عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

القرن السادس

-48-

ابن العودي النيلي

المولود 478 المتوفى ح 558

 

متى يشتـــــفي مـــــن لاعج القلب مغرم * وقـــد لج في الهجران من ليس يرحم ؟!

إذا هم أن يسلـــــو أبي عـــــن سلـــــوه * فـــــؤاد بنـــــيران الأســـــى يتـــــضـــرم

ويثنيه عـــــن سلوانـــــه لفـــــضــيلـــــة * عهـــــود التـــــصابي والهـــوى المتقدم

رمتــــه بلحـــــظ لا يكـــــاد سليـــــمـــــه * من الخـــــبل والوجـــــد المبـــــرح يسلم

5 إذا ما تلظـــــت فــي الحشا منه لوعة * طفــتها دمـــــوع مـــــن أماقيـــــه تسجم

مقيم عـــــلـــــى أســر الهوى وفـــــؤاده * تغـــــور بـــــه أيـــــدي الهمـــــوم وقتهم

يجـــــن الهـــــوى عـــــــن عاذليه تجلدا * فيـــــبدي جـــــواه مـــــا يجـــــن ويكــــتم

يعـــــلل نفـــــسا بالأمـــــاني سقيـــــمــة * وحســبـــــك مـــــن داء يصــح ويسقـــــم

وقد غـــــفلت عـــــنا الليـــالي وأصبحت * عـيـــون العــــدى عـــن وصلنا وهي نوم

10 فكــــم من غصون قد ضممت ثديها * إلـــــي وأفـــــواه بـــهـــــا كنــــــت ألثــــم

أجيـــــل ذراعـــــي لاهيــــــا فوق منكب * وخـــــصرا غـــــدا مــــن ثقـــــلــه يتظـلم

وأمتـــــاح راحـــــا مـــــن شنيـــب كأنه * مـــــن الدر والياقوت فــــي السلــك ينظم

فلما عــــلاني الشيـب وابيض عارضي * وبان الصبـــــا واعــــوج منــي المقــــوم

وأضحـــــى مشيـــــبي للعــــــذار ملثما * بـــــه ولـــــرأسي بالبـــــيــاض يعــــــــمم

15 وأمسيت من وصل الغواني ممنعا * كـــــأني من شيـــــبي لـــــديهــــن مــجـرم

بكيـــــت عـــــلى ما فـــــات مني ندامة * كـــــأني خــنـــــس فــــــي البكــــا أو متمم

وأصفيـــــت مدحـــــي للنـــــبي وصنوه * وللنــــــفـــــر البـــــيض الـــــذين هـــم هم

هم التـــــين والـــــزيتون آل محــــــمـد * هـــــم شــــــجـــــر الطـــــوبى لمــن يتفهم

 

/ صفحة 373 /

هم جنـــــة المأوى هم الحوض في غـــد * هـــــم اللـــوح والسقـــف الرفيع المعظم

هــــم آل عــــمران هــــم الحــــج والنسا * هـــــم سبـــــأ والـــــذاريات ومـــريم 20

هـــــم آل ياسيـــــن وطـــــاها وهـــل أتى * هـــــم النحـــــل والأنـــــفال إن كنت تعـلم

هـــــم الآية الكــــبرى هم الركن والصفا * هـــــم الـــــحج والبــــيت العـتـيق المكرم

هـــــم في غـــــد سفــن النجاة لمن وعى * هـــــم العـــــروة الوثـقى التي ليس تفصم

هم الجنـــــب جـنب الله في البيت والورى * هم العـــــين عــــين الله فــي الناس تعلم

هـــــم الآل فيـــــنا والمعـــــالي هم العلى * ينــمـــم فـــــي منهـاجهم حيث يمموا 25

هم الغـــــاية القــــصوى هم منتهى العلى * ســـــل النـــــص في الـقرآن ينبئك عنهم

هـــــم في غـــــد للقـــــادمين سقـــاتـــــهم * إذا وردوا والحـــــوض بالمـــــاء مفــعم

فلـــــولا هـــــم لـــــم يخـــــلق الله خــــلقه * ولا هبـــــطا للـــــنسل حـــــوا وآدم هــم

باهلـــــوا نجـــــران مـــــن داخـــــل العـبا * فعـــــاد المنـــــاوي فيـــــهم وهــو مفحم

وأقـــــبل جـــــبريل يقـــــول مفـــــاخــــــرا * لميكال: من مثلي وقد صرت منهم؟!30

فمن مثـــــلهم في العـــــالمين وقـــــد غدا * لهـــــم سيـــــد الأمـلاك جبريل يخدم ؟ !

