عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

القرن السادس

-55-

سبط ابن التعاويذي

المولود : 519 المتوفى : 584

 

يا ســــمي النبــــي يــــا بــــن عـــلي ! * قــــامع الشــــرك، والبــــتــــول الطــهور

أنــــت تســــمو عــــلى البــــرية طــرا * بمحــــل عــــــــال وبــــيت كبــــيــــــــــــر

عــــنكـم يؤخــــذ الوفــــاء ومنــــكــــم * يحتــــذي (1) النــــاس كــــل خــــير وخير

كيــــف أخلفــتني ؟ وما الخــــــلف للــ * ــميعاد مــــن عــادة الــــمـوالي الصــــدور

أنت يا بن المختار ! أكرم من أن تـــنــ * ــظر فــــي أمــــر مستفــــاد حــــقــــيـــر 5

أنــــت أوليتــــنيه منــــك ابــــتــــــــداء * غــــيــــر مــــا مكــــره ولا مجــــبـــــــور

وأخــــو الفـــضل من يساعـــــــد في الــ * ـــشدة لا فــي الــــرحاء والمــــيـــــســــور

أي عــــذر يــــنوب عــــنـك ؟ وما نـــــا * بك وجه الصــــواب بــــالمــــعـــــذور (2)

ومتــــى مــــا اســــتمر خــــلفك للوغد * ولــــم تعــــتــــذر عــــن التــــأخــــيـــــــر

صــــرت مــــن جــــملة النــــواصب لا * آكــــل غــــيــــر الجــــري والجرجير 10

وتغــــسلت واكتــــحلـــــت ثــــلاثــــــــا * وطبــــخــــت الحــــبــــوب فــــي عــاشور

وطــــويت الأحــــزان فــــيــــــه ولــــم * أبــــد ســــرورا فــــي يــــوم عـــيد الغدير

وتــــبدلت مــن مبــــيتي فــــي مشــهــ * ــد مــــوسى (3) بجـــامع المنــــصـــــور

وتطــــهــــرت مــــن أنــــاء يـــــــــــهـو * دي وفـضلـتـه عــلــــى الخــــنــــزيــــــــر

ورآنــــي أهــــل التـــــشــــيــع فـــــي الــ * ــكـرخ بتـــامـوسـة وذيــــل قـصــــيـر 15

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في مطبوع ديوانه : يجتدي.

 (2) في ديوانه المطبوع : وما تارك وجه الصواب بالمعذور.

 (3) يعني مشهد الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهما بالكاظمية 

 

/ صفحة 386 /

زايـــــرا قبـــــر مصعــــب بعد ما كنـــ * ـــت أوالـي دفيـن قبـــــر الــــنـــــذور (1)

وتخـــــيرت أن يكـــــون الـزبيدي (2) * رفـــــيقي فـــــي العـــــرض يـــوم النشور

وتـــــراني فــــي الحشر فاطمة الطهر * وكـــــفي فـــــي كـــــفـــــــه المبـــــتـــــور

وتكون المسئــــول أنت عن مؤمن ألــ * ـــقيـــته غــدا فـــــي سـواء الســـعــــيــــر

هذه الأبيات أخذناها من ديوان المترجم المخطوط (3) كتبها إلى نقيب الكوفة وشريفها المعظم السيد محمد بن مختار العلوي يعاتبه على عدم الوفاء بوعد كان وعده به، وهي على وتيرة تترية ابن منير ولهما أشباه ونظائر مر الإيعاز إليها في ج 4 ص 329 - 331.

 * (الشاعر) *

أبو الفتح محمد بن عبيد الله (4) البغدادي يعرف بابن التعاويذي وبسبط ابن التعاويذي وكلاهما نسبة إلى جده لأمه أبي محمد المبارك بن المبارك الجوهري.

 المعروف بابن التعاويذي المولود بالكرخ سنة 496، والمتوفى في جمادى الأولى سنة 553 ودفن بمقبرة الشونيزية.

 كان المترجم في الصدر من شعراء الشيعة، وفي الطليعة من كتابها الافذاد، يزدهي العراق بشعره المبهج وأدبه المبتلج، كما أن الكتب ضاءت بألق من كلمه، وضاعت بعبق من نشر فمه، وقد أصفقت المعاجم على الثناء عليه وذكر فضله الظاهر ومآثره الجمة، ففي معجم الأدباء ج 7 ص 31 : كان شاعر العراق في وقته وكان كاتبا بديوان الاقطاع ببغداد، واجتمع به العماد الكاتب الاصبهاني لما كان بالعراق وصحبه مدة، فلما انتقل العماد إلى الشام واتصل بالسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب كان ابن التعاويذي يراسله، فكان بينهما مراسلات ذكر بعضها العماد في الخريدة، وعمي أبو الفتح في آخر عمره سنة 579 وله في ذلك أشعار كثيرة يندب بها بصره وزمان شبابه، ومدح السلطان

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كان قبر مصعب يزار في القرون الأولى كما مر ص 194 من هذا الجزء.

 وقبر النذور مر تفصيله في ص - 19.

 (2) هو لعين الأمة عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل أمير المؤمنين عليه السلام.

 (3) توجد في مطبوع ديوانه صفحة 214.

 (4) في غير واحد من المصادر : عبد الله.

 

 

/ صفحة 387 /

صلاح الدين بثلاث (1) قصائد أنفذها إليه من بغداد إحداها عارض بها قصيدة أبي منصور علي بن الحسن المعروف بصردر (2) التي أولها : أكذا يجازى ود كل قرين ؟...

 فقال ابن التعاويذي وأحسن ما شاء :

إن كـــــان ديـــــنك فـي الصبابة ديني * فقـــــف المـــــطي برملتي يبرين (3)

وألثـــــم ثـــرى لو شارفت بي هضبه * أيـــــدي المـــــطي لثـــــمتها بجـفوني

وأنشـــــد فــؤادي في الظباء معرضا * فبغـــــيـــــر غــــزلان الصريم جنوني

ونشـــــيدتي بـــــين الخـــــيام وإنــما * غـــــالطت عـــــنها بالظـــــباء العــين

لـــــولا العـــدى لم أكن عن ألحاظها * وقـــــد ودها بجـــــآذر وغـــــصـون 5

لله مـــــا اشتمـــــلت عــــــليه قبابهم * يـــــوم النـــــوى مـــــن لــؤلؤ مكنون

من كـــــل تائهـــــة عـــــلى أتــرابها * فـــــي الحـــــسن غانية عن التحسين

خـــــود تـــــري قمر السماء إذا بدت * ما بـــــين سالفـــــة لهـــــا وجبــــــين

غـــــادين ما لمعــــت بروق ثغورهم * إلا استهـــــلت بالــدموع شؤوني (4)

إن تنـــــكروا نـــــفس الصـــبا فلأنها * مـــــرت بزفـــــرة قلبي المحزون 10

وإذا الركـــــائب فــــي المسير تلفتت * فحنـــــينها لتـــــلفـــــتي وحنـــــينــــي

يا سلــم إن ضاعت عهودي عندكم ؟ * فأنـــــا الـــذي استودعـــت غير أمين

أوعــــدت معــبونا فما أنا في الهوى * لكـــــم بـــــأول عـــــاشـــــق معــبون

رفـــقا فقد عسف الفراق بمطلق العــ* ــبرات فـــــي أســـــر الغــــرام رهين

وذكر من القصيدة 32 بيتا (5) ونقتطف مما ذكره من قصيدته الثانية أبياتا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) توجد في ديوان المترجم في مدح صلاح الدين يوسف ست قصايد لا ثلث ولعله انفذ منها إليه ثلاثا (2) أبو منصور علي بن الحسن الكاتب الشاعر المتوفى سنة 465 مترجم في عير واحد من المعاجم.

 (3) يبرين بالفتح ثم السكون : رمل لا تدرك أطرافه عن يمين مطلع الشمس من حجر اليمامة.

 وقيل : إنه من أصقاع البحرين به منبران وهناك الرمل الموصوف بالكثرة.

 (4) في مطبوع ديوانه : جفوني.

 (5) القصيدة 71 بيتا نظمها سنة 575 ببغداد وأرسلها إلى دمشق. توجد في ديوانه المطبوع ص 420.

 

 

/ صفحة 388 /

من أولها (1):

حتام أرضى في هواك وتغضب * وإلــــى متى تجني علي وتعتب

ما كـــــان لــي لولا ملالك زلة * لمـــــا مللت زعـمت أني مذنب

خـذ في أفانين الصدود فإن لي * قلـــــبا عـــــلى العلات لا يتقلب

أتظنــني أضمرت يوما سلوة ؟ * هيهات عطفك من سلوي أقرب

لي فيــــك نار جوانح ما تنطفي * شوقـــــا وماء مدامع لا ينضب

ثم ذكر أبياتا من قصيدته الثالثة اللامية، وذكر من شعره قوله من قصيدة يندب بصره :

حـــــالان مستـــــنــــي الحــوا * دث منـهـما بـــــفجيعـــــتـــــين

إظـــــلام عـــــين فـــــي ضيا * ء مـــــن مشيــــب سرمدين (2)

صبـــــح وإمســـــاء مـــــعــــا * لا خـــــلفة فاعجـــــب لــــذيـن

قد رحــــــــت في الدنيا من الـــ * ـــسراء صفـر الـراحـــتـــــيــن

أســــــــــوان لا حــــــــــي ولا * ميـــــت كـــــهمزة بـــــين بــين

قال الأميني : هذه القصيدة تحتوي 59 بيتا مطلعها الموجود :

أتـــــرى تعــــــود لـــــنا كـــــما * سلـــــفت لـــــيالي الأبـــــرقين ؟

ويقول فيها :

فـــــأناخ فـــــي آل الـــــرسـول * مجـــــاهــرا بـــــرزيئــتــــيــــن

بـــــدءا بـــــرزء فـــــي أبـــــي * حـــــسن وعــــودا في الحسين

الطـــــيـــــبـــــين الطـــــاهرين * الخـــــيرين الـــــفاضلـــــيــــــن

المدليـــــيـــــن إلـــــى النــــبي * محـــــمـــــد بقـــــرابـــــتين (3)

وذكر الحموي من شعره قوله :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) القصيدة 81 بيتا نظمها سنة 580 وأنفذها على يد رسوله إلى دمشق.

 توجد في ديوانه المطبوع ص 22.

 (2) في مطبوع ديوانه :

اظــــلام عـــــين في ضياء * مشيب رأس سرمدين (3)

ذكرت في ديوانه المطبوع ص 435.

 

 

/ صفحة 389 /

سقـــــاك ســـــار مــن الوسمي هتان * ولا رقـــــت للغـــــوادي فيــــك أجفان

يـا دار لهـوي وإطرابي ومعهد أتـــــر * ابي وللـهــو أوطـــار وأوطـــــان (1)

أعـــــائد لـــــي مـاض من جديد هوى * أبليـــــته وشبـــــاب فــــيك فينان (2)

إذ الرقـــــيب لـــــنا عـــــين مساعــدة * والـــــكاشحون لــنا في الحب أعوان

وإذ جـــــميلة توليـــــني الجميل وعند * الغـــــانيات وراء الحـــسن إحسان 5

ولي إلى البان من رمل الحمى طرف * فاليــــوم لا الـــرمل يصبيني ولا البان

ومــــا عسى يدرك المشتاق من وطر * إذا بـــــكى الربــــع والأحباب قد بانوا

إن المغـــاني معــــان والمنازل أمــــــ * ــــوات إذا لـم يـكن فـــيـــهن ســــكان

لله كـــــم قـــــمرت لبي بجـــــــــوك أقـــ* ــمار ؟ وكـم غـازلتني فــيك غــزلان ؟

وليلـــــة بـــــات يجـــلو الراح من يده * فـــــيها أغن خفيف الروح جذلان 10

خال مـــــن الهـــــم فــي خلخاله حرج * فـــــقلـــــبه فـــــارغ والقـــــلب ملآن

يـــــذكي الجـــــوى بارد من ريقه شبم * ويوقد الظرف طرف منه وسنان (3)

إن يمس ريــــان من ماء الشباب فلي * قـــــلب إلـــــى ريقه المعسول ظمآن

بيـــــن الســـــيوف وعــــينيه مشاركة * من أجـــــلها قـــــيل للأغـماد أجفان

فكـــــيف أصحـو غراما أو أفيق جوى * وقـــــده ثمـــــل بالتــيه نشوان ؟ 15

أفـــــديه مـــــن غــادر بالعهد غادرني * ســـــدوده ودمـــــوعـــي فيه غدران

فـــــي خـــــده وثنـــــاياه ومقـــــلتـــــه * وفـــــي عـــــذاريه للعــــشاق بستان

شقـــــائق وأقـــــاح نبــــته خضل (4) * ونرجـــس أنا منه الدهر سكران (5)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في ديوانه : وللهو والأطراب أوطاني.

 (2) أي غض ناعم.

 (3) في ديوانه : ويوقظ الوجد طرف منه وسنان. شبم : شديد البرودة.

 (4) شقائق ويقال له : شقائق النعمان : نبت بستاني أحمر. والأقاحي جمع الأقحوان : هو زهر البابونج.

 (5) فيه تصحيف وصحيحه : ونرجس عبق غض وريحان. وبعده قوله :

ما زال يمزح كأسي من مراشفه * بقهــــوة أنا منـــها الدهر سكران

والقصيدة تناهز 77 بيتا نظمها سنة 581 يمدح بها الناصر لدين الله في عيد الفطر توجد في ديوانه ص 412.

 

 

/ صفحة 390 /

وكان له راتب في الديوان فلما عمي طلب أن يجعل باسم أولاده ثم كتب هذه القصيدة ورفعها إلى الخليفة الناصر التمس بها تجديد راتب مدة حياته :

خليفة الله أنت بالدين والدنيا * وأمـــــر الاســـــلام مطــــلع

...إلخ

ثم قال : وكل شعر أبي الفتح غرر وديوانه كبير يدخل في مجلدين جمعه بنفسه قبل أن يضر، وافتتحه بخطبة لطيفة ورتبه على أربعة أبواب، وما حدث من شعره بعد العمى سماه الزيادات، وهي ملحقة ببعض نسخ ديوانه المتداولة وبعض النسخ خلو منها، وله كتاب سماه " الحجبة والحجاب " في مجلد كبير ونسخه قليلة.

 ولد أبو الفتح ابن التعاويذي في اليوم العاشر من رجب سنة 519 وتوفي في ثاني شوال سنة 583 ببغداد و دفن في مقبرة باب أبرز.

 إنتهى ملخصا.

 وفي تاريخ ابن خلكان ج 2 ص 123 : أبو الفتح ابن التعاويذي نسب إلى جده لأمه أبي محمد المبارك لأنه كفله صغيرا ونشأ في حجره، وكان أبو الفتح هذا شاعر وقته لم يكن مثله، جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة، وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه ولا يؤاخذني من يقف على هذا الفصل فإن ذلك يختلف بميل الطباع ولله در القائل : وللناس فيما يعشقون مذاهب وكان كاتبا بديوان المقاطعات وعمي في آخر عمره سنة 597 ثم ذكر ما يقرب من كلام نقلناه عن معجم الأدباء، وروى من شعره ما يربو على سبعين بيتا وقال : أوردت هذه المقاطيع من شعره لكونها مستجملة، وأما قصائده المشتملة على النسيب والمدح فإنها في غاية الحسن وصنف كتابا سماه - الحجبة والحجاب - وترجمه العماد الاصبهاني في كتاب [ الخريدة ] وأثنى عليه بقوله : هو شاب فيه فضل وآداب ورياسة وكياسة ومروة و أبوة وفتوة، وجمعني وإياه صدق العقيدة في عقد الصداقة، وقد كملت به أسباب الظرف واللطف واللباقة، وكانت ولادته في العاشر من رجب يوم الجمعة سنة 519 وتوفي في ثاني شوال سنة أربع وقيل : ثلاث.

 وثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن في باب أبرز.

 وقال ابن النجار : مولده يوم الجمعة ومات يوم السبت 18 شوال.

 إنتهى تلخيص ما في تاريخ ابن خلكان.

 وذكره أبو الفداء في تاريخه 3 : 80، وابن شحنة في " روض المناظر "، وابن

 

/ صفحة 391 /

كثير في تاريخه 12 : 329، وصاحب " شذرات الذهب " 4 : 281، ومؤلف " نسمة السحر " ج 2.

 ولم أجد خلافا في تاريخ ولادته غير أن عبد الحي أرخه في شذراته بسنة 510 ولم نقف على مصدره.

 وترجمه اليافعي في موضعين من " مرآة الجنان " : ج 2 ص 304 و 429، وقال في الموضع الأول : ذكر بعض المؤرخين موته في سنة 553، وذكر بعضهم في سنة أربع وثمانين. ا ه‍.

 قد عرفت أن سنة 553 هي تاريخ وفاة وجد المترجم له المعروف بابن التعاويذي ورثاه سبطه في وقته واشتبه الأمر على بعض المؤرخين بموت المترجم له ولعله لشهرتهما بابن التعاويذي.

 وتوجد ترجمته في تاريخ آداب اللغة العربية وفيه : إنه توفي سنة 538.

 و أحسبه تصحيف 583.

 وقال فريد وجدي في " دائرة المعارف " 6 ص 777 : إنه ولد سنة 516 وتوفي سنة 583 أو 586.

 وفي كلا التاريخين تصحيف -.

 والواقف على ديوان المترجم جد عليم بتاريخ وفاته إذ قصائده مؤرخة بسني نظمها وأكثرها من سنة سبعين إلى أربع وثمانين، وفيه قصيدته في رثاء جده [ المبارك ] المتوفى سنة 553 وهي مؤرخة بها.

 وله قصيدتان مؤرختان بسنة 583 إحداهما في مدح الناصر لدين الله أبي العباس أحمد.

 والأخرى في مدح الوزير جلال الدين أبي المظفر عبيد الله بن يونس وتهنئته بالوزارة، نظمها في عيد الأضحى من سنة 583، فبعد كون وفاته في شوال من المتسالم عليه لم يبق إشكال في أنه توفي سنة 584، والله العالم.

 ومن شعره قوله في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه.

أرقـــت للمع برق حاجري (1) * تألـــــق كاليمـــــاني المشـرفي

أضـــــاء لنـا الأجارع مستطيرا * سناه وعاد كالنبض الخفي (2)

كـــــأن وميــــــــضه لمع الثنايا * إذا ابتسمـــــت وإشراق الحلي

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) حاجري : نسبة إلى حاجر كانت بليدة بالحجاز فاندرست، وقد استعملها الشعراء كثيرا في شعرهم، وقد أكثر أبو يحيى عيسى بن سنجر الأربلي المتوفى 632 استعمالها في شعره، فلقب بالحاجري وعرف به ولم يكن منها.

 (2) وفي المطبوع من ديوانه :

أضاء لنا الاجارع مسبطرا * وعـــاد سناه كالبيض الخفي

 

/ صفحة 392 /

فأذكــــــرني وجــــــوه الغــيد بيضا * ســــــوالفهــــــا ولــم أك بالنسي 5

وعـــصر خــــــلاعة أحمدت فيه الـ * ــشبــــــاب وصحــبة العيش الرخي

وليــــــلي بعــــــد ما مطلت ديوني * ولا حــالت عــــــن العـــــــهد الوفي

منعــــمــــة شقيت بها ولو لا الهــ * ــــوى ما كنــت ذا بــــــال شــــــقــي

تــــــزيد القــــــلب بـــــلبالا ووجدا * إذا نظــــــرت بطــــــرف بابــــــلـــي

أتــــــيه صبــــــابة وتـــــتيه حسنا * فــــــويل للشـــــــجي من الخلي 10

إذا استشفــــــيتها وجـــدي رمتني * بــــــداء مــــــن لــــــواحظهــا دوي

ولــــــولا حــــــبها لــم يصب قلبي * ســــــنا بــــــرق تألق في دجي (1)

أجــــاب وقد دعاني الشوق دمعي * وقــــــدما كنــــــت ذا دمـــــع عصي

وقــــــفت على الديار فما أصاخت * معــــــالمها لمحتــــــزن بــــــكـــــي

أروي تــــــربها الصــــــادي كأني * نــــــزحت الــدمع فيها من ركي 15

ولــــــو أكــرمت دمعك يا شؤوني * بكيــــــت عــــــلى الإمــــام الفاطمي

عــــــلى المقــــتول ظمآنا فجودي * عــــــلى الظــــــمآن بالجــفن الروي

على نجم الهدى الساري وبحر الــ * ــعـــــلوم وذروة الشـــــرف العــلي

عــــــلى الحـامي بأطراف العوالي * حــــــمى الاســــــلام والبطل الكمي

عــــــلى البــــاع الرحيب إذا ألمت * بــــــه الأزمـات والكف السخي 20

عــــــلى أنــــــدى الأنام يدا ووجها * وأرجــــــحهم وقـــارا فــــــي الندي

وخــــــير العــــــالمين أبــــــا وأما * وأطــــــهرهــــــم ثـــرى عرق زكي

لإن دفعـــوه ظــــــلما عن حقوق الـ * ـخلافة بالوشيـــج الســــــمـهـــــري

فمــــــا دفعــــــوه عـن حسب كريم * ولا ذادوه عــــــن خــــــلق رضــــي

لقـــــد فصموا عرى الاسلام عودا * وبــــدءا في الحسين وفي علي 25

ويــــــوم الطــــــف قــــام ليوم بدر * بأخــــــذ الثــــــار فــــــي آل النــبي

فثــــــنوا بالامــــــام أمــــــا كفاهم * ضــــــلالا مــا جنوه على الوصي ؟

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع : في حبي. الحبي : السحاب الكثيف الذي يدنو من الأرض.

 

 

/ صفحة 393 /

رمــــوه عــــن قـلوب قاسيات * بأطــــراف الأسنــــة والقــسي

وأســـرى مقدما عمر بن سعد * إليــــه بكــــل شيــــطان غـوي

سفـوك للدمـاء على انتهاك المـ * ـحــارم جـــد مـقــــدام جـــري

أتــــاه بمحنـــقين تجيش غـيظا * صــــدورهم وجيش كالأتي 30

أطافــــوا محـدقين به وعاجوا * عــــليه بكــــل طـــرف أعوجي

وكــــل مثــــقف لــدن وعضب * سريجــــي ودرع ســـابري (1)

فأنحــــوا بالصوارم مسرعات * عــــلى البــــر النـقي ابن النقي

وجــــوه النــــار مظــلمة أكبت * عــــلى الوجـه الهلالي الوضي

فـيا لك من إمام ضرجوه الــ * ــدم القاني بخرصان القني(2) 35

بكتــــه الأرض إجــــلالا وحزنا * لمصــــرعه وأمــــلاك السمي

وغــــودرت الخــــيام بغير حام * ينــــاضل دونــــهن ولا ولــــــي

فما عـطف البغاة على الفتاة الـ * ـحصان ولا على الطفل الصبي

ولا بــــذلوا لخــــائفة أمــــانــا * ولا سمحــــوا لظــــمـآن بــــري

ولا سفروا لئامــــا عــن حياء * ولا كــــــرم ولا أنــف حمي 40

وســـاقوا ذود أهل الحق ظلما * وعــــدوانا إلى الــــورد الــوبي

تــــذودهم الــــرماح كــما يذاد * الــــركاب عن الموارد بالعصي

وســــاروا بالكرائم من قريش * سبايا فــــوق أكــــوار المـــطي

فــــيا لله يـــوم نعوه مـــــــاذا و * عى سـمع الرسول من النعي ؟

ولــــو رام الحــــياة نجـا إليها * بعزمته نجاء المضرحي(3) 45

ولكن المنــــية تحــــــت ظل الـ * ــرقــــاق البـــيـــض أجدر بالأبي

فيا عــصب الضلالة كيف جزتم * عــنادا عن صراطـــكم السوي ؟

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) المثقف : الرمح. ويقال : ثقف الرمح أي قومه وسواه. اللدن : اللين. العضب : السيف القاطع. السريجي : نسبة إلى رجل اسمه سريج كان ماهرا بصنعة السيوف. السابري : درع دقيقة النسج محكمة.

 (2) الخرصان ج الخرص : الرمح القصير. السنان. القنى جمع القناة : الرمح أو عوده.

 (3) نجا ينجو نجاء : أسرع وسبق. المضرح والمضرحى : الصقر. النسر الطويل الجناح.

 

 

/ صفحة 394 /

وكيــف عـــدلتم مولود حجر الـ * ـنبوة بالغوي ابن الغوي؟ (1)

فألقيـــــتم وعهـــــدكم قـــريب * وراء ظــهوركم عهد النبي 50

وأخفـــــيتم نفـــــاقكم إلــى أن * وثبـــــتم وثبــــة الذئب الضري

وأبـــــديتم حقـــــودكم وعــدتم * إلى الـــــدين القـــديم الجاهلي

ولولا الضغن ما ملتم على ذي الـ * ــقـــرابة للبعـــــيـــد الأجنبي

كـــفى خـــــزيا ضــمانكم لقتل الـ * ـحـــسين جوايز الرفد السني

وبيعـــــكم لأخـــــراكم سفــاها * بمبرود من الدنيا البري (2) 55

وحسبـــــكم غـــدا بأبيه خصما * إذا عــــرف السقيم من البري

صليتـــــم حـــــزبه بغـــيا فأنتم * لنـــــار الله أولـــــى بالـــصلي

وحـــــرمتم عـــليه الماء لؤما * وأسقينا إلى الخلق الدني (3)

وأوردتـــــم جــيـــادكم وأظميـــ * ــتموه شـــــربتم غـير الـهــني

وفـــــي صفـــــين عــاندتم أباه * وأعرضتم عن الحق الجلي 60

وخـــــادعتم إمـــــامكم خـداعا * أتيـــــتم فـــــيه بــــالأمر الفري

إمامـــــا كـان ينصف بالقضايا * ويأخـــــذ للضعـــيف من القوي

وأنكـــرتم حديث الشمس ردت * لـــــه وطـويتم خبر الطوي (4)

فجـــــوزيتم لبغـــــضكم عـــليا * عــذاب الخلد في الدرك القصي

سأهـــــدي للأئمة من سلامي * وغـــــر مدائحي أزكى هدي 65

ســـــلاما اتبـــع الوسمي منه * عــلى تلك المشاهد بالولي (5)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) هذا البيت حرفته يد الطبع عن ديوانه.

(2) في نسخة أخرى صحيحة :

وبيعتكم لأخزاكم سفاها * بمنـــزور من الدنيا بكي

المنزور من النزر : أي القليل. بكي : القليل. يقال : أيد بكاء : أي قليلة العطاء.

(3) في نسخة : واسفافا إلى الخلق الدني. وفى ديوانه المطبوع : واشفاقا.

(4) الطوي والطوية : البئر المطوية. أشار بهذا البيت إلى حديث رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام وقد أسلفناه وكلمات الأعلام حوله في الجزء الثالث ص 126 - 141. وإلى حديث انحداره عليه السلام بئرا بعيدة القمر ليلة البدر وقد مر في الجزء الثالث ص 395 وقد ذكره الإمام أحمد في المناقب.

 (5) الوسمي : أول مطر الربيع. ؟ والولي : المطر بعد المطر.

 

 

/ صفحة 395 /

وأكـــــسو عـــــاتق الأيـام منها * حـــــباير كالـــــرداء العـــبقري

حـــــسانا لا أريـــــد بهــــــن إلا * مسائـــــة كـــــل بــــاغ خارجي

يضـــــوع لهـــا إذا نشرت أريج * كنشر لطائم المسك الزكي (1)

كأنفـــــاس النسيــــم سرى بليل * يهـــــز ذوائـــــب الورد الجني

لطيـــــبة والبقـــــيع وكـــربلاء * وســـــامراء تغدو والغري 70

وزوراء العراق وأرض طوس * سقـــاهــــا الغيث من بلد قصي

فحـي الله مـــــن وارتــه تلك الـ * ــقــــباب البــيض من حبر تقي

وأسبل ثوب رحمـــــه دراكـــــا * عـــــليها بالغـــــدو وبالعــــشي

فذخـــــري للمعـــــاد ولاء قـوم * بهـــم عرف السعيد من الشقي

كفـــــاني عـــــلمهم أنـــي معاد * عـــدوهم موال للولي (2) 75

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لطائم جمع اللطيمة : نافجة المسك.

 (2) هذه القصيدة ذكر منها صاحب نسمة السحر 45 بيتا، ونحن أخذناها من ديوانه المخطوط.