عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

- 81-

سكوت الخليفة عن حكم الطلاق

 

عن قتادة قال: سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلق امرأته في الجاهلية تطليقتين

 

 

/ صفحة 267 /

وفي الاسلام تطليقة ؟ فقال: لا آمرك ولا أنهاك .

 فقال عبد الرحمن: لكني آمرك ليس طلاقك في الشرك بشئ (1) لم يكن تحاشي الخليفة عن الأمر والنهي عند حاجة السائل إلى عرفان الحكم إلا لعدم معرفته به، وليس جهله به بأقل من جهل ابنه عبد الله بحكم الطلاق في حال الحيض، وقد نقم منه ذلك أبوه ونفى عنه صلاحيته للخلافة بذلك في محاورة جرت بينه وبين ابن عباس وقد أسلفناها في الجزء الخامس ص 360 .

 

-82-

رأي الخليفة في أكل اللحم

1 - عن عبد الله بن عمر قال: كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوام رحمه الله بالبقيع ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها فيأتي معه بالدرة فإذا رأى رجلا اشترى لحما يومين متتابعين ضربه بالدرة وقال: ألا طويت بطنك يومين ؟ 2 - عن ميمون بن مهران: إن رجلا من الأنصار مر بعمر بن الخطاب وقد تعلق لحما فقال له عمر: ما هذا ؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ! قال حسن .

 ثم مر به من الغد ومعه لحم فقال: ما هذا ؟ قال: لحمة أهلي .

 قال: حسن .

 ثم مر به اليوم الثالث ومعه لحم فقال: ما هذا ؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ! فعلا رأسه بالدرة ثم صعد المنبر فقال: إياكم والأحمرين: اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين متلفة للمال (2) .

 قال الأميني: هذا فقه عجيب لا نعرف مغزاه، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، ولا يجتمع مع ما جاء عن النبي الأعظم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء (3) .

 وما جاء في صحيحة عن ابن عباس من أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت علي اللحم فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كنز العمال 5 ص 161، منتخب الكنز بهامش مسند أحمد 3 ص 482 .

(2) سيرة عمر لابن الجوزي ص 68، كنز العمال 3 ص 111 نقلا عن أبي نعيم، الفتوحات الإسلامية 2 ص 424 .

(3) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 ص 35 .

 

 

/ صفحة 268 /

وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا (1) .

وعلى تقدير الكراهة في إدمان أكل اللحم فهل أكله يومين متواليين أو ثلاثة متوالية من الادمان ؟ وهل يستتبع ذلك التعزير بالدرة ؟ وهل يبلغ مفسدته مفسدة النبيذ المحرم فكان لذته مفسدة للدين ومتلفة للمال ؟ ولو أخذ بهذا الرأي في أجيال المسلمين لوجب أن لا تهدء الدرة في حال من الأحوال .

 

-83 -

الخليفة ويهودي مدني

عن أبي الطفيل قال شهدت الصلاة على أبي بكر الصديق ثم اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه وأقمنا أياما نختلف إلى المسجد إليه حتى أسموه أمير المؤمنين فبينما نحن عنده جلوس إذا أتاه يهودي من يهود المدينة وهم يزعمون إنه من ولد هارون أخي موسى بن عمران عليهما السلام حتى وقف على عمر فقال له: يا أمير المؤمنين ! أيكم أعلم بنبيكم وبكتاب نبيكم حتى أسأله عما أريد فأشار له عمر إلى علي بن أبي طالب فقال: هذا أعلم بنبينا وبكتاب نبينا قال اليهودي: أكذاك أنت يا علي ؟ قال: سل عما تريد .

 قال: إني سائلك عن ثلاث وثلاث وواحدة .

 قال له علي: ولم لا تقول إني سايلك عن سبع ؟ قال له اليهودي: أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن أسألك عن الواحدة، وإن أخطأت في الثلث الأول لم أسألك عن شئ .

 وقال له علي: وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت ؟ قال: فضرب بيده على كمه فاستخرج كتابا عتيقا فقال: هذا كتاب ورثته عن آبائي وأجدادي بإملاء موسى وخط هارون وفيه هذه الخصال الذي أريد أن أسألك عنها فقال علي: والله عليك إن أجبتك فيهن بالصواب أن تسلم .

 قال له: والله لئن أجبتني فيهن بالصواب لأسلمن الساعة علي يديك .

 قال له علي: سل .

 قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض، وأخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض، وأخبرني عن أول عين نبعت على وجه الأرض، قال له علي: يا يهودي إن أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنه صخرة بيت المقدس وكذبوا لكنه الحجر الأسود نزل به آدم معه من الجنة فوضعه في ركن البيت فالناس يمسحون به

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح الترمذي 2 ص 176، تفسير ابن كثير 2 ص 87، الدر المنثور 2 ص 307 .

 

 

/ صفحة 269 /

ويقبلونه ويجددون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله قال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت .

 قال له علي: وأما أول شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنها الزيتونة وكذبوا ولكنها نخلة العجوة نزل بها معه آدم من الجنة فأصل التمر كله من العجوة .

 قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت .

 قال: وأما أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنها العين التي تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا ولكنها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة فلما أصابها ماء العين عاشت وسمرت فاتبعها موسى وصاحبه فأتيا الخضر .

 فقال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت .

 قال له علي: سل .

 قال: أخبرني عن منزل محمد أين هو في الجنة ؟ قال علي: ومنزل محمد من الجنة جنة عدن في وسط الجنة أقربه من عرش الرحمن عز وجل .

 قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت .

 قال له علي: سل .

 قال: أخبرني عن وصي محمد في أهله كم يعيش بعده وهل يموت أو يقتل ؟ قال علي: يا يهودي يعيش بعده ثلثين سنة ويخضب هذه من هذه وأشار إلى رأسه .

 قال : فوثب اليهودي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

 أخرجه الحافظ العاصمي في زين الفتى في شرح سورة هل أتى .

 وفي الحديث سقط كما ترى، وفيه نص عمر على إن عليا أعلم الأمة بنبيها وبكتابه، وموسى الوشيعة يقول: عمر أعلم الأمة على الإطلاق بعد أبي بكر، والانسان على نفسه بصيرة .

 

-84-

الخليفة أول من أعال الفرائض

عن ابن عباس قال: أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب لما التوت عليه الفرائض .

 ودافع بعضها بعضا قال: والله ما أدري أيكم قدم لله ولا أيكم أخر وكان امرءا ورعا فقال: ما أجد شيئا هو أوسع لي من أن أقسم المال عليكم بالحصص وادخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة .

 وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: دخلت أنا وزفر بن أوس بن الحدثان على ابن عباس بعد ما ذهب بصره فتذاكرنا فرائض الميراث فقال: ترون الذي أحصى رمل

 

 

/ صفحة 270 /

عالج عددا لم يحص في مال نصفا ونصفا وثلثا إذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث ؟ فقال له زفر: يا ابن عباس ! من أول من أعال الفرائض ؟ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

 قال: ولم ؟ قال: لما تدافعت عليه وركب بعضها بعضا قال: والله ما أدري كيف أصنع بكم ؟ والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر .

 قال: وما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن اقسمه عليكم بالحصص .

 ثم قال ابن عباس: وأيم الله لو قدم من قدم الله، وأخر من أخر الله ما عالت فريضة .

 فقال له زفر: وأيهم قدم وأيهم أخر ؟ فقال: كل فريضة لا تزول إلا إلى فريضة فتلك التي قدم الله وتلك فريضة الزوج له النصف فإن زال فإلى الربع لا ينقص منه، والمرأة لها الربع فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا تنقص منه، والأخوات لهن الثلثان والواحدة لها النصف، فإن دخل عليهن البنات كان لهن ما بقي فهؤلاء الذين أخر الله، فلو أعطى من قدم الله فريضته كاملة ثم قسم ما يبقى بين من أخر الله بالحصص ما عالت فريضة .

