عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

(لفت نظر) :

وضعت يد الأمانة الخائنة على ودائع الاسلام المقدس هذه الرواية تجاه ما صح عن النبي الأقدس في صنوه الطاهر أمير المؤمنين في حديث طويل عن ابن عباس من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وليي في الدنيا والآخرة .

 أخرجه أحمد في مسنده 1: 331 بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات كما مر الايعاز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة الزمر: 28 .

 (2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 174 .

 

/ صفحة 301 /

إليه في الجزء الأول ص 50، وفي الجزء الثالث ص 195 ط 2، رجاله:

1 - يحيى بن حماد أبو بكر البصري، أحد رجال الصحيحين، وثقه ابن سعد و أبو حاتم وابن حبان والعجلي .

 2 - أبو عوانة الوضاح اليشكري، من رجال الصحيحين وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وأحمد وابن حبان وابن سعد والعجلي وابن شاهين . وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة .

 3 - أبو بلج يحيى بن سليم الواسطي . وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي و الدار قطني وابن حبان وأبو الفتح الأزدي .

 4 - عمرو بن ميمون أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثقه العجلي وابن معين والنسائي وغيرهم . عن ابن عباس . وأخرجه جمع من الحفاظ وذكره غير واحد من المؤلفين ومنهم .

 1 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي المتوفى 303 في الخصائص ص 7 .

 2 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفى 360 كما في الفرايد والمجمع وغيرهما.

3 – الحافظ أبو يعلى النيسابوري المتوفى 374 كما في البداية والنهاية .

 4 - الحافظ أبو عبد الله الحاكم المتوفى 405 في المستدرك 3: 132 وصححه .

5 - الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى 458 كما في المناقب للخوارزمي .

 6 - أخطب خوارزم أبو المؤيد المتوفى 568 في المناقب ص 75 .

 7 - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفى 571 في الأربعين الطوال والموافقات .

8 - الحافظ أبو عبد الله الكنجي المتوفى 658 في كفاية الطالب ص 115 .

 9 - الحافظ المحب الطبري المتوفى 694 في الرياض النضرة 2: 203، ذخائر العقبى ص 87 .

 10 - شيخ الاسلام الحموئي المتوفى 722 في فرائد السمطين .

 11 - الحافظ ابن كثير الدمشقي المتوفى 774 في البداية والنهاية 7: 337 .

 12 - الحافظ أبو الحسن الهيثمي المتوفى 807 في مجمع الزوائد 9: 108 وصححه من طريق أحمد .

 

/ صفحة 302 /

13 - الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في الإصابة 2: 509 .

 14 - أبو حامد محمود الصالحاني كما في (توضيح الدلائل) لشهاب الدين أحمد .

 15 - السيد شهاب الدين أحمد في (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل) .

16 - الشيخ أحمد بن الفضل باكثير المتوفى 1042 في وسيلة المآل .

 17 - ميرزا محمد البدخشاني المتوفى 1123 في نزل الأبرار ص 16 ومفتاح النجا .

18 - شاه ولي الله الهندي المتوفى 1126 في إزالة الخفا 2: 261 .

 19 - الأمير محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني في الروضة الندية .

 20 - المولوي ولي الله الهند المتوفى 1270 في مرآة المؤمنين .

 وغيرهم هذا ما صح عن النبي الأعظم من قوله: أنت وليي في الدنيا والآخرة .

 فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم .

 12 - أخرج البزار من طريق خارجة بن مصعب عن عبد الله بن عبيد الحميري البصري عن أبيه قال: كنت عند عثمان حين حصر فقال: هاهنا طلحة ؟ فقال طلحة: نعم .

 فقال: أنشدتك الله أما علمت أنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذت بيد فلان، وأخذ فلان بيد فلان، حتى أخذ كل رجل بيد صاحبه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة ؟ قال: أللهم نعم . وذكره ابن حجر في فتح الباري 5 . 315 عن ابن منده من طريق عبيد الحميري المذكور ساكتا عما في إسناده من العلة، كأنه ليس هو الذي حكى تلكم الآراء الواردة في جرح خارجة بن مصعب عن الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل قال في تهذيب التهذيب 3: 78 قال الأثرم عن أحمد: لا يكتب حديثه . وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن أكتب عنه شيئا من الحديث . وقال الدوري ومعاوية وعباس عن ابن نمير: ليس بثقة، ليس بشئ، كذاب، ضعيف . وقال ابن معين: ليس بشئ . وقال يحيى بن يحيى: يدلس وقال النسائي: متروك الأحاديث، ليس بثقة، ضعيف . وقال ابن سعد: إتقى الناس حديثه فتركوه . وقال ابن خراش وأبو أحمد: متروك الحديث . وقال الدار قطني: ضعيف . وقال يعقوب: ضعيف الحديث عند جميع أصحابنا . وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف .

 

/ صفحة 303 /

وقال أبو داود: ضعيف ليس بشئ .

 وقال ابن حبان: وقع في حديثه الموضوعات عن الاثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره .

 وذكره ابن الجارود والعقيلي وابن السكن وأبو زرعة وأبو العرب وغيرهم في الضعفاء .

 وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: قال ابن حبان: خارجة يدلس عن الكذابين ووقع في حديثه الموضوعات .

 ولعلنا أوقفناك على مقياس صحيح في أمثال هذه الرواية في ذيل الروايتين اللتين تشبهانها قبيل هذا، فإنك إذن لا تجد مقيلا لها من الصحة والاعتبار نظرا إلى متنها قبل أن تقف على ضعف إسنادها، فدعها ومر بها كريما، وذر الوضاعين في غلوائهم يرمون القول على عواهنه ولو كان طلحة سمع هذه المزعمة منه صلى الله عليه وآله وسلم واعتراف بها يوم الحصار في ملأ الصحابة لما كان يأخذ بخناق الرجل ويشدد عليه، وما كان يثير عليه نقع الفتن حتى يورده مورد المنية، ولم يك يمنع عنه إيصال الماء إليه، ولم يرض بإنهاء أمره إلى القتل الذريع، ولم يرضه دفنه في مقابر اليهود .

 لو كان طلحة يعرف شيئا من هذه الرواية لما استسهل ركوب ذلك المركب الصعب الجموح وهو صحابي عادل أحد العشرة المبشرة كما يحسبون .

13 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عثمان عند باب المسجد فقال: يا عثمان ! هذا جبريل أخبرني إن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها . ورواه ابن عساكر كما في تاريخ ابن كثير 7: 211 .

 قال الأميني: أسلفنا فيما مر صفحة 290 أن محمد بن عثمان يخطئ ويخالف و يروي عن أبيه مناكير، وإن أباه ليس بثقة وأحاديثه غير محفوظة، وأنه حدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ومر في صفحة 295 أن عبد الرحمن بن أبي الزناد: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث وأنه ضعيف مضطرب الحديث لا يحتج بحديثه وعليك بمراجعة ما فصلناه في الجزء الثامن ص 231 - 234 ط 2 .

 

/ صفحة 304 /

14 - أخرج ابن عدي قال: حدثنا محمد بن داود بن دينار حدثنا أحمد بن محمد ابن حباب البصري حدثنا عمرو بن فائد البصري عن موسى بن سيار البصري عن الحسن البصري عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى سيفا مغمودا في غمده ما دام عثمان بن عفان حيا، فإذا قتل جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة . ورواه ابن عساكر بالإسناد .

 قال السيوطي في اللئالي 1: 316: موضوع آفته عمرو بن فائد وشيخه كذاب أيضا .

 قال الأميني: ألا تعجب من السيوطي ؟ يحكم هاهنا على الرواية بالوضع ويكذب راويه ويذكرها في تاريخ الخلفاء ص 110 في عد فضائل عثمان ويقتصر على قوله: تفرد به عمرو بن فائد وله مناكير .

 نعم هكذا يموهون على الحقايق ويغرون الناس بالجهل، كان على الرجل أن يلغيها عن سياق عد الفضائل - التي من طبعها أن يحتج بها - بعد ما رآها موضوعة رواها كذاب عن كذاب، غير أنه لو اقتصر على ما يحتج به في باب الفضائل، وألغى ما لا يصح منها سندا أو متنا، لما يجد هو وغيره فضيلة قط لعثمان، وهذا مما لا يروقه هو ولا يحبذه قومه .

 وللدار قطني، وابن المديني، والعقيلي، وابن عدي، والنسائي، والذهبي، كلمات في جرح عمرو بن فائد وبطلان حديثه . راجع لسان الميزان 4: 372 .

 وليحيى القطان، وأبي حاتم، وابن عدي، وابن معين، والذهبي، أقوال في تفنيد موسى ابن سيار البصري وتكذيبه وبطلان حديثه . راجع ميزان الاعتدال 3: 211، ولسان الميزان 6: 120 .

 وفي الاسناد محمد بن داود الفارسي، قال الذهبي في الميزان 3: 54: من شيوخ ابن عدي ذكره فقال: كان يكذب .

 وذكرا بن حجر في اللسان 5: 161 حديثا في فضل علي أمير المؤمنين فقال: هو من وضع محمد بن داود بن دينار .

 هذا شأن هذه المكذوبة غير أن أناسا من الغالين في الفضائل كالسيوطي و القرماني (1) وأحمد زيني دحلان (2) اتخذوها حجة عند ذكرهم فضائل عثمان مرسلين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في أخبار الدول هامش الكامل لابن أثير 1: 214 .

(2) في الفتوحات الإسلامية 2: 498 .

 

/ صفحة 305 /

إياها إرسال المسلم شأنهم في الموضوعات المفتعلة في الثناء على رجالاتهم.

15 - وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 103 من طريق أحمد بن كامل القاضي عن أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي عن الفضل بن جبير الوراق عن خالد بن عبد الله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دنا منه قال: يا عثمان ! تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وتبعث يوم القيامة أميرا على كل مخذول يغبطك أهل الشرق والغرب، وتشفع في عدد ربيعة ومضر .

 قال الأميني: سكت الحاكم عن صحة الحديث وأنصف الذهبي فقال في تلخيصه: كذب بحت، وفي الاسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به . ا ه‍ .

 وشيخ الجعفي أيضا لا يتابع على حديثه كما قاله العقيلي وحكاه عنه الذهبي في الميزان وابن حجر في لسانه 4: 438 .

 إن مما يقضى منه العجب أن أحدا من الصحابة العدول لم يسمع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأن المجلس الذي ألقى صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذه الكلمة كان خلوا عنهم جميعا ومن العجيب أيضا أنه لم يروه أحد منهم لصاحبه - إن كان سمعه أحد - حتى تتداوله الألسن فعسى أن يكون رادعا عن التجمهر على عثمان والاتفاق على نبذه والجرأة على قتله، نعم: لم يسمعه أحد منه صلى الله عليه وآله وسلم عدا ابن عباس الذي كان صبيا في عهد النبوة لم يبلغ الحلم وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ابن ثلاثة عشر سنة كما قاله الواقدي و الزبير وصححه أبو عمر في " الاستيعاب " أو عشر سنين كما روي عن ابن عباس نفسه من وجوه (1) أو أكثر منها، وربما يشك في أنه هل كان يحسن التحمل عندئذ أو لا ؟ ولعله هو أيضا كان شاكا في تحمله هذا الحديث حيث جاءته استغاثة عثمان (2) وهو يخطب الحاج يوم عرفة فتلاها نافع بن طريف فلما أتمها مضى ابن عباس في خطبته غير مكترث لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب، على حين أنه كان منصوبا من قبله لإمارة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع مسند أحمد 1: 253، الاستيعاب 1: 372 .

 (2) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 134، 192 .

 

/ صفحة 306 /

الحاج، فلم يعرض لشئ من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك إلا لاصفاقه مع المجهزين عليه في الرأي وإلا لكان من واجبه الحث على الذب عنه، وبيان وجوب إغاثته، وملأ سمعه هذا الحديث الذي عزي إليه وملأ فيه روايته - وحاشاه عن راويته - وكأن الحضرة النبوية نصب عينيه يتلقى فيه الرواية، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه .

 وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو إنه لما بعثه عثمان أميرا على الحاج لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له: يا ابن عباس ! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (1) تعني عثمان، فلم يبد ابن عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها على النزعة، كما رد عليها في حثها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى توليه الأمر، فلو كان ابن عباس يعرف في شأن عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا في الدفاع عنه، فجامع القول إن الحبر لم يسمع مما تقول عليه شيئا، وإنما هو من مواليد العهد الأموي بعد عهد ابن عباس .

 وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة، كما أن من المستصعب جدا عرفان أعيانهم وأشخاصهم، أفيهم أولئك الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعين أمثال أبي ذر وعمار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين خذلهم عثمان وأبناء بيته ؟ .

 ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبي سرح وأبا سفيان وولده وأضرابهم الذين خذلهم الاسلام وآواهم عثمان وعزرهم وسلطهم على صلحاء الأمة من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان .

 ونحن على يقين من أن الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها سيرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ويضادها نداء الكتاب الكريم إن حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بإدخال عثمان أرجاس آل أمية فيها كما يعرب عنه قوله الثابت المذكور في الجزء الثامن ص 291 ط 2: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 78 .

 

/ صفحة 307 /

16 - أخرج الحاكم المستدرك 3: 103 عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم العدل (1) عن يحيى بن أبي طالب عن بشار بن موسى الخفاف البصري عن الحاطبي عبد الرحمن (2) بن محمد عن أبيه عن جده قال: لما كان يوم الجمل خرجت أنظر في القتلى قال: فقام علي والحسن بن علي وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وزيد بن صوحان يدورون في القتلى قال: فأبصر الحسن بن علي قتيلا مكبوبا على وجهه فقلبه على قفاه ثم صرخ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون فرخ قريش والله .

 فقال أبوه: من هو يا بني قال: محمد بن طلحة بن عبيد الله .

 فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شابا صالحا ثم قعد كئيبا حزينا فقال له الحسن: يا أبت ! قد كنت أنهاك عن هذا المسير فغلبك على رأيك فلان وفلان .

 قال: قد كان ذاك يا بني ! ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة .

 قال محمد بن حاطب: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين ! إنا قادمون المدينة والناس سائلونا عن عثمان فإذا نقول فيه ؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر فقاما وقالا فقال لهما علي: يا عمار ويا محمد ! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الأثرة وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم ثم قال: يا محمد بن حاطب ! إذا قدمت المدينة وسئلت عن عثمان فقل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين وعلى الله فليتوكل المؤمنون .

 قال الأميني: سكت الحاكم عما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل ولم يصححه ولم ينبس فيه بكلمة غمز ولا تصحيح، واكتفى الذهبي فيه بقوله: بشار بن موسى واه: ونحن نقول: عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم .

 قال الدار قطني فيه لين، وذكره بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه 9: 414 .

 ويحيى بن أبي طالب قال فيه موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب عني . وقال مسلمة بن قاسم: تكلم فيه الناس . " لسان الميزان 6: 262 " .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في النسخ والصحيح: المعدل .

 (2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن عثمان بن محمد .

 

/ صفحة 308 /

وبشار بن موسى البصري، قال ابن معين: ليس بثقة . وقال: إنه من الدجالين . وقال أبو حفص: ضعيف الحديث.

 وقال البخاري: منكر الحديث وقد رأيته وكتبت عنه وتركت حديثه . وقال أبو داود: ضعيف . وقال النسائي: ليس بثقة . وقال أبو زرعة: ضعيف . وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم . وذكر عند الفضل بن سهل فأساء القول فيه (1) .

 وعبد الرحمن الحاطبي ضعفه أبو حاتم الرازي كما في ميزان الاعتدال للذهبي .

 ووالده عثمان لم أقف على ثناء عليه في معاجم التراجم .

 فأي عبرة بما يرويه أو يرتأيه أمثال هؤلاء الدجالين ؟ على أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان على بصيرة من مسيره إلى حروبه كلها ومنقلبه عنها وفي جميع ما ارتكبه فيها أو تركه، وكل ذلك كان بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد منه إليه عليه السلام، وقد عد ذلك من فضائله، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحث أصحابه على مناصرته يومئذ كما مر تفصيله في الجزء الثالث ص 188 - 195 ط 2 وكان صلى الله عليه وآله ويلم يقول: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك بشئ (2) .

 وكان أبو أيوب الأنصاري وغيره من الصحابة يقول: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتل مع علي الناكثين (3) .

 وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر أم المؤمنين عايشة عن ذلك التبرج تبرج الجاهلية الأولى ويقول لها: يا حميراء ! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة (4) وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما مر في ج 3 ص 191 ط 2 قوله للزبير: إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له .

 فكان مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مندفعا إلى ما ناء به من أعباء تلكم الحروب بالأمر النبوي، ولم يكن قط قد غلب على رأيه فلان وفلان، ولم يكن الإمام المجتبى المعصوم عن كل زلة وهفوة بالذي ينهى أباه عما أمر به جده الذي لا ينطق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الخطيب 7: 119، تهذيب التهذيب 1: 144 .

 (2) راجع الجزء الثالث ص 190 ط 2 .

 (3) راجع الجزء الثالث ص 192، 95 1 ط 2 .

 (4) راجع الجزء الثالث ص 189 ط 2 .

 

/ صفحة 309 /

عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا أمير المؤمنين عليه السلام بالذي يندم على ما نهض به من قم جذور الفساد وقلع جذومه، ولو سوغنا عليه الندم في هذه لسوغنا عليه فيما قتله في مغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أشياع الكفر وزبانية الشرك والالحاد، فإذ كان سلام الله عليه في المقامين جميعا منبعثا بباعث إلهي ومصلحة دينية من استئصال شأفة العيث وقطع جراثيم الالحاد، فلا يطرق ساحته المقدسة الندم في أي من الحالين .

 وأي صلاح في محمد بن طلحة ؟ وقد شهر سيفه يحارب إمام المسلمين وقد أمر بنصرته والجهاد معه، فحاله حال أبيه في الزيغ والنكوص عن السنن اللاحب .

 هذه حقيقة الأمر لكن مهملجة الخلاف الوضاعين شاءوا أن يختلقوا ما يبرر أعمال الواثبين مع الهودج فقالوا، ولكن أين ؟ وأنى ؟

 وكيف يصح عن مولانا أمير المؤمنين ما اختلقوا عليه من قوله لمحمد بن حاطب ؟ وقد صدر عنه من فعل وقول قبل هذا الموقف وبعده ما يعرب عن رأيه في عثمان، ولا يصدق الخبر الخبر، راجع ما مر في هذا الجزء ص 69 - 77، وفي الجزء الثامن ص 287، 298، 300، 301 ط 2، وفي الجزء السابع ص 81 ط 2 .

 وهل تساعد سيرة الرجل أن يراه أمير المؤمنين من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا . الآية .

 وهي التي أركبته النهابير، وسقته كأس المنية، وكانت تخالف الكتاب والسنة، والصحابة الأولون وفي مقدمهم سيدنا الإمام عليه السلام كانوا مطبقين عن النكير والنقمة عليها، ولأجلها تمخضت البلاد عليه، وهي التي أقعدت الصحابة عن نصرته والذب عنه، وهي التي زحزحت الأمة الصالحة عن تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه، وهي التي دفنته في مقابر اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة أياما وليالي تمر به عواصف الذل والهوان والملا الديني ينظر إليه من كثب، والناس قد بايع أمير المؤمنين عليا عليه السلام وبيده مقاليد الأمور يسمع قوله ويطاع، وهو الذي يتحمس لأمر ما، يراه الناس هينا وهو عنده عظيم، فيعاتب أصحابه ويقول في خطبته له: لقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها (1) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) القلب: السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح: القرط .

 

/ صفحة 310 /

وافرين، ما نال رجلا منهم كلهم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرء مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا (1) هذا أمير المؤمنين وهذا مبلغ غيرته على الاسلام وأهله ولكن:

وابـن عفان حوله لم يجهز          ه ولا كـــــف عنه كف أذاها

لســت أدري أكان ذلك مقتا          من علي ؟ أم عفة ونزاها؟

فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله . ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق .

 17 - أخرج ابن أبي الدنيا من طريق فرج بن فضالة الدمشقي عن مروان بن أبي أمية عن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال: مرحبا بأخي، مرحبا بأخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه الخوخة - قال: و خوخة في البيت - فقال: يا عثمان ! حصروك ؟ قلت: نعم .

 قال: عطشوك ؟ قلت: نعم، فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي وقال لي: إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، فاخترت أن أفطر عنده، فقتل ذلك اليوم (2) .

 قال الأميني: هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة الدمشقي قال أحمد: يحدث عن الثقات أحاديث مناكير .

 وقال ابن معين: ضعيف الحديث . وقال ابن المديني: ضعيف لا أحدث عنه . وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث.

 وقال النسائي: ضعيف وقال أبو حاتم: لا يحتج به . وقال أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم . وقال الدار قطني: ضعيف الحديث .

 وذكر البرقاني حديثا للدار قطني من طريق فرج بن فضالة فقال: الدار قطني: هذا باطل . فقال البرقاني: من جهة الفرج ؟ قال: نعم . وقال عبد الرحمن ابن مهدي: حدث بأحاديث منكرة مقلوبة . وقال الساجي: ضعيف الحديث .

 وقال الخطيب: لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي فإنها من رواية سليمان بن أحمد وهو الواسطي وهو كذاب، وقد قال البخاري: تركه ابن مهدي . و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) نهج البلاغة 1: 69 .

 (2) الأنساب للبلاذري 5: 82، تاريخ ابن كثير 7: 182، الرياض النضرة 2: 127 .

 

/ صفحة 311 /

قال ابن حبان: فرج بن فضالة يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به .

 وقال الحاكم: هو ممن لا يحتج به (1) .

 هذا فرج بن فضالة وأما شيخه مروان فلست أدري أي هي بن بي هو (2) لم أقف في المعاجم على ترجمته ولم أجد له ذكرا لا في مشايخ ابن فضالة ولا فيمن يروي عن ابن سلام، ولعله لم يولد بعدوكم في سلسلة أسانيد الفضائل أمثاله من أناس لا تعرفهم أم الدنيا، وما صورهم فلم التصوير، وإنما اختلق أسمائهم الغلو في الفضائل .

 ولست أدري هل أسر عثمان بهذه المكرمة إلى ابن سلام فحسب ؟ أو أخبر بها هو أو ابن سلام جمهور الصحابة فوجدوها رؤيا لا تنهض للحجة، أو بلغتهم حينما مس الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع، حينما فاتت الخليفة نهزة الحجاج، وتمت عليه الحجة وأصبح محجوجا، والأمة مجتمعة على مقته، و قطع أصول حياته وهي لا تجتمع على خطأ .

 وفي الرواية موقع نظر أيضا من ناحية صوم عثمان عند من أرخ قتله بثاني أيام التشريق - كما في رواية أبي عثمان النهدي في أنساب البلاذري 5: 86، وقد رواه الواقدي أيضا، واختاره المبرد في " الكامل " 2: 241، وذكره أبو عمر في " الاستيعاب " 2: 477، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، وابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 66، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 7: 141، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 109 والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 258، 264، ومن مؤلفي اليوم الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164 وذلك أن الصوم في أيام التشريق محظور عند القوم، و هو قول أبي حنيفة والشافعي وعند مالك لغير المتمتع (3) وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات 1: 41: قوله: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: وتفطر عندنا .

 معناه أول شئ تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذ صائما، فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه . ا ه‍ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تهذيب التهذيب 8: 260 - 262 .

(2) يقال: هي بن بي . أو: هيان بن بيان . أي مجهول لا يعرف هو ولا أبوه .

(3) المحلى لابن حزم 7: 28، نيل الأوطار 4: 353 .

 

/ صفحة 312 /

وهذا التأويل يخالف ما أثنى به المؤرخون على عثمان من إنه كان يوم قتله صائما، وهو من المتسالم عليه عند القوم سلفا وخلفا حتى اليوم كما ذكره الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164 .

 ويضاد أيضا صريح ما أخرجه ابن كثير في تاريخه 7: 182 من طريق ابن عمر عن عثمان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا عثمان ! أفطر عندنا .

 فأصبح صائما وقتل من يومه .

 وكذلك لا يلتئم هو وما أخرجه الهيثم بن كليب بالإسناد عن نائلة بنت الفرافصة " امرأة عثمان " قالت: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي - وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن - قالت: فلم يفطر فرأيت جارا على أحاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألت الماء العذب .

 فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به، قالت: فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائما، قالت فقلت: ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب ؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان ! فشربت حتى رويت ثم قال: ازدد فشربت حتى نهلت، ثم قال: أما إن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا .

 قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه (1) .

 نعم: إن الحديثين لا يعول عليهما أيضا لما في إسنادهما من داعية إلى الأرجاء يبغض أهل بيت نبيه، ومن مجهول منكر لا يعرف، ومن متحامل على أمير المؤمنين من الفئة الباغية، فالحديثان كرواية ابن أبي الدنيا باطلان، وما ذهب إليه القوم من أن الرجل كان يوم قتله صائما منقبة مفتعلة لا تصح لاستنادهم فيها إلى تلكم الأباطيل التي اختلقتها يد الغلو في الفضائل .

 18 - أخرج الحاكم وابن عساكر وغيرهما من طريق محمد بن يونس الكديمي أبي العباس البصري، عن هارون بن إسماعيل الخزاز أبي الحسن البصري، عن قرة ابن خالد السدوسي البصري، قال: سمع الحسن البصري عن قيس بن عباد البصري قال: شهدت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول كذا: أللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 183 .

 

/ صفحة 313 /

ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وأرادوني على البيعة فقلت: والله إني لاستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة .

 وإني لاستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا فلما دفن رجع الناس إلي فسألوني البيعة فقلت: أللهم إني مشفق لما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين ! فكأنما صدع قلبي، فقلت: أللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى . وفي لفظ ابن كثير: فلما قالوا: أمير المؤمنين . كان صدع قلبي وأمسكت (1).

 قال الأميني: ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدها مما استدرك به على الصحيحين ويمر بما فيها من اللغو كريما، ولعل الذهبي عرف بطلانها غير أنه لما وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيا ولم يلخصها ولم ينبس فيها ببنت شفة، ويدخر ما في علبة علمه أو في كنانة جهله إلى تزييف حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وأمثاله من الصحيح الوارد في فضائل مولانا أمير المؤمنين فيجابهها بكل جلبة ولغط، ولا تقصر عن أشواطهما خطى ابن كثير في تاريخه فيستند إليها مستدلا على ما يرومه من دحض الحق وترصيف الباطل، ونحن أسلفنا في الجزء الخامس ص 266 ط 2 في سلسلة الكذابين والوضاعين نزرا من أقوال الحافظ في جرح محمد بن يونس الكديمي وأنه كان يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع أكثر من ألف حديث وهاهنا نبسط القول فيها: قال الآجري: سمعت أبا داود ابن الأشعث يتكلم في محمد بن سنان وفي محمد بن يونس يطلق فيهما الكذب .

 وقال ابن التمار: ما أظهر أبو داود السجستاني تكذيب أحد إلا في رجلين: الكديمي وغلام خليل .

 وقال أبو سهل القطان: كان موسى بن هارون ينهي الناس عن السماع من الكديمي ويقول: قد تقرب إلي بأني كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن القاسم الأسدي وما حدث أبي قط عن محمد بن القاسم الأسدي .

 و عن موسى بن هارون أنه كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة -: أللهم إني أشهدك أن الكديمي كذاب يضع الحديث. وقال الشاذ كوني: الكديمي وأخو الكديمي وابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مستدرك الحاكم 3: 103، تاريخ ابن كثير 7: 193 .

 

/ صفحة 314 /

الكديمي بيت الكذب .

 وقال أبو بكر الهاشمي: كنا يوما عند القاسم المطرز وكان يقرأ علينا مسند أبي هريرة فمر في كتابه حديث عن الكديمي فامتنع عن قراءته فقام إليه محمد بن عبد الجبار - وكان قد أكثر عن الكديمي - فقال: أيها الشيخ أحب أن تقرأه فأبى وقال: أنا أحاسبه بين يدي الله يوم القيامة وأقول: إن هذا كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العلماء .

 وقال الدار قطني: الكديمي يتهم بوضع الحديث وقال: ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله .

 وقال ابن حبان: كان يضع الحديث لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث .

 وقال ابن عدي: قد اتهم بالوضع وادعى الرواية عمن لم يرهم، ترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه إلى جده لئلا يعرف (1) وقال ابن عدي أيضا: روى الكديمي عن أبي هريرة عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر حديثا باطلا، وكان مع وضعه الحديث وادعائه ما لم يسمع علق لنفسه شيوخا .

 وكان ابن صاعد وعبد الله بن محمد لا يمتنعان من الرواية عن كل ضعيف كتبا عنه إلا عن الكديمي فإنهما كانا لا يرويان عنه لكثرة مناكيره، ولو ذكرت كلما أنكر عليه وادعائه ووضعه لطال ذلك .

 وقال الحاكم أبو أحمد: الكديمي ذاهب الحديث تركه ابن صاعد وابن عقدة وسمع منه خزيمة ولم يحدث عنه، وقد حفظ فيه سوء القول عن غير واحد من أئمة الحديث (2) .

 وذكر السيوطي في اللئالي المصنوعة عدة أحاديث في شتى الأبحاث من طريق الكديمي فحكى فيها عن الحفاظ الحكم بوضعها وقولهم: إن آفتها الكديمي وإنه كذاب وضاع .

 وكأنه نسي كل ما ذكر هنالك فأورد هذه الأكذوبة في تاريخ الخلفاء ص 110 محذوفة الاسناد وقال: أخرجه الحاكم وصححه .

 ألم تكن تلك الأقوال الجارحة في الكديمي نصب عينه عند عد فضائل عثمان ؟ أم أن فضائل الرجل لها حساب آخر يسوغ الغلو فيها كل كذب واختلاق ؟ على أن الحاكم سكت عن هذه الأكذوبة ولم يصححها فنسبة التصحيح إليه لمحض إخراجه إياها في مستدرك الصحيحين وإلا فلا صراحة فيه بالتصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كما أن الحاكم يعرفه بالقرشي ولم يذكر نسبته إلى الكديم لئلا يعرف .

 (2) راجع تهذيب التهذيب 9: 539، والمصادر التي مرت في ج 5: 266 ط 2 .

 

/ صفحة 315 /

وبعد هذه كلها فإن المعلوم من نظرية مولانا أمير المؤمنين في عثمان كآراء بقية الصحابة فيه يفند نسبة هذه الأقاويل المختلقة إليه، أليس من المضحك ما ينسب إليه صلوات الله عليه من قول: ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان .

 .

 الخ ؟ ليته عليه السلام بدل هذه الكلمة كان يخطو خطوة في التحفظ على حرمة الرجل وكرامته، ويأمر ولده وذويه بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، وليته كان يقيم له مأتما ويأبنه ويذكره بالخير بعد ما تسنم منصة الخلافة، أو كان يحضر عند تربته ويقوم على قبره ويقرأ له الفاتحة ويأتي بسنة الله التي جاءت في زيارة قبور المسلمين، وأي مسلم لم تكن له معاظم واجبة المراعاة (1) .

 وليته كان يسكت عنه يوم قام به وقعد (2) وقال على رؤس الاشهاد: قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته .

 وقال في اليوم الثاني من بيعته في خطبة له: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله .. الخ .

 وليته كان لم يجابهه بقوله: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل الظعينة سار حيث سار به .

 وليته كان لم يكتب إلى المصريين بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم الظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه .

 وليته كان لم يقل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه .

 أو كان لم يقل: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني .

 وليته كان لم يخطب بقوله: من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بقال له: معاظم واجبة المراعاة . أي حقوقا مستعظمة .

 (2) يقال: قام به وقعد: أي نشر عنه أخبار السوء .

 

/ صفحة 316 /

وليته كان لم ينفر أصحابه إلى قتال طالبي دم عثمان بقوله على صهوة المنبر: يا أبناء المهاجرين انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا .. الخ .

 وليته لما قال له حبيب وشرحبيل: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما .

 كان لم يجب بقوله: لا أقول بذلك (1) وليته وليته ..

 والعجب كل العجب من قول علي صلوات الله عليه " فلما قالوا: أمير المؤمنين صدع قلبي " لماذا صدع قلبه صلوات الله عليه ولم تكن لهذه التسمية جدة ؟ وإنما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وحكاه عن الله تعالى وعن جبرئيل عليه السلام وما صدع قلبه يوم ذاك، فعلي من أول يومه هو أمير المؤمنين بنص من الصادع الأمين، وما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها (2) .

 19 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 47 ط ليدن عن محمد بن عمر عن عمرو بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن لبيبة قال: إن عثمان بن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار فقال: أفيكم طلحة ؟ قالوا: نعم .

 قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين نفسه ؟ فقال طلحة: أللهم نعم .

 فقيل لطلحة في ذلك فقال: نشدني وأمر رأيته ألا أشهد به ؟ رجال الاسناد:

1 - محمد بن عمر . هو الواقدي، راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 110 .

 2 - عمرو بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، لم أجد له ذكرا في المعاجم، ولعل فيه تدليس .

 3 - محمد بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، قال البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه . وقال النسائي مرة: ثقة . وأخرى: ليس بالقوي . راجع تهذيب التهذيب 9: 268 .

 4 - ابن لبيبة ويقال: ابن أبي لبيبة محمد بن عبد الرحمن .

 قال ابن معين: ليس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في ج 7: 81، و ج 8: 287، و ج 9: 69، 70، 72، 74، 172، 174 .

 (2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 87، 89 ط 2 .

 

/ صفحة 317 /

حديثه بشئ .

 وقال الدار قطني: ضعيف .

 وقال آخر ليس: بالقوي (1) على أن ابن لبيبة لم يشهد حصر عثمان ولم يرو عن صحابي فحديثه عن عثمان وعلي وسعد مرسل، يروي عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن عثمان وطبقتهما، فالرواية مرسلة، وابن سعد جد عليم بأن مثل هذه المفتعلة لا يخفى بطلانه على أي أحد سواء أرسله أو أسنده .

 وهلا يعلم مفتعل هذه الأضحوكة أن أئمة الحديث وحفاظه ورجال التاريخ أصفقت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ لنفسه أخا يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إلا ابن عمه علي بن أبي طالب ؟ وهذا الذي يقتضيه الاعتبار بعد ما نص الكتاب العزيز على أن عليا سلام الله عليه نفس النبي الأقدس .

 وإنهما من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإن ولاية علي مقرونة بولاية الله ورسوله (2) .

 وبعد ما ثبت أنه سلام الله عليه صنو النبي الأعظم في الفضائل، وشاكلته في النفسيات، ورديفه في الملكات الفاضلة، ونظيره من أمته كما جاء عنه صلى الله عليه وآله سلم (3) وهو منه صلى الله عليه وآله بمنزله رأسه من بدنه نصا منه صلى الله عليه وآله وسلم (4) وهو منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلته من ربه كما ورد عن أبي بكر مرفوعا (5) وهما من شجرة واحدة وساير الناس من شجر شتى كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (6) وهو الذي ثبت فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني وأنا منك (7) وهو الذي أنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه بمنزلة هارون من موسى ولم يستثن له مما اختصه الله به إلا النبوة (8) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 3: 89، تهذيب التهذيب 9: 301 .

 (2) راجع ما مر في ج 2: 47، و ج 3: 156 167 ط 2 .

 (3) الرياض النضرة 2: 164 .

 (4) تاريخ الخطيب البغدادي 7: 12، الرياض النضرة 2: 162، مصباح الظلام للدمياطي 2: 56 .

 (5) الرياض النضرة 2: 163 .

 (6) سيوافيك حديثه إنشاء الله تعالى بألفاظه ومصادره .

 (7) صحيح البخاري كتاب المناقب 5: 219، مسند أحمد 5: 204، 356، صحيح الترمذي في المناقب 2، 213، خصائص النسائي ص 20، 24، 36، تاريخ الخطيب 4: 140، و راجع ما مضى في الجزء السادس 338 - 350 ط 2 .

 (8) حديث المنزلة أخرجه أئمة الحديث بطرق صحيحة في الصحاح والمسانيد .

 

/ صفحة 318 /

لقد أدينا البحث عن حديث المؤاخاة حقه في الجزء الثالث ص 112 - 125 وذكرنا هنالك خمسين حديثا مما وقفنا عليه من أحاديث الاخاء الثابت بين النبي الأعظم و أخيه أمير المؤمنين، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: أنت أخي في الدنيا والآخرة .

