عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

كتاب إنصاف عثمان

تأليف الأستاذ محمد أحمد جاد المولى بك

 

هذا الكتاب أخدع من السراب، صفر من شواهد الانصاف، شرجه الأستاذ من سلسلة أخبار مدسوسة وروايات مختلقة، وإن درس هو بزعمه تاريخ عثمان دراسة الحذر منها فقال في ديباجته ص 4: درسنا تاريخ عثمان وعصره والثورة عليه دراسة الحذر من الأخبار المدسوسة، اليقظ لمواطن العبرة، المرجع كل حدث إلى بواعثه الأصلية وإن رانت عليها الشبهات .

 ولم نكتف بما قال المؤرخون، بل مددنا بصرنا إلى أبعد من ذلك، فحللنا شخصيته، وبينا ما لها من صلة بالثورة عليه، ودرسنا حال المسلمين وقد نعموا بالراحة والثراء وانساحوا في الأصقاع يخالطون الأعاجم ويصهرون إليهم ويتخلقون بعاداتهم، وحال قريش وما انتابها من تفرق وتنازع على الرياسة، وبينا صلة ذلك بالتجني على الخليفة، وجلونا الفتنة التي أرثها في الأمصار أعداء عثمان وأعداء الاسلام، ونخلنا ذلك كله وصفيناه، واستخلصنا منه الأسباب الصريحة للفتنة .

 ولم نغفل أن نعرض لما أخذ على عثمان، ولا أن ننتصف له حيث يستحق الإنصاف .

 ومن حق عثمان أن تخصص لدراسته ودراسة عصره عشرات الكتب، فإنه الخليفة المهضوم الحق، المظلوم في الحكم عليه، على ما له من سابقة وفضل وإصلاحات، وعصره عصر انتقال واضطراب وثورات سياسية واجتماعية .

 ونحن وإن بالغنا في الإحاطة وتوفي الزلل عرضة للتقصير، ولكنا اجتهدنا رأينا، فنرجوا أن نكون قد وفقنا لإبراز صورة واضحة لهذه الحقبة من تاريخ المسلمين ففيها عظات وعبر . والله المستعان . ا ه‍ .

 هذه لفاظته، وهذا حسن طويته وحرصه على النجاح، غير أنك تجده في جمعه وتأليفه كحاطب ليل رزم في حزمته كل رطب ويابس، وجاء يخبط خبط عشواء من دون أي فحص وتنقيب، لا يفقه ولا ينقه، لا يستصحب دراية في الحديث توقفه على الصحيح الثابت، وتعرفه الزائف البهرج، ولا بصيرة تميز له الحو من اللو، ولا علما

/ صفحة 258 /

ناجعا يجعجعه ويهديه إلى الفوز والنجاح، ولا فقها ينجيه من غمرات تلكم المعارك الوبيلة، ولا تثبتا يرشده إلى ما ينقذه من تلكم التلبيسات الملتوية، جول في مضمار تلكم الطامات التي جاء بها الطبري وغيره وحسبها أصولا مسلمة، وأسند في آرائه إلى فضائل مفتعلة نتاج أيدي الأمويين نسبا ونزعة، ومن المأسوف عليه جدا أنه أكدى وإن اجتهد رأيه، ولم يظفر بأمله وإن بالغ في الإحاطة بزعمه، وأبرز لهذه الحقبة من تاريخ المسلمين صورة معقدة معضلة تخلو عن كل عظة وعبرة .

 بسط القول في عبد الله بن سبأ وعزا إليه كل تلكم المعامع الثورات، وحسبه مادة الفكرة الناقمة على الخليفة وأساسها الوحيد في البلاد، ورأى معظم الصحابة أتباع نعرات ذلك المبتدع الغاشم، وطوع تلبيس ذلك اليهودي المهتوك، وقال في ص 42: عند ذلك يجد ابن سبأ منفذا إلى هذا الشيخ الزاهد (يعني أبا ذر) في عرض الدنيا فينشر آراءه في مجلسه ويغريه بالحكومة ويحرضه على الأغنياء، وصار يقول له: يا أبا ذر ! ألا تعجب لمعاوية يقول: المال مال الله، ألا كل شئ لله ؟ كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين ويمحو إسم المسلمين .