 فقال له زفر: فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر ؟ فقال هبته والله (1) .

وفي أوائل السيوطي وتاريخه ص 93، ومحاضرة السكتواري ص 152: إن عمر أول من قال بالعول في الفرائض .

 قال الأميني: ما عساني أن أقول بعد قول الخليفة: والله ما أدري كيف أصنع بكم، والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر ؟ أو بعد قول ابن عباس: وأيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة ؟ كيف لك يتزحزح الرجل عن القضاء في الفرائض والحال هذه ويحكم بالرأي ؟ وهو القائل في خطبة له: ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا، ألا وإنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر .

 (2) أهكذا الاقتداء والاتباع، أم هذه هي الابتداء والابتداع ؟ وكيف يسوغ لمثل الخليفة أن يجهل الفرائض وهو القائل: ليس جهل أبغض إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أحكام القرآن للجصاص 2 ص 109، مستدرك الحاكم 4 ص 340 وصححه، السنن الكبرى 6 ص 253، كنز العمال 6 ص 7 .

 (2) سيرة عمر لابن الجوزي ص 107 .

 

 

/ صفحة 271 /

الله ولا أعم ضرا من جهل إمام وخرقه ؟ (1) .

وكيف يشغل منصة القضاء قبل أن يتفقه في دين الله وهو القائل: تفقهوا قبل أن تسودوا ؟ (2) .

 

-85-

إجتهاد عمر في تشطير أموال عماله

وهو أول من قاسم العمال وشاطرهم أموالهم (3)

1 - عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا فلما عزلني وقدمت على عمر قال لي: يا عدو الله وعدو المسلمين - أو قال وعدو كتابه - سرقت مال الله ؟ قال: قلت: لست بعدو الله ولا للمسلمين - أو قال لكتابه - ولكني عدو من عاداهما ولكن خيلا تناتجت وسهاما اجتمعت .

 قال: فأخذ مني اثنا عشر ألفا فلما صليت الغداة قلت: أللهم اغفر لعمر .

 حتى إذا كان بعد ذلك .

 قال: ألا تعمل يا أبا هريرة ؟ قلت: لا .

 قال: ولم ؟ قد عمل من هو خير منك يوسف، قال: إجعلني على خزائن الأرض ؟ فقلت: يوسف نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أميمة وأخاف منكم ثلاثا واثنين قال: فهلا قلت خمسا ؟ قلت: أخشى أن تضربوا ظهري، وتشتموا عرضي، وتأخذوا مالي، وأكره أن أقول بغير حلم، وأحكم بغير علم .

 دعا عمر أبا هريرة فقال له: علمت أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار ؟ قال: كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت .

 قال: قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده .

 قال: ليس لك .

 قال: بلى والله أرجع ظهرك .

 ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال: إئت بها .

 قال: إحتسبتها عند الله .

 قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين ؟ وما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر . - وأميمة أم أبي هريرة - .

 2 - كان سعد بن أبي وقاص يقال له: المستجاب . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إتقوا دعوة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سيرة عمر لابن الجوزي ص 100، 102، 161 .

 (2) صحيح البخاري باب الاغتباط في العلم 1 ص 38 .

 (3) شرح ابن أبي الحديد 3 ص 113 .

 

 

/ صفحة 272 /

سعد فلما شاطره عمر قال له سعد: لقد هممت . قال له عمر: بأن تدعو علي ؟ قال: نعم . قال إذا لا تجدني بدعاء ربي شقيا .

وأخرج البلاذري في فتوح البلدان ص 286 عن ابن إسحاق قال: إتخذ سعد بن أبي وقاص بابا مبوبا من خشب وخص على قصره خصا من قصب فبعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة الأنصاري حتى أحرق الباب والخص وأقام سعدا في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلا خيرا .

 وقال السيوطي: أمر عمر عماله فكتبوا أموالهم منهم سعد بن أبي وقاص فأخذ نصف مالهم .

3 - لما عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة شاطره عماله .

4 - كتب عمر بن الخطاب إلى عمر وبن العاصي وكان عامله على مصر: من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمر وبن العاصي: سلام عليك فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ؟ ولا تكتمه .

 فكتب إليه عمرو بن العاصي: إلى عبد الله أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وإنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني في أرض السعر فيه رخيص، وإني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله، وفي رزق أمير المؤمنين سعة، والله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك، فاقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها، ولعمري إن عندك من تذم معيشته ولا تذم له، فأنى كان ذلك ولم يفتح قفلك ولم نشركك في عملك.

 فكتب إليه عمر: أما بعد: فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر، ونسقك الكلام في غير مرجع لا يغني عنك أن تزكي نفسك، وقد بعثت إليك محمد بن سلمة فشاطره مالك، فإنكم أيها الأمراء جلستم على عيون المال لم يزعكم عذر تجمعون لأبنائكم، وتمهدون لأنفسكم، أما إنكم تجمعون العار، وتورثون النار، والسلام .

 

 

 

/ صفحة 273 /

فلما قدم عليه محمد بن سلمة صنع له عمر وطعاما كثيرا فأبى محمد بن سلمة أن يأكل منه شيئا فقال له عمرو: أتحرموا طعامنا ؟ فقال: لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته ولكنه قدمت إلي طعاما هو تقدمة شر والله لا أشرب عندك ماء فاكتب لي كل شيئ هو لك ولا تكفه، فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى، فغضب عمرو ابن العاصي فقال: يا محمد بن سلمة قبح الله زمانا عمرو بن العاصي لعمر بن الخطاب فيه عامل، والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب، وعلى ابنه مثلها، وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه، والله ما كان العاصي بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزررا بالذهب .

 قال له محمد: اسكت والله عمر خير منك وأما أبوك وأبوه ففي النار، والله لولا الزمان الذي سبقته فيه لا ألفيت معقل شاة يسرك غزرها ويسرك بكرها . فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله فلم يخبر بها عمر .

 5 - زار أبو سفيان معاوية فلما رجع من عنده دخل على عمر فقال: أجزنا أبا سفيان قال: ما أصبنا شيئا فنجيزك به .

 فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول: قل لها يقول لك أبو سفيان انظري الخرجين اللذين جئت بهما فاحضريهما فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر في بيت المال، فلما ولي عثمان ردهما عليه فقال أبو سفيان: ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر .

 6 - لما ولى عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثم عزله تلقاه في بعض الطريق فوجد معه ثلاثين ألفا فقال: أنى لك هذا ؟ قال: والله ما هو لك ولا للمسلمين ولكنه مال خرجت به لضيعة اشتريها .

 فقال عمر: عاملنا وجدنا معه مالا ما سبيله إلا بيت المال، ورفعه فلما ولي عثمان قال لأبي سفيان: هل لك في هذا المال ؟ فإني لم أر لأخذ ابن الخطاب فيه وجها، قال: والله إن بنا إليه حاجة ولكن لا ترد فعل من قبلك فيرد عليك من بعدك .

 7 - مر عمر يوما ببناء يبني بحجارة وجص فقال: لمن هذا ؟ فقالوا لعامل من عمالك بالبحرين فقاسمه ماله وكان يقول: لي على كل خائن أمينان: الماء .

 والطين.

8 - أرسل عمر إلى أبي عبيدة: إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول فانتزع عمامته وقاسمه نصفين . فلم يكذب نفسه

 

 

/ صفحة 274 /

فقاسمه أبو عبيدة ماله حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الأخرى وخالد يقول: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين .

 بلغ عمر أن خالدا أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه فأرسل لأبي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالدا بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيده بعمامته لأن العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف، وإن كان من مال المسلمين فهي خيانة، فلما قدم خالد رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه قال له: من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف ؟ فقال: من الأنفال والسهمان .

 قال: ما زاد على التسعين ألفا فهو لك ثم قوم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفا ثم قال له: والله إنك علي لكريم وإنك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيئ .

 وكتب رضي الله عنه إلى الأمصار: إني لم أعزل خالد عن مبخلة (1) ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع .

 قال الحلبي في السيرة 3 ص 220: وأصل العداوة بين خالد وسيدنا عمر رضي الله عنهما على ما حكاه الشعبي إنهما وهما غلامان تصارعا وكان خالد إبن خال عمر فكسر ساق عمر فعولجت وجبرت ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أول شيئ بدأ به عزل خالد وقال: لا يلي لي عملا أبدا، ومن ثم أرسل إلى أبي عبيدة إن أكذب خالد .. إلخ . وذكره ابن كثير في تاريخه 7 ص 115 .

 وأخرج الطبري في تاريخه عن سليمان بن يسار قال: كان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد ! أخرج مال الله من تحت إستك .

 فيقول: والله ما عندي من مال، فلما أكثر عليه عمر قال له خالد: يا أمير المؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانكم أربعين ألف درهم ؟ فقال عمر: قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم .

 قال: هو لك، قال: قد أخذته ولم يكن لخالد مال إلا عدة ورقيق فحسب ذلك فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك فأعطاه أربعين ألف وأخذ المال فقيل له: يا أمير المؤمنين ! لو رددت على خالد ماله ؟ فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين والله لا أرده عليه أبدا فكان عمر يرى إنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك .

 وفي تاريخ ابن كثير 7 ص 117: إن عمر قال لعلي - بعد موت خالد -: ندمت على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في تاريخ الطبري: عن سخطة .

 

 

/ صفحة 275 /

ما كان مني . وقال عمر: رحم الله أبا سليمان لقد كنا نظن به أمورا ما كانت .

م - وذكر ابن كثير في تاريخه 7 ص 115 عن محمد بن سيرين قال: دخل خالد على عمر وعليه قميص حرير فقال عمر: ما هذا يا خالد ؟ فقال: وما بأس يا أمير المؤمنين ؟ أليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف ؟ فقال: وأنت مثل ابن عوف ؟ ولك مثل ما لابن عوف ؟ عزمت على من بالبيت إلا أخذ كل واحد منهم بطائفة مما يليه .

 قال: فمزقوه حتى لم يبق منه شيئ) .

 وذكر البلاذري جمعا من عمال شاطرهم عمر بن الخطاب أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم:

9 - أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي .

 10 - نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي أخو أبي بكرة .

 11 - الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات .

 12 - جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق .

 13 - بشر بن المحتفز كان على جندي سابور .

 14 - ابن غلاب خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال باصبهان .

 15 - عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذز .

 16 - سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز .

 17 - النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة .

 18 - مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها .

 19 - شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم .

 20 - أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رام هرمز .

 وهؤلاء ذكرهم أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد في شعر قدمه إلى عمر بن الخطاب قال:

أبلـــــغ أمير المؤمنيـــــن رسالـــــة * فأنـــــت أميـــن الله في النهي والأمر

وأنـــــت أميـــــن الله فيـنا ومن يكن * أميــــنا لرب العرش يسلم له صدري

فلا تدعـــــن أهل الرساتيق والقـرى * يسيغــــــون مال الله في الأدم والوفر

 

 

/ صفحة 276 /

فــأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه * وأرسل إلـــــى جـزء وأرسل إلى بشر

ولا تنسين النافــــعـــــين كليهـــــمــا * ولا ابـــــن غــلاب من سراة بني نصر

وما عـــــاصم منهـــــا بصفــر عيابه * وذاك الــذي في السوق مولى بني بدر

وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه * وصهـــــر بني غــــزوان إني لذو خبر

وشبلا فسلـــــه المــال وابن محرش * فقـــــد كــان في أهل الرساتيق ذا ذكر

فـــــقاسمهم أهلـــــي فـــــداؤك إنـهم * سيــرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

ولا تـــــدعـــــوني للشهـــــادة إنـــني * أغـــــيب ولكـــــني أرى عجــب الدهر

نـــــؤوب إذا آبـــوا ونغزوا إذا غزوا * فـــــأني لهـــــم وفــر ولسنا أولي وفر

إذا الـــــتاجر الـــــداري جـــاء بفارة * من المسك راحت في مفارقهم تجري

م - فقاسم عمر هؤلاء القوم فأخذ شطر أموالهم نعلا بنعل، وكان فيهم أبو بكرة فقال إني لم آل لك شيئا فقال: أخوك على بيت المال وعشور الإبلة فهو يعطيك المال تتجربه فأخذ منه عشرة آلاف ويقال: قاسمه فأخذ شطر ماله) .

21 - وصادر الحرث بن وهب أحد بني ليث بكر بن كنانة وقال له: ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار ؟ قال: خرجت بنفقة لي فاتجرت فيها . قال: وإنا والله ما بعثناك للتجارة، أدها . قال: أما والله لا أعمل لك بعدها . قال: أنا والله لا أستعملك بعدها .

 راجع فتوح البلدان للبلاذري ص 90، 226، 392، تاريخ الطبري 4 ص 56، 205، العقد الفريد 1 ص 18 - 21، معجم البلدان 2 ص 75، صبح الأعشى 6 ص 386، 477، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 ص 58، ج 3 ص 104، سيرة عمر لابن الجوزي ص 44، تاريخ ابن كثير 7 ص 18، 115، و ج 8 ص 113، السيرة الحلبية 3 ص 220، الإصابة 3 ص 384، 676، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 96، الفتوحات الإسلامية 2 ص 480 .

 قال الأميني: أنا لا أدري إن قامت البينة عند الخليفة على أن تلك الأموال مختلسة من بيت مال المسلمين، فلم لم يصادر كلها، وإن كان يحسى أن هناك أموالا مملوكة لهم فهل من المعقول أن يقدر ذلك في الجميع بنصف ما بأيديهم حتى النعل والنعل ؟ وقد عد ذلك سيرتا له، قال سعيد بن عبد العزيز: كان عمر يقاسم عماله نصف ما أصابوا (1) وإن لم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الإصابة 2 ص 410 .

 

 

/ صفحة 277 /

تقم البينة على ذلك فكيف رفع أيدي القوم عما كان في حيازتهم ورفض دعاويهم بأنها من ربح تجارة، أو نتاج خيل، أو منافع زرع، أو ثمن ضيعة ؟ ولم لم يحاكمهم في الأمر بإحضار الشهود والتدقيق في القضية وغرم قبل ذلك بمجرد الظنة والتهمة ؟ ويد المسلم من إمارات الملك ودعواه له بلا معارض مسموع منه وإلا لما قام للمسلمين سوق .

 على أن ظاهر حال هؤلاء الصحابة المغرمين بمقتضى فقه الخليفة إنهم لصوص بأقبح التلصص لأن السارق في الغالب لا يسرق إلا من واحد أو اثنين أو أكثر يعدون بالأنامل لكن هؤلاء بحكم تلك المشاطرة سراق من مال المسلمين جميعا، وكان قد ائتمنهم قبل ذلك وبعده على نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأحكامهم باستعمالهم على البلاد، والعباد، غير أنه كان فيهم من تنصل عن العمل بعد التغريم، أصحيح إنهم كانوا هكذا ؟ أنا لا أدري . أصحيح أنهم كلهم عدول ؟ أيضا لا أدري .

 

-86-

الخليفة في شراء الإبل

عن أنس بن مالك قال: إن أعرابيا جاء بإبل له يبيعها فأتاه عمر يساومه بها فجعل عمر ينخس بعيرا بعيرا يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده فجعل الأعرابي يقول: خل إبلي لا أبا لك .

 فجعل عمر لا ينهاه قول الأعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير، فقال الأعرابي لعمر: إني لأضنك رجل سوء .

 فلما فرغ منها اشتراها فقال: سقها وخذ أثمانها فقال الأعرابي: حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها فقال عمر: إشتريتها وهي عليها فهي لي كما اشتريتها فقال الأعرابي: أشهد إنك رجل سوء فبينما هما يتنازعان إذ أقبل علي فقال عمر: ترضى بهذا الرجل بيني وبينك ؟ قال الأعرابي: نعم .

