عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

- 18 -

أبو بكر في قاب قوسين

بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قاب قوسين أو أدنى أخذته وحشة فسمع في حضرة الله تعالى بصوت أبي بكر رضي الله عنه فاطمأن قلبه استأنس بصوت صاحبه .

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 154 فقال: هذه كرامة للصديق إنفرد بها رضي الله تعالى عنه .

 قال الأميني: لماذا تلك الوحشة ؟ ولماذا ذلك الأنس ؟ وهو صلى الله عليه وآله في ساحة

 

/ صفحة 294 /

القدس الربوبي، وكان لا يأنس إلا بالله، وكانت نفسه القدسية في كل آناته منعطفة إليها فهل هو يستوحش إذا حصل فيها ؟ وهي أزلف مباءة إلى المولى سبحانه لا تقل غيره.

 حتى أن جبرئيل الأمين انكفئ(1) عنها فقال: إن تجاوزت احترقت بالنار.

 لما جذبه الله تعالى إليها وحفته قداسة إلهية تركته مستعدا لتلقي الفيض الأقدس ، وهل هناك وحشة لمثله صلى الله عليه وآله يسكنها صوت أبي بكر ؟ وهل كانت له صلى الله عليه وآله وهو في مقام الفناء لفتة إلى غيره جلت عظمته حتى يأنس بصوته ؟ لا ها الله، وما كان قلب النبي صلى الله عليه وآله يقل غيره سبحانه فهو مستأنس به ومطمأن بآلائه، فلا مدخل فيه لأي أحد يطمأن به، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولقد رآه بالأفق المبين، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى ؟ ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، ولم تبرح نفسه الكريمة مطمأنة ببارئها حتى خوطب بقوله سبحانه: يا أيتها النفس المطمأنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية .

 هذا مبلغ الرواية من نفس الأمر لكن الغلو في الفضائل آثر أن يعدوها من فضائل الخليفة وإن كانت مقطوعة عن الاسناد .

 

- 19 -

الدين وسمعه وبصره

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالا يعلمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين..

 قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر ؟ قال: إنه لا غني بي عنهما أنهما من الدين كالسمع والبصر .

 أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 74 فقال: هذا حديث تفرد به حفص بن عمر العدني عن مسعر.

 وقال الذهبي في تلخيصه: هو واه .

 قال الأميني: قال النسائي: حفص بن عمر ليس بثقة.

 وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة.

 وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكامل 2: 21، السيرة الحلبية 1: 431.

 

/ صفحة 295 /

وقال ابن معين: رجل سوء، ليس بثقة.

 وقال مالك بن عيسى: ليس بشئ، وقال العقيلي : يحدث بالأباطيل، وقال أحمد: كان مع حماد(1) في تلك البلايا، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، ليس بقوي، متروك(2) .

 هذا على ما فرق جمع بينه وبين حفص بن عمر بن دينار الأيلي وأما إن كان هو هو فقال ابن عدي: أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وهو إلى الضعف أقرب.

 وقال أبو حاتم: كان شيخا كذابا.

 وقال العقيلي: يحدث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطل، وقال الساجي: كان يكذب، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث(3) .

 هذا شأن سند الرواية، وليت شعري أي سنة أو فريضة كان يعلمها الرجلان على فرض إرسالهما ؟ وبماذا كان يفتيان في الكلالة وإرث الجد والجدة والتيمم وشكوك الصلاة إلى مسائل أخرى عرفناك بعضها في الجزء السادس وجملة منها في هذا الجزء ؟ وبماذا كانا يجيبان لو سألا عن آيات القرآن وهما يتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغوية فكيف بالغوامض والمعضلات ؟ ثم بماذا كان غناء الرجلين لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وبماذا كانا من الدين كالسمع والبصر ؟ أبصولاتهما في الحروب ؟ أم بأياديهما في الجدوب ؟ أم ببصائرهما في الأمور ؟ أم بعلمهما الناجع في الكتاب والسنة ؟ أم بتوقف الدعوة عليهما في عاصمة الاسلام ؟ أم بإناطة تنفيذ الأحكام بهما ؟ إقرأ السير ثم استحف الخبر ، م - وقد مر في ج 5 ص 325 عن المقدسي: إن أبا بكر وعمر من الاسلام بمنزلة السمع والبصر من موضوعات الوليد بن الفضل الوضاع ، وذكر أبو عمر في الاستيعاب 1 ص 146 مرفوعا لأبي بكر وعمر: هذان مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس وقال: إسناده ضعيف أخبرنا أبو عبد الله يعيش بن سعيد قال: نا أبو بكر بن محمد بن معاوية: قال جعفر بن محمد الفريابي: قال عبد السلام بن محمد الحراني ؟ قال ابن أبي فديك، عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحد الكذابين الوضاعين .

 (2) ميزان الاعتدال 1: 262، تهذيب التهذيب 2 ص 410 .

 (3) ميزان الاعتدال 1: 263، لسان الميزان 2 ص 324.

 

/ صفحة 296 /

عن جده أن النبي.... ليس له غير هذا الاسناد والمغيرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامي ضعيف وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي(الخ) وقال في ج 1 ص 348: حديث مضطرب الاسناد لا يثبت. وفي الإصابة 2: 299: حديث هذان السمع والبصر. في أبي بكر وعمر قال أبو عمر: حديث مضطرب لا يثبت .

 أقول في الاسناد المذكور غير واحد من المجاهيل والضعاف ولا ينحصر ضعفه بمكان المغيرة فحسب، وقال فيه ابن معين: إنه ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب 10: 266 .

 

- 20 -

أبو بكر ومنزلته عند الله

عن ابن عباس قال. كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش عطشا شديدا فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذهب إلى صدر الغار فاشرب.

 قال أبو بكر : فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شربت ؟ قلت: نعم.

 قال: ألا أبشرك يا أبا بكر ؟ قلت: بلى يا رسول الله ! قال: إن الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت: يا رسول الله ! ولي عند الله هذه المنزلة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم وأفضل، والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيا . الرياض النضرة 1 ص 71، مرقاة الوصول ص 114 .

 قال الأميني: كيف تصح هذه الرواية قد ضرب عنها حفاظ الحديث وأئمة التاريخ والسير صفحا ؟ مع ما فيها من نبأ عظيم وكرامة هامة وهي بين أيديهم وهم يهتمون بجمع دلائل النبوة ومعاجز الرسالة، فلم تخرج في أصل، ولم تذكر في سيرة، وإنما ذكرها السيوطي في الخصايص 1 ص 187 فقال: أخرجه ابن عساكر بسند واه .

 ولماذا خصت روايتها بابن عباس وقد ولد في شعب أبي طالب قبل الهجرة بقليل فكان يوم الغار ابن سنة أو سنتين ولم يسندها إلى أحد ولم يكن في الغار غير النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ؟ فأين روايتهما إياها ؟ وأين أولئك الصحابة عنها ؟ أيحق لحكيم أو حافظ أن

 

/ صفحة 297 /

يرسل مثل هذه الواهية إرسال المسلم في عد الفضائل ؟

نعم: للقوم في محبة أبي بكر وصاحبه روايات تشبه بالقصص الخيالية نسجتها يد الغلو في الفضائل وإليك منها : 1 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا، لما ولد أبو بكر في تلك الليلة اطلع الله على جنة عدن فقال: وعزتي وجلالي لا أدخلك إلى من أحب هذا المولود .

 من موضوعات أحمد بن عصمة النيشابوري كما مر في ج 5 ص 300 ط 2 .

