عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

القرن التاسع

-73-

ابن داغر الحلي

 

حـــــيا الإلـــــه كتـــــيـــــبة مـــــرتادهــا * يطــوى لـــــه سهـــــل الفـــــلا ووهادها

قـــــصدت أميـــــر المـــــؤمنين بقـبـــــة * يبـــــنى عـــــلـــــى هام السماك عمادها

وفـــــدت عـــــلى خـــــير الأنـام بحضرة * عـــــند الإلـــــه مـــكـــــرم وفـــــادهـــــا

فيـــــها الفـــتى وابن الفتى وأخو الفتى * أهـــــل الفـــــتوة ربـــــها مقـــــتادهـــــــا

فلـــــه الفخـــــار قـــــديمـــــه وحـــديثه * والفاضلات طـــــريفها وتـــــلادهـــــا(1)

مـــــولى البـــــريـــــة بعـــــد فقــد نبيها * وإمـــــامها وهـــــمامها وجـــــوادهــــــا

وإذا القـــــروم تصـــــادمت فـــي معرك * والخـــــيل قـــــد نســـــج القــتام طرادها

وتـــــرى القـــــبائل عــــند مختلف القنا * منـــــه يـــــحذر جـــــمعها آحـــــادهــــــا

والشـــــوس تعــــثر في المجال وتحتها * جـــــرد تجـــــذ إلـــــى القـتال جيادها(2)

فكـــــأن منتـــــشر الـــرعال لدى الوغا * زجـــــل تنـــــشر فـــــي البــــلاد جرادها

ورماحهـــــم قـــــد شظــيت عيدانها(3) * وسيـــــوفهم قـــــد كـــــسرت أغـــمادها

والشهـــــب تغـــمد في الرؤس نصولها * والسمر تصعـد في النفوس صعادها(4)

فتـــــرى هنـــــاك أخـــــا النـــبي محمد * وعـــــليه مـــــن جـــــهد البــلاء جلادها

متـــــرديا عـــــند اللقـــــا بحـــــسامــه * متصـــــديا لكـــــماتهـــــا يصـــــطادهــــا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطريف: المكتسب حديثا. التلاد والتليد: ما كان من قديم .

 (2) الشوس ج أشوس: الشديد الجرئ في القتال. تعثر يقال: عثر الرجل عثورا إذا هجم لمى أمر لهم يهجم عليه غيره. المجال: محل الجولان أي الميدان. جرد جمع الأجرد: السباق من الخيل . يجذ من جذ في سيره: أسرع: الجياد ج الجواد: السريع من الفرس .

 (3) شطنى تشظية: فرق، تشظى العود: تطاير شظايا: عيدان وأعود وأعواد ج العود : الخشب .

 (4) الشهب ج الشهاب: السنان. سمى به لما فيه من بريق. نصول ج النصل: حديدة الرمح والسهم. السمر: الرمح. صعاد ج الصعدة: القناة المستوية.

 

/ صفحة 25 /

عـــــضد النبي الهاشمـــــي بسيـــــفــه * حـــــتى تقـــــطع فــــي الوغا أعضادها

وأخـــــاه دونـــــهم وســـــد دويـــــنـــه * أبـــــوابهم فـــــتاحهــا ســـــدادهــــــــــا

وحـــــباه فـــــي (يـــــوم الغدير) ولاية * عـــــام الـــــوداع وكـــــلــــهم أشهادها

فغـــــدا بـــــه (يـــــوم الغـدير) مفضلا * بـــــركاته مـــــا تـــــنـــــتهي أعــــدادها

قبـــــلت وصـــــية أحـــــمد وبــصدرها * تخفـــــى لآل محـــــمد أحـــــقــــادهـــــا

حتـــــى إذا مـــــات النـــــبي فأظــهرت * أضغانهـــــا فـــــي ظـــــلمها أجــــنادها

منعـــــوا خـــــلافة ربـــــها ووليـــــهـا * ببـــــصائـــــر عـــــميت وضــل رشادها

واعـــــصوصبـــوا في منع فاطم حقها * فقـــــضت وقـــد شاب الحياة نكادها(1)

وتـــــوفيت غـــــصصا وبعـــــد وفـاتها * قتـــــل الحـــــسين وذبحـــــت أولادهــا

وغـــــدا يســـــب عـــلى المنابر بعلها * فـــــي أمـــــة ضلـــــت وطـــال فسادها

ولقـــــد وقفـــــت عـــــلى مقالة حاذق * فـــــي الســـــالفين فــراق لي إنشادها

[أعـــــلى المنابـــــر تعـــــلنون بسبــه * وبسيـــــفه نـــصبت لكم أعوادها ](2)

يا آل بـــــيت مــــحـــــمـــــد يا ســـــادة * ســـــاد البـــــرية فضــــلها وسدادها !