ومـــــن ذا يســـــاويهم بفـــــضل ونعــــمة * مـــــن النــاس والقرآن يؤخذ عنهم ؟ !

أبـــــوهم أميـــــر المـــــؤمنين وجــــــدهم * أبـــــو القـــــاسم الهــادي النبي المكرم

هم شرعـــــوا الـــــدين الحنــــيفي والتقى * وقـــــاموا بحـــــكم الله مـــن حيث يحكم

وخـــــالهم إبــــراهيـــــم والأم فـــــاطـــــم * وعـــــمهم الطيـــــار في الخلد ينعم 35

إلـــــى الله أبـــــرا مـــــن رجـــــال تتابعوا * عـــــلى قتلهم يا للورى كيف أقدموا ؟ !

حمـــــوهم لذيـــــذ المـــــاء والــورد مفعم * وأسقـــــوهم كـــــأس الردى وهو علقم

وعـــــاثوا بـــــآل المصطـــــفى بعــد موته * بما قتـــــل الكـــــرار بالأمـــــس منــهم

وثـــــاروا عـــــليه ثـــــورة جـــــاهـليـــــة * عـــــلى أنـــــه مـا كان في القوم مسلم

وألقـــــوهم فـــــي الغـــــاضريات صــرعا * كأنـــهم قف على الأرض جثم (1) 40

تحامـــــاهم وحـــــش الفـــــلا وتــــنوشهم * بأرياشها طيـــــر الفــلا وهي حوم (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) القف: ما يبس من أحرار البقول وذكورها. جثم جمع جاثم من جثم جثما: تليد بالأرض، ولزم مكانه فلم يبرح.

 (2) حوم جمع حائم من حام على الشيئ وحوله: دار به وحام الرجل: عطش.

 

 

/ صفحة 374 /

تحامـــــاهم وحـــــش الفـــــلا وتــــنوشهم * بأرياشها طيـــــر الفــلا وهي حوم (2)

بأسيـــــافهـــــم أردوهـــــم ولــــدينـــهــــم * أريـــــق بأطـــــراف القـــــنا منـهم الدم

وما قـــــدمت يـــــوم الطـــــفوف أميــــــة * عــلـــــى السبـــــط إلا بالـــــذين تقدموا

وأنـــــى لهـــــم أن يـــــبرأوا مــن دمائهم * وقـــــد أسرجـــــوها للخــصام وألجموا

45 وقـــــد عـــــلموا أن الـــــولاء لحيـدر * ولكـــــنه مـــــا زال يـــــؤذى ويظــــلـم

تعـــــدوا عـــــليه واستبـــــدوا بظـــــلمـــه * وأخـــــر وهـــــو السيـــــد المتـــــقــدم

وقـــــد زعـــــمـــــوها فلتـــــة كـان بدؤها * وقــــال: اقتلوا من كان في ذاك يخصم

وأفـــــضوا إلـــــى الشـورى بها بين ستة * وكـــــان ابن عـــــوف منــهم المتوسم

وما قـــــصدوا إلا ليقــتـــل بـــــيــــنهــــــم * عـــــلي وكـــــان الله للطـــــهر يعــصم

50 وإلا فليـــــث لا يقـــــاس بأضـــــبــــع * وأيـــــن مـن الشمس المنيرة أنجم ؟ !

فـــــواعجبا مـــــن أيـــن كـانوا نظائرا ؟ ! * وهـــــل غــــيره طب من الغي فيهم ؟!