 2 - عن أبي هريرة مرفوعا: إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر .

 من طامات أبي سعيد الحسن بن علي البصري كما أسلفنا في ج 5: 300 ط 2 .

 3 - عن أنس إن يهوديا أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى وكلمة تكليما إني لأحبك فلم يرفع أبو بكر رأسه تهاونا باليهودي فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: قل لليهودي: إن الله قد أحاد عنك النار. الحديث.

 إقرأ واحكم بعد قرائتك القرآن والتدبر في الآي النازلة في عذاب الكفار.

 من موضوعات أبي سعيد البصري راجع الجزء الخامس ص 301 ط 2 .

 4 - عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى في كل ليلة جمعة مائة ألف عتيق من النار إلا رجلين فإنهما يدخلان في أمتي وليسا منهم، وإن الله لا يعتقهما فيمن عتق منهم مع أهل الكبائر في طبقتهم، مصفدين مع عبدة الأوثان: مبغضي أبو بكر وعمر، وليس هم داخلين في الاسلام وإنما هم يهود هذه الأمة الخ ، من وضع أبي شاكر مولى المتوكل كما مر في ج 5 ص 303 ط 2 .

 5 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: إن الله أمرني بحب أربعة: أبي بكر، وعمر، و عثمان، وعلي.

 من بلايا السنجري كما مر ج 5: 310 ط 2 .

 6 - عن أبي هريرة مرفوعا قال لعلي: أتحب هذين الشيخين ؟ قال: نعم يا رسول الله ! قال: أحبهما تدخل الجنة.

 من صناعة الأشناني كما مر ج 5: 313 ط 2 .

 7 - عن جابر مرفوعا: لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق .

 

 

/ صفحة 298 /

من موضوعات معلى الطحان راجع ج 5: 323 ط 2 .

 8 - عن أبي هريرة مرفوعا: هذا جبريل يخبرني عن الله: ما أحب أبا بكر و عمر إلا مؤمن تقي، ولا أبغضهما إلا منافق شقي .

 من موضوعات إبراهيم الأنصاري كما مر ج 5 ص 326 ط 2 .

 9 - عن أبي سعيد مرفوعا، من أبغض عمر فقد أبغضني راجع 5: 329 ط 2 .

 10 - عن علي مرفوعا قد أخذ الله بكم الميثاق في أم الكتاب لا يحبكم " يعني أبا بكر. وعمر. وعثمان.

 وعليا " إلا مؤمن تقي، ولا يبغضكم إلا منافق شقي . من موضوعات إبراهيم الأنصاري كما مر ج 5: 326 ط 2.

 11 - عن علي مرفوعا في أبي بكر: من أحبني فليحبه، ومن أراد كرامتي فليكرمه مر في الجزء الخامس ص 355 ط 2 .

 12 - عن أنس مرفوعا: إن لعرش الرحمن ثلاثمائة وستين قائمة، كل قائمة كطباق الدنيا ستين ألف مرة، بين كل قائمتين ستون ألف صخرة، كل صخرة مثل الدنيا ستون ألف مرة، في كل صخرة ستون ألف عالم، كل عالم مثل الثقلين ستون ألف مرة .

 قد ألهمهم الله تعالى الاستغفار لمن يحب أبا بكر وعمر، ويلعنون مبغضهما إلى يوم القيامة(1) .

 كأن لعدد ستين ألف خاصة عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأكوان الخيالية على ذلك العدد، ليست هذه كلها إلا حلقة بلاء جاءت بها رماة القول على عواهنه المغالون في الفضائل تجاه الحقائق الراهنة، غير أنا لا نخدش العواطف ببسط القول في متونها، ونكل القضاء فيها إلى ضمير الباحث النابه الحر .

 

- 21 -

النبي مؤيد بالشيخين

عن أبي أروى الدوسي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله فاطلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله، الحمد الذي أيدني بكما .

 قال الأميني: أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 74 من طريق ابن أبي فديك

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 183 نقلا عن كتاب العقائق .

 

 

/ صفحة 299 /

وهو وإن وثقه ابن معين غير أن ابن سعد قال: ليس بحجة، عن : عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم، وابن عدي، وقال الفروي: وليس بقوي، وقال الجوزجاني: يضعف حديثه وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الترمذي: متروك ليس بثقة، وقال ابن حبان : يخطئ ويخالف وقال أيضا: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات، وقال ابن الجارود: ليس حديثه بحجة. وتكلم النسائي على أحمد بن صالح حيث وثقه. عن : سهيل بن أبي صالح قال ابن معين: حديثه ليس بحجة. وقال أبو حاتم: حديثه لا يحتج به، وقال ابن حبان يخطئ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه.

 وذكر العقيلي عن يحيى أنه قال: هو صويلح وفيه لين عن : محمد بن إبراهيم بن الحارث المدني وثقه غير واحد غير أن إمام الحنابلة أحمد قال: في حديثه شيئ يروي أحاديث مناكير أو منكرة(1) والحديث ذكره ابن حجر في الإصابة 4 ص 5 وضعفه . هذا مجمل القول في رجال سند الرواية، وأما متنه فكما ترى آية في الغلو .

 

- 22 -

الأشباح الخمسة من ذرية آدم

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخبرني جبريل أن الله تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمد، ومن الثانية أبا بكر، ومن الثالثة عمر، ومن الرابعة عثمان، ومن الخامسة علي.

 فقال آدم: من هؤلاء الذين كرمتهم ؟ فقال الله تعالى: هؤلاء خمسة أشباح من ذريتك، وقال: هؤلاء أكرم عندي من جميع خلقي. قال: فلما عصى آدم ربه. قال: رب بحرمة أولئك الأشباح الخمسة الذي فضلتهم إلا تبت علي فتاب الله عليه .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ميزان الاعتدال 2: 4 و ج 1: 432، تهذيب التهذيب ج 9 ص 6، 61 ج 4 263، ج 5 وبهذا الطريق أخرجه البزار كما في الصواعق ص 47.

 

/ صفحة 300 /

ذكره الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة 1: 30، وابن حجر في الصواعق ص 50 نقلا عن رياض المحب الطبري وقال: عهدته عليه .

 قال الأميني: ما أبعد المسافة بين من يجوز توسل آدم أول الأنبياء إلى الله تعالى بأناس عاديين في سياق توسله بأفضل الرسل والسيد الأوصياء عليهما وآلهما السلام، و بين من ينكر التوسل لأي أحد، بأي أحد، ولا يرى لتوسل آدم بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله أي قيمة وكرامة، فيعتقد الأول صحة مثل هذه الرواية التي حكم السيوطي بأنها كذب موضوع، وارتضاه ابن حجر في نقله عنه كما في كشف الخفاء، وإن عده في صواعقه من الفضائل زعما منه بأن الدهر لم يأت بعده بمن يناقشه في الحساب، وصافقهما على التكذيب والوضع العجلوني فقال في كشف الخفاء 1: 233: قال ابن حجر الهيثمي نقلا عن السيوطي : كذب موضوع .

 ومتن الراوية أوضح شاهد على ذلك غير أن المغالات في الفضائل اختلقتها لمعارضة ما ورد في قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " سورة البقرة " أخرج الديلمي في مسند الفردوس كما في الدر المنثور 1: 60 بإسناده عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ؟ فقال : إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجده - إلى أن قال -: حتى بعث الله إليه جبريل ، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي: ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي: قال: بلى.

 قال: فما هذا البكاء ؟ قال وما يمنعني من البكاء ؟ وقد أخرجت من جوار الرحمن.

 قال: فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك ، وغافر ذنبك.