 ظل أبو ذر يدعو إلى الاشتراكية المتطرفة بإرغام الأغنياء أن يساعدوا الفقراء ويتركوا أموالهم لهم، واتخذ بر الاسلام بالفقراء سبيلا إلى ذهاب المال من أربابه، وما قصد الاسلام هذا بل كما قال الله تعالى: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم زيادة على الزكاة الشرعية .. الخ .

 وقال في ص 61: أما عمار فقد توجه إلى مصر وكان حاكمها مبغضا من المصريين لا يجدون حرجا في رميه بكل نقيصة، واستطاع أتباع ابن سبأ بحذقهم و مهارتهم في ذلك المكفهر أن يخدعوه بزخرف القول وزوره، وكان مع هذا في نفس عمار شئ من عثمان لأنه نفذ فيه حكم الله لما تقاذف هو والعباس بن عتبة بن أبي لهب، ولهذا لم يعد إلى الخليفة، ولم يطلعه على شئ مما رأى، ومال إلى اتباع ابن سبأ .. ا ه‍ .

 هذه صفحة من تلك الصورة الواضحة التي وفق الأستاذ لإبرازها، هذه هي الغاية المتوخاة التي بزعمه فيها عظات وعبر، هل يدري القارئ عن أي أبي ذر و عمار يحدث هذا الثرثار المجازف ؟ حتى لا يبالي بما يقول ولا يكترث لما أسرف فيهما من القول، ولست أدري لماذا اقتحم الرجل في هذه الأبحاث الغامضة الخطرة التي يتيه

/ صفحة 259 /

فيها الناقد البصير ؟ لماذا اقتحم فيها مع ضؤولة رأيه وجهله بأحوال الرجال ومقادير أفذاذ الأمة، وعدم عرفانه نفسيات خيرة البشر وصلحاء الصحابة ومبلغهم من الدين ؟ لماذا اقتحم فيها مع بعده عن دراية الحديث، وعلم الدين، وفقه التاريخ ؟ تراه تشزر وتعبأ للدفاع عمن شغفه حبه بكل ما تيسر له ولو بالوقيعة في عدول الصحابة أو في الصحابة العدول، وقد بينا في الجزء الثامن ص 349 ط 2 حديث الرجل في أبي ذر وأنه موضوع عنعنه أناس لا يعول عليهم عند مهرة الفن، وفصلنا القول في هذا الجزء في حديث عمار وأنه قط لم يتوجه إلى مصر، وأن ما ركن إليه الأستاذ لا يصح إسناده، ونحاشي عمارا عن أن يحمل ضغينة على أحد لإنفاذه حكم الله فيه، وهل الأستاذ طبق المفصل في رأيه هذا وبين يديه الذكر الحكيم والآية النازلة في عمار ؟ وفي صفحات الكتب قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ملئ عمار إيمانا إلى أخمص قدميه .

وقوله: إن عمارا مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار .

 و قوله: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما . إلى أحاديث أخرى مرت في هذا الجزء ص 20 - 28 تضاد تلكم الخزعبلات .

 وللأستاذ في تبرير الخليفة كلمات ضخمة موجزة في طيها دسائس مطمورة، وتمويه على الحقائق التاريخية، يتلقاها الدهماء بالقبول ولا يرى عن الصفح عنها مندوحة قال في ص 35: من المسلم به أن الوليد هذا عين سنة 25 هجرية وهي السنة الأولى من حكم عثمان، وقد أجمع الناقدون والمؤرخون على أنه لم يقع منه خلال ست السنوات الأولى ما يسوغ توجيه النقد إليه، إذ كانوا يرون رائده تحري المصلحة العامة، وإسناد المناصب إلى الجديرين بها لا فرق بين قريب وبعيد . ا ه‍ .

 دعوى الإجماع والاتفاق والاصفاق المكذوبة سيرة مطردة عند القوم جيلا بعد جيل سلفا وخلفا، وكتب الفقه والكلام والحديث والتاريخ مشحونة بهذه السيرة الممقوتة ومن أمعن النظر في كتاب المحلى لابن حزم، وكتابه الفصل في الملل والنحل، ومنهاج السنة لابن تيمية، والبداية والنهاية لابن كثير، يجد مئاة من الإجماعات المدعاة المشمرجة، والأستاذ اقتفى إثر أولئك الأمناء على ودائع العلم والدين وحذا حذوهم، كأنه لم يك يحسب أن يأتي عليه يوم يناقشه قلم التنقيب الحساب، أو أنه غير مكترث

/ صفحة 260 /

لأي تبعة ومغبة .