 فقصا على علي قصتهما فقال علي: يا أمير المؤمنين إن كنت اشترطت عليه أحلاسها وأقتابها ؟ فهي لك كما اشترطت، وإلا فإن الرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها .

 فوضع عنها أحلاسها وأقتابها فساقها الأعرابي فدفع إليه عمر الثمن .

 كنز العمال 2 ص 221، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 2 ص 231 .

 جزى الله أمير المؤمنين عليا عليه السلام عن الأعرابي خيرا يوم حفظ له الأحلاس والأقتاب عن أن تؤخذ منه بغير ثمن، وأما حل مشكلة عمل الخليفة وفقهه في المقام فنكله إلى نظرة التنقيب للباحث الحر .

 

 

 

/ صفحة 278 /

 

-87-

رأي الخليفة في بيت المقدس

عن سعيد بن المسيب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له: إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال له عمر: إجعلها عمرة .

 قال: ومر به رجلان وهو يعرض إبل الصدقة فقال لهما: من أين جئتما ؟ قالا: من بيت المقدس، فعلا هما بالدرة وقال: أحج كحج البيت ؟ قالا: إنا كنا مجتازين (1) .

 قال الأميني: إن بيت المقدس أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وتقصد بالزيارة والصلاة فيها لكن الخليفة عزبت عنه تلكم المأثورات النبوية فلم يسمعها منه صلى الله عليه وآله وسلم أولم يعها أو نسيها فمنع الرجل المتأهب لزيارته عنها وعلا بالدرة من حسب إنه زاره فتترسا عنها بإبداء أنهما مرا به مجتازين، وإليك نصوص أحاديث الباب فاقرأها واعجب .

 1 - عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى .

 أخرجه أحمد في مسنده 2، ص 238، 278، والبخاري في صحيحه كما في السنن الكبرى 5 ص 44، ومسلم في صحيحه 1 ص 392، والدارمي في سننه 1 ص 330، وأبو داود في سننه 1 ص 318، وابن ماجة في سننه ص 430، والنسائي في سننه 2 ص 37، والبيهقي في سننه 5 ص 244، والبغوي في مصابيحه 1 ص 47، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4 ص 3: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات أثبات .

 لفظ آخر لأبي هريرة: إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة . ومسجدي . ومسجد إيليا .

 أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 392، والبيهقي في سننه 5 ص 244 .

 قال الأميني: إيلياء اسم مدينة بيت المقدس، قيل: معناه بيت الله . قال أبو علي: و سمي البيت المقدس إيلياء بقول الفرزدق:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه الأزرقي كما في كنز العمال 7 ص 157 .

 

 

/ صفحة 279 /

وبيــتان بيت الله نحن ولاته * وقصر بأعلى إيلياء مشرف

2 - عن علي أمير المؤمنين بلفظ أبي هريرة الأول .

 أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 4 ص 3 .

3 - عن عبد الله بن عمر بلفظ أبي هريرة الأول .

 أخرجه البزار وقال الهيثمي في المجمع 4 ص 4: رجاله رجال الصحيح .

 وفي لفظ آخر له: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام . ومسجد المدينة . ومسجد بيت المقدس .

 أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط . وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات .

 4 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: إن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه . فأوتيه .

 وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه .

 وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه . أخرجه ابن ماجة في سننه 1 ص 430، والنسائي في سننه 2 ص 34 .

 5 - عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير مسجد الحرام . والمسجد الأقصى . ومسجدي هذا .

 أخرجه أحمد في مسنده 3 ص 64، وبلفظ أبي هريرة الأول في ج 3 ص 7، 4، 3 51، 77، 78، وفي صحيفة 45 بدل المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس، وبلفظ أبي هريرة أخرجه عن أبي سعيد البخاري في صحيحه 3 ص 224 في باب الصوم يوم النحر، والترمذي في صحيحه 1 ص 67، وابن ماجة في سننه 1 ص 430، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص 60 .

 6 - عن أبي الجعد الضميري مرفوعا: لا تشد الرحال .. إلخ، بلفظ أبي هريرة الأول رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد 4 ص 4 .

 

 

 

/ صفحة 280 /

8 - عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري مرفوعا: لا يعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء . أو: بيت المقدس . يشك أيهما قال . بغية الوعاة ص 444) .

 م 7 - عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس .

 قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فان صلاة فيه كألف صلاة في غيره .

 قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه ؟ قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه .

 أخرجه ابن ماجة في سننه 1 ص 429، والبيهقي في سننه 2 ص 441 .

 هذه جملة مما ورد في بيت المقدس وقصده للصلاة، وقد أسرى المولى سبحانه عبده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكانت الصحابة تقصدها للصلاة في مسجدها كم في مجمع الزوائد 4 ص 4، وأفرد الحافظ ابن عساكر كتابا فيه وأسماه (المستقصى في فضائل المسجد الأقصى) .

 وإذا غضضنا الطرف عن هذه الأحاديث فإن شد الرحال إلى أي من المساجد يكون من المباحات الأولية التي لم يرد عنها نهي، فما معنى الارهاب بالدرة في مثلها ؟ مع أن من يمم مسجدا للصلاة فيه يحاسب في أجره ممشاه بالخطوات وقرب سيره وبعده كما في صحاح أخرجها الترمذي في صحيحه 1 ص 184 . نعم .

 كأن الخليفة كان يرى إتيان تلكم المساجد إحياء لآثار الأنبياء وله فيها رأيه الشاذ كما أسلفناه صفحة 148 من هذا الجزء .

 

-88-

رأي الخليفة في المجوس

أخرج يحيى بن سعيد بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما أدري ما أصنع بالمجوس وليسوا أهل الكتاب ؟ - وفي لفظ: ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟ - فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب .

 وعن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية على مناذر (1) فجاءنا كتاب عمر:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كورة من كور الأهواز .

 

 

/ صفحة 281 /

انظر المجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر .

 وعنه قال: لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر .

 راجع الأموال لأبي عبيد ص 32، موطأ مالك 1 ص 207، صحيح البخاري كتاب فرض الخمس باب الجزية، مسند أحمد 1 ص 190، جامع الترمذي 1 ص 192 وفي ط 1 ص 300 بعدة طرق صحح بعضها وحسن أخرى، سنن الدارمي 2 ص 234، سنن أبي داود 2 ص 45، كتاب الرسالة للشافعي ص 114، أحكام القرآن للجصاص 3 ص 114، فتوح البلدان للبلاذري ص 276، سنن البيهقي 8 ص 248، و ج 9 ص 189، مصابيح البغوي 2 ص 97 وصححه، سيرة عمر لابن الجوزي ص 114، مشكاة المصابيح ص 344، تيسير الوصول 1 ص 245 .

 قال الأميني: أو لا تعجب ممن يتصدى للخلافة الكبرى ولا يعرف أمس لوازمها بها ؟ فإن حكم المجوس من أوليات ما يلزم معرفته لمتولي السلطة الإسلامية من الناحية المالية والسياسية والدينية .

 أو لا تعجب من تعطيل حكم هام كهذا سنين متطاولة إلى شهادة عبد الرحمن ابن عوف وإجراء الحكم بعدها ؟ وكان ذلك قبل موت الخليفة بسنة (1) ومن الممكن أن يبتلى له وبمثله وعبد الرحمن أو مثله في منتأى عنه، فبماذا يعمل إذن ؟ ولو لم تلد عبد الرحمن أمه فإلى ما كان يؤل أمره ؟ ومن ذا الذي كان يفيض علمه عليه ؟ وكيف يتولى الأمر من يجد في الرعية من هو أعلم منه ؟ وأين هو ومن ولاه الأمر من قول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله و رسوله وجميع المؤمنين (2). فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ؟ .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ص 344 .

 (2) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 ص 211 .