 قل: أللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت ، عملت سوء، وظلمت نفسي فاغفر لي أنك أنت الغفور الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم .

 وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟ قال: سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي. فتاب عليه " الدر المنثور 1: 60 " .

وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب كما في ينابيع المودة ص 239 .

 

 

/ صفحة 301 /

وروى أبو الفتح محمد بن علي النطنزي المولود 480 في كتابه: الخصايص عن ابن عباس أنه قال: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال: الحمد لله فقال له ربه: يرحمك ربك.

 فلما أسجد له الملائكة فقال: يا رب خلقت خلقا هو أحب إليك مني ؟ قال: نعم ولولاهم ما خلقتك قال: يا رب فأرنيهم فأوحى الله إلى ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب.

 فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العراش قال: يا رب من هؤلاء ؟ قال: يا آدم هذا محمد نبيي، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي ووصيه وهذه فاطمة بنت نبيي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيي، ثم قال: يا آدم هم ولدك.

 ففرح بذلك فلما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي.

 فغفر الله له، فهذا الذي قال الله تعالى: فتلقى : آدم من ربه كلمات.

 إن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: أللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي. فتاب الله عليه .

 وهذا الرجل يروى له بسند صحيح توسل عمر - أحد الأشباح المزعومة - بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله في الاستسقاء خرج يستسقي به وقد أجدب الناس فقال : أللهم إنا نستشفع إليك بعم نبيك أن تذهب عنا المحل، وأن تسقينا الغيث.

 فقال العباس : أللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، أللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون .

 فما تم كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال، فنشأت السحاب، وهطت السماء ، فطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئا لك ساقي الحرمين.

 فقال حسان بن ثابت :

سأل الإمام وقد تتابـــع جدبنا * فسقـــى الغمام بغرة العباس

عـم النبي وصنـو والده الذي * ورث النبي بذاك دون الناس

أحيا الإله به البلاد فأصبحت * مخضــرة الأجناب بعد الياس

 

/ صفحة 302 /

وقال ابن عفيف النصري :

ما زال عباس بن شيبة غاية * للنـــاس عــنـــد تــنــكر الأيام

رجــل تفتحت السماء لصوته * لما دعـــــا بدعــــاوة الاسلام

فتحـــــت لــه أبوابها لما دعا * فيـــــها بجـــــند معلمين كرام

عـــم النبي فلا كمن هو عمه * ولـــــد ولا كالعــم في الأقوام

عـرفت قريش يوم قام مقامه * فبـــــه لــه فضل على الأقوام

وقال شاعر بني هاشم :

رســول الله والشهداء منا * وعباس الذي بعج الغماما

وقال العباس بن عتبة بن أبي لهب:

بعمي سقى الله الحـــــجاز وأهلـــه * عشية يستسقـــــي بشيــــبته عمر

توجـــــه بالعـباس في الجدب دائما * إليه فـــــما إن دام حتى أتى المطر

ومنـــــا رســـول الله فيــــنا تــراثه * فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر؟(1)

فهلا هذا الرجل هو المتوسل به في حديث الأشباح - المختلق - الواقع في رديف صاحب الرسالة وسيد الوصيين صلى الله عليهما وآلهما، وهو ومن معه أكرم خلق الله جميعا باعتراف ممن خلقهم وفي خلقه سبحانه الأنبياء وأولوا العزم من الرسل والأوصياء والملائكة والمقربون ؟ فهلا هذا الرجل دعا الله بنفسه ؟ وما محل توسله بالعباس وهو أكرم عند الله منه ومن أبيه آدم وولده وهلم جرا ؟ أو أنه وجد استثناء في العباس فحسب فهو أكرم على الله منه ومن كل من هو أكرم على الله منه ؟ أنا لا أدري ماذا أقول، ولك الفسحة والمجال لأن تقول الحق وما يحدوك

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري كتاب الصلاة باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء، صحيح مسلم كتاب الصلاة، الأغاني 12: 81، أعلام الماوردي 78، تاريخ ابن عساكر 7: 245 - 248 ، مستدرك الحاكم 3: 334، تاريخ ابن كثير 7: 92، مرآة الجنان 1: 72، طرح التثريب 1: 63، فتح الباري 2: 398 وقال: يستفاد من القصة استحباب الاستسقاء بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، عمدة القاري 3 ص 438، شذرات الذهب 1: 29.

 

/ صفحة 303 /

إليه ضميرك الحر وتقول: كيف يكون المذكورون في الحديث - غير محمد وصنوه - أكرم على الله من جميع خلقه وفيهم من ذكرنا هم من الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء والملائكة ؟ وكيف يتوسل أبو البشر النبي المعصوم بمثل أبي بكر وصاحبيه وهم هم ؟ وسيرتهم بين يديك، وكيف يكونون رديف النبي الأعظم وصنوه المعصوم بنص الكتاب العزيز ونفسه المطهر الناطق به القرآن الكريم ؟ وكيف يشاركون معهما في فضيلة الخلقة، وكرامة التوسل ؟ ولا أحسب أن أحدا من شيعة القوم يصافق رواة هذه الأفيكة على هذه المزاعم، ولعلهم يصافقونهم ويجعلونها على عهدتهم كما فعل ابن حجر إذ غلوهم في الفضائل غير محدود .

 وأما الرجل الثاني الذي أربكه التفريط وأسف به إلى هوة الجهل فكالقصيمي الذي أنكر ما جاء في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم ! إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه قد غفرت لك.

 ولولا محمد ما خلقتك .

 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة(1) والحاكم في المستدرك 2: 615 وصححه ، والطبراني في المعجم الصغير، وأبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر كما في الخصايص ، وأقر صحته السبكي في شفاء السقام ص 120، والقسطلاني في المواهب 1 ص 16 ، والسمهودي في وفاء الوفا 2: 419، والزرقاني في شرح المواهب 1: 62، والعزامي في فرقان القرآن ص 117، وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى عن عدة من الحفاظ ج 1 ص 6 .

 فقال القصيمي في الصراع 2: 593 تبعا أثر ابن تيمية في الرد على هذه المأثرة النبوية الصحيحة: والسؤال بحق النبي أو بحق غيره من الأنبياء والصالحين ليس له من القيمة العملية الدينية ما يوجب أن يكون عملا صالحا مبرورا فضلا عن أن يكون أداة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الذهبي في الثناء عليه: عليك به فكله هدى ونور.

 

/ صفحة 304 /

غفران وعفو تام، وماذا في قول القائل: أسألك يا الله بحق فلان أو فلانة من عمل صالح يؤهل قائله لأن يكون من المغفور لهم ؟ وأنما يغفر للمستغفر .

 وقال: وأما الألفاظ المجردة فلا وزن لها عند الله ولا ينظر إليها فضلا عن أن تكون عملا تحط به الذنوب والخطايا الثقيلة، فما في قول القائل: أسألك بحق محمد لما غفرت لي من الشأن والقيمة ؟ حتى يقال له: وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك .

 وأجهل الناس وأرقهم دينا وتقوى فضيلة وأشدهم بعدا عن الله وعن رضاه يقولون ذلك، ويلهجون به، وهم على رغمهم لا يجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهو خليقون بالانتقام والطرد والعذاب الأليم الموجع، ولن تجديهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قليلا ولا كثيرا، فنحن لا نشك في آدم ما غفر له ذنبه إلا لتوبته ولرجوعه إلى ربه ولإقلاعه عن ذنبه، ولاعتذاره واستغفاره الصادرين عن جميع نفسه وقلبه وعقله، أما السؤال بالحق فلا قيمة ولا وزن له عند الله البتة. ا ه‍ .