ولكـــــن أمـــــور قـــــدرت لضـــــلالهـــــم * ولله صنـــــع فـــــي الإرادة محـــــكـــم

عـــــصوا ربـــــهم فـــــيه ضــلالا فأهلكوا * كمـــــا هلكـــــت مــن قبل عاد وجرهم

فما عـــــذرهم للمصطـــــفى فـــي معادهم * إذا قـــــال: لـــــم خنتم عليا وجرتم ؟ !

55 ومـــــا عذرهـــم إن قال: ماذا صنعتم * بصنوي من بعدي ؟ ! وماذا فعــلتم ؟ !

عهـــــدت إليـــــكـــــم بالقبـــــول لأمـــــره * فلـــــم حـــــلتم عــن عهده وغدرتم ؟ !

نبـــــذتم كـــــتاب الله خـــــلف ظهـــــوركم * وخالفتـــــموه ؟ بئـــــس مـــا قد صنعتم

وخـــــلفت فيـــــكم عـــــترتي لهـــــداكــــم * فكـــــم قمتـــــم فــــي ظـلهم وقعدتم ؟ !

قلبـــــتم لهم ظـــــهر المجن وجـــــرتــــــم * عـــــليهم وإحـــــسانـي إليـــــكم كفرتم

60 وما زلتم بالقـــــتل تطغـــــون فيــــهم * إلـــــى أن بلغـــــتــم فيـــــهم مــا أردتم

كأنهـــــم كـــــانوا مـــــن الـــــروم فالتقت * ســـــراياكم صــلبانـــــهم وظـــــفـــرتم

ولكـــــن أخـــــذتم مـــــن بـــــني بــــثأركم * فحـسبكم خـزيا على ما اجترأتم منعتم

تـــــراثي ابنـــــتـــي لا أبـــــا لـــــكــــــــــم * فلـــــم أنـتم آباءكم قد ورثتم ؟ ! وقلتـم

: نـــــبـــــــــــي لا تـــــراث لـــــولــــــــــده * أللأجــنــبـــي الإرث فيـــما زعمتم ؟ !

65 فهـــــذا سليـــــمـــــان لـــــداود وارث * ويحـــــيـــــي لــزكريا فلم ذا منعتم ؟ !

فـــــإن كـــــان منـــــه للـــــنبوة وارثـا ؟ ! * كـــــما قــــد حكمتم في الفتاوى وقلتم

 

/ صفحة 375 /

فـــقــد ينبغي نســــل النبـيـيــن كــــلهم * ومــــن جــــاء منهــــم بالنـــبوة يوسم

وقلـــــتم: حـــــرام متعة الحج والنسا * أعـــن ربكم ؟ ! أم عنكم ما شرعتم ؟!

زناتـــــكم تعـــــفـــون عنهم ومن أتى * إليـــــكم مـــــن المستمتعــيـــن قتـــلتم

ألـــــم يأت: ما استمتعـــتم من حليلة * فآتوا لها من أجرها ما فرضتم ؟ ! 70

فهـــــل نســــخ القرآن ما كان قد أتى * بتحليـــــلـــــه ؟ ! أم أنتم قد نسختم ؟ !

وكـــــل نبـــــي جـــــاء قبـــــل وصيـه * مطـــــاع وأنـــــتم للـــــوصي عــصيتم

ففعـــــلكم فـــــي الـدين أضحى منافيا * لفعـــــلي وأمـــــري غـير ما قد أمرتم

وقـــــلتم: مضـــــى عـــنا بغير وصية * ألـــــم يـوص لو طاوعتم وامتثلتم ؟ !

وقــد قال: من لم يوص من قبل موته * يمت جـــــاهلا. بــل أنتم قد جهلتم 75

نصبـــــت لكـــــم بعـــــدي إماما يدلكم * عـــــلى الله فاستكبـــــرتم وظلــــمــتم

وقـــــد قلـــــت فـــــي تقــديمه وولائه * عـــــليكم بمـــــا شاهـــــدتم وسمعــتم

: عـــــلي غـــــدا منــــي محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم ؟ !