أنتـــــم مصابـــــيح الظـــــلام وأنـــــتم * خـــــير الأنـــــام وأنـــــتم أمجـــــادهــا

فضـــــلاءها عـــــلماءها حـــــلماءها * حـــــكماءها عـــــبـــــادها زهــادهـــــا

أمـــــا العـــــباد فـــــأنتم ســـــاداتهــــا * أمـــــا الحـــــروب فأنـــــتم آســـــادهـا

تلـــــك المساعـــــي للبـــرية أوضحت * نهـــــج الهـــــدى ومشــــت به عبادها

وإليـــــكم مـــــن شــــاردات(مغامس) * بـــــكرا يقـــــر بفـــــضلها حـــــسادهـا

كـــــملت بـــــوزن كـــــمالكم وتــزينت * بمـــــحاسن مـــــن حـــــسنكم تزدادها

نـــــاديتها صـــــوتا فمـــــذ أسمعــــتها * لبـــــت ولـــــم يـــــصلد عـــلي زنادها

نفـــــقت لـــــدي لأنـــــها فـــــي مدحكم * فـــــلذاك لا يـــــخشى عـــلي كسادها

رحـــــم الإله ممـــــدها أقـــــلامــــــــه * ورجـــــاؤه أن لا يخـــــيـــــب مدادها

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اعصو صبوا: اجتمعوا وصاروا عصائب. شاب: خلط وغش. النكاد: الكدر .

 (2) هذا البيت من قصيدة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي رحمه الله المتوفى 466.

 

/ صفحة 26 /

فتشفعــــــوا لكبائــــــر أسلفــــــتهــــا * قلقــــــت لهــــــا نفـــسي وقل رقادها

جــــــرما لــــــو أن الـراسيات حملنه * دكــــــت وذاب صخــورها وصــلادها

هيــــــهات تمـــــنع عن شفاعة جدكم * نفــــــس وحــــــب أبي تـــراب زادها

صلى الإلــــــه عــــــليكم مـــا أرعدت * سحــــــب وأسبـــــل ممطرا أرعادها

وله قوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتا :

كيــــف السلامـــــة والخطوب تنوب * ومصـــــائب الـدنيا الغرور تصوب ؟

إن البقـــــاء عــــلى اخـتلاف طبائع * ورجـــــاء أن ينجــــو الفتى لعصيب

العـــــيش أهـــــونه ومــــا هو كائن * حـــــتم ومـــــا هـــــو واصل فقريب

والدهـــــر أطـــــوار وليــــس لأهله * إن فكـــــروا فـــــي جـــالتيه نصيب

ليـــــس اللبــــيب من استغر بعيشه * إن المفـــــكر فـــــي الأمــــور لبيب

يا غـــــافلا ! والمــــوت ليس بغافل * عـــــش ما تـــــشاء فـإنك المطلوب

أبـــــديت لهـــــوك إذ زمـــانك مقبل * زاه وإذ غـــــض الشبـــــاب رطيــب

فمــن النصير على الخطوب إذ أتت * وعـــــلا عـــــلى شـــــرخ الشـــباب

مشيب علل الفتى من علمه مكفوفة * حـــــتى المـــــمات وعمره مكـتوب

وتـــــراه يكـدح في المعاش ورزقه * في الكـــــائنات مقـــــدر محـــــسوب

إن الليـــــالي لا تـــــزال مـــجـــــدة * فـــــي الخـــــلق أحداث لها وخطوب

مـــــن ســر فيها ساءه من صرفها * ريـــــب لـــــه طــــول الزمان مريب

عصفـــــت بخـــــير الخلق آل محمد * نكـــــباء إعـــــصار لها وهبوب(1)