 أنى من المتسالم عليه تولية الوليد سنة 25 وإن هو إلا قول سيف بن عمر كما نص عليه الطبري في تاريخه 7: 47 وزيفه، وعزاه ابن الأثير في الكامل إلى البعض، وقد عرفناك سيفا في الجزء الثامن ص 84 ط 2 وأنه: ضعيف متروك، ساقط، وضاع، اتهم بالزندقة .

 فالمعتمد عند المؤرخين أن تولية الوليد كانت سنة 26 .

 ثم أنى يصح كون السنة ال‍ 25 هي السنة الأولى من حكم عثمان، وإنما توفي عمر في أواخر ذي الحجة سنة 23 وبويع عثمان بعد ثلاثة أيام من موت عمر، فالسنة الأولى من حكم عثمان هي 24 .

 وأين وأنى يسع لناقد أو مؤرخ فضلا عن إجماع الناقدين والمؤرخين أن يحسب صفو الجو من بوائق عثمان وبوادره ونوادره خلال ست السنوات الأولى، وهذه صفحات تاريخه في تلكم السنين مسودة بهنات وهنات، بل التاريخ سجل له من أول يوم تسنم عرش الخلافة، وقام نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، صرعة وعثرة لا تستقال، منها:

1 - أبطل القصاص لما استخلف ولم يقد عبيد الله بن عمر وقد أتى عظيما وقتل الهرمزان والجفينة وابنة أبي لؤلؤة، وأجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجعون عثمان على قتل ابن عمر أخذا بالكتاب والسنة، غير أن عمرو بن العاص فلته عن رأيه، فذهب دم أولئك الأبرياء هدرا .

 وكانت أول قارورة كسرت في الاسلام بيد عثمان يوم ولي الأمر .

 2 - لما استخلف صعد المنبر وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجلس أبو بكر وعمر فيه، جلس أبو بكر دونه بمرقاة، وجلس عمر دون أبي بكر بمرقاة، فتكلم الناس في ذلك فقال بعضهم: اليوم ولد الشر (1) .

 3 - رد الحكم بن أبي العاص طريد النبي الأقدس ولعينه إلى المدينة لما ولي الخلافة، وبقي فيها حتى لعق لسانه، وهذا الإيواء مما نقم به على عثمان كما مر حديثه في ج 8: 242، 254، 258 ط 2 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ اليعقوبي 2: 140، تاريخ ابن كثير 7: 148 .

 

/ صفحة 261 /

4 - ولى الوليد بن عقبة سنة 26، 25 وعزل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة، وكان هذا في طليعة ما نقموا على عثمان (1) ثم وقع ما وقع من الوليد من شرب الخمر وتقاعد الخليفة عن حده .

 راجع الجزء الثامن ص 120 - 125 ط 2 .

 5 - هبته الوليد ما استقرض عبد الله بن مسعود من مال المسلمين لما قدم الوليد الكوفة وكان ابن مسعود على بيت المال، حتى نقم الخليفة على ابن مسعود وعزله و حبس عطاءه أربع سنين إلى أن مات سنة 32 وجرى بينه وبين الخليفة ما مر حديثه في هذا الجزء، وهذا مما أخذت الأمة خليفتهم به .

 6 - زاد الأذان الثالث في أوليات خلافته كما في تاريخ ابن كثير، وقد فصلنا القول في أحدوثته هذه في الجزء الثامن ص 125 - 129 ط 2 .

 7 - وسع المسجد الحرام سنة 26 وابتاع من قوم منازلهم، وأبوا آخرون فهدم عليهم ودفع الأثمان في بيت المال فصاحوا بعثمان فأمر بهم للحبس وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي .

 راجع الجزء الثامن ص 129 ط 2 .

 8 - أعطى خمس الغنائم في غزوة أفريقية الثانية مروان بن الحكم وهو من عمدة مآثم الخليفة، وكان ذلك سنة 27 من الهجرة الشريفة . راجع ج 8 ص 275 - 260 ط 2 .

 9 - حج سنة 29 وأتم الصلاة في مكان القصر في عامه هذا كما في تاريخ ابن كثير 7: 154، وهذه الأحدوثة مرت على تفصيلها في ج 8 ص 98 - 119 .