شقيـــــتم به شقـــــوى ثمــود بصالح * وكـــــل امـــــرئ يـــــبقى لـــه ما يقدّم

وملتـــــم إلــــى الدنيا فضلت عقولكم * ألا كل مغـــــرور بدنـــــياه يــــندم 80

لحـــــى الله قـــــوما أجـلبوا وتعاونوا * عـــــلى (حيدر) فيـما أساؤا وأجرموا

زووا عـــــن أميـر النحل بالظلم حقه * عـــــنادا لـــــه والطـهر يغضي ويكظم

وقـــــد نصها يـــــوم (الغــدير) محمد * وقـــــال: ألا يــــا أيها الناس فاعلموا

لقـــد جاءني في النص: بلغ رسالتي * وهـــــا أنا فـــــي تبليغـــــها المتكــــلم

عـــــلي وصيـــــي فاتبعـــــوه فـــــإنه * إمـــــامكم بعـــدي إذا غبت عنكم 85

فـــــقـــالوا: رضيــــناه إماما وحاكما * عـــــلينا ومـــــولى وهــو فينا المحكم

رأوا رشـــــدهم فــي ذلك اليوم وحده * ولكـــــنهم عـن رشدهم في غد عموا

فلـــــما توفي المصطفى قال بعضهم: * أيحـــــكم فـــــينا ؟ لا، وباللات نقـسم

ونازعـــــه فيـــــها رجـــــال ولم يكن * لهـــــم قـــــدم فيـــــها ولا متـــــقـــدم

وظـــــلـــــوا عـــــليها عـاكفين كأنهم * عـــــلى غـــــرة كـــل لها يتوسم 90

يقـــــيم حـــــدود الله فـــــي غير حقها * ويفـــــتي إذا استفـــتي بما ليس يعلم

 

/ صفحة 376 /

يقـــــيـــم حـــــدود الله فـــــي غير حقها * ويفـــــتي إذا استــــفـــتي بما ليس يعلم

يكـــفــــر هـــــــذا رأي هـــــذا بقـــــوله * وينقـــــض هـــــذا مــــا لـــــه ذاك يبرم

وقالوا: اختلاف الناس في الفقه رحمة * فلم يـــــك مـــــن هـــــذا يحـــــل ويحرم

أربـــــان للانـــــسان ؟ ! أم كــان دينهم * على النقص من دون الكمال فتمموا؟!

95 أم الله لا يـــــرضى بشـــــرع نبــيه * فعــادوا وهـم في ذاك بالشرع أقوم ؟!

أم المصطـــــفى قــــد كان في وحي ربه * ينـــــقص فـــــي تبـــــليغه ويجمجم ؟!

أم القوم كـــــانوا أنبـــــياءا صـــــوامتـا * فـلما مضى المبعوث عنهم تكلموا ؟ !

أم الشـــــرع فيـــه كان زيغ عن الهدى * فســـــووه من بعـــد النبي وقوموا ؟ !

أم الـــــدين لـــــم يكـمل على عهد أحمد * فعـــــادوا عــليه بالكمال وأحكموا ؟ !

100 أما قـــال: إني اليوم أكملت دينكم * وأتمـــــمت بالنعـــماء مني عليكم ؟ !

وقـــــال: أطيعـــــوا الله ثـــــم رســــوله * تفــوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم

فلـــــم حــــرموا ما كان حلا ؟ ! وحللوا * بفتـــــواهم ما جـــــاز وهو محرم ؟ !

تـــــرى الله فيــــما قال قد زل ؟ ! أم هذا * نبي الهدى ؟! أم كان جبريل يوهم ؟!

لقد أبدعـــــوا مـــما نـــــووا من خلافهم * وقال: اقبلوا مما يقول وسلموا105

وإلا تـــــركتم إن أبـــــيتم رمـــــاحـــــــنا * وأسيـــــافنا فيـــــكم تســـــدى وتلحم

ومـــــا مـــــات حـــــتى أكــــمل الله دينه * ولم يـــــبق أمر بعـــــد ذلك مبـــــهـم

ولكـــــن حـــــقود أظهرت وضغـــــائـــن * وبغـــــي وجـــــور بـــين الظلم منهم

يقــرب مفـــــضول ويبعـــــد فـــــاضـــــل * ويســـــكت منطيـــــق وينــــطق أبكم