أمـــــا النـــــبي فخـــــانه مـن قومه * فـــــي أقـــــربيه مجــــانب وصحيب

من بعـــــد ما ردوا عـــــليه وصاتـه * حـــــتى كـــــأن مقـــــاله مكــــذوب

ونســـــوا رعـــــاية حقـــه في حيدر * في " خم " وهو وزيره المصحوب

فأقـــــام فيـــــهم برهـــة حتى قضى * فـــــي الغـيظ وهو بغيظهم مغضوب

ومنها قوله في رثاء الإمام السبط عليه السلام :

بأبي الإمـــــام المستظــام بكربلا * يـــــدعـــو وليس لما يقول مجيب

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاعصار: ريح ترتفع بالتراب.

 الهبوب من الرياح المثيرة للغبرة.

 

/ صفحة 27 /

بأبي الــــوحيد وماله من راحـــم * يشكــــو الظما والماء منه قريب

بأبي الحبـــــيب إلــى النبي محمد * ومحـــــمد عـــــند الإلـــــه حبيب

يا كـــــربلاء أفـــــيك يقـتل جهرة * سبـــــط المطـهر ؟ إن ذا لعجيب

ما أنـــــت إلا كـــــربة وبلـــــيــة * كـــــل الأنـــــام بهـــولها مكروب

لهـــــفي عـليه وقد هوى متعفرا * وبـــــه أوام فــــــادح ولغوب(1)

لهـــــفي عـــليه بالطفوف مجدلا * تســـــفي عـــــليه شمال وجنوب

لهـــــفي عـــليه والخيول ترضه * فلهـــــن ركض حوله وخبيب(2)

لهـــــفي لـــه والرأس من مميز * والشيب من دمه الشريف خضيب

لهفي عليه ودرعـــــه مسلوبــة * لهـــــفي عـــــليه ورحـله منهوب

لهفي على حرم الحسين حواسرا * شعـــــثا وقـــد ريعت لهن قلوب

حـــــتى إذا قـــطع الكريم بسيفه * لم يثـــــنه خـــــوف ولا تـــرعيب

لله كـــــم لطمـــــت خـــدود عنده * جـــزعا وكم شقت عليه جيوب ؟

مـــا أنس إن أنسى الزكية زينبا * تبـــــكي لـــــه وقـناعها مسلوب

تدعــــو وتندب والمصاب تكظها * بين الطفوف ودمعها مسكوب(3)

ءاخي بعـــــدك لا حيـــيت بغبطة * واغـــــتـــــالني حتــف إلي قريب

ءاخـــــي بعـدك من يدافع جاهلا * عـــــني ويســمع دعوتي ويجيب

حـــــزني تذوب له الجبال وعنده * يسلـــــو وينــــسى يوسفا يعقوب

 

(الشاعر)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي، طفح بذكر المغامس في حب آل الله صلى الله عليهم غير واحد من المعاجم المتأخرة كالحصون المنيعة للعلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء ، والطليعة للعلامة السماوي، والبابليات للخطيب اليعقوبي، وذكر شطرا من شعره

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأوام: العطش. الفادح: الصعب المثقل. اللغوب: المتعب المعيى.

(2) الخبيب من خب الفرس في عدوه: راوح بين يديه ورجليه أي قام على إحداهما مره وعلى الأخرى مرة .

(3) تكظها من كظ الأمر كظا: غم وبهظ الطفوف ج الطف. ما أشرف من الأرض.

 

/ صفحة 28 /

شيخنا فخر الدين الطريحي في المنتخب، والأديب الاصبهاني في التحفة الناصرية، و تضمن غير واحد من المجاميع قريظه المتدفق بمدح أهل بيت الوحي أئمة الهدى و رثائهم صلوات الله عليهم حتى جمع منها الشيخ السماوي ديوانا باسم المترجم يربو على ألف وثلثمائة وخمسين بيتا ولعل التالف منها أكثر وأكثر .