 10 - أعطى خمس أفريقية عبد الله بن سعد أبي سرح في غزوتها الأولى . راجع الجزء الثامن ص 279 ط 2 .

 إلى بوادر وعثرات أخرى صدرت من الخليفة خلال ست السنوات الأولى كل منها يسوغ توجيه النقد إليه، وكان من أول يومه مهما قرع سمعه نقد ناقد أو نصح ناصح لا يصيخ إليه، بل كان يؤاخذ من أغمز فيه، ويسومه سوء العذاب، وكان يلقي العرى إلى بني أمية في البلاد، ويفوض إليهم مقاليد الأمور، ويحسبه العلاج الوحيد في حل تلكم المشاكل، وتقصير خطي أولئك الناقدين الآمرين بالمعروف والناهين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) دول الاسلام 1: 9، البداية والنهاية 7: 151 .

 

/ صفحة 262 /

عن المنكر، حتى تمخضت عليه البلاد ووعرت القلوب، واتسع الخرق على الراقع .

 وفي ظني الغالب أن تقدم ثقافة مصر اليوم هو الذي بعث أساتذتها إلى الاكثار في التأليف حول عثمان وتدعيم فضائله وفواضله، وشططوا في إطرائه وبالغوا في الذب عنه بتلفيق الكلام وتزويره، وتسطير الحدد من القول، وسرد المبوق البهرج، وذلك روما لتقديس ساحتهم عما اقترفته أيدي سلفهم الثائر المتجمهر على الخليفة، إذ حسبوه وصمة شوهت سمة الخلف منهم والسلف، وسودت صحيفة تاريخ مصر والمصريين، فهل يتأتى أمل الخلف بهذه الكتيبات المزخرفة ؟ لعله يتأتى مثلما رام السلف تحقق توبتهم بالحوبة، لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون .

نظرة في كتب أخرى

وقس على هذه الكتب كتاب تاريخ الخلفاء تأليف الأستاذ عبد الوهاب النجار المشحونة صفحاته بمرمعات الرواية وسقطات التاريخ .

 وكتاب عثمان للأستاذ عمر أبي نصر، ليس فيه إلا أنه أعاد له سبق إليه الشيخ محمد الخضري من نفسياته الأموية جدتها، فما ينقمه الباحث من مواضيع جار فيما بهرجه اللاحق في كتابه .

 وكتاب تاريخ الخلفاء الراشدين للأستاذ السيد علي فكري وهو الجزء الثالث من كتابه " أحسن القصص " وهذا أهدأ ما ألف في الموضوع، ينم عن سلامة نفس المؤلف ونزاهة قلمه، وهو وإن ألفه من تلكم السلاسل الوبيلة من الموضوعات، غير أنه لا يتطرق إلى الأبحاث الخطرة، ولا يقتحم المعارك المدلهمة، مما نقم به على الخليفة من الطامات والأحداث، وما قيل في براءته عن لوثها، وكأنه ترجم لخليفة خضعت الرقاب لعظمته، وتسالمت الأمة عليه من جميع نواحيه، ولم يطرق سمعه ما هنالك من حوار وأخذ ورد، ونقد ودفاع، وكأن ما سطره في فضل الخليفة، وكرم طباعه، وسلامة نفسه، أصول موضوعة لا يتوجه إليها غمز ولا انتقاد، وستعرف حالها ومحلها من الاعتبار، فلا تعجل بالقران من قبل أن يقضي إليك وحيه .

 ذكر السيد الأستاذ ما جاء في مناقب عثمان من الحديث المختلق من دون أي بحث وتنقيب، من دون أي نقض وإبرام، إلى أن تخلص من البحث عنه بقوله في ص 163:

/ صفحة 263 /

بعد أن فتح المسلمون تلك الأقاليم واطمأنوا وكثرت عندهم الخيرات والأموال، أخذوا ينقمون على الخليفة حيث رأى من الصالح للأمة عزل بعض الولاة فعزلهم، وولى من فيه الكفاية من أقاربه وذوي رحمه، فظن الناس به ظنونا هو برئ منها، وفشت الفتنة واستفحل أمرها، حتى حضرت وفود من الكوفة والبصرة ومصر في وقت واحد طالبين تولية غير عثمان، أو عزل من ولاهم على الأمصار .