وما أخـــــروا فيهـــــا عليا لمـــوجـــــب * ولكـــــن تعـــــد مــــنــــهم وتظـــــلم

110 وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد * ولكـــــن ديـــــن الله لا يـــــتــــهدم

وحـــــاشى لديـــــن شيـــــد الحـــــق ركنه * بسيـــــف عـــــلي يعـــتريه التهدم

فحـــــسبهم فـــــي ظلـــــم (آل محـــــمـــد) * مــــن الله في العقبى عقاب ومأثم

فـــــإن غـــــصبوهم أمـــــر دنـــــيا دنـــية * فـــــما لهم في الحشر أبقى وأدوم

فـــهل عظمت فـــــي الدهر قط مصيبة * على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟!

115 تـــــولى بإجماع عـــــلى الناس أول * ونـص على الثاني بها وهو مغرم

وقـــــال: أقيـــــلوني فـــــلست بخـــــيركم * فلم نصها لـــو صح ما كان يزعم؟!

 

/ صفحة 377 /

وأثـــــبتها فـــــي جـــــوره بعـــــد موته * صهـــــاكية خـــــشناء للخــــصم تكلم

ولـــــو أدرك الثـــــاني لمــــولى حذيفة * لـــــولاه دون الغـــــير والأنف يرغــم

وقـــــد نالهـــــا شورى من القـوم ثالث * وجـــــرد سيـــــف للـــــوصي ولهــذم

أشــــورى ؟ وإجماع ؟ ونص ؟ خلافة * تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم 120

وصـــاحــبها المنـصوص عنها بمعزل * يــــديم تــلاوات الكتــــاب ويخـــــتـــــم

ولـــــو أنـــــه كـــــان المـــولى عليهم * إذن لهـــــداهم فـــــهو بالأمــــر أعلم

هـــــو العــــالم الحـبر الذي ليس مثله * هــــو البطـــل القرم الهزبر الغشمشم

ومـــــا زال فـــــي بـــــدر وأحد وخيبر * يفـــــل جـــــيوش المشــــركين ويحطم

يكر ويعـــــلوهم بقـــــائـــــم سيــفـــــه * إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا125

وما دخـــــلوا الاسلام ديـــــنا وإنـــــما * منافـــــقـــــة كــي يرفع السيف عنهم

وقـــــالوا: عـلي كان في الحكم ظالما * ليكثـــــر بالـــــدعــوى عـــــليه التظلم

وقـــــالوا: دمــــــاء المسلمين أراقها * وقـــــد كـــــان في القتلى برئ ومجرم

فقـــــلت لهـــــم: مهلا عدمتم صوابكم * وصي النـــــبي المصــطفى كيف يظلم

أراق دمــــاء المسلمــيـن ؟ ! فوالذي * هدانا به ما كان في القوم مسلم 130

ولكنـــــه للنـــــاكـــثـــــين بعـــــهـــــده * ومــمــــن تعـــــدى منهـــــم كـان ينقم

أمـــــا قال: أقـــــضاكم عـــــلي محـمد * كـــــذا قـــــد رواه الناقـــــد المتــــقدم

فـــــإن جـار ظلما في القضايا بزعمكم * عـــــلي فمـــــن زكـــــاه لا شـك أظلم

فيـــــا ليتــــني قد كنت بالأمس حاضرا * فـــــأشــركـــــه فـــــي قتـــــلـــــهـــــم

وأصمـــــم وألقـى إلهي دونهم بدمائهم * فننظـــــر عـــــند الله مـــن يتندم 135

فمن كعـــــلي عـــــنـــــد كـــــل ملمــــة * إذا مــا التقى الجمعان والنقع مفعم ؟

ومـــــن ذا يســـــاميه بعـــــلم ولـم يزل * يقـــــول: سلـــــوني ما يحل ويحرم؟!