 نحن لا نقابل هذا المغفل المستهتر البذي إلا بالسلام، حذا في هذيانه هذا حذو شيخه ابن تيمية، وقد رد عليه جمع من أئمة الحديث وحفاظه بكلمات ضافية نقتصر منا بكلام السبكي قال في شفاء السقام ص 121، قال ابن تيمية: أما ما ذكر في قصة آدم من توسله فليس له أصل، ولا نقله أحد من النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد.

 ؟ ثم ادعى ابن تيمية إنه كذب وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص، ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك، أو لتعرض للجواب عنه، وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن ابن يزيد راوي الحديث، ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضا عبد الرحمن بن يزيد لا يبلغ في الضعف إلى الحديث الذي ادعاه، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع ؟ وقد ورد فيه هذا الحديث، وأما ما ورد من تسول نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له: ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بالتوسل أو الاستعانة أو التشفع أو التجوه.

 والداعي بالدعاء المذكور ما في معناه متوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه أو مستغيث به ،

 

/ صفحة 305 /

والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده الخ ، وقد أسلفنا الكلام حول الموضوع في الجزء الخامس ص 143 - 156 راجع .

 

- 23 -

أبو بكر خير أهل السماوات والأرض

عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر وعمر خير أهل السماوات و الأرض، وخير الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين .

 ذكره ابن حجر في الصواعق 45 نقلا عن الحاكم وابن عدي، وأخرجه الخطيب في تاريخه 5 ص 253 وسكت عما في سنده من العلل " على عادته الجارية في مناقب الشيخين " وفيه: جبرون بن واقد الأفريقي والراوي عنه محمد بن داود القنطري، قال الذهبي في الميزان: جبرون متهم فإنه روى بقلة حياء عن سفيان، وروى عنه محمد بن داود القنطري، عن أبي هريرة مرفوعا: أبو بكر وعمر خير الأولين.

 الحديث تفرد به وبالذي قبله وهما موضوعان.

 وزاد ابن حجر في اللسان 2 ص 94 عن ابن عدي أنه قال: لا أعرف له غير هذين الحديثين وأعلم يرويهما عنه غير محمد بن داود وهما منكران وقال الذهبي في ترجمة محمد بن داود: عن جبرون الأفريقي بحديثين باطلين ذكرهما ابن عدي في ترجمة جبرون وقال تفرد بهما محمد .

 وقال ابن حجر في اللسان 5: 161: أحسب الآفة في الحديث من جبرون وقد ساق المؤلف الحديثين في ترجمته وصرح بأنهما موضوعان وأشار إلى أن المشتهر بهما جبرون .

 قال الأميني: ومن الحري لمثل هذين المبطلين أن يرويا باطلا كمثل هذا الذي يرتأي مفتعله تفضيل الرجلين على الملائكة المقربين المعصومين من أهل السماوات وفيهم سيدهم أمين الوحي جبرئيل، وعلى من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولياء الله وأصفيائه وأوصياء الأنبياء، أنا لا أدري بماذا فضلا عليهم أبعلمهما المتدفق ؟ وقد عرفت مبلغهما منه، أم بالعصمة عن الخطايا والذنوب ؟ وأنت لا تقول بها، أو أن ما حفظه التاريخ من سيرتهما لا يدع أن تقول بها، لكن عصمة الملائكة ثابتة لا ريب فيها، وعصمة الأوصياء واجبة بالبرهنة الصحيحة، وزلفى المقربين كلقمان والخضر وذي القرنين

 

/ صفحة 306 /

من القضايا التي قياساتها معها، أم ببأسهما المرهب في ذات الله وعنائهما في سبيل الدين وجهودهما الجبارة ؟ لا يخفى على أحد حق القول في ذلك كله، ضع يدك ها هنا على أي فضيلة فإنك لا تجد فيهما منها ما يربي بهما على كثير من الصحابة والتابعين هلم جرا فضلا عن من ذكرناهم، غير أن الغلو في الفضائل حدى صاحبه إلى أن يقول بذلك، فدعه يقول فإن الحقايق الثابتة غير قابلة للزوال والأصول الموضوعة يركن إليها على كل حال .

 

- 24 -

ثواب النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر

عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر: يا أبا بكر ! إن الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة .

 أخرجه الخلعي والملا كما في الرياض النضرة 1 ص 129، والخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 53 من طريق أحمد بن محمد بن عبيد الله أبي الحسن التمار المقرئ فقال: كان غير ثقة روى أحاديث باطلة ذاكرت أبا القاسم الأزهري حال هذا الشيخ و قلت: أراه ضعيفا لأن في حديثه مناكير.

 فقال: نعم هو مثل أبي سعيد العدوي .

 قال الأميني: أبو سعيد العدوي هو الحسن بن علي العدوي البصري شيخ قليل الحياء كذاب يضع الحديث، أسلفنا ترجمته في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس ص 224 ط 2، فقول الأزهري في أبي الحسن التمار(إنه مثل أبي سعيد) يومي إلى أنه أيضا كذاب وضاع .

 وفي الاسناد أبو معاوية الضرير وقد اشتهر عنه الغلو غلو التشيع، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ربما يدلس " ميزان الاعتدال 3 ص 382 " وفيه أبو البختري عن علي قال سلمة بن كهيل: ما كان من حديث أبي البختري فهو حسن، وما كان عن فهو ضعيف " ميزان الاعتدال 3 ص 344 " .

 هذا شأن سند الرواية وأما متنه فضميرك الحر نعم الحكم فيه .

 

 

/ صفحة 307 /

 

- 25 -

الحب والشكر الواجبان على الأمة

عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب أبي بكر وشكره واجب على أمتي .

 أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 453 من طريق عمر بن إبراهيم الكردي وقال: تفرد به عمر، وهو ذاهب الحديث. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 2 : 249 فقال: الحديث منكر جدا .

 ورواه الخطيب في تاريخه 5: 73 من طريق عمر الكردي أيضا بلفظ: إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي .

 قال الأميني: هذه الرواية من موضوعات عمر الكردي قال الدارقطني: كذاب خبيث، وقال الخطيب: غير ثقة يروي مناكير من الاثبات.

 راجع ما مر في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس ص 246 ط 2 .

 والعجب من الخطيب في تاريخه أنه مع قوله المذكور في ترجمة الكردي ترى عقدة في لسانه لما يذكر الرواية فيسكت عما فيها تارة ولم يتكلم بذأمة تعرب عن وضعها، ويقتصر أخرى بقوله: تفرد بروايته عمر وغير عمر أوثق منه.

 كما قاله في الموضع الثاني، وليست هذه كلها إلا لإغفال القراء عن جلية الحال، والتمويه على الحقائق الراهنة، فمن جرائها يأبى الصفوري بعد حين ويذكر الرواية في نزهة المجالس 2 : 186 مرسلا إياها إرسال المسلم .

 

- 26 -

أبو بكر في كفة الميزان

أخرج الحكيم الترمذي كما في مرقاة الوصول ص 112 قال: حدثنا رزق الله بن موسى الباجي البصري قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل - العدوي البصري - قال : حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا سعيد بن جمهان البصري عن سفينة مولى أم سلمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه فقال: أيكم رأي الليل

 

/ صفحة 308 /

رؤيا ؟ قال: فصلى ذات يوم الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال: أيكم رأى الليل رؤيا ؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله رأيت كأن ميزانا أدلي من السماء فوضعت في كفة الميزان ووضع أبو بكر في كفة أخرى فرجحت بأبي بكر رفعت.