 وأخيرا استقر الحال على إجابتهم لما طلبوا من عزل بعض العمال، وعلى ذلك اختار أهل مصر أن يولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق، فكتب عثمان لهم بذلك عهدا ورحلوا من المدينة مع واليهم الجديد، وبينما هم ذاهبون رأوا عبدا من عبيد الخليفة على راحلة من إبله يستحثها فأوقفوه وفتشوه، فوجدوا معه كتابا مختوما بختم الخليفة لعبد الله بن أبي سرح مضمونة: إذا قدم عليك ابن أبي بكر ومن معه فاحتل في قتلهم .

 فأخذوا الكتاب ورجعوا إلى المدينة، وأطلعوا الخليفة عليه فأقسم لهم أنه ما فعل ولا أمر ولا علم فقالوا: هذا أشد، يؤخذ خاتمك، وبعير من إبلك، وعبد من عبيدك وأنت لا تعلم، ما أنت إلا مغلوب على أمرك فطلبوا منه الاعتزال، أو تسليم الكاتب فأبى، فأجمعوا على محاصرته، فحاصروه في داره ومنعوا عنه الزاد والماء أياما عديدة: وهاجت الثوار، وكثر القيل والقال، فطلب منه بعض الصحابة الإذن بالمدافعة عنه فلم يقبل، ولم يأذن لأحد حتى أنه قال لعبيده الذين هبوا للدفاع عنه: من أغمد منكم سيفه فهو حر .

 استسلاما للقضاء، فتسلق بعض الأشرار الدار، ودخلوا عليه وقتلوه، والمصحف بين يديه يتلوه فيه سورة البقرة فنزلت قطرة من دمه على: فسيكفيكهم الله وكان يومئذ صائما . ا ه‍ .

 ولعل الأستاذ بعد الوقوف على هذا الجزء من كتابنا ينتبه لمواقع النظر في تأليفه فيميز الحي من اللي، ويعرف الصحيح من المعلول، ويتبع الحق والحق أحق أن يتبع .

 وفي مقدم هؤلاء الأساتذة أستاذ تاريخ الأمم الإسلامية بالجامعة المصرية ووكيل مدرسة القضاء الشرعي الشيخ محمد الخضري صاحب المحاضرات، وقد قدمنا في

/ صفحة 264 /

الجزء الثالث ص 249 - 265 ط 2 شيئا مما يرجع إليه وإلى كتابه، وعرفناك موقفه من الدجل والجناية على التاريخ الصحيح، وبعده عن أدب الدين، عن أدب العلم، عن أدب الانسانية، وإن كتابه علبة السفاسف، وعيبة السقطات، وصحائفه مشحونة بالأكاذيب والأفائك والنسب المفتعلة، والآراء الساقطة، فإن كان الاسلام هذا تاريخه فعلى الاسلام السلام .

عهد النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم إلى عثمان

1 - أخرج إمام الحنابلة أحمد في المسند 6: 86، 149 قال: حدثنا أبو المغيرة " الحمصي " حدثنا الوليد بن سليمان " الدمشقي " حدثني ربيعة بن يزيد " الدمشقي " عن عبد الله بن عامر " الدمشقي " عن النعمان بن بشير " قاضي دمشق " عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ! أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر كلمته أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان ! إن الله عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني . ثلاثا .

 فقلت لها: يا أم المؤمنين ؟ فأين كان هذا عنك ؟ قالت: نسيته والله، ما ذكرته .

 قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين: أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا، رجال الاسناد كلهم شاميون عثمانيون وفي مقدمهم النعمان بن بشير الخارج على إمام زمانه ومحاربه تحت راية الفئة الباغية، وجاء فيه عن قيس بن سعد الأنصاري الصحابي العظيم: إنه ضال مضل .

 ومتن الرواية كما يأتي بيانه يكذب نفسها .

 2 - أخرج أحمد في المسند 6: 114 من طريق محمد بن كناسة الأسدي أبي يحيى عن إسحاق بن سعيد الأموي حفيد العاص عن أبيه سعيد ابن عم عثمان الذي كان بدمشق قال: بلغني أن عائشة قالت: ما أسمعت رسول الله إلا مرة فإن عثمان جاءه في نحر الظهيرة فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعته يقول: إن الله ملبسك قميصا تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه .

 فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه .

 

/ صفحة 265 /

عمد رجال الاسناد أمويون أبناء بيت عثمان بني أبيه ينتهي إلى عائشة وقد أوقفناك على حديثها في هذا الجزء، وهو مع ذلك مرسل لا يعلم من بلغه سعيد بن العاص ولعله أحد الكذابين الوضاعين .

 3 - أخرج الطبراني عن مطلب بن شعيب الأزدي عن عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شفى الأصبحي فقال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: التفت رسول الله فقال: يا عثمان ! إن الله كساك قميصا فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه، فوالله لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .

 ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 208 فقال: وقد رواه أبو يعلى من طريق عبد الله ابن عمر عن أخته حفصة أم المؤمنين . وفي سياق متنه غرابة والله أعلم .

 رجال الاسناد:

1 - عبد الله بن صالح أبو صالح المصري كاتب الليث، قال أحمد: كان أول أمره متماسكا ثم فسد بآخره وليس هو بشئ .

 وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكره يوما فذمه وكرهه .

 وقال صالح بن محمد: كان ابن معين يوثقه وعندي أنه كان يكذب في الحديث .

 وقال ابن المديني: ضربت على حديثه وما أروي عنه شيئا .

 وقال أحمد بن صالح: متهم ليس بشئ .

 وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: كذاب .

 وقال أبو حاتم: الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخره عمره فأنكروها عليه أرى أن هذا مما افتعل خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه . إلخ .

 وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث .

 وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الاثبات ما ليس من حديث الثقات، وكان صدوقا في نفسه وإنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له كان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتب بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به تهذيب التهذيب 5: 256 - 260 2 - سعيد بن أبي هلال المصري قال أحمد: ما أدري أي شئ يخلط في الأحاديث وقال ابن حزم: ليس بالقوي .

 وقال ابن حجر: لعله اعتمد على قول الإمام أحمد فيه . تهذيب التهذيب 4: 95 .

 

/ صفحة 266 /

3 - ربيعة بن سيف الاسكندراني . قال ابن حبان: يخطئ كثيرا . وقال ابن يونس: في حديثه مناكير . وقال البخاري: روى أحاديث لا يتابع عليها . وقال النسائي: ضعيف . تهذيب التهذيب 3: 256 .

 4 - أخرج أحمد من طريق سنان بن هارون عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال .

 ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان . تاريخ ابن كثير 7: 208 . سنان بن هارون كوفي، قال النسائي: ضعيف . وقال الساجي: ضعيف منكر الأحاديث . وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي المناكير عن المشاهير (1) و كليب بن وائل ضعفه أبو زرعة كما في تهذيب التهذيب 8: 447 .

 5 - أخرج أحمد في المسند 2: 345 من طريق موسى بن عقبة قال: حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا - أو قال: إختلافا وفتنة - فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله ؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه .

 وهو يشير إلى عثمان بذلك .

 وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 209 فقال: تفرد به أحمد وإسناده جيد حسن ولم يخرجوه من هذا الوجه .

 نحن لا نعرف جودة هذا الاسناد وحسنه وفيه جد أم موسى وهو نكرة لا يعرف ولا يوجد له قط ذكر في المعاجم .

 وهل من المعقول عزو هذه الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جد عليم بأن أصحاب عثمان هم: مروان ومن يشاكله في العيث والفساد حشوة بني أمية، حثالة أمته صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أفمن الجائز أن يوصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته با تباع أولئك الخابلين خلاف وجوه صحابته وعدولهم المتجمهرين على عثمان ؟ حاشا نبي العظمة عن هذه الأفائك .

 6 - أخرج الترمذي عن طريق سعيد الجريري (2) عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تهذيب التهذيب 4: 243 .

 (2) زاد ابن كثير هاهنا في الاسناد: عبد الله بن سفيان .

 

/ صفحة 267 /

بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت وفتنة تكون في أقطار الأرض ؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله .

 قال: إتبع هذا الرجل فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق قال: فاتبعته فأخذت بمنكبه ففتلته فقلت: هذا يا رسول الله ؟ فقال: نعم .

 فإذا هو عثمان بن عفان .

 وأخرجه أحمد في المسند 4: 109 من طريق سعيد الجريري بالإسناد المذكور ولفظه: كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كان الأولى فيها انتفاحة أرنب ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: إتبعوا هذا .

