 6: 294 .

 (4) تاريخ ابن كثير 8: 221 ، الإتحاف ص 22 ، وفاء الوفاء 1: 88 .

 (5) أنساب الأشراف للبلاذري 5: ص 42 .

 

/ صفحة 36 /

الصالح وفيهم من فيهم ، فساهم يزيد وفئته الباغية في دم سبط الشهيد الطاهر ومن قتل يوم الحرة وفي جميع تلكم المآثم التي جنتها يد يزيد الأثيمة ، والله يعلم منقلبهم ومثواهم .

 ألا تعجب من ابن عمر وهو يرى يزيد الكفر والالحاد وأباه الغاشم الظلوم ومن يتلوهما في الفسوق صلحاء لا يوجد مثلهم ؟ أخرج ابن عساكر من عدة طرق كما قاله الذهبي وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 140 عن ابن عمر إنه قال: أبو بكر الصديق أصبتم إسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم إسمه ، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة ، ومعاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة ، والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لوي ، كلهم صالح لا يوجد مثله .

 وفي لفظ: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ، عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الرحمة ، ملك الأرض المقدسة ، معاوية وابنه ، ثم يكون السفاح ومنصور وجابر والأمين وسلام (1) وأمير العصب لا يرى مثله ولا يدرى مثله ، كلهم من بني كعب ابن لوي فيهم رجل من قحطان ، منهم من لا يكون ملكه إلا يومين ، منهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنك فإن لم يبايعهم قتلوه [ كنز العمال 6: 67 ] ومن جراء هذا الرأي الباطل قتل الصحابي بن الصحابي محمد بن أبي الجهم لما شهد على يزيد بشرب الخمر كما في الإصابة 3: 473 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سقط من هذا اللفظ " المهدي " وهو ثاني عشرهم .

 

/ صفحة 37 /

 

أخبار ابن عمر ونوادره

هذه عقلية ابن عمر في باب الخلافة ، فما قيمة رأيه وقوله واختياره فيها وفي غيرها ، وله أخبار تنم عن ضئولة رأيه وسخافة فكرته ، وأخبار تدل على مناوئته أمير المؤمنين عليه السلام وانحيازه عنه ، وتحيزه إلى الفئة الأموية الباغية ، فلا حجة فيما يرتأيه في أي من الفئتين .

 ومن نماذج الفريق الأول من أخباره قوله: ما اعطي أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الجماع ما أعطيت أنا (1) وهو يعطينا أنه رجل شهوي لا صلة له بغيرها ومن ضعف رأيه أنه حسب رسول الله صلى الله عليه وآله مثله بل أربى منه في الجماع ، جهلا منه بأن ملكات صاحب الرسالة وقواه كلها كانت متعادلة ثابتة على نقطة المركز قد تساوت إليها خطوط الدائرة ، فإذا آن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يفخر فخر بجميعها على حد واحد لا كابن عمر شهوة قوية مهلكة ، وعقلية ضعيفة يباهي بالجماع وقد ترك غيره ، وهي التي كانت تحذر أباه من أن يأذن له بالجهاد حين استأذنه له فقال: أي بني أني أخاف عليك الزنا (2) فما قيمة رجل في مستوى الدين ، وهو يمنع عن مواقف الجهاد حذرا من معرة شهوته الغلبة ، وسقطات شغبه وشبقه ؟ ! .

 نعم: كان لابن عمر أن يشبه نفسه بأبيه - ومن يشابه أبه فما ظلم - إذ له كلمة قيمة في النكاح تعرب عن قوة شهوته قال محمد بن سيرين قال عمر بن الخطاب: ما بقي في شئ من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي أي الناس نكحت وأيهم أنكحت .

 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3: 208 ، ورواه عبد الرزاق كما في كنز العمال 8: 297 .

 ومن جراء تلك النزعة الجاهلية التي كانت قد بقيت فيه قحم في مآثم سجلها له التاريخ ، جاء عنه أنه أتى جارية له فقالت: إني حائض فوقع بها فوجدها حائضا فأتى النبي صلى الله عليه وآله فذكر له ذلك ، فقال: يغفر الله لك يا أبا حفص ! تصدق بنصف دينار (3)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص 212 .

 (2) سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 115 ، وفي طبع ص 138 .

 (3) المحلى لابن حزم 2: 188 ، سنن البيهقي 1: 316 ، كنز العمال 8: 305 نقلا عن ابن ماجة واللفظ له .