 من طريق عمر وأنس وابن أبي أو في وابن عباس ومحدوج بن زيد الذهلي وجابر بن عبد الله و عامر بن ربيعة وأبي ذر وغيرهم .

 إنما فدحت هذه المأثرة أهل الأهواء كبقية مآثر الإمام صلوات الله عليه فوضعوا تجاها أكذوبة في أبي بكر وأنه هو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) وأخرى في عثمان و إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين نفسه .

 وثالثة في علي عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عثمان (2) ورواة السوء يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي بكر و بين عمر في المؤاخاة الأولى بمكة (3) وبينه وبين خارجة بن زيد الأنصاري في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بالمدينة (4) وآخر بين عثمان وبين عبد الرحمن بن عوف في المؤاخاة بمكة (5) وبينه وبين أوس بن ثابت يوم المؤاخاة بالمدينة .

 (6) فعثمان قط لا ينشد بالمكذوب، وطلحة لا يدعي رؤية ما لم يره، ولا يشهد بخلاف ما شاهده وعاينه، إن كانا من عدول الصحابة صدقا، ومن المبشرين بالجنة حقا، وأنت تعرف حكم هذه الدعاوي من الصحيح الثابت عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب .

 قال ابن كثير في تاريخه 7: 335: وقد جاء من غير وجه .

 وقال ابن حجر: رويناه من وجوه (7) و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ج 3 من كتابنا هذا ص 111، والإصابة 1: 35 وضعفه .

(2) الرياض النضرة 1: 17 .

 (3) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، أسد الغابة 2: 221، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 217 .

 (4) راجع سيرة ابن هشام 2: 124، تاريخ ابن كثير 3: 226، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 16، فتح الباري 7: 216، 218 .

 (5) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 218 .

 (6) راجع سيرة ابن هشام 2: 125، تاريخ ابن كثير 3: 227، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 61 .

 (7) تهذيب التهذيب 7: 337، وراجع ج 3 من كتابنا هذا ص 121 .

 

/ صفحة 319 /

كان قول أمير المؤمنين هذا أخذا بما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: أنت أخي وأنا أخوك فإن ناكرك أحد - وفي لفظ فإن حاجك - أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب (1) .

 وأول من فتح باب التجري بمصراعيه على هذه الفضيلة الرابية هو عمر بن الخطاب يوم قادوا صاحب الفضيلة إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش، وقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك .

 قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله .

 قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (2) .

 أنا لست أخدش العواطف بالأعراب عن حكم إنكار عمر الأخوة الثابتة بتلكم النصوص الصريحة الأكيدة وقد سمعها هو من الصادع الكريم في ذلك اليوم المشهود غير أني جد عليم بأن حجاج مولانا أمير المؤمنين كان أخذا بما مر قبيل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: فإن ناكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله .

 وهل قرع هذا سمع عمر أيضا وجابهه مع ذلك بالشدة في النكير عليه ؟ أنا لا أدري، فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " المائدة 42 " .

 20 - أخرج ابن عدي من طريق مصعب بن سعيد المصيصي عن عيسى بن يونس عن وائل بن داود عن البهي عن الزبير رضي الله عنه مرفوعا: لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إلا قاتل عثمان فإن لم يفعلوا فابشروا بذبح مثل ذبح الشاة .

 قال الأميني: ذكره الذهبي في الميزان 3: 173 مع حديثين من طريق مصعب ابن سعيد فقال: ما هذه إلا مناكير وبلايا .

 وقال ابن عدي: يحدث مصعب عن الثقات بالمناكير ويصحف وهو حراني (3) نزل المعصيصة (4) وله غير ما ذكر والضعف على رواياته بين .

 وقال ابن حبان: كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 115 ط 2 .

 (2) راجع ما مضى في الجزء السابع ص 78 .

 (3) حران: قرية من قرى حلب .

 (4) مدينة على شاطئ جيحان من تغور الشام بين انطاكية وبلاد الروم .

 

/ صفحة 320 /

مدلسا . وقال صالح بن جزرة: شيخ ضرير لا يدري ما يقول (1) .

 وفي الاسناد عيسى بن يونس قال الدار قطني: مجهول .

 والبهي هو عبد الله أبو محمد مولى مصعب بن الزبير ولا يصح روايته عن الزبير بل يروي عن عبد الله بن الزبير، وقال أبو حاتم في العلل: لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث .

 21 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 57 من طريق حامد بن آدم المروزي عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عثمان بن غياث البصري عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط إذ جاء رجل فاستفتح الباب فقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه . فإذا هو عثمان فأخبرته فقال: الله المستعان .

 قال الأميني: هلا يعرف أبو نعيم مفتعل هذه الأكذوبة حامد بن آدم ؟ أو يعرفه بعجره وبجره غير أن الغلو في الفضائل يسوغ له ولقومه رواية كل كذب مختلق في فضائل المستخلفين بالانتخاب الدستوري الذي لم تره عين الدنيا صحيحا قط .

 أنى يخفى على مثل أبي نعيم أن حامد بن آدم كذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث .

 وقال أبو داود السبخي: قلت لابن معين: عندنا شيخ يقال له: حامد بن آدم .. الخ .

 فقال: هذا كذاب لعنه الله (2) .

 على أن عثمان لو كان مبشرا بالجنة ومصدقا بوعد النبي الأقدس لما كان في نفسه خيفة من أن يكون هو ذلك الملحد بمكة الذي أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأن عليه عذاب نصف أهل الأرض كما مر فصحيحة أحمد .

 وأعجب من هذا مهزأة جاء بها الخطيب ألا وهي: 22 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 157 من طريق الحسين بن حميد ابن موسى العكي قال: حدثنا حماد بن المبارك البغدادي قال: حدثنا إسماعيل بن أمية عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: ما صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر قط إلا قال: عثمان في الجنة .

 قال: قال الدار قطني: كذا قال حماد بن المبارك عن عبد الله بن ميمون عن إسماعيل بن أمية عن ابن جريج، وهذا الحديث إنما يعرف من رواية إسماعيل بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لسان الميزان 6: 43 .

 (2) ميزان الاعتدال 1: 208، لسان الميزان 2: 163 .

 

/ صفحة 321 /

يحيى بن عبيد الله التيمي عن ابن جريج والله أعلم . وقال الذهبي في الميزان 1: 281: خبر غير صحيح . راجع لسان الميزان 2: 353 .

 قال الأميني: لا تعجب من الخطيب يذكر مثل هذه السفسطة بهذا الاسناد الوعر ولم ينبس ببنت شفة، ولم يعرب عن حال رجاله عادته في فضائل كل من أعماه حبه وأصمه، وأنت تجد نقضه وإبرامه، وجرحه وتعديله، وتصويبه وتصعيده في مناقب آل الله صلوات الله عليهم .

 أيخفى على مثل الخطيب قول مسلمة بن قاسم في الحسين العكي: إنه مجهول ؟ أم لا يهمه وجود حماد بن المبارك في الاسناد ؟ وهو المجهول الذي لا يعرف (1) أم عزب عنه قول البخاري في عبد الله بن ميمون: إنه ذاهب الحديث ؟ وقول أبي زرعة: إنه واهي الحديث ؟ وقول أبي حاتم والترمذي: إنه منكر الحديث ؟ وقول ابن عدي: إن عامة ما يرويه لا يتابع عليه ؟ وقول النسائي: إنه ضعيف ؟ وقول أبي حاتم أيضا: يروي عن الاثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ؟ وقول الحاكم: إنه يروي أحاديث موضوعة ؟ وقول أبي نعيم: إنه روى المناكير ؟ (2) أم لا يروق الخطيب الجرح في إسماعيل بن أمية العبشمي الأموي وهو ابن عم عثمان وقد جاء بالرواية مختلقة في ابن عمه الخليفة ؟ أم لا ينبهه ما حكاه عن الدار قطني إلى أن إسماعيل لا يروي عن ابن جريج ؟ وإنما الراوي إسماعيل بن يحيى التيمي .

 أم أراد حفظ سمعة الصديق أبي بكر في حفيده إسماعيل بن يحيى التيمي (3) والستر على قول صالح بن جزرة فيه: إنه كان يضع الحديث .

وقول الأزدي: إنه ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه . وقول أبي علي النيسابوري والدار قطني والحاكم إنه كذاب . وقول الحاكم: روى أحاديث موضوعة . وقول الدار قطني: إنه كان يكذب على مالك والثوري وغيرهما . وقول ابن حبان: إنه كان يروي الموضوعات عن الثقات لا تحل الرواية عنه بحال ؟ (4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 1: 281، لسان الميزان 2: 353 .

 (2) تهذيب التهذيب 6: 49 .

 (3) إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة .

 (4) ميزان الاعتدال 1: 117، لسان الميزان 1: 442 .

 

/ صفحة 322 /

نعم: هذه كلها بين يدي الخطيب غير أن الغلو في الفضائل أبكمه فبكم (1) وذكر الذهبي هذه الرواية في " ميزان الاعتدال " في ترجمة حماد بن المبارك، وقال: خبر غير صحيح .

 ولو كان لهذا الخيال مقيل من الصحة لاستدعى أن يكون ما اختلق فيه من كون عثمان في الجنة أهم ما صدع به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعارف والأحكام والحكم فإنا لم نجد ولا وجد واجد شيئا منها يهتم صلى الله عليه وآله وسلم له هذا الاهتمام ويصدع به على كل منبر صعده، نعم كان يكرر بعض ما يصدع به في عدة مقامات للكشف عن أهميته غير أنها مما تعده الأنامل، حتى أن الصلاة التي هي عماد الدين لم يكررها هذا التكرار الممل .

 وليت شعري هل كون عثمان في الجنة من أصول الدين وأسس الاسلام التي لا تتم الشريعة إلا بها فطفق صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في تبليغه هذه المبالغة في كل حين ؟ فهل هو حكم شرعي ؟ أو حكمة بالغة ؟ أو ملكة فاضلة ؟ أو ناموس إلهي يستحق هذا التأكيد والاصرار ؟ ثم لو كان عثمان من المؤمنين لكفاه تبشير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الجمة لهم بالجنة، فما الحاجة إلى هذا التهالك في تخصيصه بالذكر تهالكا لم يشاهد له نظير في شئ مما بلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه ؟ على أنه لو كان صلى الله عليه وآله وسلم مرتكبا ذلك لوجب أن يسمعه منه جميع الصحابة حتى من حظي بالإصاخة إلى قيله ولو مرة واحدة طليلة حياته، ووجب أن يتواتر الحديث منه صلى الله عليه واله وسلم فلا يختص بعزوه المختلق جابر، ولم يك يسنده عنه أناس دجالون، وإن من أهم تلكم المنابر منبر يوم الغدير وقد حضره مائة ألف أو يزيدون، فهل سمع أحد من أحدهم من الأعالي والساقة يحدث أنه صلى الله عليه وآله وسلم هتف عليه بأن عثمان في الجنة ؟ و هذه خطب النبي الأعظم هل تجد في شئ منها عما تقولوه حسيسا أو تسمع منه ركزا ؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذين سمعوا هذا المقال ووعوه تركوه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بكم بكامة: سكت تعمدا .

 

/ صفحة 323 /

وراء ظهورهم يوم الدار ؟ يوم قالوا له: والله أحل الله دمك (1) يوم كتبوا إليه يدعونه إلى التوبة وحاجوه وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه (2) يوم سلم عليهم فما سمع أحدا من الناس يرد عليه، وكان فيهم من عمد الصحابة من فيهم (3) يوم رفعت أمهم عقيرتها وهي تقول: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، إلى أيام قصصنا عليك حوادثها، أو أنهم كلهم نسوه فنالوا من الرجل ما نالوا ؟ وهل حصل لهم مذكر من عند أنفسهم فلم يوافقوه على السماع ؟ أو لم يعيروا له أذنا مصغية ؟ هذا وهم عدول، وإن ممن سمع بطبع الحال هاتيك الكلمة نفس عثمان فلماذا كان يخاف من القفول إلى مكة حذار أن يكون هو الذي سمع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما مر من أنه يلحد بمكة رجل عليه عذاب نصف أهل الأرض ؟ 23 - ذكر ابن كثير في تاريخه عند عد مناقب عثمان عن إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان إذا دعا له .

 قال الأميني: حذف ابن كثير وغيره ممن ذكر هذه المهزأة إسنادها وأرسلوها إرسال المسلم ذاهلين عن أن في ذكر إسماعيل بن عبد الملك كفاية من عرفان بقية رجاله قال ابن عمار وأبو داود: ضعيف .