 قال: ورجل مقفى حينئذ قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبيه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا ؟ قال: نعم .

 قال: وإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه .

 قال الأميني، ستوافيك ترجمة سعيد الجريري في حديث 25 من مناقب عثمان وإن روايته لا تصح لاختلاله ثلاث سنين .

 وأما عبد الله بن شقيق المنتهى إليه أسانيد الرواية فهو من تابعي أهل البصرة قال ابن سعد في الطبقات: كان عثمانيا وكان ثقة .

 وقال يحيي بن سعيد: كان سليمان التميمي سئ الرأي في عبد الله .

 وقال أحمد بن حنبل ثقة وكان يحمل على علي .

 وقال ابن معين: ثقة من خيار المسلمين، وقال ابن خراش: كان ثقة وكان عثمانيا يبغض عليا (1) .

 ألا تعجب من توثيق الحفاظ هذا الرجل المتحامل على علي أمير المؤمنين ومبغضه وعده من خيار المسلمين وبين أيدينا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيح الثابت: لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن، ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وقول علي أمير المؤمنين الوارد في الصحيح: والذي فلق الحبة وبرء النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق .

 وقوله: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني . الحديث .

 وثبت عن غير واحد من الصحابة قولهم: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تهذيب التهذيب 5: 254 .

 (2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 182 - 187 ط 2 .

 

/ صفحة 268 /

وجاء في الصحيح مرفوعا: لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار (1) .

 وفي حديث: لو أن عبدا عبد الله سبعة آلاف سنة ثم أتى الله عز وجل ببغض علي جاحدا لحقه ناكثا لولايته لأتعس الله خيره وجدع أنفه .

 وفي حديث: لو أن عبدا عبد الله عز وجل مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي ! لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها .

 وفي حديث: لو أن عبدا من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله عز وجل مبغضا لعلي وعترتي أكبه الله على منخره يوم القيامة في نار جهنم .

 وفي حديث: يا علي ! لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا وصلوا حتى يكونوا كالاوتار ثم أبغضوك لأكبهم الله في النار (2) .

 وفي الصحيح على شرط الشيخين مرفوعا: من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني (3) .

 وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 135 مرفوعا: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك .

 وفي حديث مرفوعا أرسل رسول الله الأنصار فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا ؟ قالوا: بلى يا رسول الله .

 قال: هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل (4) .

 وفي حديث مرفوعا: إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في الجزء الثاني 301 ط 2 .

 (2) مرت هذه الأحاديث بمصادرها في الجزء الثاني ص 301، 302 ط 2 .

 (3) المستدرك للحاكم 3: 130 .

 (4) حلية الأولياء لأبي نعيم 1: 63 .

 

/ صفحة 269 /

وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني (1) وفي مرفوع: ألا من أبغض هذا (يعني عليا) فقد أبغض الله ورسوله، ومن أحب هذا فقد أحب الله ورسوله .

 وفي حديث مرفوعا: هذا جبريل يخبرني: إن السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته، وإن الشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد موته . إلى أحاديث مرت في الجزء الثالث ص 26 ط 2 . وقبل هذه كلها قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى .

 و قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا .

 قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . راجع الجزء الثاني فيما ورد في هذه الآيات الكريمة .

 ولا تنس دعاء النبي الأعظم يوم الغدير في ذلك المحتشد الرحيب بقوله: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، أللهم من أحبه من الناس فكن له حبيبا، ومن أبغضه فكن له مبغضا .

 وفي لفظ: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه، وأحب من أحبه .

 وفي لفظ: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله .

 وفي لفظ: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن من أعانه .

 وهناك ألفاظ أخرى مرت في الجزء الأول من كتابنا هذا .

 فعبد الله بن شقيق أخذا بمجامع تلكم النصوص شهادة الله ورسوله، منافق شقي عدو لله ولرسوله يبغضه المولى سبحانه، لا خير فيه ولا في حديثه، لا يقبل ولا يصدق في روايته، أتعس الله خيره وجدع أنفه، وأكبه على منخره يوم القيامة في نار جهنم . دع الحفاظ يقولون: ثقة من خيار المسلمين .

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) حلية الأولياء 1: 67 .