 

 

/ صفحة 282 /

 

-89-

رأي الخليفة في صوم رجب

عن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام ويقول: رجب وما رجب، إنما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الاسلام ترك (1) .

 قال الأميني: لقد عزب عن الخليفة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خصوص صوم رجب والترغيب فيه وذكر المثوبات الجزيلة له من ناحية .

 وما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صوم ثلاثة أيام من الأشهر كلها وهو يعم رجبا وغيره من ناحية أخرى .

 وما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صوم خصوص الأشهر الحرم ومنها شهر رجب من ناحية ثالثة .

 وما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم من تمام السنة وفيها شهر رجب من ناحية رابعة .

 وما جاء في التطوع بمطلق الصوم والترغيب فيه من أي شهر كان وهذه خامسة النواحي التي فاتت المانع عن صوم رجب فهلم معي فاقرأها .

 الطائفة الأولى: عن عثمان بن حكيم قال: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر .

 ويفطر حتى نقول: لا يصوم .

 وفي لفظ البخاري: كان يصوم حتى يقول القائل: لا والله: لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم .

 راجع صحيح البخاري 3 ص 215، صحيح مسلم 1 ص 318، مسند أحمد 1 ص 326، سنن أبي داود 1 ص 381، سنن البيهقي 4 ص 291، تيسير الوصول 2 ص 328 .

 2 - عن أمير المؤمنين علي عليه السلام مرفوعا: رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، من صام يوما من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام غلقت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 3 ص 191، وكنز العمال 4 ص 341 .

 

 

/ صفحة 283 /

عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء: قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله .

 مجمع الزوائد 3 ص 191، الغنية للجيلاني 1 ص 198 وله هناك أحاديث بألفاظ أخر عن أمير المؤمنين، ورواه الجرداني في مصباح الظلام 2 ص 82 من طريق البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك .

 3 - عن أبي هريرة مرفوعا: لم يتم صوم شهر بعد رمضان إلا رجب وشعبان .

 مجمع الزوائد 3 ص 191، الغنية 1 ص 200 .

 4 - عن أنس بن مالك مرفوعا: إن في الجنة قصرا لا يدخله إلا صوام رجب .

 أخرجه ابن شاهين في الترغيب كما في كنز العمال 4 ص 341، وذكره الجيلاني في الغنية 1 ص 200 .

 وأخرج البيهقي عن أنس مرفوعا: إن في الجنة نهرا يقال له: رجب .

 أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر .

 ورواه الشيرازي في الألقاب، وذكره الزرقاني في شرح المواهب 8 ص 108، والجيلاني في الغنية 1 ص 200، والسيوطي في الجامع الصغير وقال المناوي في شرحه 2 ص 470: هذا تنوية عظيم بفضل رجب ومزية الصيام فيه .

 5 - أخرج ابن عساكر عن أبي قلابة إنه قال: إن في الجنة قصرا لصوام رجب .

 وذكره القسطلاني في المواهب اللدنية كما في شرحه 8 ص 128، والسيوطي في جميع الجوامع كما في ترتيبه 4 ص 341 .

 6 - أخرج أبو داود عن عطاء بن أبي رباح: إن عروة بن الزبير قال لعبد الله بن عمر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في رجب ؟ قال: نعم ويشرفه .

 قالها ثلاثا .

 وذكره القسطلاني في المواهب كما في شرحه 8 ص 128، والرفاعي في ضوء الشمس 2 ص 67 .

 7 - عن مكحول قال: سأل رجل أبا الدرداء رضي الله عنه عن صيام رجب، فقال له: سألت عن شهر كانت الجاهلية تعظمه في جاهليتها وما زاده الاسلام إلا فضلا

 

 

/ صفحة 284 /

وتعظيما، ومن صام منه يوما تطوعا يحتسب به ثواب الله تعالى ويبتغي به وجهه مخلصا أطفأ صومه ذلك اليوم غضب الله تعالى، وأغلق عنه بابا من أبواب النار، ولو أعطي ملء الأرض ذهبا ما كان جزاءا له ولا يستكمل له أجر شئ من الدنيا دون يوم الحساب . الحديث . ذكره الجيلاني في الغنية 1 ص 198 .

 وهناك أحاديث جمة في فضل صوم رجب وأول خميس منه ويوم السابع والعشرين . منه خاصة من طريق أبي سعيد الخدري . والإمامين السبطين . وأنس بن مالك . وأبي هريرة . وسلمان الفارسي . وأبي ذر الغفاري . وسلامة بن قيس . وابن عباس . أسلفنا شطرا منها في الجزء الأول ص 407 . وجمعها الجيلاني في الغنية 1 ص 196 - 205، وذكر بعضها صاحب مفتاح السعادة ج 3 ص 46، وأورد عدة منها الجرداني في مصباح الظلام 2 ص 81، 82، والرفاعي في ضوء الشمس 2 ص 67 ثم قال: ذكر في طبقات السبكي: إن البيهقي ضعف حديث النهي عن صوم رجب ثم حكى عن الشافعي في القديم أنه قال: أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر كامل غير رمضان لئلا يظن الجاهل وجوبه .

 وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام رضي الله تعالى عنه: من نهي عن صوم رجب فهو جاهل .

 والمنقول استحباب صيام الأشهر الحرم وهي أربعة: رجب . وذو القعدة . وذو الحجة . والمحرم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم: رجب شهر الله، قيل: ما معناه ؟ قال: لأنه مخصوص بالمغفرة وفيه تحقن الدماء .

 وفي الحديث: أخبرني جبريل إذا كان أول ليلة من رجب أمر الله ملكا ينادي: ألا إن شهر التوبة قد استهل فطوبى لمن استغفر الله فيه .

 وروي أنه قال آدم عليه الصلاة والسلام: يا رب أخبرني بأحب الأوقات إليك وأحب الأيام إليك .

 قال: أحب الأيام إلي النصف من رجب فمن تقرب إلي يوم النصف من رجب بصيام وصلاة وصدقة فلا يسألني شيئا إلا أعطيته ولا استغفرني إلا غفرت له، يا آدم من أصبح يوم النصف من رجب صائما ذاكرا حافظا لفرجه متصدقا من ماله لم يكن له جزاء إلا الجنة ... إلخ .

 وقد ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى استحباب صوم رجب وعدوها من الصوم المندوب غير إن الحنابلة قالوا بكراهة إفراد رجب بالصوم إلا إذا أفطر في أثنائه فلا

 

 

/ صفحة 285 /

يكره (1) ولعله أخذا بما في إحياء العلوم 1 ص 244 من قوله: وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حتى لا يضاهى بشهر رمضان .

 الطائفة الثانية:

1 - عن معاذة العدوية قالت: سألت عائشة أكان النبي يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت: نعم . قلت من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت: لم يكن يبالي من أي الأيام يصوم . وفي لفظ أبي داود والبيهقي: ما كان يبالي من أي أشهر كان يصوم . وفي لفظ ابن ماجة: قلت: من أيه ؟ قالت: لم يكن يبالي من أيه كان .

 أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 321، والترمذي في صحيحه 1 ص 147، وابن داود في سننه 1 ص 384، وابن ماجة في سننه 1 ص 522، والبيهقي في سننه 4 ص 295، والخطيب التبريزي في المشكاة ص 171 .

 2 - عن أبي ذر الغفاري مرفوعا: من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر .

 وفي لفظ آخر له: أوصاني حبيبي بثلاثة لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبدا، أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر .

 أخرجه الترمذي في صحيحه 1 ص 146، وابن ماجة في سننه 1 ص 522، والنسائي في سننه 4 ص 218، 219، والمنذري في الترغيب والترهيب 2 ص 31، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تلخيصه 2 ص 330 .

 3 - عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا: صيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر .

 أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، والنسائي في سننه 4 ص 219، والمنذري في الترغيب والترهيب 2 ص 13 .

 4 - عن أبي هريرة مرفوعا: صوم الشهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر .

 وعنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثة: صيام ثلاث من كل شهر . الحديث .