 وقال ابن الجارود وابن معين والنسائي وأبو حاتم: ليس بالقوي .

 وقال عبد الرحمن بن مهدي: أضرب على حديثه .

 وقال الفلاس وأبو موسى: كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدثان عنه .

 وقال ابن حبان: كان يقلب ما يروي (4).

وأنا لا أدري أن عائشة متى روت هذه الرواية، قبل تكفيرها الرجل وتأليب الناس عليه، ثم نسيتها ؟ وسرعان ما تنسى أم المؤمنين ما حفظته كما نسيت أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها في مناوئة أمير المؤمنين علي عليه السلام وعن كلاب الحوأب ونباحها، أم أنها روتها حين كانت تثير العواطف على عثمان وترهج عليه نقع الحروب حتى أوردته موارد الهلكة فاعجب إذن بالمناقضة بين روايتها وعملها دواليك وهي صحابية عادلة أم الصحابة العدول كما يزعمون .

 أم أنها أسندتها بعد تلكم المعامع ؟ بعد أن سول لها الناكثان النهضة للطلب بثاراته .

 فخرجا يجران حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خدرها (1) فثارت لتتدارك ذلك الحوب بما هو أكبر منه، فخالفت القرآن الكريم فيما خص زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " فكان من استقرارها في بيتها أن ركبت الجمل وقادت العساكر، وباشرت الحرب بنفسها، وعاشرت الرجال الأجانب، ونبذت الكتاب وراء ظهرها، ولم ترع لبعلها حرمة ولا كرامة .

 وخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نواهيه المتعاقبة عن خصوص موقف الجمل كما مرت في الجزء الثالث ص 188 - 191 ط 2، وعن مطلق مناوءة أمير المؤمنين عليه السلام ومحاربته فيما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم مستفيضا كما أسلفنا نزرا منه في ج 1: 336، 337 و ج 2: 300 - 303، و ج 3: 26، 182 - 188 و ج 4: 322 - 325 ط 2 .

 نعم خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه المؤكدة بوصيه الطاهر حتى جاء في حديث معمر: عائشة كانت لا تطيب نفسا لعلي بخير .

 وفي حديث آخر: لكنها لا تقدر على أن تذكره بخير (2) .

 والحديث صحيح رجاله كلهم ثقات أخرجه أحمد في مسنده 6: 228 من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة أن عائشة أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له قالت: فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد على رجل آخر، وهو يخط برجليه في الأرض .

 قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدرون من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ هو علي، ولكن عائشة لا تطيب له نفسا .

 وأخرجه البخاري في صحيحه في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، غير أنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مضى في هذا الجزء ص 106 .

 (2) فتح الباري 2: 123 .

 

/ صفحة 325 /

حذف منه قول ابن عباس: " ولكن عائشة لا تطيب له نفسا " وهذا شأن البخاري في كل ما لا يروقه .

 نعم عائشة لا تقدر أن تسمي عليا وتذكره بخير، غير أنها كانت تصيخ إلى من نال من علي عليه السلام وتأنس بالوقيعة فيه ولا تنهى عنها كما في صحيحة رجالها كلهم ثقات أخرجها أحمد في مسنده 6: 113 من طريق عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما .

 لم يا أماه لست قائلة شيئا في علي ؟ أما سمعت أذناك من بعلك حديثا واحدا في فضله مثل ما سمعت في عمار ؟ أما تجدين في كتاب الله مما نزل في علي ما يعادل حديثك في عمار ؟ وفضل علي عليه السلام على عمار كما قال حذيفة اليماني: فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا من الأخيار (1) .

 لم يا أماه لا تكرهين أن يقذع عندك علي عليه السلام، وأنت التي كنت كارهة أن يسب عندك حسان بن ثابت ؟ وقد أخبر بذلك عروة قال: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:

فــــــإن أبي ووالده وعرضي          لعرض محمد منكم وقاء (1)

أما كانت عندك لمواقف علي المشكورة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمبيته على فراشه ليلة هجرته من مكة وقد باهى الله به ملائكته، قيمة وكرامة مقدار بيت شعر لحسان ؟ وحسان أنت أدرى به مني . إي يا أماه ؟ شنشنة أعرفها من أخزم .

 ومن رشحات ما كانت تحمله أم المؤمنين بين جنبيها من الضغينة على أول المسلمين وأولاهم لهم بهم من أنفسهم قولها يوم سمعت بيعة الناس له: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا .

 وخالفت العقيدة الراسخة من حرمة قتال خليفة الوقت، وليتني علمت ماذا يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 7: 73 .

 (2) راجع مسند أحمد 6: 197

/ صفحة 326 /

جواب أم المؤمنين لو أحفيت السؤال عن خطيئتها أيهما أعظم ؟ إجهازها على عثمان أم محاربتها الإمام أمير المؤمنين عليا عليه السلام ؟ غير أنها اليوم وقد كشف عنها الغطاء تجيب بأن الخطيئة كانت واحدة مرتكزة على سنام الجمل وتحت أستار الهودج، وهل كانت روايتها هذه لتبرير عملها الأخير ؟ وقد جعلتها معذرة لها في ثورتها أو أنها اختلقت عليها فأخرجتها رواة السفاسف أو حملة الأضغان على البيت النبوي الطاهر، أو سماسرة البيت الأموي الذين حاولوا نشر الفضيلة لهم ولو بالأفائك ؟ وكانت أم المؤمنين عالمة جدا بأن قتل عثمان كان هينا عند الله ورسوله في جنب خروجها من عقر دارها كما قال لها جارية بن قدامة السعدي الصحابي: يا أم المؤمنين ؟ والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، إن كنت أتيتينا طائعة ؟ فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة ؟ فاستعيني بالناس (1) ثم هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لعثمان بالثبات على الحق من إتباع الكتاب والسنة ؟ فلماذا لم يستجب ذلك الدعاء فخالفهما ؟ وظهر ذلك منه حتى عرفته عامة الصحابة فأنكروه عليه حتى قتلوه .

 أو أنه كان يدعو له بالتوفيق للتوبة ؟ فلماذا لم يوفق ؟ فكلما تاب رجع، وكلما عهد حنث، حتى عرف ذلك الثائرون عليه فلم يجدوا بدا من إعدامه .

 أو أنه كان يدعو له بالمغفرة وإن لم تكن توبته نصوحا ؟ فذلك إغراء بالجهل، وترخيص في المعصية، وهو محال على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

 أو أنه كان يدعو له بدفع عادية الناس عنه على ما هو عليه من طاعة أو معصية ؟ فهبني قلت: إنه جائز لكن الدعاء لم يستجب، وما غناء بقاء رجل هو هكذا سالما ؟ وهو لا يقتص أثره في صلاح، ولا يقتفى في طاعة، ولا يتبع في خير، وإنما تورث سلامته تجريا على المعاصي وولعا بالميول والشهوات أو أنه كان يدعو له باليسار والثروة ليرغد عيشه ويرغد عيش من لف لفه و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الطبري 5: 176، الكامل لابن الأثير 3: 90 .

 

/ صفحة 327 /

احتف به ولو كان بالأثرة لنفسه وذويه على المسلمين عامة متعديا حدود الله المأثورة في الأموال والصدقات ؟ فهل الدعاء لمثل هذا جائز في الشريعة ؟ وهل يستسيغ العقل السليم الدعاء للحصول على المآثم ؟ أو أنه كان يدعو له بنيل الخلافة ؟ وهذا إن صح فقد استجيب غير أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان بواسع علم النبوة بصيرا بما يؤل إليه أمر الرجل وينوء به مما لا تحمده شريعة أو عقيدة، ولا يستتبع خلافته إلا وهنا في الدين، وذهابا لأبهة الإمامة وقلقا في مستوى الاسلام وعاصمة النبوة، وتعكيرا لصفو الألفة بين أفراد المسلمين، وفتا في عضدهم، وهوانا على صلحاء الأمة في الحواضر الإسلامية، وتعطيلا للأحكام، وتعديا للحدود، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، وكل هذه مما عرفته منه الصحابة فتألبوا عليه، فما كان حاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خليفة هو هكذا ؟ .

 هذه محتملات الدعاء المزعوم، ولنا ها هنا مسائلة أخرى عن السبب الموجب لهذا الدعاء أولا وعن ظرفه ثانيا، أهل كان الموجب له أعماله السابقة على الدعاء ؟ أو ما ارتكبه في أخريات أيامه ؟ فجر على نفسه ومن اكتنفه الويلات من جرائه، أما الأخيرة فقد عرفت أنها لا تنهض موجبا لذلك، وأما سوابقه فسل عنه يوم بدر وتخلفه عنه وكان يعير بذلك طيلة حياته، ووقع فيه عبد الرحمن بن عوف لذلك في أخريات خلافته بملأ من الناس فأنهى إليه ذلك الوليد بن عقبة السكير الفاسق بلسان الوحي المبين (1) هنالك نحت له عذرا من تمريض رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) لكن الصحابة ما كانوا يعرفون ذلك العذر المفتعل حتى أولى الناس به أخوه بالمؤاخاة بمكة عبد الرحمن بن عوف، ولو كان ما يقوله صحيحا لعرفوه وهو بين ظهرانيهم غير منتأى عنهم .

 وسل عنه يوم أحد وفراره من الزحف وقد نزل فيه وفيمن فر قوله تعالى " في سورة آل عمران آية: 155 ": إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا . الآية (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مر تفصيل ذلك في ج 8: 274 - 276 ط .

(2) راجع مسند أحمد 1: 68، 75، الرياض النضرة 2: 97، تاريخ ابن كثير 7: 206 .

(3) راجع مسند أحمد، 1، 68، تفسير القرطبي 4 . 245، تفسير ابن كثير 1: 419، الرياض النضرة 2: 97، تفسير الخازن 1: 307 .

 

/ صفحة 328 /

وسل عنه ليلة وفاة أم كلثوم واقترافه الذنب فيها، وهتك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمته في صبيحتها بملأ من الصحابة بحرمانه من دفنها وهي زوجته وهو أحق الناس بدفنها، راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 231 ط 2 .

 وسل عنه إيواءه عبد الله بن أبي سرح وقد ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فأهدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دمه يوم الفتح وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، لكنه فر إلى أخيه من الرضاعة " عثمان " فآواه وغيبه، وكان من واجبه قتله أينما وجده، لكنه بدلا عن ذلك أتى به إلى رسول الله فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلا رجاء أن يقتله أحد من الحضور لأنه ما كان يروقه صلى الله عليه وآله وسلم إسعافه ولا يرى لحياة ابن أبي سرح قيمة .

 راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 280 ط 2 .

 وسل عنه إيواءه ابن عمه المشرك معاوية بن المغيرة بن أبي العاص يوم حمراء الأسد لما ظفر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خروجه منها فأمر بضرب عنقه صبرا فلجأ إلى عثمان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و توارى فبعث صلى الله عليه وآله وسلم عمار بن ياسر وزيد بن حارثة وقال: إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه (1) .

 وما أشبه فعلته هذه بإيوائه الحكم وابنه مروان في خلافته وهما طريدا رسول الله ولعيناه ؟ (2) فأمره سواسية في المبدأ والمنتهى .

 هذا كل ما علمناه من سوابق الرجل ولواحقه، وشئ منها لا يصلح أن يكون باعثا للحب والدعاء كما أن شيئا منها لا يترك للدعاء المزعوم ظرفا يستساغ له الدعاء فيه، فزبدة المخض أنه من مختلق الدور الأموي الذي لم يأل العبشميون فيه جهدا في وضع الفضائل أو الرذائل .

 نعم ذكروا له صلى الله عليه وآله وسلم دعوات عديدة لعثمان عند تجهيزه جيش العسرة، ولعل المتهالك في حب عثمان ينحته موجبا لتلكم الدعوات، والباحث جد خبير بأنه لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيرة ابن هشام 3 :، تاريخ ابن كثير 4: 51، عيون الأثر لابن سيد الناس 2: 37، 38، شرح الأشخر على بهجة المحافل 1: 213 .

 (2) راجع ترجمة الحكم وابنه مروان في الجزء الثامن من كتابنا هذا .