سلـــــوني فـــــفي جـــــنبي عـلم ورثته * عـــــن المصطفى ما فاه مني به الفم

سلـــــوني عـــــن طرق السموات إنني * بهـا من سلوك الأرض والطرق أعلم

ولـــــو كشف الله الغـــــطا لــــم أزد به * يقيـنا على ما كنت أدري وأعلم 140

وكـــــأين لـــــه مـــــن آيـــــة وفضيلـة * ومـــــن مكـــــرمات ما تعـــــم وتـكتم

 

/ صفحة 378 /

فمـــــن خـــــتمت أعــماله عند موته * بــخـــــير فـــــأعـــمالي بحبـيه تختم

فـــــيا رب بالأشـــــباح (آل محــــمد) * نجـــــوم الهدى للناس والأفق مظلم

وبالقـــــائم المهــــدي من (آل أحمد) * وآبائه الهادين والحق معصم 145

تفـــــضل على (العودي) منك برحمة * فـــــأنت إذا استرحمت تعفو وترحم

تجـــــاوز بحــسن العفو عن سيئاتـه * إذا مـــــا تلظـــــت فـي المعاد جهنم

ومـــــن عـــــليه مـــــن لـدنك برأفة * فـــــإنك أنـــــت المنعـــــم المتـــكرم

فـــــإن كـــــان لـي ذنب عظيم جنيته * فعـــــفـــوك والغفران لي منه أعظم

وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي * فإنـــــي بمـــدح الصفوة الزهر أختم

وله قصيدة أخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصا على الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي الأعظم صلوات الله عليه وآله أولها:

بفــنا الغـري وفي عراص العلقم * تمحا الذنوب عن المسئ المجرم

قبــران قبــــر للــــوصي وآخــــر * فيــــــه الحسين فعج عليه وسلم

هــــــذا قتــيل بالطفوف على ظما * وأبــــــوه في كـوفان ضرج بالدم

وإذا دعا داعي الحجيج بمــــكــة * فإليهمــا قـــــصد التقي المسلم 5

فاقــصدهما وقل: السلام عليكما * وعــــــلى الأئمة والنبي الأكـــرم

أنتـــــم بنو طاها وقاف والضحى * وبنــــــو تــبارك والكتاب المحكم

وبنـــو الأباطح والمسلخ والصفا * والــــركن والبيت العتيق وزمزم

بكــــــم النجــاة من الجحيم وأنتم * خــــــير البــــــرية من سلالة آدم

أنـتم مصابيح الدجى لمن اهتدى * والعروة الوثقى التي لم تفصم 10

وإليــــــكم قــــــصد الــولي وأنتم * أنــصاره في كل خطب مولم وبكم

يفوز غــــــدا إذا مــــــا أضـرمت * فـــــي الحشر للعاصين نار جهنم

من مثـــلكم في العالمين وعندكم * عـلم الكتاب وعلم ما لم يعلم ؟ !

جبــــــريل خـــادمكم وخادم جدكم * ولغـــــيركم في ما مضى لم يخدم

أبنــــــي رســــــول الله: إن أباكم * مــــــن دوحــة فيها النبوة ينتمي

آخــــــاه مــن دون البرية (أحمد) * واختــــــصه بالأمــــر لو لم يظلم

 

/ صفحة 379 /

نــص الولايـــــة والخلافة بعـــــده * يـــوم (الغدير) لـــــه برغـــم اللوم

ودعا لـــــه الهادي وقــــال ملبــيا * يـا رب قد بلغـــــت فاشهــــد واعلم

حتى إذا قبـــــض النبـي واصبحوا * مثل الذباب تلوح حــول المطعـــــم

نكثت ببـيــــعـته رجـــــال أســلمت * أفواههم وقلوبهـــم لـــــم تسلـــــم

وتـــداولـــوها بينهـــــم فكـــــأنـها * كأس تدور على عـطــاش حوم 20

[ القصيدة 57 بيتا ]

* (الشاعر) * :

الربيب أبو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي [ العودي (1) ] التغلبي النيلي نسبة إلى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحو الشرق الجنوبي وكانت ولادته بها سنة 478.