 وفي لفظ الترمذي: عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة: وصوم ثلاثة أيام من كل شهر .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الفقه على المذاهب الأربعة 1 ص 439 .

 

 

/ صفحة 286 /

راجع صحيح البخاري 3 ص 220، صحيح مسلم 1 ص 200، سنن الدارمي 2 ص 18، مسند أحمد 2 ص 263، صحيح الترمذي 1 ص 146، سنن النسائي 4 ص 218، سنن البيهقي 4 ص 293، تاريخ بغداد 7 ص 430، الترغيب والترهيب 2 ص 30 .

 5 - عن أبي الدرداء قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر .

 أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 200، والمنذري في الترغيب 2 ص 30 .

 6 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله .

 وفي لفظ آخر له: أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام ؟ .

 وفي لفظ ثالث له: حسبك من كل شهر ثلاثا فذلك صيام الدهر كله .

 وفي لفظ رابع له: أدلك على صوم الدهر ثلاثة أيام من الشهر .

 وفي لفظ خامس له: صم من كل شهر ثلاثة أيام .

 راجع صحيح البخاري 3 ص 219، صحيح مسلم 1 ص 320، سنن أبي داود 1 ص 380، سنن النسائي 4 ص 210 - 215، الترغيب والترهيب 2 ص 30 .

 7 - عن قرة بن إياس مرفوعا: صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر كله وإفطاره .

 أخرجه أحمد في مسنده 5 ص 34، بإسناد صحيح، والبزار والطبراني وابن حبان في صحيحه كما في الترغيب والترهيب 2 ص 31، والجامع الصغير 2 ص 78 .

 8 - عن ابن عباس مرفوعا: صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر تذهبن وحر الصدر .

 قال الحافظ المنذري في الترغيب 2 ص 31: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي الثلاثة من حديث الأعرابي ولم يسموه ورواه البزار أيضا من حديث علي .

 9 - عن عمرو بن شرحبيل مرفوعا: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر ؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

 

 

/ صفحة 287 /

أخرجه النسائي في سننه 4 ص 208، والمنذري في الترغيب 2 ص 31 .

 10 - عن أبي عقرب مرفوعا: صم ثلاثة أيام من كل شهر .

 أخرجه النسائي في سننه 4 ص 225 .

 11 - عن عبد الله بن مسعود قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر .

 أخرجه أبو داود في سننه 1 ص 384، والترمذي في صحيحه 1 ص 143، والنسائي في سننه 4 ص 204، والبيهقي في سننه 4 ص 294، والخطيب التبريزي في المشكاة ص 172 .

 12 - عن عبد الله بن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر .

 أخرجه النسائي في سننه 4 ص 219، وفي صحيح البخاري 3 ص 218 من طريقه مرفوعا: صم من الشهر ثلاثة أيام .

 13 - عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام .

 وبهذا اللفظ جاء عن حفصة أيضا، وفي لفظ لأم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر .

 راجع سنن النسائي 4 ص 203، سنن البيهقي 4 ص 295، سنن أبي داود 1 ص 384، مشكاة المصابيح ص 172 .

 وقبل هذه كلها ما أخرجه أئمة الحديث عن عمر نفسه مرفوعا: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله .

 أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 321، وأبو داود في سننه 1 ص 380، والنسائي في سننه 4 ص 209، والمنذري في الترغيب 2 ص 31، والخطيب التبريزي في المشكاة ص 171 .

الطائفة الثالثة: عن الباهلي مرفوعا: صم شهر الصبر، . وثلاثة أيام بعده، وصم أشهر الحرم .

 وفي لفظ آخر له: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك .

 وفي لفظ ثالث له: صم من الأشهر الحرم واترك .

 قالها ثلاثا .

 أخرجه أبو داود في سننه 1 ص 381، وابن ماجة في سننه 1 ص 530، والبيهقي

 

 

/ صفحة 288 /

في سننه 4 ص 292، ويوجد في المواهب اللدنية، وشرح المواهب للزرقاني 8 ص 127 .

 2 - عن أنس مرفوعا: من صام ثلاثة أيام من شهر حرام: الخميس، والجمعة، والسبت كتب له عبادة سنتين .

 أخرجه الطيالسي والأزدي، والغزالي في إحياء العلوم 1 ص 244، وحكاه عن الطيالسي السيوطي في الجامع الصغير وحسنه .

 3 - ذكر أبو داود في سننه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها.

 وحكاه عن أبي داود القسطلاني في المواهب اللدنية، والنووي في شرح صحيح مسلم هامش إرشاد الساري 5 ص 150 .

 الطائفة الرابعة:

1 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يفطر يوما ويصوم يوما .

 وفي لفظ آخر له: صم صوم داود عليه السلام صم يوما وأفطر يوما .

 وفي لفظ ثالث له: ثم أفضل الصيام عند الله صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما .

 ولهذا الحديث ألفاظ كثيرة توجد في الصحاح والمسانيد راجع صحيح البخاري 3 ص 217، صحيح مسلم 1 ص 319 - 321، صحيح الترمذي 1 ص 148، مسند أحمد 2 ص 205، 225، سنن الدارمي 2 ص 20، سنن أبي داود 1 ص 383، سنن النسائي 4 ص 209 - 215، سنن ابن ماجة 1 ص 523، سنن البيهقي 4 ص 296، 299، الترغيب والترهيب 2 ص 32، 36، 37، مشكاة المصابيح ص 171 .

 2 - أخرج مسلم والنسائي بالإسناد عن عمر في حديث قال: كيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ذلك صوم داود عليه السلام .

 صحيح مسلم 1 ص 321، سنن النسائي 4 ص 209 .

 الطائفة الخامسة:

1 - عن أبي أمامة قال قلت: يا رسول الله ! مرني بأمر ينفعني الله تعالى به فقال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له .

 

 

 

/ صفحة 289 /

سنن النسائي 4 ص 165، الترغيب 2 ص 14، تيسير الوصول 2 ص 321 .

 2 - عن أبي سعيد مرفوعا: من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا .

 أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 318، وأحمد في مسنده 3 ص 83، والبيهقي في سننه 9 ص 173، و ج 4 ص 296، والنسائي في سننه 4 ص 173، وابن ماجة في سننه 1 ص 525، والتبريزي في مصابيح السنة 1 ص 135 .

 3 - عن أبي هريرة مرفوعا: من صام يوما في سبيل الله عز وجل زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا .

 وفي لفظ آخر له: من صام يوما في سبيل الله تعالى جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض .

 راجع صحيح الترمذي 1 ص 145، سنن النسائي 4 ص 172، سنن ابن ماجة 1 ص 525، مشكاة المصابيح ص 172، تاريخ الخطيب البغدادي 4 ص 8 .

 م 4 - عن عبد الله بن سفيان الأزدي مرفوعا: ما من رجل يصوم يوما في سبيل الله إلا باعده الله عن النار مقدار مائة عام . أخرجه الطبراني كما في الإصابة 2 ص 319) .

 أضف إلى هذه طوائف أخرى تعم بإطلاقها صوم رجب منها ما ورد في صوم الأربعاء والخميس والجمعة من دون اختصاص بأيام شهر دون آخر .

 ومنها ما ورد في صوم الأيام البيض من كل شهر وإنه صيام الشهر .

 ومنها ما ورد في صوم كل أربعاء والخميس من الأيام .

 ومنها ما ورد في صوم أربعة أيام من كل شهر .

 ومنها ما ورد في صوم الاثنين والخميس في أيام السنة بأسرها .

 توجد أحاديث هذه الطوائف في صحيح البخاري 3 ص 219، صحيح مسلم 1 ص 321، 322، سنن الدارمي 2 ص 19، سنن أبي داود 1 ص 380 - 383، صحيح الترمذي 1 ص 143، 144، سنن ابن ماجة 1 ص 522، 529، سنن النسائي 4 ص 217 - 223، سنن البيهقي 4 ص 294، الترغيب والترهيب 2 ص 30 - 37 .