 

/ صفحة 329 /

يعدو شيئا منها وهن في الاسناد لضعف في رجاله أو إرسال فيه، على اضطراب الروايات في كيفية التجهيز وكمية ما أنفقته يده فيه، اضطرابا لا يعدوه الحكم بالبطلان في جميعها: قال ابن هشام في السيرة 4: 172: أنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها .

 حدثني من أثق به أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار .

 إلى آخر ما يأتي من حديثه .

 وأخذ الطبري الجملة الأولى من قول ابن هشام وترك حديثه .

 وعند الكلبي مرسلا كما في أسباب النزول للواحدي 61 جهز بألف بعير بأقتابها وأحلاسها .

 وعند قتادة مرسلا: حمل على ألف بعير وسبعين فرسا .

 وعند البلاذري بإسناد ضعيف مرسل: جهزهم بسبعين ألفا .

 وعند الطبراني بإسناد ضعيف: مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية من الذهب .

 وعند أبي يعلى بسند ضعيف: جاء بسبعمائة أوقية ذهب .

 وعند أبي ابن عدي بسند واه ضعيف جدا: جاء بعشرة آلاف دينار .

 وعند أبي نعيم بإسنادين باطلين: جاء بألف دينار .

 وعند أحمد وأبي نعيم بإسناد معلول: ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها .

 وعند ابن عساكر مرسلا: جهز ثلث ذلك الجيش مؤنتهم .

 وعند ابن الأثير ما ذكره الطبري وزاد عليه: قيل كانت ثلثمائة بعير وألف دينار .

 وعند عماد الدين العامري دعوى مجردة: أنفق ألف دينار، وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا .

 وعند الحلبي صاحب السيرة قولا بلا دليل: جهز عشرة آلاف دينار غير الإبل و الخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية .

 وعند بعض كما في السيرة الحلبية: أعطى ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها و خمسين فرسا .

 وفي رواية عند الحلبي: جاء بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله فصبت بين يديه .

 فقال: لعل هذه العشرة آلاف غير الذي جهز بها العشرة آلاف إنسان .

 

/ صفحة 330 /

فترى كل واحد يكل ويزن ما أنفقه الرجل في جيش العسرة بكيلة مروءته و ميزان كرامته، وما تستدعيه سعة صدره، ورحب ذات يده .

 على أن هناك أناسا آخرين شاركوا من جهز الجيش وأربوا، فلا أدري ما الموجب لاختصاص عثمان بتلكم الأدعية دونهم ؟ فمن أولئك المجهزين العباس بن عبد المطلب فإنه حمل مالا يقال إنه تسعون ألفا (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: العباس عم نبيكم أجود قريش كفا وأحناه عليها .

 وفي حديث: أوصلها لها " مستدرك الحاكم 3: 328 " وأول من حمل ماله كله هو أبو بكر على زعم القوم فإنه جاء بماله كله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل أبقيت شيئا ؟ قال: الله ورسوله (2) .

 وهب أن ما حمله أبو بكر كان نزرا يسيرا لكنه أنفق بكل ماله إن صدق الحديث وكمال الجود بذل الموجود .

 فما الذي أرجأه من الحظوة بالدعاء له ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يراه أمن الناس عليه بماله ؟ وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد في مسنده 1: 270 قوله: ليس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة .

 على أن طبع الحال يستدعي أن يكون هناك منفقون آخرون لأن عدد الجيش كان ثلاثين ألفا وعشرة آلاف فرس واثنا عشر ألف بعير عند كثير من المؤرخين، وعند أبي زرعة كانوا سبعين ألفا، وفي رواية أربعين ألفا (3) وما ذكروه من النفقات لعثمان وغيره لا تفي بتجهيز هذا الجيش اللجب، فلماذا حرم أولئك كلهم من الدعاء وحظي به عثمان فحسب ؟ أنا أنبئك لماذا، وجد عثمان بعد ما خذل وقتل أنصارا ينحتون له الفضائل، وتصرمت أيام أولئك من غير نصير مفتعل .

 وإليك جملة مما روي في الباب وافية للنهوض بإثبات بطلان ما يهتف به من المبالغة في أمر التجهيز المذكور، منها: 24 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 59 من طريق حبيب بن أبي حبيب أبي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إمتاع المقريزي ص 446 .

(2) تاريخ ابن عساكر 1: 110، شرح المواهب للزرقاني 3: 64، السيرة الحلبية: 145 .

(3) طبقات ابن سعد رقم التسلسل 683، تاريخ ابن عساكر 1: 111، إمتاع المقريزي ص 650، فتح الباري 8: 93، المواهب اللدنية 1: 173، إرشاد الساري 6: 438، شرح بهجة المحافل 2: 30 .

 

/ صفحة 331 /

محمد البصري - كاتب مالك - عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لما جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أللهم لا تنس لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا .

 قال الأميني: أتخفى على مثل الحافظ أبي نعيم أقوال أئمة الفن من قومه في حبيب كاتب مالك ؟ قال عبد الله بن أحمد - إمام الحنابلة - عن أبيه أنه قال: حبيب ليس بثقة قدم علينا رجل أحسبه قال من خراسان كتب عنه كتابا .

 إلى أن قال: قال أبي: كان يكذب، ولم يكن أبي يوثقه ولا يرضاه وأثنى عليه شرا وسوء . وقال أبو داود: كان من أكذب الناس كان يضع الحديث . وقال أبو حاتم: متروك الحديث روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة .

 وقال النسائي والأزدي، متروك الحديث . وقال ابن حبان: كان يدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم .

 و قال: أحاديثه كلها موضوعة وذكر له عدة أحاديث عن هشام بن سعد وغيره وقال: كلها موضوعة، وعامة حديثه موضوع المتن، مقلوب الاسناد، ولا يحتشم حبيب في وضع الحديث على الثقات، وأمره بين في الكذب .

 وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث .

 وقال سهل بن عسكر: كتبنا عنه عشرين حديثا وعرضناها على ابن المديني فقال: هذا كله كذب، وقال النسائي: متروك أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره (1) .

 وأخرجه أحمد من طريق ضمرة بن ربيعة الدمشقي الرملي، قال الساجي: صدوق يهم عنده مناكير، وجاء ضمرة عن الثوري عن ابن دينار عن ابن عمر بحديث فأنكره أحمد ورده ردا شديدا، وقال: لو قال رجل إن هذا كذب لما كان مخطئا .

 وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث راجع تهذيب التهذيب 4: 461 .

 (ومنها): 25 - أخرج أحمد في مسنده 1: 74 من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي البصري عن محمد بن عبد الله الأنصاري البصري عن هلال بن حق البصري عن سعيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ميزان الاعتدال 1: 210، تذكرة الموضوعات للمقدسي ص 90، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 74، تهذيب التهذيب 2: 181، اللئالي المصنوعة 1: 8، 230، خلاصة الكمال ص 60، أسنى المطالب ص 216 .

 

/ صفحة 332 /

الجريري (1) البصري عن ثمامة القشيري قال: شهدت الدار يوم أصيب عثمان رضي الله عنه فطلع عليهم إطلاعة فقال: ادعوا لي صاحبيكم اللذين (2) ألباكم علي فدعيا له فقال: نشدتكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال: من يشتري هذه البقعة من خالص ماله ؟ فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة .

 فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين ؟ وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين .

 ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلى المسلمين ؟ وله خير منها في الجنة .

 فاشتريتها من خالص مالي ؟ فأنتم تمنعوني أن أشرب منها .

 ثم قال هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة ؟ قالوا: أللهم نعم .

 وذكره البلاذري في الأنساب 5: 5، 6 من طريق يحيى بن أبي الحجاج البصري عن سعيد الجريري وزاد: فأنشدكما الله هل تعلمان أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالا: أللهم نعم .

 قال: أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بثبير، أو قال: بحراء .

 فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض فركضه برجله فقال: أسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالا: أللهم نعم .

 وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 168 من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن الجريري عن ثمامة .

(رجال الاسناد) :

1 - محمد بن عبد الله الأنصاري: قال العقيلي: منكر الحديث .

 وقال أبو أحمد الحاكم: روى يحيى بن خذام عنه عن مالك بن دينار أحاديث منكرة والله أعلم الحمل فيه عليه أو على يحيى .

 وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به وقال: ابن طاهر: كذاب .

 وقال الحاكم النيسابوري: يروي أحاديث موضوعة .

 وقال أبو الفضل الهروي: ضعيف .

 وقال الأزدي: منكر الحديث جدا روى عن مالك بن دينار أحاديث معاضيل: تهذيب التهذيب 9: 256 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الجريري بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد .

 (2) يعني طلحة والزبير، ووقعت التسمية في غير واحد من أحاديث المناشدة وكلها أكاذيب .

 

/ صفحة 333 /

لا يحسب الباحث أن محمد بن عبد الله الأنصاري هذا هو عبد الله البصري محمد ابن عبد الله بن المثنى فإنه يروي عن سعيد الجريري بلا واسطة كما في تهذيب التهذيب 4: 6 و ج 9: 274 والذي يروي عنه بالواسطة هو هذا الأنصاري المترجم له .

 2 - سعيد أبو مسعود الجريري وهو وإن كان ثقة في نفسه لكنه لا تصح روايته لاختلاطه ثلاث سنين من عمره، قال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح .

 وقال يزيد بن هارون ربما ابتلانا الجريري وكان قد أنكر .

 وقال ابن معين عن ابن عدي: لا نكذب الله سمعنا من الجريري وهو مختلط .

 وقال ابن حبان: اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين .

 وقال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس: أسمعت من الجريري ؟ قال: نعم .

 قال: لا ترو عنه، يعني لأنه سمع منه بعد اختلاطه .

 وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله إلا أنه اختلط آخر عمره " تهذيب التهذيب 4: 6 " .

 3 - يحيى بن أبي الحجاج البصري في طريق البلاذري .

 قال النسائي وابن معين: ابن أبي الحجاج ليس بشئ .

 وقال أبوح أتم: ليس بالقوي .

 ونحن لو غاضينا العثمانيين على صحة هذه الرواية وأمثالها فإنها تعود وبالا على عثمان أكثر منها منقبة فإن في صريحها أن الرجلين وهما من العشرة المبشرة ومن الستة أصحاب الشورى وفي الجبهة والسنام من الصحابة العدول " عند القوم " إعترفا له بما استنشدهما لكنهما لم يأبها بما حاوله عثمان من مفاد الرواية فاستمرا على التأليب عليه والضغط والتشديد، فهل هو مجابهة منهما لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟ " ويرده عدلهما وكونهما من العشرة " أو أنهما علما أن الشئ حدث بعده شئ أزاح موضوعه ؟ وإنما كان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرحلة الاقتضاء من آثار تلكم الأعمال الطبيعية إذا استمر صاحبها على ما هو عليه في هاتيك الأحوال، ولم يحدث موانع فإنهما كانا يرتئيان حدوث موانع هنالك سالبة لأثر الاقتضاء .

 وبهذا الاعتقاد مضيا مصرين على ما ارتكباه من أمر الخليفة، وهما يريانه حائدا عن الصراط السوي .

 ولعل عثمان نفسه ما كان جازما ببقاء تلكم الآثار التي كان نوه بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم نظرا منه لما أحدث بعد ذلك من الحوادث، ولذلك كان يحاذر أن يكون هو الرجل الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه يلحد بمكة رجل عليه

/ صفحة 334 /

نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه الصحيح في ص 152 من هذا الجزء .

 ويشبه طلحة والزبير بل وعثمان نفسه بقية الصحابة المجهزين عليه فيما بيناه من الاعتقاد في حق الرجل .

 فراجع ما قدمناه من أقوالهم وأعمالهم المذكورة في الجزء الثامن وفي هذا الجزء ص 69 - 163، ولا تنس قولهم له في مناشدته المذكورة في ص 204: وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله فإنك قد كنت ذا قدم وسلف وكنت أهلا للولاية، ولكن: بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت .

 وقولهم له: وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه، وكابرت عليه .. الخ .

 ونظير هذه الأقوال الكثير المعرب عن آراء الصحابة فيه وفي أحداثه، وكلها تكذب القول بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمي الرجل شهيدا .

 نعوذ بالله من الاختلاق بلا تدبر (ومنها):

26 - أخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق صعصعة بن معاوية التيمي قال: أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم .

 فقال: احضروا غدا فأشرف عليهم وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجنة .

 فحفرتها ؟ ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة .

 فجهزته ؟ قال: فصدقوه بما قال .

 ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 314 وقال: وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس إن الذين صدقوه بذلك هم: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص .

 ترى ابن حجر هاهنا ساكتا عن الغمز في هذه الرواية وهو الذي جمع أقوال الحفاظ في سيف بن عمر من أنه ضعيف، متروك، ساقط، وضاع، عامة حديثه منكر، يروي الموضوعات عن الاثبات، كان يضع الحديث، واتهم بالزندقة " راجع ج 8: ص 84، 333 من كتابنا هذا " وكأنه أراد من عد من صدق عثمان في دعواه إثبات فضيلة له ذاهلا عن أن كثرة

/ صفحة 335 /

المصدقين في المقامين على تقدير صحة الخبر - وأنى هي ؟ - تزيد عارا وشنارا على الرجل، وتعود وبالا عليه أكثر منها منقبة كما مر بيانه، وإني لا أشك في أن الباحث بعد هذا البيان الضافي لا يقيم لهذه المناشدة وزنا وإن خرجه البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا باب إذا وقف أرضا أو بئرا ج 4 ص 236 (1) وما أكثر بين دفتي هذا الصحيح من سقيم يجب أن يضرب به عرض الحائط كما هو الظاهر لدى من يراجع كتاب " أبو هريرة " لسيدنا الآية شرف الدين وغيره من تآليفه، وسنوقفك على جلية الحال في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى . (ومنها):

27 - أخرج أسد بن موسى في فضائل الصحابة عن قتادة البصري قال ؟ حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة . ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 315 وقال: مرسل .

 ولم يسم ابن حجر رجال الاسناد بين أسد بن موسى وبين قتادة وكذلك من قتادة إلى منتهى السند، فالرواية مرسلة من الطرفين، ولعل في مرحلتي السند أناس من الوضاعين المفضوحين ستر عليهم أسد بني مروان بذيل أمانته، وراقه الابقاء على كرامة الحديث بإسقاطهم، وأسد ابن موسى هو حفيد الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي قال النسائي مع توثيقه: لو لم يصنف كان خيرا له .

 وقال ابن يونس: حدث بأحاديث منكرة وأحسب الآفة من غيره .

 وقال ابن حزم: منكر الحديث ضعيف .

 وقال عبد الحق: لا يحتج به عندهم (2).

(ومنها) :

28 - أخرج أبو يعلى من وجه آخر فيه قال: فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب . ذكره ابن حجر في الفتح 5: 315 وقال: ضعيف . وليته كان يذكره بإسناده حتى كنا نوقف الباحث على ترجمة رجاله الكذابين .

 (ومنها):

29 - أخرج ابن عدي من طريق عمار بن هارون (3) أبي ياسر المستملي عن إسحاق ابن إبراهيم المستملي عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه من طريق أبي إسحاق السبيعي الشيعي المدلس وقد مرت ترجمته في ج 7: 276 وإنه ضعيف جدا لا يحتج بحديثه، عن أبي عبد الرحمن العثماني .

 (2) ميزان الاعتدال 1: 97، تهذيب التهذيب 1: 260 .

 (3) في تاريخ ابن كثير: عمار بن ياسر المستملي .

 والصحيح ما ذكرناه .

 

/ صفحة 336 /

يستعينه في غزاة غزاها فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فوضعها بين يديه فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له: غفر الله لك يا عثمان ! ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها .

 ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ساكتا عما في إسناده من العلل عاداته في فضائل من غمره حبه، وأورده ابن حجر في فتح الباري 5: 315 فقال: سند ضعيف جدا .

 وقال في ج 7 ص 43: سنده واه .

 وذكره القسطلاني في المواهب اللدنية 1: 172 ساكتا عن علله وعقبه الزرقاني بقول ابن حجر راجع شرح المواهب 3: 65، و ستوافيك ترجمة بعض رجال الاسناد الضعفاء في هذا الجزء .

 وذكر ابن كثير في تاريخه 7: 212 وقال: روى الحسن بن عرفة عن محمد بن القاسم الأسدي الشامي عن الأوزاعي الشامي عن حسان بن عطية الدمشقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه قال لعثمان: غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة .

 قال الأميني: لو لم يكن في إسناد هذه الأكذوبة المرسلة إلا محمد بن القاسم الذي كان عثمانيا كما قاله العجلي لكفاه وهنا، أيخفى على ابن كثير المحتج بها قول النسائي في محمد بن القاسم: إنه ليس بثقة كذبه أحمد ؟ أم قول الترمذي: تكلم فيه أحمد وضعفه ؟ أم قول أبي حاتم: ليس بقوي لا يعجبني حديثه ؟ أم قول أبي داود: إنه غير ثقة ولا مأمون أحاديثه موضوعة ؟ أم قول ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ؟ أم قول البراء: حدث بأحاديث لم يتابع عليها ؟ أم قول الدار قطني: كذاب ؟ أم قول ابن القاسم: أحاديثه موضوعة ليس بشئ ؟ أم قول البخاري عن أحمد: رمينا حديثه ؟ أم قوله في موضع آخر: كذبه أحمد ؟ أم قول ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم لا يجوز الاحتجاج به ؟ أم قول العقيلي: يعرف وينكر، تركه أحمد و قال: أحاديثه أحاديث سوء ؟ أم قول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم ؟ أم قول البغوي: ضعيف الحديث ؟ أم قول الأزدي: متروك (1) .

 وهذا كاف في وهن السند وبطلانه، وإن غضضنا الطرف عن بقية ما فيه من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 3: 122، تهذيب التهذيب 9: 407 .

 

/ صفحة 337 /

الشاميين أعداء الحق وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وما فيه من الإرسال الموهن للرواية، ودع عنك ما في متنه مما يضاد الأصول المسلمة من الترخيص في المعصية مما هو كائن إلى يوم القيامة، فهو يوجب التجري على المعاصي فيما يستقبل الرجل من الأيام، وأي إنسان غير معصوم يقال له: إن كل ما سوف ترتكبه من المآتم مغفور لك .

 فلا تحدوه شهواته إلى توهين اقترافها، واستسهال ركوبها ؟ والشهوة غريزة في الانسان تقوده إلى مهاوي الهلكة كل حين، والمعصوم من عصمه الله تعالى .

 نعم حقا يقال: إن سيرة عثمان تصدق هذه الرواية فإنها لا تشبه إلا سيرة من رخص بالمآثم، وأذن لاقتحام الطامات والموبقات، وبشر بغفران هناته وعثراته، فكان غير مكترث لمغبة فعاله، ولا مبال بمعرة مقاله .

 وهب إن الحسنات يذهبن السيئات من غير حقوق الناس والكبائر المخرجة عن الدين التي سلفت من الانسان، ولكن أي عمل بار في الشريعة " ولا أقول من أعمال عثمان فحسب " .

 يبيح للمكلف السيئات فيما يأتي من عمره إلى يوم القيامة ويبشره بالمغفرة فيها جمعاء ؟ وليس في ميزان الأعمال ما هو أرجح من الإيمان ومع ذلك فهو غير ممتاز عما سواه بمغفرة ما يأتي به صاحبه في المستقبل، وإنما يجب ما قبله، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (1)، وإلا لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجه خطابها إلى المؤمنين أجمع .

 وإنا لم نجد في أعمال عثمان عملا بارا يستدعي هذه المغالاة الخارجة عن أصول الاسلام، غير ما أنفقه على جيش العسرة إن صح من ذلك شئ، وما خسره على بئر رومة، وقد علمت أن جيش العسرة أنفق عليه غيره ما هو أكثر مما أنفقه هو، وما أكثر من حفر الآبار وكرى الأنهار وسبل مياهها للمسلمين، فلو كان عمل عثمان هذا يستدعي المغفرة إلى يوم القيامة لوجب أن يغفر لأولئك الأقوام والأمم ذنوبهم إلى ما بعد القيامة بفئام، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم . فتبصر واعجب .

 وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثم نقموا عليه ما كان ينجم منه من هنات بعد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة محمد: آية 2 .

 

/ صفحة 338 /

هنات فلم يغفروها له مخالفين لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم عدول ؟ أو أنهم سمعوا هذه الأفيكة ثم أودعوها في محفظة الأباطيل ؟ غير أن ظني بها أن ميلادها بعد واقعة الدار وأنها كانت في أصلاب الوضاعين عند الحصارين، وفي حش كوكب، وفي مقبرة اليهود، ولم تلدها بعد أمها العاقر، حتى فسح المجال لاستيلادها على أيدي قوابل عهد معاوية فما بعد .

30 - أخرج أحمد في مسنده 1: 70 عن بهز أبي الأسود البصري عن أبي عوانة الوضاح البصري عن حصين عن عمرو بن جاوان البصري عن الأحنف بن قيس البصري قال: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال: الناس من فزع في المسجد .

 فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص قال: فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي فقال: أهاهنا علي ؟ قالوا: نعم .

 قال أهناهنا طلحة ؟ قالوا: نعم .

 قال: أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم .

 قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته .

 فقال: اجعله في مسجدنا وأجره لك ؟ قالوا: نعم .

 قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع بئر رومة .

 فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعتها يعني بئر رومة فقال: إجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك ؟ قالوا: نعم .

 قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال: من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا: أللهم نعم .

 قال اللهم اشهد . أللهم اشهد . أللهم اشهد . ثم انصرف .

 وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 بالإسناد المذكور .

 قال الأميني: زعم البصريون جند المرأة أنهم يسعهم تدارك تجمهر صلحاء البصرة على عثمان بتسطير أمثال هذه الأفائك المفتعلة، وحسبوا أنهم يبررون ساحة الرجل من تلكم الهنات الموبقة التي سجلها له التاريخ، ذاهلين عن أن صحة هذه الأساطير تزيد عليه وبالا، فبعد ما سمع أعاظم الصحابة حجاجه هذه، وقرعت سمعهم تلكم

/ صفحة 339 /

المناشدات وما أصاخوا إليها، وما زحزحوا عما كانوا عليه من خذلانه إلى التأليب عليه إلى الوقيعة فيه بكل ما يوهنه ويزريه إلى قتله إلى كسر أضالعه إلى رمي جنازته إلى دفنه في مقابر اليهود، وبعد ما أصرت الأمة على مقته مجمعة على النقمة عليه وهي لا تجتمع على الخطأ كما يحسبون، لم يبق للرجل أي قيمة في سوق الاعتبار وإن اختلقت يد الافتعال له ألف أسطورة .

 وتحصل مما قدمناه أن الأجور المذكورة على تقدير الصحة كانت مرتبة على الأعمال ولم تكن حقوقا ثابتة للرجال فهي تدور مع الأعمال إن لم يبطلها ما هو أقوى منها كما هو الحال في المقتضيات المقارنة بالموانع، وكان معتقد القوم فيما استنشدهم عثمان أنها مقرونة بها، فلذلك لم يقيموا لكل ما استنشدهم فيه وزنا إن كانت للمزاعم حقيقة.

(ومنها):

31 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأحيط بداره أشرف على الناس فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال: أسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالوا: أللهم نعم .

 قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة العسرة: من ينفق نفقة متقبلة .

 والناس يومئذ معسرون مجهودون فجهزت ذلك الجيش من مالي ؟ قالوا: أللهم نعم .

 ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها بمالي فجعلها للغني والفقير وابن السبيل ؟ قالوا: أللهم نعم . في أشياء عددها .

 في الاسناد أبو إسحاق السبيعي وقد مر في الجزء السابع ص 276: إنه مدلس أفسد حديث أهل الكوفة، ضعيف جدا لا يحتج بحديثه . وأما أبو عبد الرحمن فهو عثماني لا يعول عليه ولا يركن إلى حديثه .

 32 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 10 عن المدائني عن عباد بن راشد البصري عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يجهز هذا الجيش بشفاعة

/ صفحة 340 /

متقبلة ؟ فقال عثمان: يا رسول الله بشفاعة متقبلة ؟ قال: نعم على الله ورسوله .

 قال: أنا أجهزهم بسبعين ألفا .

 قال الأميني: هذا الجيش جهزه الحسن البصري بعد سنين من وفاة النبي الأقدس وقد ولد الرجل بسنتين بقيتا من خلافة عمر، ولعله نظر إلى ذلك الموقف واسترق السمع من وراء ستر رقيق في صلب أبيه، أو أوعز بإرسال الرواية إلى بطلانها، وغير بعيد أن يكون عباد بن راشد هو الذي تقول بها على الحسن وهو برئ منها .