 

/ صفحة 38 /

وسولت له نفسه ليلة الصيام قبل حلية الرفث فيها وواقع أهله فغدا على النبي صلى الله عليه وآله فقال: اعتذر إلى الله وإليك ، فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي ، فهل تجد لي من رخصة ؟ فقال: لم تكن حقيقا بذلك يا عمر ! فنزلت: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن .

 الآية (1) .

 وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن علي بن زيد: إن عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد الله بن أبي بكر فمات عنها واشترط عليها ألا تزوج بعده فتبتلت فجعلت لا تتزوج وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى فقال عمر لوليها: اذكرني لها فذكره لها فأبت على عمر أيضا فقال عمر: زوجنيها ، فزوجه إياها ، فأتاها عمر فدخل عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها فنكحها فلما فرغ قال: اف اف اف افف بها ، ثم خرج من عندها وترك لا يأتيها ، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإني سأتهيأ لك (2) .

 أيصح عن رجل هذا شأنه ما عزاه إليه الزمخشري في ربيع الأبرار ب 68 من قوله: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله نسمة تسبحه وتذكره ؟ !

(ومنها): عن الهيثم عن ابن عمر أتاه رجل فقال: إني نذرت أن أقوم على حراء عريانا يوما إلى الليل . فقال: أوف بنذرك .

 ثم أتى ابن عباس فقال له: أو لست تصلي ؟ قال له: أجل قال: أفعريانا تصلي ؟ قال: لا .

 قال: أو ليس حنثت ؟ إنما أراد الشيطان أن يسخر بك ويضحك منك هو وجنوده ، إذهب فاعتكف يوما وكفر عن يمينك .

 فأقبل الرجل حتى وقف على ابن عمر فأخبره بقول ابن عباس فقال: ومن يقدر منا على ما يستنبط ابن عباس؟(3) ها هنا يوقفنا السير على مبلغ الرجل من العلم بالأحكام ، أي فقيه هذا لا يعرف حكم النذر وأنه لا بد فيه من الرجحان في المنذور ، وأن نذر التافهات وما ينكره العقل لا ينعقد قط ؟ وهل مثل هذا يعد من المعضلات حتى لا يقدر على عرفانه غير ابن عباس ؟ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تفسير الطبري 2: 96 ، تفسير ابن كثير 1: 220 ، تفسير القرطبي 2: 294 ، و تفاسير أخرى .

 (2) طبقات ابن سعد ، كنز العمال 7: 100 ، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 5: 279 .

 (3) كتاب الآثار ص 168 متنا وتعليقا .

 

/ صفحة 39 /

ويكفي الرجل جهلا أنه ما كان يحسن طلاق زوجته ، وقد عجز واستحمق كما في صحيح مسلم 4 ص 181 ولم يك يعلم أنه لا يقع إلا في طهر لم يواقعها فيه (1) وفي لفظ مسلم في صحيحه 4: 181: إنه طلق امرأته ثلاثا وهي حائض .

 ولذلك لم يره أبوه أهلا للخلافة بعد ما كبر وبلغ منتهى الكهولة لما قال له رجل استخلف عبد الله بن عمر .

 قال عمر: قاتلك الله والله ما أردت الله بها أستخلف من لم يحسن أن يطلق امرأته ؟ (2) وكأن عمر كان يجد ابنه يوم وفاته على جهله ذاك حين طلق امرأته وهو شاب عض أيام حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلا فكل من الخلفاء بالانتخاب الدستوري لم يكن عالما بالأحكام من أول يومه إن غضضنا الطرف عن يوم تسنمه عرش الخلافة وإلى أن أودع مقره الأخير وعمر نفسه كان في المسألة نفسها لدة ولده لم يك يعلم حكم ذلك الطلاق حتى سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق (3) فالمانع عن الاستخلاف هو الجهل الحاضر وهذا من سوء حظ ابن عمر يخص به ولا يعدوه .

 وإني لست أدري أي مرتبة رابية من الجهل كان يحوزها ابن عمر حتى عرفه منه والده الذي يمتاز في المجتمع الديني بنوادر الأثر (4) ؟ فمن رآه عمر جاهلا لا يقدر مبلغه من الجهل .

 ومما يدلنا على فقه الرجل ، أو على مبلغه من إتباع الهوى وإحياء البدع ، أو على نبذه سنة الله ورسوله وراء ظهره ، إتمامه الصلاة في السفر أربعا مع الإمام ، وإعادته إياها في منزله قصرا كما في موطأ مالك 1: 126 تقريرا للبدعة التي أحدثها عثمان في شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، واتبعه في أحدوثته رجال الشره والتره وحملة النزعات الأموية كابن عمر ، وأبناء البيت الأموي كما فصلناه في الجزء الثامن ص 116 .