 ولا أحسبك بعد ذلك كله تقيم وزنا لما انفرد به ابن ماجة عن ابن عباس من

 

 

/ صفحة 290 /

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب .

 إن كانت الرواية صحيحة فإنها معارضة بما عرفته من المتواتر معنى أو بالتواتر الإجمالي من استحباب صوم رجب المرغب فيه بصدور قطعي كما أفتى به علماء المذاهب الأربعة فيكف بها وهي ضعيفة بمكان داود بن عطاء قال أحمد: ليس بشئ وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ضعيف الحديث منكره .

 وقال البخاري وأبو زرعة: منكر الحديث .

 وقال النسائي: ضعيف .

 وقال الدار قطني: متروك وقال ابن حبان: كثير الوهم في الأخبار لا يحتج به بحال لكثرة خطائه (1). وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة 1 ص 531 في نفس الحديث: في إسناده داود بن عطاء وهو ضعيف متفق على تضعيفه، وقال الزرقاني في شرح المواهب 8 ص 127: قال الذهبي وغيره: حديث لا يصح، فيه را وضعيف متروك، وقد أخذ به الحنابلة فقالوا: يكره إفراده بالصوم على أنه من متفردات ابن ماجة ولا يأبه بها عند نقاد الفن، قال أبو الحجاج المزي: كل ما انفرد به ابن ماجة فهو ضعيف يعني بذلك ما انفرد به من الحديث عن الأئمة الخمسة - أصحاب الصحاح - (2) ولذلك نص غير واحد من الأعلام - وحديث النهي نصب أعينهم - على عدم النهي عن صوم رجب كما في المواهب اللدنية، وإرشاد الساري 5 ص 148، وشرح المواهب للزرقاني 8 ص 127 .

 فبعد هذه كلها لا أدري ما محل ضرب الأيدي حتى يضعونها في الطعام ؟ وما معنى قول القائل: رجب وما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الاسلام ترك ؟ راجع ص 282 وتأمل فيما جاء به الخليفة فعلا وقولا .

 

-90-

إجتهاد الخليفة في السؤال عن مشكلات القرآن

1 - عن سليمان بن يسار . إن رجلا يقال له: صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت ؟ قال: أنا عبد الله صبيغ: فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه وقال: أنا عبد الله عمر . فجعل له ضربا حتى دمي رأسه فقال: يا أمير المؤمنين ! حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع تهذيب التهذيب 3 ص 194 .

 (2) تهذيب التهذيب 9 ص 531 .

 

 

/ صفحة 291 /

وعن نافع مولى عبد الله: إن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال: أين الرجل ؟ فقال: في الرحل.

 قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني العقوبة الموجعة .

 فأتاه به فقال عمر: تسأل محدثة ؟ فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة (1) ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود له قال: صبيغ: إن كنت تريد قتلي ؟ فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني ؟ فقد والله برئت .

 فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أن لا يجالسه أحد من المسلمين .

 فاشتد ذلك على الرجل فكتب أبو موسى عمر: أن قد حسنت توبته، فكتب عمر: أن يأذن الناس بمجالسته .

 وعن السائب بن يزيد قال: أتي عمر بن الخطاب فقيل: يا أمير المؤمنين ! إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل مشكل القرآن فقال عمر: أللهم مكني منه .

 فبينما عمر ذات يوم جالسا يغدي الناس إذ جاء (الرجل) وعليه ثياب وعمامة صفدي حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين ! والذاريات ذروا فالحاملات وقرا ؟ فقال عمر: أنت هو ؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ألبسوه ثيابا واحملوه على قتب وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده ثم ليقم خطيب ثم يقول: إن صبيغا ابتغى العلم فأخطأه .

 فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيد قومه .

 وعن أنس: إن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره .

 وعن الزهري: إن عمر جلد صبيغا لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره (2) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في سنن الدارمي: وبرة وفي حاشيته: أي ذات فروج: وفي لفظ ابن عساكر والسيوطي دبرة . وهو الصحيح والمعنى واضح .

 (2) سنن الدارمي 1 ص 54، 55، تاريخ ابن عساكر 6 ص 384، سيرة عمر لابن الجوزي ص 109، تفسير ابن كثير 4 ص 232، اتقان السيوطي 2 ص 5، كنز العمال 1 ص 228، 229 نقلا عن الدارمي . ونصر المقدسي . والاصبهاني . وابن الأنباري . والالكلائي . وابن عساكر، الدر المنثور 6 ص 111، فتح الباري 8 ص 17، الفتوحات الإسلامية 2 ص 445 .

 

 

/ صفحة 292 /

قال الغزالي في الإحياء 1 ص 30: و (عمر) هو الذي سد باب الكلام والجدل وضرب صبيغا بالدرة لما أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره . ا ه‍ .

 وصبيغ هذا هو صبيغ بن عسل . ويقال: ابن عسيل . ويقال: صبيغ بن شريك من بني عسيل .

 2 - عن أبي العديس قال: كنا عند عمر بن الخطاب فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ! ما الجوار الكنس ؟ فطعن عمر بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن رأسه فقال عمر: أحروري ؟ والذي نفس عمر بن الخطاب بيده لو وجدتك محلوقا لأنحيت القمل عن رأسك .

 كنز العمال 1 ص 229 نقلا عن الكنى للحاكم، الدر المنثور 6 ص 321 .

 3 - عن عبد الرحمن بن يزيد: إن رجلا سأل عمر عن فاكهة وأبا فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة (1) .

 قال الأميني: أحسب أن في مقول العراجين، ولسان المخصرة، ومنطق الدرة الجواب الفاصل عن كل ما لا يعلمه الانسان، وإليه يوعز قول الخليفة: نهينا عن التكلف .

 في الجواب عن أبسط سؤال يعلمه كل عربي صميم ألا وهو معنى الأب المفسر في نفس الكتاب المبين بقوله تعالى: متاعا لكم ولأنعامكم .

 وأنا لا أعلم أن السائلين بماذا استحقوا الادماء والإيجاع بمحض السؤال عما لا يعلمونه من مشكل القرآن أو ما غاب عنهم من لغته ؟ وليس في ذلك شئ مما يوجب الالحاد، لكن القصص جرت على ما ترى .

 ثم ما ذنب المجيبين بعلم عن السؤال عن الأب ؟ ولماذا أقبل عليهم الخليفة بالدرة ؟ وهل تبقى قائمة لأصول التعليم والتعلم والحالة هذه ؟ ولعل الأمة قد حرمت ببركة تلك الدرة عن التقدم والرقي في العلم بعد أن آل أمرها إلى أن هاب مثل ابن عباس أن يسأل الخليفة عن قوله تعالى: وإن تظاهرا عليه (2) وقال: مكثت سنتين أريد أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) فتح الباري 13 ص 230، الدر المنثور 6 ص 317 .

 (2) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 ص 8 .

 

 

/ صفحة 293 /

أسأل عمر بن الخطاب عن حديث ما منعني منه إلا هيبته (1) وقال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه عن آية فلا أستطيع أن أسأله هيبة (2) .

 

-91-

رأي الخليفة في السؤال عما لم يقع

أضف إلى اجتهاد الخليفة في مشكلات القرآن رأيه الخاص به في السؤال عما لم يقع فإنه كان ينهى عنه قال طاووس: قال عمر على المنبر: أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن فإن الله قد بين ما هو كائن (3) .

 وقال: لا يحل لأحد أن يسأل عما لم يكن، إن الله تبارك وتعالى قد قضى فيما هو كائن .

 وقال: أحرج عليكم أن لا تسألوا عما لم يكن فإن لنا فيما كان شغلا .

 وجاء رجل يوما إلى ابن عمر فسأله عن شئ لا أدري ما هو فقال له ابن عمر: لا تسأل عما لم يكن فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن (4) .