 قال الدوري عن ابن معين: حديث عباد ليس بالقوي ولكن يكتب (يعني للاعتبار) وقال الدورقي عن ابن معين: ضعيف: وقال البخاري والأزدي: تركه يحيى القطان وقال أبو داود: ضعيف . وقال النسائي: ليس بالقوي . وقال ابن المديني: لا أعرف حاله . وقال ابن البرقي: ليس بالقوي . وقال ابن حبان كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد فبطل الاحتجاج به، روى عن الحسن حديثا طويلا أكثره موضوع (1) . (ومنها) :

33 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1 . 58 من طريق إبراهيم بن سعدان عن بكر بن بكار البصري عن عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة .

(رجال الاسناد):

1 - بكر بن بكار أبو عمرو البصري قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيئ الحفظ له تخليط . وقال ابن معين: ليس بشئ . وقال النسائي: ليس بالقوي . وقال أيضا: ليس بثقة . وقال أبو حاتم: ليس بالقوي . وذكره العقيلي وابن الجارود والساجي في الضعفاء (2) .

 2 - عيسى بن المسيب . قال يحيى والنسائي والدار قطني: ضعيف - وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي . وتكلم فيه ابن حبان وغيره . وقال أبو داود: ضعيف. وقال

/ صفحة 341 /

يحيى بن معين أيضا: ليس بشئ. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ولا يفهم ويخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به . (لسان الميزان 4: 405) .

والباحث جد عليم بأن الصحابة لم تكن على يقين من هذا البيع المزعوم وإلا لما تجمهروا على مقت الرجل وخذلانه، ولم يكن عثمان نفسه على ثقة بذلك أيضا و إلا لما كان حذيرا من أن يكون هو الملحد بمكة الذي عليه نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه في هذا الجزء ص 153 . (ومنها) :

34 - أخرج أحمد في المسند 4: 75، وأبو نعيم في الحلية 1: 58 من طريقين أحدهما عن عبد الله بن جعفر عن يونس بن حبيب عن أبي داود .

 والآخر: عن فاروق ابن الخطابي عن أبي مسلم الكجي عن حجاج بن نصر (1) " أبي محمد البصري " قالا ثنا سكن بن المغيرة الأموي (البصري مولى آل عثمان) عن الوليد بن أبي هشام البصري عن فرقد بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي خباب (2) السلمي البصري قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها .

 قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها .

 فرأيت النبي صلى الله وعليه وسلم يقول بيده يحركها ما على عثمان ما عمل بعد هذا .

 قال الأميني: هلا مخبر يخبرني عن هذا الصحابي البصري الذي لا يعرف إلا بحديثه هذا ؟ ولا يعلم من تاريخ حياته شئ غير اختلاقه هذه الرواية، ولا يروي عن النبي الأعظم إلا هذه الخطبة المزعومة كما صرح به ابن عبد البر في " الاستيعاب " و ابن حجر في " الإصابة "، ولم يسمعها صحابي قط غيره منه صلى الله عليه وآله وسلم.

 ثم يخبرني ذلك المخبر عمن انتهى إليه الاسناد أن فرقد بن طلحة، من هو ؟ ومتى ولد ؟ وأين وأنى كان ؟ وما المعروف من ترجمته ؟ فكأني به وهو يجيبني بما قاله علي بن المديني: لا أعرفه (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في النسخ والصحيح: نصير بضم النون مصغرا .

 (2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن خباب .

 (3) تهذيب التهذيب 7: 264 .

 

/ صفحة 342 /

وهل تخفى على إمام أو حافظ في الحديث آراء رجال الجرح والتعديل في حجاج ابن نصير ؟ وقد ورد فيه قول ابن معين: ضعيف .

 وقول علي بن المديني: ذهب حديثه كان الناس لا يحدثون عنه، وقول النسائي: ضعيف .

 وقوله أيضا: ليس بثقة ولا يكتب حديثه .

 وقول ابن حبان: يخطئ ويهم .

 وقول العجلي: كان معروفا بالحديث ولكنه أفسده أهل الحديث بالتلقين كان يلقن وأدخل في حديثه ما ليس منه فترك .

 وقول ابن سعد كان ضعيفا .

 وقول الدار قطني والأزدي: ضعيف: وقول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم .

 وقول الآجري عن أبي داود: تركوا حديثه .

 وقول ابن قانع: ضعيف لين الحديث (2) وإني أحسب أن الآفة من سكن بن المغيرة وأنه أدى حقوق آل عثمان - وهو مولاهم - باختلاق هذه المنقبة لعثمان، ولا ينافي ذلك كونه صالحا إمام جمعة وجماعة، وكم وكم صلحاء وضاعين، ومن أئمة كذابين ؟ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا سلسلة الكذابين والوضاعين .(ومنها) :

35 - أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 59 من طريق عمر بن هارون البلخي عن عبد الله بن شوذب البصري ثم المقدسي عن عبد الله بن القاسم عن كثير بن أبي كثير البصري مولى سمرة (2) عن عبد الله بن سمرة عامل معاوية بن أبي سفيان على البصرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله وعليه وسلم في جيش العسرة فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله وعليه وسلم ثم ولى قال: فسمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم وهو يقلب الدنانير وهو يقول: ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم . وفي لفظ أحمد في المسند 5: 63: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم . يرددها مرارا .

 وذكره ابن الجوزي في التبصرة كما في تلخيصها قرة العيون المبصرة 1: 179 قال الأميني: ألا تعجب من حفاظ يروون عن كذاب خبيث مرسلين روايته إرسال المسلم يمرون بها كراما ؟ أي قيمة في سوق الاعتبار لرواية جاء بها عمر بن هارون ؟ وقد جاء فيه قول ابن سعيد: كتب الناس عنه كتابا كبيرا وتركوا حديثه وقول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تهذيب التهذيب 2: 209 .

 (2) وفي مسند أحمد: مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة .

 

/ صفحة 343 /

البخاري: تكلم فيه يحيى بن معين وقال: عمر بن هارون كذاب قدم مكة وقد مات جعفر بن محمد فحدث عنه .

 وقول ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: تكلم فيه ابن المبارك فذهب حديثه، قلت لأبي: إن الأشج حدثنا عنه فقال: هو ضعيف الحديث نخسه ابن المبارك نخسة .

 وقول قتيبة: قلت لجرير: إن عمر بن هارون حدثنا عن القاسم بن مبرور قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كاتبك هذا أمين (يعني معاوية) فقال جرير اذهب إليه فقل له: كذبت .

 رواها العقيلي .

 وعن أحمد إنه قال: لا أروي عنه شيئا وقد أكثرت عنه .

 وقول ابن مهدي: لم يكن له عندي قيمة حدثني بأحاديث فلما قدم مرة أخرى حدث بها عن ابن عباس عن أولئك فتركت حديثه .

 وقول أبي زكريا: عمر بن هارون: كذاب خبيث ليس حديثه بشئ، قد كتبت عنه وبت على بابه وذهبنا معه إلى النهروان، ثم تبين لنا أمره فحرقت حديثه ما عندي عنه كلمة .

 وقول ابن محرز عن ابن معين: ليس هو بثقة وبنحوه قال الغلابي عنه .

 وقال عنه مرة: ضعيف .

 وقول أبي داود عنه: غير ثقة .

 وقول ابن أبي خيثمة وغيره عن ابن معين: ليس بشئ: وقول جعفر الطيالسي عن ابن معين: يكذب .

 وقول عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عنه فضعفه جدا .

 وقول إبراهيم بن موسى: الناس تركوا حديثه .

 وقول الجوزجاني: لم يقنع الناس بحديثه .

 وقول النسائي وصالح بن محمد وأبي علي الحافظ: متروك الحديث .

 وقول الساجي فيه ضعف وقول الدار قطني: ضعيف .

 وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ (1) و قول العجلي: ضعيف .

 وقول ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم (2) .

 وفي الاسناد: كثير بن أبي كثير ذكر العقيلي في الضعفاء، وقال ابن حزم وعبد الحق: إنه مجهول، ولو كان لتوثيق العجلي الرجل وزن لما جهله الحافظان ولم يضعفه العقيلي، وأي قيمة لثقة العجلي وهو يوثق عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد و نظرائه من المهتوكين المفضوحين ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ليت أبي نعيم كان على ذكر من رأيه هذا في الرجل حين أخرج من طريقه هذه المنقبة المزيفة .

 (2) تهذيب التهذيب 7: 502 - 505

/ صفحة 344 /

وفي طريق أحمد مضافا إلى كثير ضمرة بن ربيعة وقد مر فيه قول الساجي: صدوق يهم، عنده مناكير .

 وروى ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر حديثا أنكره أحمد ورده ردا شديد .

 وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث .

 فهذه مكانة الرجل من الرواية وإن كان ثقة مأمونا، وأكبر الظن أن الآفة في هذه الرواية من ابن سمرة وأنه اختلقها تقربا إلى أعطيات معاوية وهباته التي كانت تصل من دون وزن وكيل إلى وضاعي الأحاديث ورجال الاختلاق الذين لا خلاق لهم .(ومنها) :

 36 - عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه لعثمان يقول: أللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه .

 ذكره ابن الجوزي في كتابه (التبصرة) كما في تلخيصه (1) 1: 179 مرسلا إياه إرسال المسلم، وهو أول حديث ذكره في فضائل عثمان، وذكره الواحدي في أسباب النزول مرسلا ص 61 فزاد: فأنزل الله تعالى فيه: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله (2) وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ولم يذكر من رجال إسناده إلا الثلاثة المذكورة ولعل هو ومن رواه مرسلا وجدوا في سلسلة السند أناسا ساقطين لا يعبأ بهم ولا يحتج بحديثهم، وما راقهم إبطال هذه المنقبة بإبداء علله بذكر أولئك الرجال .

 ومن العجب العجاب هذا الدؤب منه صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى منتهى الفجر على الدعاء لعثمان الذي فوت عليه مرغباته وفرائضه، فإن صلاة الليل والوتر كانت فريضة عليه صلى الله عليه وآله وسلم دون الأمة (3) ولا أدري هل نزل عليه صلى الله عليه وسلم وحي جديد يأمره باستبدال نوافله وفرائضه في تلك الليلة بدعاء عثمان ؟ أو ماذا كان فيها ؟ نعم: الذي يظهر من السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 164 - 170، إن ذلك الوحي لم ينزل، وإن الدعاء لعثمان لم يكن فضلا عن استيعابه الليل كله فإنه ذكر فيها كل من دعى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الموسوم بقرة العيون المبصرة تأليف الشيخ أبي بكر ابن الشيخ محمد الملا الحنفي .

 (2) سورة البقرة: 262 .

 (3) راجع الخصائص الكبرى 2: 229 .

 

/ صفحة 345 /

وسماهم حتى يهوديا سمت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعد منهم عثمان .

 ولو كان إنفاق عثمان في جيش العسرة موجبا للدعاء المستوعب ليله صلى الله عليه وآله وسلم كما يظهر من رواية الواحدي، فإنفاق أبي بكر الذي أنفق كل ما كان يملكه ذات يده - كما يحسبه القوم - وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الناس عليه بماله (1) يستوجب دعاء مستغرقا ليله ونهاره، فأين ؟ وأني ؟ ولو كان كل إنفاق في مهمة يستدعي دعاء الليل فكان عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضي حياته ليلا ونهارا بالدعاء للمنفقين، وما أكثرهم ؟ ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم رافعا يديه لعثمان فعليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يديم رفعهما في الدعاء لأبي بكر ولرجال الأنصار المكثرين من الانفاق في السلم الحرب ولغيرهم من أهل اليسار الذين بذلوا كنوزا عامرة من الدرهم والدينار في مهام الاسلام المقدس والدعوة إليه والذب عنه .

 وأما زيادة الواحدي من نزول الآية الكريمة في عثمان فقد فصلنا القول فيه و إنه لا يصح في الجزء الثامن ص 57 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تهذيب التهذيب 5: 92 .

(2) ميزان الاعتدال 1: 160 . تهذيب التهذيب 1: 48، لسان الميزان 2: 48 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الخميس 2: 260 .

 (2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 162 .

 (3) راجع ما أسلفنا في حديث طلحة بن عبيد الله ص 96 .

 (4) تهذيب التهذيب 1: 316 .