 وترك أبو بكر فجئ بعمر فوضع في الكفة الأخرى فوزن بأبي بكر فرجح أبو بكر بعمر، ورفع أبو بكر وترك عمر مكانه فجئ بعثمان فورع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان، ورفع عمر وترك عثمان مكانه فجئ بعلي فوضع في الكفة الأخرى فرجح عثمان بعلي ورفع الميزان.

 فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم تكون ملكا .

*(رجال إسناده) *

1 - رزق الله البصري المتوفى 256 / 60 قال الأندلسي: روى أحاديث منكرة وهو صالح لا بأس به " تهذيب التهذيب 3: 273 " ، 2 - مؤمل العدوي البصري المتوفى 206 قال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ. وقال البخاري: منكر الحديث.

 وقال يعقوب بن سفيان: شيخ جليل سني سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء - عليه - كان مشيختنا يوصون به إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشد فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء كلنا نجعل له عذرا، وقال الساجي: صدوق كثير الخطأ، وله أوهام يطول ذكرها، وقال ابن سعد والدارقطني: كثير الخطأ.

 وقال المروزي: إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويتثبت فيه، لأنه كان سيئ الحفظ كثير الغلط .

 " ميزان الاعتدال 2 ص 221، تهذيب التهذيب 10 ص 381 " 3 - سعيد بن جمهان البصري المتوفى 136.

 قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.

 وقال الساجي: لا يتابع على حديثه . " ميزان الاعتدال 1: 377 تهذيب التهذيب 4: 14 " .

 قال الأميني: ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين .

 

 

/ صفحة 309 /

هذه الميزان التي جاء بها البصريون وأدليت من سماء البصرة في منجمها عين .

 وفي إحدى كفتيها شول، وفي لسانها عوج.

 قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ قل هل يستوي الأعمى والبصير ؟ أم هل تستوي الظلمات والنور ؟ كيف يوزن في ميزان العدل والنصفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو هو مع ابن أبي قحافة الذي ليس إلا أبو بكر، أي خلايق كريمة: أي نفسيات طاهرة ؟ أي ملكات فاضلة ؟ أي حكم علمية أو عملية ؟ أي عوارف ومعارف راقية: أي بصيرة نافذة ؟ أي أي ؟ جعلت في كفة جعل فيها أبو بكر.

 هل هذه الموازنة يقبلها الواجدان والمنطق حتى يقال بالرجحان في إحدى كفتي الميزان ؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .

 ثم كيف رجح أبو بكر بعمرو إنهما كانا عكمي بعير في الفضائل كلها أيام حياتهما غير أن فتوحات عمر وأياديه في سبط الاسلام في أرجاء العالم لا تنسى، ولم تزل تذكر في صفحات التاريخ، فله فضيلة الرجحان على أبي بكر إن وزنا بميزان غير معيبة .

 وكيف فصل بين النبي الأعظم وبين أمير المؤمنين في الميزان ؟ وهو نفسه بنص القرآن الكريم، وله العصمة بحكم الكتاب العزيز، وهو وارث علمه، وباب حكمته ، وهو عدل القرآن وخليفة نبي الاسلام بقوله صلى الله عليه وآله: إني مخلف فيكم اثنين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

 وأي فضيلة رابية لعثمان جعلت في كفة الميزان ورجح بها على علي رديف رسول الله صلى الله عليه وآله في فضائله. أنا لا أدري .

 ثم إن كان التعبير الذي عزوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حقا فهو لا محالة بتقدير من الله تعالى ومشيئة منه رعاية للنظام الأصلح، فلماذا تغير وجهه صلى الله عليه وآله مما قدره المولى سبحانه وشاءه وأحبه ؟ ولم تكن له غاية إلا الحصول على مرضاته والدعوة إليها وإيقاف الأمة عليها.

 أو ليس هذا مما ينافي عصمته ويضاد مقامه الأسمى ؟ لكن الغلو في الفضايل قد يصحح أمثال ذلك.

 فإنا لله وإنا إليه راجعون .

 

- 27 -

ما أسلم أبو مهاجر إلا أبو بكر

أخرج ابن مندة وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أسلم أبو أحد

 

/ صفحة 310 /

من المهاجرين إلا أبو بكر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 73 .

 وروى المحب الطبري في رياضه 1 ص 47 عن الواحدي مرسلا بلا إسناد عن علي بن أبي طالب إنه قال في أبي بكر: أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أسلم أبواه غيره.

 وذكره القرطبي في تفسيره 16: 194 .

 وأخذ غير واحد من المتأخرين كالشبلنجي ونظراؤه هذين الحديثين فعدوهما من فضائل أبي بكر المتسالم عليها .

 قال الأميني: نحن نقدس ساحة علي وعائشة عن مثل هذا الكذب الفاحش الذي ينادي التاريخ بخلافه، وتكذبه سيرة الصحابة المهاجرين، وإنما الحب الدفين قد أعمى رواة هذه الأفيكة وأصمهم عما في غضون الكتب، فأسرفوا في القول وتغالوا في الفضائل غير مكترثين لمغبة قيلهم، أهذا مبلغهم من العلم ؟ أم يقولون على الله الكذب وهم يعلمون ؟ هاجر بنو مظعون من بني جمح.

 وبنو جحش بن رثاب حلفاء بني أمية.

 وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب.

 بأهليهم وأموالهم، وغلقت دورهم بمكة هجرة ليس فيها ساكن كما في سيرة ابن هشام 2: 79، 117 أكانت نساء تلكم الأسر الكبيرة أرامل أو عقائم ؟ أو كانت أبنائها أيتاما من الأبوين أيامى ؟ أو كانت آباؤها رجالا بلا أعقاب قاتل الله الحب كيف يعمي ويصم .

 وهلم معي نقرأ صحيفة من تراجم المهاجرين هذا عمار بن ياسر مهاجر عظيم وأبواه في الرعيل الأول من المعذبين في الاسلام.

 قال مسدد كما في تهذيب التهذيب 7: 408: لم يكن في المهاجرين من أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر.

 فهذا ينفي إسلام والدي أبي بكر ويكذب ذلك المختلق .

 وهذا عبد الله بن جعفر هاجر أبوه ومعه عبد الله وأخواه محمد وعون ومعهم أمهم أسماء بنت عميس .

 وهذا عمرو بن أبان بن سعيد الأموي، من المهاجرين وأبوه شهد خيبرا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمة فاطمة بنت صفوان مسلمة .

 وهذا خالد بن أبان الأموي أخو عمرو بن أبان المذكور .

 

 

/ صفحة 311 /

وهذا إبراهيم بن الحارث بن خالد التميمي، هاجر مع أبيه وأمه ريطة بنت الحارث بن جبلة .

 وهذا الحاطب بن الحارث الجمحي من المهاجرين وهاجر معه أبوه وأمه فاطمة بنت المجلل .

 وهذا الحطاب بن الحارث الجمحي، هاجر مع أبيه وأمه وأخيه الحاطب ومعه امرأته فكيهة بنت يسار .

 وهذا حكيم بن الحارث الطائفي، هاجر مع امرأته وبينه ومعه أبواه وهما مسلمان .

 وهذا خزيمة بن جهم بن قيس العبدري هاجر مع أبيه وأخيه عمرو ومعهم أمهما أم حرملة بنت عبد الأسود .

 وهذا جابر بن سفيان بن معمر الجمحي هاجر هو وأبوه وأمه حسنة .