 فهو من شعراء أهل البيت المكثرين المتفانين في حبهم وولائهم غير أن الدهر أنسى ذكره الخالد، ولعل هذا الانقطاع عن غيرهم عليهم السلام هو الذي قطع إطراد ذكره في جملة من الموسوعات أو المعاجم لمن لا يألف إلى ودهم كما فعلوا ذلك بالنسبة إلى كثيرين من أمثال المترجم فتركوا ذكره أو أثبتوه بصورة مصغرة، وعندهم مكبرات لذكريات أناس هم دون أولئك في الفضيلة والأدب، وكم للتاريخ من جنايات في الخفض والرفع، والجر والنصب، لا تستقصى ؟ كان الشيخ مغامس من إحدى القبائل العربية في ضواحي الحلة الفيحاء فهبطها للدراسة، ولم يبارحها حتى قضى بها نحبه شاعرا خطيبا، في أواسط القرن التاسع و يعرب شعره عن أنه كان له شوط في مضمار الخطابة كما كان يركض في كل حلبة من حلبات القريض قال :

فتـــارة أنظـم الأشعار ممتدحا * وتارة أنثر الأقوال في الخطب

وكان أبوه داغر شاعرا مواليا وهو الذي علمه قرض الشعر ومرنه على ولاء العترة الطاهرة كما يأتي في قوله : أعملت في مدحكم فكري فعلمني * نظــم المديح وأوصاني بذاك أبي

فحيى الله الوالد والولد. وإليك فهرست قصائده التي وقفنا عليها في مجاميع الأدب :

عدد القصائد                                        المطلع                                    عدد الأبيات

1 -        محب الليالي في مساعيه متعب   * يساق إليه حتفه وهو يدأب                   93

2 -        تذكر ما أحصى الكتاب فتابا * وحاذر من مس العذاب عقابا                       92

3 -        أصبحت للتقوى بجهلك تدعي * دعواك باطلة إذا لم تقلع                           81

4 -        هل حين عممه المشيب وقنعا ؟ * أتراه يصنع في الهداية مصنعا ؟             90

 

/ صفحة 29 /

5 -        أتطلب دنيا بعد شيب قذال ؟(1) وتذكر أياما مضت وليالي ؟                       92

توجد جملة من هذه القصيدة في المنتخب 2: 45 ط بمبئ .

 6 -       فصلت صروف الحادثات مفاصلي * وأصاب سهم النائبات مقاتلي

قطع الزمان عرى قواي وكلما * قطع الزمان فما له من واصل                 77

هذه القصيدة ذكرها شيخنا الطرحي في المنتخب 2: 36 .

 7 -       لغيرك يا دنيا ثنيت عناني * وذاك لأمر عن غناك عناني                            99

توجد هذه القصيدة برمتها في المنتخب 2: 58 .

 8 -       لبني الهادي مناحي * في غدوي ورواحي

صاح ما قلبي بصاح * ما لحزني من براح                                            105

9 -        هجر الغمض وسادي * وكوى الحزن فؤادي

فحياتي في نكادي * لقتيل ابن زياد                                                      62

10 -     ليتني كنت فداء للحسين * وهو بالطف قطيع الودجين

ينظر الشمر بعين وبعين * ينظر النسوة بين العسكرين                             106

11 -     بكيت وما لريعان الشباب * ولا لدروس منزلة خراب

ولا لفوات عيش مستطاب * ولا لفراق زينب والرباب                              80

12 -     صحبتك لا إني بودك مغرم * فبيني فغيري في هواك المتيم                        88

13 - رحل الشباب وإنه لكريم * وفراغه عند النفوس عظيم                                  81

14 - أزال الشباب الغض عنك مزيل * فهل أنت للبيض الحسان خليل ؟                   75

15 - يمدح بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوله :

عرّج عـــلى المصطفى يا سائق النجب * عرج عـــلى خـــير مبعــوث وخير نبي

عــــرج على السيد المبعوث من مضر * عرج على الصادق المنعوت في الكتب

عـــرج عـــلـــى رحـمة الباري ونعمته * عـــرج عـــلى الأبطحي الطاهر النسب

رآه آدم نــــورا بـــيـــــــــن أربـــعــــــة * لألاؤها فـــوق ســـاق العرش من كثب

فقـــال: يـــا رب مـــن هـــذا ؟ فقـيل له * قـــول المحـــب وما في القول من ريب

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القذال بفتح القاف: ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.