 وأخرج أحمد في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 8: 76 ، صحيح مسلم 4: 179 - 183 ، مسند أحمد 2: 51 ، 61 ، 64 ، 74 ، 80 ، 128 ، 145 .

 (2) تاريخ الطبري 5: 34 ، كامل ابن الأثير 3: 27 ، الصواعق ص 62 ، فتح الباري 7: 54 وصححه .

 (3) صحيح مسلم 4: 179 .

 (4) ذكرنا جملة منها في الجزء السادس ص 83 - 325 ط 2 .

 

/ صفحة 40 /

مسنده 2: 16 عنه قوله: صليت مع النبي صلى الله عليه وآله بمنى ركعتين ومع أبي بكر وعمر وعثمان صدرا من إمارته ثم أتم .

 ومن نوادر فقهه ما أخرجه أبو داود في سننه 1: 289 من طريق سالم: إن عبد الله بن عمر كان يصنع يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد: إن عائشة حدثتها: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك .

 وأخرجه إمام الشافعية في كتابه " الأم ، إن ابن عمر كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها تفتي النساء أن لا يقطعن ، فانتهى عنه .

 وأخرجه البيهقي في سننه 5: 52 باللفظين ، وأخرجه أحمد في مسنده 2: 29 بلفظ أبي داود .

 والأمة كما حكى الزركشي في الاجابة ص 118 مجمعة على أن المراد بالخطاب المذكور في اللباس الرجال دون النساء وأنه لا بأس بلباس المخيط والخفاف للنساء .

(ومنها) : ما أخرجه الشيخان من أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه فسأله فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع ، فتركها ابن عمر بعد و كان إذا سئل عنها بعد قال: زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها(1) .

وفي التعليق على صحيح مسلم (2): قوله " وصدرا من خلافة معاوية " قد أغرب في وصف معاوية بالخلافة بعد ما وصف الخلفاء الثلاثة بالإمارة ، وأسقط رابعهم من البين مع أن الخلافة الكاملة خصيصتهم ، وعبارة البخاري: إن ابن عمر رضي الله عنه كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية وكان معاوية كما ذكره القسطلاني في باب صوم عاشوراء يقول: أنا أول الملوك .

 وقال المناوي في شرح حديث الجامع الصغير (الخلافة بالمدينة والملك بالشام) وهذا من معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم فقد كان كما أخبر ، وقال في شرح حديثه (الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة): قالوا: لم يكن في الثلاثين إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن (ثم ملك بعد ذلك) لأن اسم الخلافة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 4: 47 ، صحيح مسلم 5: 21 ، سنن النسائي 7: 46 ، 47 ، مسند أحمد 2: 6 ، سنن ابن ماجة 2: 87 ، سنن أبي داود 2: 91 ، سنن البيهقي 6: 130 واللفظ لمسلم .

 (2) راجع صحيح مسلم 5: 22 من طبع محمد على صبيح وأولاده .

 

/ صفحة 41 /

إنما هو لمن صدق هذا الاسم بعمله للسنة والمخالفون ملوك وإنما تسموا بالخلفاء . ا ه‍ .

 ولابن حجر حول الحديث كلمة أسلفناها في ص 24 من هذا الجزء .

 قال الأميني: ألا تعجب من ابن خليفة شب ونمى وترعرع وشاخ في عاصمة الدين ، في محيط وحي الله ، في دار النبوة والرسالة ، في مدرسة الاسلام الكبرى ، بين ناشئة الصحابة وفي حجور مشيختهم ، بين أمة عالمة استقى العالم من نمير علمهم ، واهتدى الخلائق بنور هداهم ، وبقي هذا الانسان في ظلمة الجهل إلى أخريات أيام معاوية ، وعاش خمسين سنة بإجارة محرمة ، وشد بها عظمه ومخه ، ونبت بها لحمه وجلده ، حتى حداه إلى السنة رافع بن خديج الذي لم يكن من مشيخة الصحابة وقد استصغره رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ؟ وكانت السنة في المحاقلة والمخابرة تروى في لسان الصحابة ، وفي بعض ألفاظه شدة ووعيد مثل قوله صلى الله عليه وآله في حديث جابر: من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله (1) وجاءت هذه السنة في الصحاح والمسانيد بأسانيد تنتهي إلى جابر بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن ثابت (2) .