 وهذا جنادة بن سفيان الجمحي هاجر ومعه أمه حسنة وأخوه جابر المذكور .

 وهذا سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، هاجر أبوه وهاجرت بعده أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله مع ابنها سلمة .

 وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذري، هاجر إلى المدينة وأبوه قد أسلم .

 وهذا الحارث بن قيس السهمي هاجر مع بنيه الحارث وبشر ومعمر فهم مهاجرون و أبوهم الحارث قد أسلم وهاجر .

 وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي. من المهاجرين وأبوه مهاجر عظيم .

 وهذا سليط بن سليط بن عمرو العامري. قال عمر: دلوني على فتى مهاجر هو و أبوه. فدلوه عليه .

 وهذا عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة. هاجر هو وأبوه .

 وهذا عبد الله بن صفوان بن قدامة. هاجر هو وأبوه .

 وهذا عامر بن غيلان بن سلمة الثقفي. هاجر إلى رسول الله وأبوه قد أسلم .

 وهذا عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. من المهاجرين ووالده صحابي عظيم ، وهذا عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جده وجدته أم الخير .

 

 

/ صفحة 312 /

على زعم القوم وسيأتي الكلام في إسلامهما .

 وهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب. مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر .

 وهذا محمد بن عبد الله بن جحش. أحد المهاجرين ومعه أبوه وأمه .

 وهذا عبد الله بن المطلب بن أزهر. أحد المهاجرين وأبوه مهاجر .

 وهذا معمر بن عبد الله بن نضلة. أحد المهاجرين ووالده مهاجر .

 وهذا مهاجر بن قنفذ بن عمير القرشي التيمي. من المهاجرين السابقين إلى الاسلام وأبوه له صحبة .

 وهذا موسى بن الحرث بن خالد القرشي التيمي. مهاجر ابن مهاجر .

 وهذا النعمان بن عدي بن نضلة. مهاجر هو ووالده .

 راجع سيرة ابن هشام 21، طبقات ابن سعد، تاريخ الطبري، الاستيعاب ، أسد الغابة، كامل ابن الأثير، تاريخ ابن كثير، عيون الأثر لابن سيد الناس، الإصابة ، تهذيب التهذيب، السيرة الحلبية .

 ولعل الباحث يقف في غضون السير وكتب التاريخ ومعاجم التراجم كثيرا من نظراء هؤلاء من المهاجرين الذين أسلم آبائهم أو آبائهم وأمهاتهم.

 فما جاء به المحب الطبري و السيوطي ومن لف لفهما من فضيلة إسلام والد أبي بكر أو والديه دون سائر الصحابة وعزوه إلى مولانا أمير المؤمنين ليس إلا مجهلة ومخرقة نشأت من الغلو الفاحش في الفضائل .

 

(إسلام والدي أبي بكر)

هلم معي نحاسب إسلام والدي أبي بكر أحقا هما أسلما ؟ فضلا عن أن يخص بهما الاسلام من بين آباء المهاجرين وأمهاتهم، أم لم ينبأ به خبير ؟ بل هو نبأ كنبأ إسلام والدي غيره من المهاجرين يناقش فيه وإنما ولده الغلو في الفضائل.

 أما إسلام أبي قحافة فيقال: إنه أسلم يوم الفتح وقد أتى به ابنه أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يؤثر إتيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته غير مرة واحدة في تلك السنة يوم ذاك.

 وها نحن نذكر جميع ما ورد في إتيانه ذاك، ونجعل تلكم الروايات المروية فيه قسمين : الأول ما لم يذكر فيه إيعاز إلى إسلامه.

 والثاني ما يوعز فيه إلى إسلامه .

 

 

/ صفحة 313 /

 

*(القسم الأول) *

1 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 245 عن أبي عبد الله محمد بن أحمد القاضي ابن القاضي قال: حدثني أبي ثنا محمد بن شجاع ثنا الحسين(1) بن زياد عن أبي حنيفة عن يزيد بن أبي خالد عن أنس رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج من شدة حمرته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه تكرمة لأبي بكر .

 سكت الحاكم عما في سند هذه الرواية ولم يصححه على عادته في الكتاب، وتبعه في ذلك الذهبي في تلخيصه، كل ذلك تكرمة لأبي بكر، وإن بخسا الحق و الحقيقة فيه :

1 - محمد بن شجاع البغدادي أبو عبد الله ابن الثلجي الفقيه. قال أحمد إمام الحنابلة: مبتدع صاحب هوى. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت القواريري قبل أن يموت بعشرة أيام وذكر ابن الثلجي فقال هو كافر. قال: فذكرت ذلك لإسماعيل القاضي فسكت، فقلت: ما أكفره إلا بشئ سمعه منه قال: نعم .

 وقال زكريا الساجي: فأما ابن الثلجي فكان كذابا احتال في إبطال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورده نصرة لمذهبه، وفي المنتظم: نصرة لأبي حنيفة ورأيه .

 وقال ابن عدي، كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يبليهم بذلك .

 وقال الأزدي: كذاب لا تحل الرواية عنه لسوء مذهبه، وزيغه عن الدين .

 وقال الجوزجاني: وقال موسى بن القاسم الأشيب: كان كذابا خبيثا(2) وفيه :

2 - الحسن بن اللؤلؤي الكوفي. قال يحيى بن معين: كذاب .

 وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه .

 وقال محمد بن عبد الله بن نمير: يكذب على ابن جريج .

 وقال أبو داود: كذاب غير ثقة .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحيح: الحسن بن زياد .

 (2) ميزان الاعتدال 3: 71، المنتظم لابن الجوزي 5: 57، تهذيب التهذيب 9: 220 .

 

 

/ صفحة 314 /

وقال أبو حاتم: ليس بثقة.

 وقال الدارقطني: ضعيف متروك .

 وقال نضر بن شميل لرجل كتب كتب الحسن: لقد جلبت إلى بلدك شرا .

 وقال أبو ثور: ما رأيت أكذب من اللؤلؤي، كان على طرف لسانه: ابن جريج عن عطاء .

 وقال أحمد بن سليمان: رأيته يوما في الصلاة وغلام أمرد إلى جانبه في الصف فلما سجد مد يده إلى خد الغلام فقرصه فقذفته فلا أحدث عنه .

 وقال ابن أبي شيبة: كان أبو أسامة يسميه الخبيث .

 وقال يعقوب بن سفيان، والعقيلي، والساجي: كذاب .

 وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون(1) إقرأ واحكم. أتخفى هذه كلها على الحاكم والذهبي ؟ لا ها الله .

 2 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 244 عن أبي العباس محمد بن يعقوب قال : ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا حسين بن محمد المروزي ثنا عبد الله بن عبد الملك الفهري ثنا القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنهم قال: جئت بأبي أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا تركت الشيخ حتى آتيه ؟ فقلت: بل هو أحق أن يأتيك. قال: إنا لنحفظه لأيادي ابنه عندنا .

 وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 50 فقال: رواه البزار وفيه عبد الله ابن عبد الملك الفهري ولم أعرفه. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: عبد الله منكر الحديث .

 وقال الذهبي في الميزان 2: 55، وابن حجر في لسانه 2: 311: قال ابن حبان : " عبد الله " لا يشبه حديثه حديث الثقات يروي العجائب.

 وقال العقيلي: منكر الحديث لا يتابع عليه، وقال أبو زرعة: هو ضعيف يضرب على حديثه.

 وقال البرقاني: سألت أبا الحسن عنه قلت: ثقة ؟ قال: لا ولا كرامة.

 إنتهى ما في الميزان ولسانه.