 لم أقف على ترجمة [ أبي المعالي ] أبسط مما نشرته مجلة الغري [ النجفية ] الغراء في العدد ال‍ 22 و 23 من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد البغدادي ذلك البحاثة المنقب وإليك نصه قال: كان أبو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت أخبار سيرهم، فهو كوكب من كواكب الأدب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه، وكان في الأيام التي جمع فيها عماد الدين الاصفهاني أخبار الشعراء ولذلك قال في نعته: شاب شبت له نار الذكاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودر من فيه شؤبوب الفصاحة يسقي من ينشده شعره راح الراحة، وردت واسطا سنة خمسين [ يعني خمسين وخمسمائة ] فذكر لي أنه كان بها للاسترفاد وقام في بعض الأيام ينشد خادم الخليفة (فاتنا) (2) فسبقه غيره إلى الانشاد، فقعد ولم يعد إليه وسلم على رفده وعليه وصمم عزم الرحيل إلى وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلك في سنة أربع وخمسين بالهمامية. ا ه‍. وإشارة العماد إلى أنه كان شابا من فلتات الشباب.

 ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أن ابن العودي كان مع تحريره إنشاده لاسترفاده

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كما في شعره.

 (2) هو شمس الدين أبو الفضائل من أكابر مماليك بني العباس كان ناظر واسط يومئذ.

 

 

/ صفحة 380 /

أبي النفس معتمدا بشعره والشاعر الأبي المسترفد لا يورثه إباؤه إلا الحرمان وإساءة الزمان.

 ومن شعره الذي نقله قطب الدين أبو يعلى محمد بن علي بن حمزة العلوي الأقساسي تغزله بامرأة نصف (أي متوسطة العمر):

أبى القلب إلا أم فضـــــل وإن غـــــدت * تعد من النصف الأخـــــير لــــــداتـها

لقد زادها عندي المشـــيـب ملاحــــــة * وإن زعم الواشي وســـاء عـــــداتها

فإن غيرت منها الليالي فـــفي الحـشا * لهـــــا حـــــرق مــــا تــنطفي زفراتها

فمـــــا نــــال منها الدهر حتى تكاملت * كـــــمالا وأعــيــى الواصفين صفاتها

ســـبتــنــــي بفـــــرع فاحـــــم وبمقلة * لهـــــا لحـــــظـــــات ما تفــــك عناتها

وثغـــــر زهـــــت فيـــــه ثـنايا كـــأنها * حصى برد تشفى الصدار (1) شفاتها

ولمـــــا التــــقـــينا بعد بعد من النـوى * وقــــد حــــان نحوي بالسلام التفاتها

رأيـــــت عـــــليها للجـــــمـــــال بقيــة * فعــــاد لنفـــــسي في الهوى نشواتها

وأنشد القاضي عبد المنعم بن مقبل الواسطي له:

هـــــم أقعـــــدوني فـي الهوى وأقاموا * وأبلـــــوا جفـــــوني بالسهــــاد وناموا

وهـــــم تـــــركوني للعـــــتاب دريــــئة * أؤنـــــب فـــــي حـــبـــــيـــــهـــــم وألام

ولو أنصفوا في الحب قسمة بيننا (2) * لهامـــــوا كمـــــا بـــــي صبـــوة وهيام

ولكنـــــهم لمـــــا استـــــدر لنـا الهوى * كرمت بحفــظـــــي للـــــوداد ولامـــــوا

5 ولما تـــــنادوا للـــــرحيــل وقوضت * لبـــــيـــــنهم بـــالأبرقيـــــن خـــــيـــــام

رميت بطـــــرفي نحـــــوهم متـــــأمــلا * وفي القـــــلب مني لـــــوعة وضـــرام

وعـــــدت وبـــــي مـــــما أجــن صبابة * لها بــــين أثـــــناه الضلـــــوع كـــــلام

إذا هـــــاج بـــــي وجــــد وشوق كأنما * تضمـــر أعـــــشار الفـــــؤاد سهـــــام

ولائمـــــة فـي الحب قلت لها: اقصري * فمثـــــلي لا يـــــسلي هـــــواه مـــــلام

10 أأسلو الهوى بعد المشيب ولم يزل * يصاحبـــــني مذ كنـــت وهو غلام ؟ !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي نسخة قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية عبد العزيز بن جماعة " تسقى الصدار سفاتها " قال الأميني: ما في المتن والهامش فيه تصحيف والصحيح: تشفى الصدى رشفاتها.