 فساق اللعن أعلام الصحابة إلى هذا الحادث، وعمت البلية، وطفقوا لم يجيبوا عن السؤال عما لم يكن، فهذا ابن عباس سأله ميمون عن رجل أدركه رمضانان فقال: أكان أو لم يكن ؟ قال: لم يكن بعد .

 قال: اترك بلية حتى تنزل .

 قال: فدلسنا له رجلا فقال: قد كان .

 فقال: يطعم من الأول منهما ثلاثين مسكينا لكل يوم مسكين (5) .

 وهذا أبي بن كعب سأله رجل فقال: يا أبا المنذر ما تقول في كذا وكذا ؟ قال: يا بني أكان الذي سألتني عنه ؟ قال: لا .

 قال: أما لا فأجلني حتى يكون فنعالج أنفسنا حتى نخبرك (6) .

 وقال مسروق: كنت أمشي مع أبي بن كعب فقال فتى: ما تقول يا عماه كذا وكذا ؟ قال: يا بن أخي أكان هذا ؟ قال: لا .

 قال: فاعفنا حتى يكون (7)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كتاب العلم لأبي عمر ص 56 .

 (2) سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 118 .

 (3) سنن الدارمي 1 ص 50، جامع بيان العلم 2 ص 141 .

 (4) سنن الدارمي 1 ص 50، كتاب العلم لأبي عمر 2 ص 143، وفي مختصره ص 190، فتح الباري 13 ص 225، كنز العمال 2 ص 174 (5) سنن الدارمي 1 ص 57 .

 (6) سنن الدارمي 1 ص 56 .

 (7) سنن الدارمي 1 ص 56 .

 

 

/ صفحة 294 /

 

-92-

نهي الخليفة عن الحديث

وأردف الحادثين في مشكل القرآن والسؤال عما لم يقع، بثالث أفظع وهو نهي الخليفة عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن إكثاره، وضربه وحبسه وجوه الصحابة بذلك .

 قال قرظة بن كعب لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال: أتدرون لم شيعتكم ؟ قالوا: نعم مكرمة لنا .

 قال: ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم .

 فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: حدثنا . فقال: نهانا عمر رضي الله عنه (1) .

 وفي لفظ أبي عمر: قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ الطبري: كان عمر يقول: جردوا القرآن ولا تفسروه وأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم (2) .

 م - ولما بعث أبا موسى إلى العراق قال له: إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن كدوي النحل فدعهم على ماهم عليه ولا تشغلهم بالأحاديث وأنا شريكك في ذلك .

 ذكره ابن كثير في تاريخه 8 ص 107 فقال: هذا معروف عن عمر رضي الله عنه .

 وأخرج الطبراني عن إبراهيم بن عبد الرحمن إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود . وأبا الدرداء .

 وأبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبسهم بالمدينة حتى استشهد (3) .

 وفي لفظ الحاكم في المستدرك 1 ص 110: إن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سنن الدارمي 1 ص 85، سنن ابن ماجة 1 ص 16، مستدرك الحاكم 1 ص 102، جامع بيان العلم 2 ص 120، تذكرة الحفاظ 1 ص 3 .

 (2) شرح ابن أبي الحديد 3 ص 120 .

 (3) تذكرة الحفاظ 1 ص 7، مجمع الزوائد 1 ص 149 وصححه محشى الكتاب فقال: هذا صحيح عن عمر من وجوه كثيرة وكان عمر شديدا في الحديث .

 

 

/ صفحة 295 /

وفي لفظ جمال الدين الحنفي: إن عمر حبس أبا مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر حتى أصيب .

 وقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم قال: ومما روي عنه أيضا أن عمر قال لابن مسعود وأبي ذر: ما هذا الحديث ؟ قال: أحسبه حبسهم حتى أصيب .

 فقال: وكذلك فعل بأبي موسى الأشعري مع عدله عنده (المعتصر 1 ص 459) .

 وقال عمر لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس (1) .

 م - وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة .

 تاريخ ابن كثير 8 ص 106) .

 وأخرج الذهبي في التذكرة 1 ص 7 عن أبي سلمة قال: قلت لأبي هريرة: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا ؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته .

 وأخرج أبو عمر عن أبي هريرة: لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة (جامع بيان العلم 2 ص 121) .

 م - وفي لفظ الزهري: أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي أما والله إذا لأيقنت أن المخفقة ستباشر ظهري .

 وفي لفظ ابن وهب: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي .

 تاريخ ابن كثير 8 ص 107) .

 فمن جراء هذا الحادث قال الشعبي: قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا فما سمعت يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا (2) .

 وقال السائب بن يزيد: صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث بحديث واحد (سنن ابن ماجة 1 ص 16) .

 وقال أبو هريرة: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 5 ص 239، وأخرجه أبو زرعة كما في تاريخ ابن كثير 8 ص 106.

 (2) سنن الدارمي 1 ص 84، سنن ابن ماجة 1 ص 15 .

 

 

/ صفحة 296 /

تاريخ ابن كثير 8 ص 107 .

 قال الأميني: هل خفي على الخليفة أن ظاهر الكتاب لا يغني الأمة عن السنة، وهي لا تفارقه حتى يردا على النبي الحوض، وحاجة الأمة إلى السنة لا تقصر عن حاجتها إلى ظاهر الكتاب ؟ والكتاب كما قال الأوزاعي ومكحول: أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب (جامع بيان العلم 2 ص 191) .

 أو رأى هناك أناسا لعبوا بها بوضع أحاديث على النبي الأقدس - وحقا رأى - فهم قطع جراثيم التقول عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وتقصير تلكم الأيدي الأثيمة عن السنة الشريفة ؟ فإن كان هذا أو ذاك فما ذنب مثل أبي ذر المنوه بصدقه بقول النبي الأعظم: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذر (1) أو مثل عبد الله بن مسعود صاحب سر رسول الله، وأفضل من قرء القرآن، وأحل حلاله، وحرم حرامه، الفقيه في الدين، العالم بالسنة (2) أو مثل أبي الدرداء عويمر كبير الصحابة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) فلماذا حبسهم حتى أصيب ؟ ولماذا هتك أولئك العظماء في الملأ الديني وصغرهم في أعين الناس ؟ وهل كان أبو هريرة وأبو موسى الأشعري من أولئك الوضاعين حتى استحقا بذلك التعزير والنهر والحبس والوعيد ؟ أنا لا أدري .

 نعم: هذه الآراء كلها أحداث السياسية الوقتية سدت على الأمة أبواب العلم، وأوقعتها في هوة الجهل ومعترك الأهواء وإن لم يقصد ها الخليفة، لكنه تترس بها يوم ذاك، وكافح عن نفسه قحم المعضلات، ونجابها عن عويصات المسائل .

 م - وبعد نهي الأمة المسلمة عن علم القرآن، وإبعادها عما في كتابها من المعاني الفخمة والدروس العالية من ناحية العلم والأدب والدين والاجتماع والسياسة والأخلاق والتاريخ، وسد باب التعلم والأخذ بالأحكام والطقوس ما لم يتحقق ويقع موضوعها، والتجافي عن التهيؤ للعمل بدين الله قبل وقوع الواقعة، ومنعها عن معالم السنة الشريفة والحجز عن نشرها في الملأ، فبأي علم ناجع، وبأي حكم وحكم تترفع وتتقدم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الحاكم 3 ص 342، 344، ويأتي تفصيل هذا الحديث ومصادره .

(2) مستدرك الحاكم 3 ص 312، 315.

(3) مستدرك الحاكم 3 ص 337 .

 

 

/ صفحة 297 /

الأمة المسكينة على الأمم ؟ وبأي كتاب وبأية سنة نتأتى لها سيادة العالم التي أسسها لها صاحب الرسالة الخاتمة ؟ فسيرة الخليفة هذه ضربة قاضية على الاسلام وعلى أمته وتعاليمها وشرفها وتقدمها وتعاليها علم بها هو أولم يعلم، ومن ولايد تلك السيرة الممقوتة حديث كتابة السنن، ألا وهو: