عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

القرن السادس

-52-

الفقيه عمارة

ولد 513 قتل 569

 

ولاءك مفـــــروض عـــــلى كــل مسلم * وحبـــــك مفـــــروط وأفـــــضل مغــــنم

إذا المـــــرء لـــــم يكــــرم بحبك نفسه * غـــــدا وهـــــو عـــــنــد الله غير مكرم

ورثت الهدى عن نص عيسى بن حيدر * وفـــــاطمة لا نــــص عــيسى بن مريم

وقـــــال: أطيعـــــوا لابـــــن عـمي فإنه * أميـــــني عـــــلى ســـــر الإلــه المكتم

كـــــذلك وصـــــى المصطفى وابن عمه * إلـــــى منجـــــد يــــوم (الغدير) ومتهم

عـــــلى مستـــــوى فيـــــه قـديم وحادث * وإن كـــــان فـــــضل السبــــق للمتقدم

ملـــــكت قـــــلوب المـــــسلمين بـبــيعة * أمـــــدت بعـــــقـــــد مــــن ولائك مبرم

وأوتيـــــت ميـــــراث البسيــطة عن أب * وجـــــد مضـــــى عـــــنها ولـــم يتقسم

لـــــك الحـــــق فــــــيها دون كل منازع * ولـــــو أنـــــه نـــــال الســــــماك بسلم

ولـــــو حـــــفظوا فيــك الوصية لم يكن * لغـــــيرك فــي أقطارها دون درهم (1)

وله من قصيدة تأتي يرثي بها أهل القصر قوله:

والأرض تهتز في يوم (الغدير) كما * يهتـــــز ما بــين قصريكم من الأسل

* (الشاعر) * :

الفقيه نجم الدين أبو محمد عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان بن أحمد الحكمي اليمني، من فقهاء الشيعة الإمامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم علي التشيع، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) يمدح بها الخليفة الفائز بن الظافر.

 

 

/ صفحة 409 /

وإنك لا تدري إذا نظم شعرا هل هو ينضد درا ؟ أو يفرغ في بوتقة القريض تبرا ؟ فقد ضم شعره إلى الجزالة قوة، وإلى السلاسة رونقا، وفوق كل ذلك مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم عليهم السلام حتى لفظ نفسه الأخير ضحية ذلك المذهب الفاضل ; وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والأدبية له ذكرا خالدا مع الأبد منها: النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية. وتاريخ اليمن.

 وكتاب في الفرايض، وديوان شعره، وقصيدة كتبها إلى صلاح الدين سماها: [ شكاية المتظلم ونكاية المتألم ].

 قال في كتابه (النكت العصرية) (1) ص 7 عند ذكر نسبه: فأما جرثومة النسب فقحطان ثم الحكم بن سعد العشيرة المذحجي، وأما الوطن فمن تهامة باليمن مدينة مرطان من وادي وساع وبعدها من مكة في مهب الجنوب أحد عشر يوما، وبها المولد المربى وأهلها بقية العرب في تهامة، وكانت رئاستهم وسياستهم تنتهي إلى المشيب بن سليمان وهو جدي من جهة الوالدة، وإلى زيدان بن أحمد وهو جدي لأبي، وهما ابنا عم، وكان زيدان يقول: أنا أعد أسلافي أحد عشر جدا ما منهم إلا عالم مصنف في عدة علوم، ولقد أدركت عمي علي بن زيدان، وخالي محمد بن المشيب، ورئاسة حكم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي إليهما.

 إلى أن قال: قلت لأخي يحيى يوما: من القائل في جديك: المشيب بن سليمان وزيدان بن أحمد:

إذا طـــــرقــــتك أحداث الليالي * ولـــــم يوجـــــد لعـــلتها طبيب

وأعوز من يجيرك من سطاها * فزيـــــدان يجـــيرها والمشيب

همـــــا ردا عــلي شتيت ملكي * ووجــه الدهر من رغم قطوب

وقامـــــا عـنه خذلاني بنصري * قيامـــــا تستـــكين به الخطوب

فقال: هو السلطان علي بن حبابة الفرودي كان قومه قد أخرجوه من ملكه وأفقروه من ملكه وولوا عليهم أخاه سلامة فنزل بهما فسارا معه في جموع من قومهما حتى عزلا سلامة ووليا عليا وأصلحا له قومه، وكان الذي وصل إليه من برهما وأنفقاه

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) طبع مع مختار ديوانه في 399 صحيفة في (شالون) على نهر (سون) بمطبع مرسو سنة 1897 المسيحية.

 

 

/ صفحة 410 /

على الجيش في نصرته، وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف على خمسين ألفا من الذهب، قال يحيى: وفي أبي وخالي يقول مدبر الشاعر الحكمي من قصيدة طويلة:

أبـــــواكما ردا عـــلى ابن حبابة * ملكـــــا تبـــــدد شمـــــله تبـــديدا

كفل المشيب على الحسام بعوده * مـــــذ صـــــال زيدان به فاعــيدا

وبنيـــــتما ما شيـــــدا مـن سؤدد * قـــــدما فأشبـــــه والد مـــولودا

وحدثني أبي قال: مرض عمك علي مرضا أشرف فيه على الموت ثم أبل منه فأنشدته لرجل من بني الحارث يدعى سلم بن شافع كان قد وفد عليه يستعينه في دية قتيل لزمته فلما شغلنا بمرض صاحبنا ارتحل الحارثي إلى قومه وأرسل إلى بقصيدة منها:

إذا أودى ابـــــن زيــدان علي * فـــــلا طلعت نجومك يا سماء

ولا اشتمل النساء على جنين * ولا روى الثــرى للسحب ماء

على الدنيا وساكنها جمـــــيعا * إذا أردى أبــو الحسن العفاء

قال فبكى عمك وأمرني بإحضار الحارثي ودفع له ألف دينار وساق عنه الدية بعد ستة أشهر، وكان إذا رآه أكرمه ورفع مجلسه، وبسط القول في جود عمه علي ابن زيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته.

 ثم قال ما ملخصه: أدركت الحلم سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وفي سنة إحدى وثلاثين بعثني والدي إلى زبيد مع الوزير مسلم ابن سخت فنزلت فيها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنين لا أخرج عن المدرسة إلا لصلاة يوم الجمعة، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين وأقمت في زبيد ثلاث سنين وجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث، ولي في الفرائض مصنف يقرأ في اليمن، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من أخوتي إلى زبيد وأنشدت والدي شيئا من شعري فاستحسنه ثم قال: تعلم والله إن الأدب نعمة من نعم الله عليك فلا تكفرها بذم الناس واستحلفني أن لا أهجو مسلما قط ببيت شعر فحلفت له على ذلك، وحججت مع الملكة الحرة أم فاتك ملك زبيد، وخرجت مرة أخرى إلى مكة سنة تسع وأربعين وخمس مائة وفي موسم هذه السنة مات أمير الحرمين هاشم بن فليتة وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فألزمني السفارة عنه والرسالة المصرية فقدمتها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الإمام الفائز بن الظافر، والوزير

 

/ صفحة 411 /

له الملك الصالح طلايع بن رزيك فلما أحضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتهما قصيدة أولها:

الحـــــمد للعيس بعد العزم والهمم * حـــــمدا يقــوم بما أولت من النعم

لا أجـــــحد الحق عندي للركاب يد * تمنـــــت اللجـــــم فيها رتبة الخطم

قربـــــن بعد مزار العز من نظري * حـــــتى رأيت إمام العصر من أمم

ورحـن من كعبة البطحاء والحرم * وفــــدا إلى كعبة المعروف والكرم

فهـــــل درى البـيت إني بعد فرقته * ما سرت من حرم إلا إلى حـرم ؟ !

حيـــث الخلافة مضروب سرادقها * بــــين النقيضين من عفو ومن نقم

وللإمامـــــة أنـــــوار مقـــــدســة * تجــلو البغيضين من ظلم ومن ظلم

وللنـــــبوة أبـــــيات ينـــــص لنـــا * عـــلى الخفيـين من حكم ومن حكم

وللمكـــــارم أعـــــلام تعـــــلمـــنا * مــدح الجزيلين من بأس ومن كرم

وللعـــــلى ألســــن تثنى محامدها * عــلى الحميدين من فعل ومن شيم

ورايـــــة الشـــرف البذاخ ترفعها * يد الرفيعـــــين من مجد ومن همم

أقسمت بالفــائز المعصوم معتقدا * فــــوز النجاة وأجر البر في القسم

لقـــد حمى الدين والدنيا وأهلهما * وزيـــــره الصـــــالح الفراج للغمم

اللابــــس الفخر لم تنسج غلائله * إلا يـــــدا لصنيـــــع السيـف والقلم

وجـــــوده أوجد الأيام ما اقترحت * وجـــــوده أعـــــدم الشــاكين للعدم

قـــــد ملـــكته العوالي رق مملكة * تعـــــير أنـــــف الثريا عزة الشمم

أرى مقاما عظيم الشأن أوهمني * في يقـظــــــتي أنها من جملة الحلم

يوم من العمر لم يخطر على أملي * ولا ترقـــت إليـــــه رغـــبة الهـمم

ليـــــت الكواكب تــدنو لي فأنظمها * عـــقود مدح فما أرضى لكم كلمي

تـــــرى الــــوزارة فيه وهي باذلة * عـنــــد الخلافـــة نصحا غير متهم

عواطـــــف علمتـــــنا أن بينهـــما * قـــرابة من جميل الرأي لا الرحم

خليفـــــة ووزيـــــر مد عـــــدلهما * ظــــلا على مفرق الاسلام والأمم

زيـــــادة النـيل نقص عند فيضهما * فـــــما عـــــسى يتعاطى منة الديم

 

/ صفحة 412 /

وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مرارا والاستاذون وأعيان الأمراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب، ثم أفيضت على خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا بعض الأستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الإمام الحافظ خمسمائة دينار أخرى، وحمل المال معي إلى منزلي، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لأحد من قبلي، و تهادتني أمراء الدولة إلى منازلهم للولائم، واستحضرني الصالح للمجالسة، ونظمني في سلك أهل المؤانسة، وانثالت علي صلاته وغمرني بره، ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحباب (1) والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء، وأبا الفتح محمود بن قادوس (2) والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.

 وقال في ص 69: لما جلس شاور في دار الذهب قام الشعراء والخطباء ولفيف من الناس إلا الأقل ينالون من بني رزيك وضرغام نائب الباب ويحيى بن الخياط اسفهسلار (3) العساكر وكانت بيني وبين شاور أنسة تامة مستحكمة فأنشدته في اليوم الثاني من جلوسه والجمع حافل قصيدة أولها:

صحت بـــــدولتك الأيام مـــــن سقـــم * وزال ما يشتكيه الدهـــــر مــــن ألم

زالــــــت ليالي بني رزيك وانصرمت * والحـــــمد والــــذم فيها غير منصرم

كـــــأن صالحـــــهم يــوما وعادلهــم * في صدر ذاك الدست لم يقعد ولم يقم

هـــــم حــركوها عليهم وهي ساكنة * والسلم قــــد تنبت الأوراق في السلم

كــنـــــا نظن وبعـــــض الظن مأثمة * بأن ذلـــــك جـــــمع غـــــير منهــــزم

فــمـــــذ وقعــت وقوع النسر خانهم * مـــــن كان مجتمعا من ذلك الرخــــم

كان ضرغام ينقم علي هذا البيت وبقول: أنا عندك من الرخم.

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أحد شعراء الغدير قد مرت ترجمته في هذا الجزء ص 387.

 (2) أحد شعراء الغدير أسلفنا ترجمته في هذا الجزء ص 338.

 (3) معرب سپهسالار (قائد الجيش ).

 

 

/ صفحة 413 /

ولـــــم يكـــــونوا عــدو أزل جانبه * وإنـــــما غــرقوا في سيلك العرم

وما قصدت بتعظيمي سواك سوى * تعــظــــيـم شأنك فاعذرني ولا تلم

ولـــــو شكـــــرت لياليهم محافظة * لعـــــهدها لـم يكن بالعهد من قدم

ولـــــو فتحـــــت فمـي يوما بذمهم * لــم يرض فضلك إلا أن يسد فمي

والله يأمـــــر بالاحـــــسان عارفة * منه وينهى عن الفحشاء في الكلم

فشكرني شاور وابناه في الوفاء لبني رزيك. ا ه‍.

 كان يحمي الذمار بالذمارة، ويوفي بعهد من صاحبه ونادمه ويدافع عنه بصراحة اللهجة، وله مواقف مشكورة تنم عن أنه ذو حفاظ وذو محافظة، حضر يوما هو والرضي أبو سالم يحيى الأحدب بن أبي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين أيوب بن شادي فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين أيوب فقال:

يا مالك الأرض لا أرضــى له طرفا * منها وما كان منها لم يـــــكن طرفا

قـــــد عجــل الله هذي الدار تسكنها * وقـــــد أعـــــد لك الجــنات والغرفا

تشرفـــــت بك عـــمـن كان يسكنها * فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا

كـــــانوا بهـــــا صدفا والدار لؤلؤة * وأنـــــت لؤلؤة صـــــارت لها صدفا

فقال الفقيه عمارة يرد عليه:

أثمت يا من هجـــــا الســــادات والخلفا * وقلـــــت مـــــا قلتـــــه فــي ثلبهم سخفا

جعـــــلتـــــهم صدفـــــا حــــــلوا بلؤلؤة * والعـــــرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا

وإنـــــما هـــــي دار حـــــل جـــوهرهم * فيها وشـــــف فـــــأسناها الــــذي وصفا

فقـــــال: لــــــؤلؤة عجـــــبا بــــبهجتها * وكونهـــا حـــــوت الأشراف والشـــــرفا

فهـــــم بسكنـــاهم الآيات إذ ســـــكنوا * فيها ومن قبلـــــها قـــــد أسكنوا الصحفا

والجــوهر الفـــرد نور ليــــــس يعرفه * من البـــــريـــــة إلا كـــــل مــــن عـــرفا

لـــــولا تجـــــسمهم فـــــيـه لكان على * ضعــــف البصائــر للأبصار مختـــطـــــفا

فالكلب يا كلب أسنى منك مكرمة (1) * لأن فـــــيـــــه حفـــــاظا دائـــــما و وفــــا

قال المقريزي: فلله در عمارة لقد قام بحق الوفاء ووفي بحسن الحفاظ كما هي عادته،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في منتخب ديوانه ص 292: معرفة.

 

 

/ صفحة 414 /

لا جرم أنه قتل في واجب من يهوي كما هي سنة المحبين، فالله يرحمه ويتجاوز عنه.

 وله قصائد يرثي أهل القصر من الملوك الفاطميين بعد انقراض دولتهم وفاء بعهدهم منها قصيدة أولها:

لا تــنــدبن ليـــلــــــى ولا أطلالها * يـــــوما وإن ظعـــنت بها أجمالها

واندب هديت قصور سادات عفت * قـــد نالهـــــم ريب الزمان ونالها

درســـت معالمهم لدرس ملوكهم * وتغــيـــــــرت من بعدهم أحوالها

ومنها:

رميـــــت يا دهـــــر كف المجد بالشلل * وجـــــيده بعـــــد حــسن الحلي بالعطل

سعـــــيت في منهج الرأي العثور فإن * قـــــدرت من عـــــثرات الدهر فاستقل

جـــــدعت مـــــارنك الاقنــــى فأنفك لا * ينـــــفـــــك ما بين قرع السن والخجل

هـــــدمت قاعـــدة المعروف عن عجل * سعـــيت مهلا أما تمشي على مهل ؟!

5 لهـــــفي ولهــــف بني الآمال قاطبة * عـــــلى فجيعـــــتها فـــــي أكرم الدول

قـــــدمت مصـــــر فــــــأولتني خلائفها * مـــــن المكــــارم ما أربى على الأمل

قـــــوم عرفت بهم كسب الألوف ومن * كمالها أنـــــها جـــــاءت ولـــــم أسـل

وكنــــت من وزراء الدست حين سما * رأس الحـــــصان يهــــاديه على الكفل

ونلـــــت مــن عظماء الجيش مكرمة * وخلـــــة حـــــرست مـن عارض الخلل

10 يا عــاذلي في هوى أبناء فاطمة * لك المـلامة إن قـــــصرت فــــي عذلي

بالله در ساحـــــة القصرين وابك معي * عـــــليها لا عـــــلى صفيــــن والجمل

وقـــــل لأهليـــــهما والله مـــا التحمت * فيـــــكم جـــــراحي ولا قــرحي بمندمل

مـــــاذا عــــــسى كانت الأفرنج فاعلة * فـــــي نسل آل أمير المؤمنين علي ؟!

هل كان في الأمر شيئ غير قسمة ما * مـلكـــــتم بـــين حكم السبي والنقل ؟ !

15 وقـــــد حصلتم عليها واسم جدكم * (محمد) وأبـــــوكم غـــــيـــــر منـتـــقل

مـــــررت بالقـــــصر والأركان خاليـة * مـــــن الوفـــــود وكـــــانت قـبلة القبل

فمـــــلت عـــــنها بوجهي خوف منتقد * مـــــن الأعـــــادي ووجــه الود لم يمل

أسلـــــت مـن أسفي دمعي غداة خلت * رحـــــابكم وغـــــدت مهجـــــورة السبل

 

/ صفحة 415 /

أبكي عــــــلى ما تراءت من مكارمكم * حـــــــال الـزمـــان عليها وهي لم تحل

دار الضيافـــــــة كـــــانت أنس وافدكم * واليوم أوحش من رسم ومن طلل 20

وفــــــطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم * تشكو من الدهـــــــر حيـفا غير محتمل

وكسوة الناس في الفصلين قد درست * ورث منهـــــــا جـــــــديد عـــندهم وبلي

ومـــــــوسم كــان في يوم الخليج لكم * يأتـــي تجملكـــــــم فيه على الجـــــــمل

وأول العام والعـــــــيديـــــــن كــم لكم * فيهن مـــــــن وبــــل جود ليس بالوشل

والأرض تهتــــز في يوم (الغدير) كما * يهتز ما بين قصريكــــم من الأسل 25

والخيل تعـــــرض في وشي وفي شية * مثل العرائس في حلـــــــي وفـــي حلل

ولا حملتم قـــــرى الأضياف من سعة * الأطباق إلا على الأكـــــــتاف والعـجل

وما خصصتم بـــــــبر أهـــــــل ملتــكم * حتى عممتم به الأقصـــــــى من الملل

كانـــــــت رواتـــــــبكم للــــذمتين وللــ * ــضيف المقــــــيم وللطاري من الرسل

ثـــــــم الطــــــراز بتنيس الذي عظمت * منه الصلات لأهل الأرض والدول 30

وللجـــــــوامع مـــــــن إحــسانكم نعم * لمن تصدر في عـــــــلم وفـــــــي عمل

وربمـــا عـــــــادت الدنيا فمعـــــــقلها * منكم وأضحت بكـــــــم محــلولة العقل

والله لا فـــــــاز يـوم الحشر مبغضكم * ولا نجا من عـــــــذاب الله غــــير ولي

ولا سقى الماء مــــــن حر ومن ظمأ * من كف خير البـــــــرايا خــــاتم الرسل

ولا رأى جنـــــــة الله التــــي خلقت * من خان عهد الإمام العاضد بن علي 35

أئمتي وهـــــــداتي والذخيــــــــرة لي * إذا ارتـــــــهنت بمـــــا قدمت من عملي

تالله لم أو فهـــــــم فــي المدح حقهم * لأن فضلهم كالـــــــوابــــــــل الهطـــــــل

ولو تضاعـــــــفت الأقــوال واتسعت * ما كنت فيهم بحـــــــمد الله بالخـــــــجــل

باب النجـــــــاة هـــــــم دنـــيا وآخرة * وحبهم فهو أصـــــــل الـــــــدين والعــمل

نور الهدى ومصابــيح الدجى ومحــ * ـــل الغيث إن ربت الأنواء في المحل 40

أئمة خلقـــــــوا نـــــــورا فنــــورهم * من محض خـــــــالص نـــــور الله لم يفل

والله ما زلت عـــــــن حبـي لهم أبدا * ما أخر الله لي فـــــــي مـــــــدة الأجــــــل

قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جمع نسب إليهم التدبير على صلاح الـدين

/ صفحة 416 /

ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم إليه حتى يجلسوا ولدا للعاضد وكانوا أدخلوا معهم رجلا من الأجناد ليس من أهل مصر فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى فأحضرهم فلم ينكروا الأمر ولم يروه منكرا فأمر بصلبهم وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن الكامل، وابن عبد القوي داعي الدعاة، كان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدل عليها فامتنع من ذلك فمات واندرست، والعويرس ناظر الديوان، وشبريا كاتب السر، وعبد الصمد الكاتب أحد أمراء مصر، ونجاح الحمامي، ومنجم نصراني كان قد بشرهم بأن هذا الأمر يتم لهم.

 قال الصفدي في [ الغيث المنسجم ]: إنه لا يبعد أن يكون القاضي الفاضل سعى في هلاكه وحرض عليه لأن صلاح الدين لما استشاره في أمره قال: ينفى. قال: يرجى رجوعه. قال يؤدب. قال: الكلب يسكت ثم ينبح. قال: يقتل. قال: الملوك إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس وجماعة معه من شيعتهم، ولما أخذ ليشنق قال: مروا بي على باب القاضي الفاضل. لحسن ظنه فيه، فلما رآه قام وأغلق بابه فقال عمارة:

عــبد العزيز قد احتجب * إن الخلاص من العجب

وذكر عماد الدين الكاتب في (الخريدة) لتاج الدين الكندي أبي اليمن بعد صلب المترجم:

عــــــمارة فــــــي الاسـلام أبدى خيانة * وبايــــــع فيــــــها بــــــيعة وصليـــــبا

وأمسى شريك الشرك في بغض أحمد * وأصبــــــح في حــــــب الصليب صليبا

وكــــــان خبـــــيث الملتقى إن عجمته * تجــــــد مـــــنه عودا في النفاق صليبا

سيلــــــقى غـــدا ما كان يسعى لنفسه * ويسقــــــى صديــــــدا في لظى وصليبا

كان للمترجم مكانة عالية عند بني رزيك وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه [ النكت العصرية ] وفي الثاني: إن الملك الصالح طلايع بعث إليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس وكتب فيها بخطه:

 

/ صفحة 417 /

قــــــل للفــقيه عمارة: يا خير من * قــــــد حــــــاز فهما ثاقبا وخطابا

اقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى * قــــــل: حــــطة وادخل إلينا البابا

تجــــــد الأئمـــــة شافعين ولا تجد * إلا لــــــدينا سنــــــة وكتــــــابــــا

وعلي أن أعلي محلك في الورى * وإذا شفعــــــت إلـــــي كنت مجابا

وتعجــــــل الآلاف وهــــــي ثلاثـة * ذهبــــــا وقـــــل لك النضار مذابا

فراجعه عمارة بقوله:

حاشاك من هذا الخطاب خـطابا * يا خير أملاك الـــزمان نصـابا

لكن إذا ما أفســـدت عــلماؤكم * معمور معـتـقـدي وصار خرابا

ودعــــــوتم فكـري إلى أقوالكم * من بعـــــد ذاك أطاعكم وأجابا

فاشدد يديك على صفاء محبتي * وامنـــن عـــلي وسد هذا البابا

توفي للفقيه المترجم في حياته ستة أولاد ذكور ورثاهم ألا وهم: عبد الله ويحيى ومحمد وعطية وإسماعيل وحسين، وتوفي أولا ولداه عبد الله ويحيى ثم بعدهما محمد في سنة 56.

 ليلة الاثنين 4 جمادى الأولى بمصر ورثاهم بقصيدة أولها:

أحببت في خير أعضائي وأعضـــادي * وخير أهلــــــي إذا عــــدوا وأولادي

بأبلــــــج الوجه من سعد العشيرة لم * يعرف بغير الندى والبشر في النادي

وله في رثاء محمد قصيدة مطلعها:

سأبكي على ابني مدتي وحياتي * ويبــكيه عني الشعر بعد مماتي

ومنها:

أتبلى المنايا مهجة ابن ذخرته * لدهـــري ويبلوني بخمس بنات

وتوفي بعدهم عطية ورثاه بقصيدة منها:

عطية إن صــــــادفت روح محمد * أخـيك وصنويك العليين من قبل

فسلــم عليهم لا شفيت وقل لهم: * سقيت أباكم بعد كم جرعة الثكل

وقال في رثائه:

عــطيــة إن ذقت طعم الحمام * فــــــإن فـــــراقك عــندي أمر

هوى كوكب منك بعد الطلوع * ذوي غـــــصن منك بعد الثمر

 

/ صفحة 418 /

 

ولــــو لم تكن قمرا زاهرا * لما مت عند خسوف القمر

وتوفي بعدهم ولده إسماعيل سنة 561 في ربيع الآخر ورثاه بقصيدة أولها:

ما كنـــــت آلف منزلي إلا به * ولقد كرهت الدار بعد مصابه

وقال يرثيه:

أأرجــــــو بقـــــاءا أم صفاء حياة * وقد بددت شملي النوى بشتات ؟!

يقول فيها:

أتبــلي الليالي لي بنيا ذخرته * وتبقي لي الأيام شر بناتي ؟!

ومنها:

وما عشت إلا سبعة من سني الورى * سقى عهــــــدهن الله مــــــن سنوات

وقال في رثائه:

حسبت الدهر في ولدي * يساعــــــدني ويسعدني

ويقول فيها:

لإسماعيل أشــــواقـي * تزيد على مدى الزمن

وإسماعــــيل لي شغل * عــــن اللذات يشغلني

وإسماعـــيل لا أسلوه * حتى الموت يصرعني

سأبكــــــيه وأنــــــدبه * بنــــــوح زائد الشجـن

كما قــمرية ناحــــــت * ببغــــــداد عـلى غصن

وأبقــــــى بعـــده أسفا * مــــدى الأيام والزمن

وتوفي حسين سنة 563 ورثاه بقوله:

أترى يكون لي الخلاص قريب ؟ * فالمــــــوت بعـــدك يا بني يطيب

عللت فيــــــك الحـــــزن كل تعلة * لم تنفعــــــني شربــــــة وطبـيب

ورثاه بقصيدة أولها:

داويــــت ما نفع العليل دوائي * بل زاد سقما في خلال ضنائي

يقول فيها:

ما عاش إلا سبعة من عمره * ونـــأى إلــى دار البلى لبلائي

 

/ صفحة 419 /

وله في رثائه من قصيدة مستهلها:

قـــل للمنـــــية لا شوى * لم يخط سهمك إذ رمى

ومنها:

ما كان إلا سبعة * وثلاثة ثم انقضى

وقال في رثائه:

خطبتني الخطوب بالهم لما * حدثتــني بألـــــسن الحدثان

ومنها:

يا لهـــــا نكبة على نكبة جا * ءت وجرحا يبكي بجرح ثان

ومصاب على مصاب وثكـل * بعــد ثكــل أصيب منه جناني

ويقول فيها:

كل عام للموت عندي نصيب * فــــي سراة البنين والأخوان

ونختم الترجمة وهي ختام هذا الجزء من الكتاب بقول المترجم يدعو ربه:

يا رب هيئ لنــــــا مــــــن أمرنا رشدا * واجعــــــل معـــونتك الحسنى لنا مددا

ولا تكلنا إلى تــــــدبير أنفــــــســــــنــا * فالنـــــفس تعجز عن إصلاح ما فسدا

أنــــــت الكـــريم وقد جهزت من أملي * إلــى أياديــــــك وجها ســــــائــلا ويدا

وللـــــــــرجاء ثواب أنت تعــــــــلـــمه * فاجعل ثوابي دوام الستر لي أبدا (1)

 

انتهى الجزء الرابع من كتاب الغدير

ويتلوه الخامس إن شاء الله

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخذنا الترجمة من النكت العصرية، الخريدة لعماد الكاتب، الكامل لابن الأثير 11 ص 163، تاريخ ابن خلكان 1 ص 409، تاريخ ابن كثير 12 ص 275، مرآة الجنان 3 ص 390 وتوجد في غير واحد من كتب المتأخرين ومعاجمهم.