 وفي السند : القاسم بن محمد عن أبيه عن أبي بكر، توفي القاسم بن محمد سنة 108 / 9 وهو ابن 70 / 72 سنة كما في صفة الصفوة لابن الجوزي 2 ص 50 وتوفي والده محمد سنة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ميزان الاعتدال 1: 228، لسان الميزان 2: 208.

 

/ صفحة 315 /

38 فتكون ولادة القاسم سنة وفاة أبيه محمد، وإن أخذنا قول ابن سعد من أن القاسم توفي سنة 112 وهو ابن سبعين سنة فيكون القاسم عند وفاة والده ابن أربع سنين فأنى له الرواية عن أبيه .

 وأما رواية محمد عن أبيه أبي بكر فلا يصح إذ محمد ولد عام حجة الوداع سنة عشرة من الهجرة وتوفي والده في جمادى الآخرة عام ثلاثة عشر، فأين يكون مقيل هذه الرواية من الصحة ؟ قال الذهبي في تلخيص المستدرك في تعقيب هذه الرواية : القاسم لم يدرك أباه ولا أبوه أبا بكر .

 3 - أخرج الحاكم في المستدرك 3، 244 عن القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن سالم بن الجعابي الحافظ ألا وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، بإسناده عن أنس قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه يوم فتح مكة بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه .

 ليت شعري ما الذي دعا الذهبي إلى تسليم رواية الجعابي هذه وترك الغمز فيها وقد ترجمه في ميزانه 3: 113 وقذفه بقوله: إنه فاسق رقيق الدين، وقال الخطيب : كثير الغرائب، ومذهبه في التشيع معروف، ونسب إليه ابن الجوزي ما هو بري منه ، وحكي عن الحاكم أنه قال: قلت للدارقطني: بلغني إن ابن الجعابي تغير بعدنا.

 فقال : وأي تغير.

 فقلت: هذا فهمه في الحديث.

 قال: أي والله حدث عن الخليل بن أحمد صاحب العروض بعشرين حديثا بأسانيد ليس له فيها أصل.

 إلى آخر ما أتى به القوم في ترجمته، راجع تاريخ الخطيب 3: 26، المنتظم لابن الجوزي 7: 38، لسان الميزان 5: 322 .

 ثم كيف خفي عليه وعلى الحاكم أن الجعابي ولد سنة 285 وتوفي 355 باتفاق المؤرخين فأنى تصح روايته عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن المتوفى 292 ؟ كما أرخه الذهبي في ميزان الاعتدال، هذا أخذا بما في لفظ الذهبي في تلخيصه من حذف حرف " ألاو " من السند وأما على ما في لفظ الحاكم من " ألاو " فيكون الراوي عن أبي شعيب المتوفى 202 هو نفس الحاكم المولود سنة 321 .

 على أن الذهبي قال في الميزان 2: 30: كان أبو شعيب غير متهم لكنه أخذ

 

/ صفحة 316 /

الدراهم على الحديث، وحكى ابن حجر عن ابن حبان في لسان الميزان 3: 271 إنه قال: كان يخطئ ويهم.

4 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 244 عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبي صلى الله عليه وآله فلما وقف به على رسول الله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله: غيروه(1) ولا تقربوه سوادا .

 متن هذه الرواية يكذبه كل ما ورد في إتيان أبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله فإن في الجميع أن الآتي به هو أبو بكر.

 ثم مر في حديث أنس أنه نظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج من شدة حمرتها، فما معنى ما ورد في هذا الرواية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غيروه ولا تقربوه سوادا ؟ وأما سندها ففيها عبد الله بن وهب قال ابن معين: ابن وهب ليس بذاك. وفي ابن جريج كان يستصغر. ميزان الاعتدال 2: 86 .

 وفيها أبو الزبير محمد بن مسلم الأسدي المكي ففي الميزان 3 ص 125: يرد ابن حزم من حديث أبي الزبير ما يقول: عن جابر ونحوه، لأنه عندهم ممن يدلس فإذا قال. سمعت وأخبرنا احتج به.

 قال الأميني: هذا الحديث مما قال فيه أبو الزبير عن جابر فهو يرد على ما قاله ابن حزم .

 وقال أبو زرعة وأبو حاتم: أبو الزبير: لا يتحج به وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي واحتج عليه رجل بحديث عن أبي الزبير فغضب وقال: أبو الزبير محتاج إلى دعامة .

 وعن ورقاء قال: قلت لشعبة: مالك تركت حديث أبي الزبير ؟ قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان وقال شعبة: قدمت مكة فسمعت من أبي الزبير فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل يوما فسأله عن مسألة فرد عليه فقلت له: يا أبا الزبير ! تفتري على رجل مسلم قال: إنه أغضبني.

 قلت: من يغضبك تفتري عليه ؟ لا رويت عنك حديثا أبدا.

 وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 9: 440 وحكى تضعيف أيوب وأحمد وغيرهما إياه .

 وعن أبي الزبير هذا أخرج الحاكم في المستدرك 3: 245 عن جابر أنه قال :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الذهبي في تلخيص المستدرك: غيروه يعني الشيب.

 

/ صفحة 317 /

أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بأبي قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اخضبوا لحيته .

 5 - أخرج ابن حجر من طريق محمد بن زكريا العلائي(1) عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تركت الشيخ حتى آتيه ؟ قال : أردت أن يؤجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك.

 الإصابة 4: 116 .

 

*(رجال الاسناد) *

1 - محمد بن زكريا الغلابي البصري. قال الذهبي: ضعيف. وقال ابن حبان : يعتبر بحديثه وإذا روي عن ثقة. وقال ابن مندة: تكلم فيه. وقال الدارقطني يضع الحديث. وذكر الصولي بإسناده حديثا فقال: هذا كذب من الغلابي، ميزان الاعتدال 3: 58 .

 2 - العباس بن بكار البصري. قال الدارقطني: كذاب. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم والمناكير. ميزان الاعتدال 2: 18 .

 3 - أبو بكر الهذلي البصري. قال الدوري ليس بشئ وقال أيضا: ليس بثقة . وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال غندر: كان يكذب وقال أبو زرعة ضعيف. وقال أبو حاتم: لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج بحديثه. وقال النسائي: ليس بثقة و لا يكتب حديثه. وقال ابن الجنيد: متروك الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف ليس بشئ ضعيف جدا، ضعيف ضييف. وقال الجوزجاني: يضعف حديثه. وقال الدارقطني : منكر الحديث متروك. وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف ليس حديثه بشئ. وقال المروزي : كان أبو عبد الله يضعف أمره. وقال ابن عمار: بصري ضعيف. وقال أبو إسحاق: ليس بحجة. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه .

وقال الذهبي: ضعفه أحمد وغيره. وقال غندر وابن معين: لم يكن بثقة. وقال

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحيح: الغلابي.

 

/ صفحة 318 /

يزيد بن زريع: عدلت عنه عمدا. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: ليس بالحافظ عندهم.

 راجع ميزان الاعتدال 3: 345، تهذيب التهذيب 12: 46، وقال ابن حجر في الإصابة بعد ذكر الحديث: إسناد واه .

 6 - قال ابن حجر في الإصابة 4: 117: أخرج أبو قرة موسى بن طارق عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة يقوده يوم فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ؟ قال أبو بكر: أردت أن يؤجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب لو كان أسلم(1) مني بأبي .

هذا الحديث كسابقه لا يدل على إسلام أبي قحافة وهو نظير قول عمر للعباس أنا بإسلامك إذا أسلمت أفرح مني بإسلام الخطاب يعني لو كان أسلم(2) وأما رجال إسناده ففيه :

1 - موسى بن طارق.

 قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به كما قاله الذهبي في الميزان 3: 211. وفيه :

2 - موسى بن عبيدة قال الذهبي: قال أحمد: لا يكتب حديثه. وقال النسائي وغيره: ضعيف. وقال ابن عدي: الضعف على روايته بين. وقال ابن معين ليس بشئ . وقال مرة: لا يحتج بحديثه. وقال يحيى بن سعيد: كنا نتقي حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ضعيف الحديث جدا. ميزان الاعتدال 3: 214. وفيه :

3 ـ عبد الله بن دينار. قال العقيلي: روى عنه موسى بن عبيدة ونظراؤه أحاديث مناكير الحمل فيها عليهم. تهذيب التهذيب 5: 202 .

 

*(القسم الثاني) *

لا يوجد في كتب الحديث ومعاجم التراجم ما يدل على إسلام أبي قحافة إلا ما

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه الجملة أعني (لو كان أسلم) دخيل من المتأخرين نظراء ابن حجر ولا توجد في الأصول القديمة راجع الرياض النضرة 1: 45 .

 (2) الإصابة 4: 117.

 

/ صفحة 319 /

أخرجه أحمد في مسنده 6: 349 من طريق ابن إسحاق عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنية إظهري بي على أبي قبيس، قالت: وقد كف بصره، قالت: فأشرفت به عليه فقال: يا بنية ماذا ترين ؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا.

 قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال: يا بنية ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخليل و يتقدم إليها ثم قالت: قد والله انتشر السواد.

 فقال: قد والله إذا دفعت الخيل فاسرعي بي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة و دخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ قال أبو بكر: يا رسول الله ! هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه قال: فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له : أسلم، فأسلم ودخل به أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كأنه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا من شعره، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال : انشد بالله وبالاسلام طوق أختي فلم يجبه أحد، فقال: يا أخية: إحتسبي طوقك .

 وفي لفظ المحب الطبري في الرياض 1، 45: إحتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم قليل .

 قال الأميني: هذه الرواية لا تصح لمكان محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار المدني نزيل العراق وليست هي إلا من موضوعاته. قال سليمان التيمي: ابن إسحاق كذاب. وقال هشام بن عروة: كذاب .

 وقال مالك: دجال من الدجاجلة .

 وقال يحيى القطان: أشد أن محمد بن إسحاق كذاب .

 وقال الجوزجاني: الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى بغير نوع من البدع .

 وقال ابن نمير: يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة .

 وقال أيوب بن إسحاق: سألت أحمد فقلت له: يا أبا عبد الله ! إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله ؟ قال: لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد

 

/ صفحة 320 /

ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا .

 وقال أبو داود: سمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق فقال: كان رجلا يشتهي الحديث فيأخذ كتب الحديث فيضعها في كتبه، وكان يدلس، وكان لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره .

 وقال عبد الله بن أحمد: ما رأيت أبي أتقن حديثه قط، وكان يتتبعه بالعلو والنزل، قيل له: يحتج به ؟ قال: لم يكن يحتج في السنن .

 وقال ابن معين: ليس بذاك، ضعيف، ليس بقوي .

 وقال النسائي: ليس بقوي .

 وقال ابن المديني: كذبه سليمان التميمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد وقال الدارقطني: لا يحتج به.

 وقال: اختلفت الأئمة فيه وليس بحجة إنما يعتبر به .

 وقال هشام بن عروة: يحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر والله إن رآها قط وقال وهيب: سألت مالكا عنه فاتهمه .

 وقال أحمد: هو كثير التدليس جدا(1) .

 وأخرج الحاكم في المستدرك 3: من طريق الحديث الرابع المذكور عن عبد الله ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله هنأ أبا بكر بإسلام أبيه .

 وفيه مضافا إلى ما أسلفناه في الحديث الرابع: إن زيد بن أسلم توفي سنة 136 .

 وعده ممن لقي ابن عمر(2) فلا تصح روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وقد ولد بعده بكثير .

 على أن ابن حجر قال في تهذيب التهذيب 3: 397: ذكر ابن عبد البر في مقدمة التمهيد ما يدل على أنه كان يدلس.

 وقال في موضع آخر: لم يسمع من محمود بن لبيد وحكى عن ابن عيينة أنه قال: كان زيد رجلا صالحا وكان في حفظه شئ.

 ونقل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ميزان الاعتدال 3: 21 - 24، تهذيب التهذيب 9: 38 - 46 .

 (2) تاريخ ابن كثير 10 ص 61، مرآة الجنان 1 ص 284.

 

/ صفحة 321 /

عن غيره قوله: لا أعلم به بأسا إلا أنه يفسر برأيه القرآن ويكثر منه، وفي ميزان الاعتدال 1: 361: إنه كان يفسر القرآن برأيه .

 هذا إسلام أيي قحافة وحديثه وليس إلا دعوى مجردة مدعومة بالواهيات ، ولا يثبت بها إسلام أي أحد، ويظهر من نفس رواية أحمد أن إتيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله [ على فرض تسليمه ] لم يكن إلا لاسترداد ما أخذه المسلمون من ابنته من الطوق، ولو كان له إسلام ثابت وكان إيتانه للاسلام لكان يعيد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم مرة بعد أخرى ، وكان ينتهز الفرص أيام اقامته تلك في مكة ويستفيد من نمير علمه، ويأخذ منه معالم دينه، وكان حقا عليه أن يزوره في حجة الوداع، ولو كان له إسلام لكان يروي عنه صلى الله عليه وآله ولو حديثا واحدا، أو كان يروي عن أصحابه ولو عن واحد منهم، ولو كان قد أسلم لكان تنقل عنه كلمة في الاسلام، أو قول في الذب عنه، أو حرف واحد في الدعوة إليه أو كان له في التاريخ ذكر عن أيام إسلامه، ونبأ عن آثار إيمانه بالله وبرسوله، ولا أقل من روايته هو بحديث إسلامه .

 ثم إن صح الخبر وقد أكرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: هلا تركت الشيخ في بيته. الخ.

 وكان ذلك كما مر تكرمة لأبي بكر فما بال الصحابة ترد شفاعة مثل هذا الرجل العظيم ؟ الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمة القيمة التي لم تؤثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم في أحد من الصحابة حتى في أعمامه صلى الله عليه وآله وفيهم العباس الذي يستسقي به الغمام وهم يسمعونها منه صلى الله عليه وآله ما بالهم يصفحون عن شفاعته في والده بإعادة الطوق إليه و هو شيخ كبير حديث العهد بالاسلام حري بأن يكرم ؟ وما بال أبي بكر الذي أنفق جل ماله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على زعم القوم يأخذ بيد أخته ويأتي بها إلى مجتمع الثويلة وينشد الحضور بالله وبالإسلام ويسألهم رد طوقها إليها ؟ وما الطوق وما قيمته والصحابة لم تقبل فيه شفاعة شيخهم يوم ذاك وخليفتهم في الغد ؟ وكيف يستعظم أبو بكر أمر الطوق ويأمر أخته بالاحتساب ويرى الأمانة قليلة في الصحابة يوم ذاك مع حضور نبيهم فيهم ؟ فما كان محلهم من الأمانة بعد يومهم ذاك بثلث سنين وقد ارتحل النبي صلى الله عليه وآله من بين ظهرانيهم ؟ وكيف صاروا بعد فقدهم نبيهم عدولا ؟ أنا لا أدري .