 

/ صفحة 270 /

7 - أخرج أحمد في المسند 5: 33، 35 من طريق عبد الله بن شقيق البصري قال: حدثني هرم بن الحارث وأسامة بن خزيم عن مرة البهزي قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق المدينة فقال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر ؟ قالوا: نصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال: عليكم هذا وأصحابه - أو: اتبعوا هذا وأصحابه - قال: فأسرعت حتى عييت فأدركت الرجل فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: هذا . فإذا هو عثمان بن عفان . فقال: هذا وأصحابه .

 عرفت عبد الله بن شقيق وإنه منافق لا يؤخذ بحديثه ولا يعول عليه إن صدقنا النبي الأقدس فيما جاء به .

 8 - أخرج أحمد في المسند 6: 75 من طريق فرج بن فضالة بإسناده عن عائشة قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ! لو كان عندنا من يحدثنا . قالت قلت: يا رسول الله ؟ ألا أبعث إلى أبي بكر ؟ فسكت .

 ثم قال: لو كان عندنا من يحدثنا . فقلت: ألا أبعث إلى عمر . فسكت .

 قالت: ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب قالت: فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: يا عثمان ! إن الله عز وجل مقمصك قميصا فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة يقولها له مرتين أو ثلاثا .

 وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 100 من طريق فرج بن فضالة وقال: هذا حديث صحيح عالي الاسناد ولم يخرجاه .

 وعقبه الذهبي في تلخيصه فقال: أنى له الصحة ومداره على فرج بن فضالة ؟ .

 أقول: فرج بن فضالة متفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به وستوافيك ترجمته في الحديث ال‍ 17 من مناقب عثمان في هذا الجزء إنشاء الله .

 وأخرج أحمد في مسنده 6: 52 من طريق قيس بن أبي حازم عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي بعض أصحابي . قلت: أبو بكر ؟ قال: لا . قلت: عمر . قال: لا .

 قلت: ابن عمك علي ؟ قال: لا .

 قلت: عثمان ! قال: نعم فلما جاء قال: تنحي .

 جعل يساره ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر فيها قلنا: يا أمير المؤمنين ! ألا تقاتل ؟ قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه .

 

/ صفحة 271 /

وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1: 58، والحاكم في المستدرك 3: 99، وأبو عمر في الاستيعاب 2، 477، وذكره ابن كثير في تاريخه 6: 205 نقلا عن أحمد والأسانيد كلها تنتهي إلى قيس بن أبي حازم قالوا: كان يحمل على علي عليه السلام، وقال ابن حجر: والمشهور عنه أنه كان يقدم عثمان ولذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه، وكبر قيس حتى جاوز المائة بسنين كثيرة حتى خرف وذهب عقله .

 تهذيب التهذيب 8: 388 لنا أن نصافق الكوفيين على تجنب الرواية عن قيس المتحامل على مولانا أمير المؤمنين إن اتبعنا الرسول الأمين في النصوص المذكورة قبيل هذا ص 267 - 269 ولا يسوغ لأي باحث أن يعول على رواية منافق شقي خرف وذهب عقله، وقد مر عن ابن أبي الحديد في صفحة 73 من هذا الجزء قوله: وقد طعن مشايخنا المتكلمون في قيس وقالوا: إنه فاسق ولا تقبل روايته .. الخ .

 9 - أخرج ابن عدي عن أبي يعلى عن المقدمي محمد بن أبي بكر عن أبي معشر يوسف بن يزيد البراء البصري عن إبراهيم بن عمر بن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسر إليه أنه يقتل ظلما (1) .

 زيفه ابن عدي كما في الميزان وعده من أحاديث عمر بن أبان التي كلها غير محفوظة وأبان بن عثمان لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد بن حنبل فكيف بعمر بن أبان، وسنوقفك على ترجمة أبي معشر وإبراهيم بن عمر في المنقبة الثالثة من مناقب عثمان وأنهما لا يعول عليهما ولا يصح حديثهما .

 10 - ذكر الذهبي في الميزان 1: 300 من طريق أنس مرفوعا: يا عثمان ! إنك ستلي الخلافة من بعدي وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصم ذلك اليوم تفطر عندي .

 قال الذهبي: في سنده خالد بن أبي الرحال الأنصاري عنده عجائب، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به .

 وفي لسان الميزان 6: 794 قال: أبو حاتم: ليس بالقوي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لسان الميزان 4: 282 .