 وليت ابن عمر بعد ما علم الحظر فيما أشبع به طيلة حياته نهمته - وطبع الحال أنه كان يعلم بذلك ويرشد ويهدي أو يهلك ويغوي ، وكان غيره يقتص أثره لأنه ابن فقيه الصحابة وخليفتهم الذي أوعزنا إلى موارد من فقهه وعلمه في نوادر الأثر في الجزء السادس - كان يسأل عن فقهاء الأمة أو عن خليفته معاوية عن حكم المال المأخوذ المأكول بالعقد الباطل .

 أليس من الغلو الفاحش أو الجناية الكبيرة على المجتمع الديني أن يعد هذا الانسان من مراجع الأمة وفقهائها وأعلامها ومستقى علمها وممن يحتج بقوله و فعله ؟ وهل كان هو يعرف من الفقه موضع قدمه ؟ أنا لا أدري .

 (ومنها) : ما أخرجه الدارقطني في سننه من طريق عروة عن عائشة أنه بلغها قول ابن عمر: في القبلة الوضوء .

 فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سنن البيهقي 6: 128 .

 (2) راجع سنن النسائي 3: 52 ، سنن البيهقي 6: 128 - 133 .

 

/ صفحة 42 /

لا يتوضأ . [ الاجابة للزركشي ص 118 ] .

 (ومنها) : قوله في المتعة ، والبكاء على الميت ، وطواف الوداع على الحائض ، والتطيب عند الاحرام .

 وستوافيك أخبارها .

 ويعرب عن مبلغ الرجل من فقه الاسلام ما ذكره ابن حجر في فتح الباري 8: 209 من قوله: ثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة فذكر وآله ابن عمر فقال: ليس ابن عمر بأفقه مني ولكنه أسن مني وكانت له صحبة .

 فما شأن امرء يكون مروان أفقه منه ؟ ولعل نظرا إلى هذه وما يأتي من نوادر الرجل أو بوادره في الفقه ترى إبراهيم النخعي لما ذكر له ابن عمر وتطيبه عند الإحرام قال: ما تصنع بقوله ؟ (1) وقال الشعبي: كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه كما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 891 رقم التسلسل .

 هذا رأي الشعبي وأما نحن فلا نفرق بين فقه الرجل وحديثه وكلاهما شرع سواء غير جيدان ، بل حديثه أردى من فقهه ، وردائة فقهه من ردائة حديثه ، وكأن الشعبي لم يقف على شواهد سوء حفظه أو تحريفه الحديث فإليك نماذج منها: 1 - أخرج الطبراني من طريق موسى بن طلحة قال: بلغ عائشة أن ابن عمر يقول: إن موت الفجأة سخط على المؤمنين .

 فقالت: يغفر الله لابن عمر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: موت الفجاءة تخفيف على المؤمنين وسخط على الكافرين . الاجابة للزركشي ص 119 .

 2 - أخرج البخاري من طريق ابن عمر قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول فذكر ذلك لعائشة فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم حق .

 وفي لفظ أحمد في مسنده 2: 31: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القليب يوم بدر فقال: يا فلان ؟ يا فلان ؟ هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ أما والله إنهم الآن ليسمعون كلامي .

 قال يحيى: فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهم ، إنما قال رسول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 3: 58 ، تيسير الوصول 1: 267 .

 

/ صفحة 43 /

الله صلى الله عليه وسلم: والله إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم حقا ، وإن الله تعالى يقول: إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور .

 3 - روى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ .

 قال أبو عبد الله: فتأول ناس في هذا الحديث وقالوا: العرش سريره الذي حمل عليه ، واحتجوا بحديث رووه عن ابن عمر إنه تأوله ، كذا حدثنا الجارود قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر قال: ذكر يوما عنده حديث سعد: إن العرش يهتز بحب الله لقاء سعد قال ابن عمر: إن العرش ليس يهتز لموت أحد ولكنه سريره الذي حمل عليه .

 قال: فهذا مبلغ ابن عمر رحمه الله من علم ما القي إليه من ذلك ، وفوق كل ذي علم عليم .

 إنتهى . وأخرجه الحاكم في المستدرك 3: 606 ولفظه: قال ابن عمر: اهتز لحب لقاء الله العرش .

 يعني السرير قال: ورفع أبويه على العرش . تفسخت أعواده .

 وأنت تعرف سخافة هذا التأويل مما أخرجه البخاري والحاكم في المستدرك من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اهتز عرش (1) الرحمن لموت سعد بن معاذ .

 فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير .

 فقال إنه كان بين هذين الحيين الأوس والخزرج ضغائن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ (2) .

 وأخرجه مسلم بلفظ: اهتز عرش الرحمن (3) .

 وفي فتح الباري 7: 98: قد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أكثر وثبت في الصحيحين فلا معنى لإنكاره .

 4 - في كتاب " الانصاف " لشاه صاحب: روى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقضت عائشة عليه بأنه لم يأخذ الحديث على وجهه ، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها فقال صلى الله عليه وسلم: إنهم يبكون عليها ، وإنها تعذب في قبرها .

 وظن - ابن عمر - العذاب معلولا بالبكاء ، وظن الحكم عاما على كل ميت .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فصل ابن حجر القول في معنى الحديث في فتح الباري 7: 97 ، 98 .

(2) صحيح البخاري في المناقب ج 6: 3 ، مستدرك الحاكم 3: 207.

(3) صحيح مسلم 7: 150 .

 

/ صفحة 44 /

وأخرج أحمد في المسند 6: 281 عن عائشة أنه بلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه .

 فقالت: يرحم الله عمر و ابن عمر فوالله ما هما بكاذبين ولا مكذبين ولا متزيدين إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل من اليهود ومر بأهله وهم يبكون عليه فقال: إنهم ليبكون عليه وإن الله عز وجل ليعذبه في قبره .

 ولأحمد في مسنده لفظ آخر يأتي بعد بضع صحائف من هذا الجزء .

 أسلفنا الحديث نقلا عن عدة صحاح ومسانيد في الجزء السادس ص 151 ط 1 وفصلنا هنالك القول حول المسألة .

 5 - أخرج البخاري في كتاب الأذان من صحيحه ج 2: 6 عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم .

 هذا الحديث مما استدركت به عائشة على ابن عمر وكانت تقول: غلط ابن عمر وصحيحه إن ابن مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ، وبهذا جزم الوليد وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة ، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن .

 وفي لفظ البيهقي في سننه 1: 382: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن مكتوم رجل أعمى فإذا أذن فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال .

 قالت: وكان بلال يبصر الفجر ، وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر .

 وقال ابن حجر: ادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب - يعني لفظ البخاري - وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة ، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله: إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم ، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد .

 وأخرجه أحمد (1) وجاء عن عائشة أيضا: إنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول: إنه غلط ، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد قالت عائشة: وكان بلال يبصر الفجر .

 قال: وكانت عائشة تقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في المسند 6: 186 .

 

/ صفحة 45 /

غلط ابن عمر . فتح الباري 2: 81 .

 6 - أخرج أحمد في مسنده 2: 21 من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر تسع وعشرون وصفق بيديه مرتين ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه .

 فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهم ، إنما حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين فقالوا: يا رسول الله ! إنك نزلت لتسع وعشرين فقال: إن الشهر يكون تسعا وعشرين .

 وفي ص 56: فقيل له فقال (صلى الله عليه وسلم): إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين .

 ورواه أبو منصور البغدادي ولفظه: أخبرت عائشة رضي الله عنها بقول ابن عمر رضي الله عنه: إن الشهر تسع وعشرون فأنكرت ذلك عليه وقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما هكذا قال رسول الله ولكن قال: إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين (الاجابة للزركشي ص 120) .

 كان ابن عمر يعمل بوهمه هذا ويرى كل شهر تسعا وعشرين يوما وكان يقول: قال رسول الله: الشهر تسع وعشرون ، وكان إذا كان ليلة تسع وعشرين وكان في السماء سحاب أو قتر أصبح صائما (1) 7 - أخرج الشيخان من جهة نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر .

 فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

 وأخرج مسلم من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص إنه كان قاعدا عند عبد الله ابن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبد الله بن عمر: ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى دفن كان له قيراطان من أجر ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ، فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة .

 فضرب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مسند أحمد 2: 13 .

 

/ صفحة 46 /

ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض وقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة (1) .

 ولعل الباحث لا يشك إذا وقف على هذه الروايات وأمثالها في أن رواية ابن عمر لا تقل عن فقاهته في الردائة ، ومن هذا شأنه في الفقه والحديث لا يعبأ به وبرأيه ولا يوثق بحديثه .