 

/ صفحة 30 /

: هـــــم أوليائـــــي وهم ذريـــــة لكـما * فقـــــر عـــــينا ونفـــــسا فيـــــهم وطب

أمـــــا وحـــــقهـــــم لـــــولا مكانهـــــم * مني لمـــــا دارت الأفـــــلاك بالقـــــطب

كـــــلا ولا كـــــان مـن شمس ولا قمر * ولا شهـــــاب ولا افـــــق ولا حــجـــــب

ولا سمـــــاء ولا أرض ولا شـــجـــــر * للناس يهمـــــي عـــــليه واكف السحب

ولا جـــــنـان ولا نـــــار مؤجـــــجـــــة * جعـــــلت أعـــــداءهم فيـها من الحطب

وقـــــال للمـــــلأ الأعـــــلـــى: ألا أحد * ينـــــبي بأسمـــــائهـــــم صدقـا بلا كذب

فلـــــم يجـــــيبوا فـــــأنبأ آدم بـــــهــــم * لـــــها بعـــــلم مـــــن الجـــبار مكتسب

فـــــقال للملأ الأعــــلى: أسجدوا كملا * لآدم وأطيعـــــوا واتقـــــوا غـــــضــبي

وصيـــــر الله ذاك النـــــور ملتـــــمــعا * فـــــي الـــــوجه منه بوعد منه مرتقب

وخـــــاف نـــــوح فـــــناجى ربــه فنجا * بهـــــم عـــــلـى دسر الألواح والخشب

وفـــــي الجـــــحيم دعا الله الخليل بهم * فأخـــــمدت بعـــــد ذاك الحــــر واللهب

وقـــــد دعـا الله موسى إذ هوى صعقا * بحقهـــــم فنـــــجا مـــــن شـــدة الكرب

فظـــــل منتـــــقلا والله حـــــافــــظـــــه * عـــــلـــــى تنقله مـــــن حــادث النوب

حتـــــى تقـــــسم في عــبــــد الإله معا * وفـــــي أبـــــي طــالب عن عبد مطلب

فـــــأودع الله ذاك القـــــسم آمنــــــــة * يـــــوما إلـــــى أجـــــل بالحـمل مقترب

حتـــــى إذا وضعـــــتـــه انهد من فزع * ركــــن الضلال ونادى الشرك بالحرب

وانشــــق أيوان كسرى وانطفت حذرا * نـــــيرانهم وأقـــــر الـــــكفر بالغــــلب

تساقـــــطت أنجـــــم الأمـــــلاك مؤذنة * بالرجـــــم فاحتـــــرق الأصنام باللهب

حتـــــى إذا حـــــاز ســن الأربعين دعا * ربـــــي بــــه في لسان الوحي بالكتب

فقـــــال: لبـــــيك مـــــن داع وأرسلــه * إلـــــى البـــــرية من عجم ومن عرب

فأظـــــهر المعجـــزات الواضحات لهم * بالبـــــينات ولـــــم يحـــــذر ولــم يهب

أراهم الآيـــــة الكـــــبرى فـــــواعجبا * ما بالهـــم خالفوا ؟ من أعجب العجب

رامـــــت بنو عـــــمـــــه تبيـيـته سحرا * فعـــــاذ منهـــــم رســـول الله بالهرب

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) همى الماء يهمي هميا: سال لا يثنيه شيئ. الواكف. المطر المنهل.

 

/ صفحة 31 /

وبات يفـــــديه خــــير الخلق حيدرة(1) * على الفراش وفي يمناه ذو شطب(2)

فأدبروا إذ رأوا غـــــير الـــــذي طلبوا * وأوغـلـــــوا لـــــرسول الله في الطلب

فـــــرابهم عـــنكب فــي الغار إذ جعلت * تسدي وتلحـــــم فــــي أبرادها القشب

حتـــــى إذا ردهـــــم عـــنه الإله مضى * ذاك النجـــــيــب على المهرية النجب

فحـــــل دار رجـــــال بايعـــــوه عـــــلى * أعـــــداؤه فـــــدماء القــوم في صبب

فـــــي كـــــل يــوم لمولى الخلق واقعة * منــــه عـلى عابدي الأوثان والصلب

يمشـــــي إلى حـــــربهم والله ناصــــره * مشــي العفرناة في غاب القنا السلب

في فتيـــــة كـــــالأسود المحـــذرات لها * براثــن(3) من رماح الخط والقضب

عـــــافوا المعــاقل للبيض الحسان فما * معــاقل أقوم غير البيض واليلب(4)

فالحـــــق فـــــي فــرح والدين في مرح * الشـــــرك في ترح والكفر في نصب

حـــــتى استـــــراح نبي الله قـــــاضيــة * بهـــــم وراحـــــتهم فــــي ذلك التعب

يا مـــــن بـــــه أنبـــــياء الله قـد ختموا * فليـــــس مــن بعده في العالمين نبي

إن كنـــــت فــي درجات الوحي خاتمهم * فـــــأنت أولـــــهم فـــــي أول الـرتب

قـــــد بشـــــرت بــــك رسل الله في أمم * خــــلت فما كنت فيما بينهم بغبي(5)

شهـــــدت أنـــــك أحــــسنت البلاغ فما * تكـــــون فـــــي باطــل يوما بمنجذب

حتـــــى دعـــــاك إلهـــــي فاستجبت له * حـــــبا ومن يدعه المحبوب يستجب

وقـــــد نصبـــــت لهـــــم في دينهم خلفا * وكـــــان بعـــــدك فيهم خير منتصب

لكنـــــهم خـــــالفوه وابتغـــــوا بـــــــدلا * تخـــــيروه وليس النبع كالغرب(6)

ويقول فيها :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مر حديث ليلة المبيت في الجزء الثاني ص 47 ط 2 .

(2) الشطب ج الشطبة بضم الأول وكسره. الخط في متن السيف .

(3) البرثن من السباع والطير بمنزلة الإصبع من الانسان. ج: براثن .

(4) المعقل: الملجا. البيض جمع بيضاء: السيف. اليلب: الترس أو الدروع اليمانية من الجلود. خالص الحديد .

(5) المستور: المجهول .

(6) النبع: خروج الماء من العين. الغرب: الماء المقطر من الدلو بين الحوض والبئر.

 

/ صفحة 32 /

يا راكب الهوجل المحبوك تحمله(1) * إلى زيـــــارة خـــــير العجـم والعرب

إذا قضيـــــت فـــروض الحج مكتملا * ونلت إدراك مـــا في النفس من إرب

وزرت قبـــــر رســـــول الله سيــــدنا * وسيـــــد الخـــــلق مــن ناء ومقترب

قـــــف موقـفي ثم سلم لي عليه معا * حـــــتى كـــــأني ذاك اليـــوم لم أغب

واثـــــن السلام إلى أهل البقيع فلي * بهـــــا أحـــــبة صـــــب دائـم الوصب

وبثـــــهم صبــوتي طول الزمان لهم * وقـــــل بدمع عــــلى الخدين منسكب

: يا قـدوة الخلق في علم وفي عمل * وأطهــــر الخلق في أصل وفي نسب

وصلــــت حــــبل رجائي في حبائلكم * كــــما تعــــلق فــــي أسبـابكم سببي

دنوت في الدين منــــكم والوداد فلو * لا دان لـــم يدن من أحسابكم حسبي

مديحــــكم مـكسبي والدين مكتسبي * ما عشت والظن في معروفكم نشبي

فإن عدتني الليالي عــــن زيــارتكم * فــــإن قــــلبي عــــنكم غـــير منقلب

قـد سيط لحمي وعظمي في محبتكم * وحبكـــم قد جرى في المخ والعصب

هجـــري وبغضي لمن عاداكم ولكم * صدقي وحبي وفي مدحي لكم طربي

فتــــارة أنــــظم الأشــــعار ممتـدحا * وتــــارة أنــــثر الأقــوال في الخطب

حتــى جعــلت مقال الضد من شبه * إذ صغت فيكم قريض القول من ذهب

أعــــملت في مدحكم فكري فعلمني * نظــــم المديح وأوصــــاني بذاك أبي

فهــــل أنــــال مفـــازا في شفاعتكم * مما احتقبــــت له في سائر الحقب ؟

فــــيا مغامس ! احبس في مدائحهم * تــــلك القــوافي وأجر الله فاحتسب

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الهوجل: الناقة التي بها هوج من سرعتها. المحبوك: مشدود الوسط.