(2) وفي نسخة صلاح الدين الصفدي: ولو أنصفوني قسمة الحب بيننا.

 

 

/ صفحة 381 /

ولما جزعـــنا الرمــــل رمـــل عـــــنيزة * وناحـــــت بأعــــــلى الدوحتين حمام

صبوت اشتياقا ثـــــم قلـــــت لصاحبـي: * ألا إنـــــما نـــــوح الحـــــمام حـــمام

تجـــــهيز لبـــــين أو تســـل عن الهوى * فمـــــالك مـــــن ليـــــلي الغـداة لمام

وكيـــــف يرجـــــى النـــــول عـند بخيلة * تروم الثـــــريا وهـــي ليـس ترام ؟ !

مهفهفـــــة الأعـــــطاف أما جبـــــيــنها * فصبـــــح وأمـــــا فــرعها فظلام 15

فيـــــا ليت لـــــي منها بلوغا إلـى المنى * حـــــلالا فـــــإن لـم يقض لي فحرام

وهذه المعاني التي أودعها ابن العودي قصيدة مألوفة متعالمة بين الشعراء إلا أن نسج شعره عربي بحت يضفي على تلك المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري، وقد نقل الصفدي أبياتا من هذه القصيدة ومن غيرها من شعر ابن العودي وذكر: أن شعره متوسط.

 ولا نرى في هذا الحكم حنقا فإنه متوسط حقا من حيث المعاني، ولكنه في حبكه وتأليفه من الطبقة الأولى فإن العرب تنظر إلى المباني قبل المعاني، بحكم ما في لغتها من موسيقي وجرس ورنين، وهذا لا يعني أنها تقر من النظم ما لا معنى له لأن شرط صحة المباني احتوائها على صحة المعاني كائنة ما كانت.

 وقد نظم ابن العودي في الشعر المذهبي الذي أكثر منه السيد الحميري وابن حماد والعوني والناشي الأصغر وابن علوية الاصفهاني (1) والوراق القمي، ولما دخل ابن شهر آشوب العراق في أواسط القرن السادس ألفى شعر ابن العودي في المذهب تستهديه الآذان أفواه الشداة المنشدين فضمن كتابه مناقب آل أبي طالب شيئا منه و كثيرا من شعر الناظمين في المذهب، وبعد ترك ابن شهر آشوب العراق إلى الشام حدثت ببغداد فتن مذهبية ووثب الحنابلة كعادتهم بأعدائهم في المذهب فأحرقوا كتبهم و فيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهادا فضيعا فضاع كل ذلك الأدب غثه وسمينه وصار طعمة للنار، والظاهر أن ذلك الضرب من النظم في شعر ابن العودي هو الذي حمل محب الدين محمدا المعروف بابن النجار البغدادي على أن يقول في ترجمة ابن العودي: [ كان رافضيا خبيثا يهجو الصحابة ].

 ومن شعر ابن العودي في إقامته مدة بواسط:

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مرت تراجم هؤلاء الشعراء الخمسة في الجزء الثاني والثالث والرابع من كتابنا هذا وكلهم من شعراء الغدير.

 

 

/ صفحة 382 /

يــــؤرقني فــــي واســــط كــــل ليــــلة * وســــاوس هــــم مــــن نوى وفراق

فــــيـا للهوى هــــل راحــــم لمتيـــــــم * يعــــل بكــــأس للفــــراق دهــاق ؟ !

خليلــــي هــــل مــــا فات يرجى ؟ ولنا * على النأي من بعد الفراق تلاقي ؟ !

فــــإن كنــــت أبــدي سلوة عن هواكم * فــــإن صبابــــاتي بكــــم لــــبواقـــي

ألا يــــا حــــمامات عــــلى نــهر سالم * سلمــــت ووقــــاك التــــفرق واقـــي

تعــــالين نــــبد النــــوح كــــل بشجوه * فــــإن اكتــــتام الــــوجد غـــير مطاق

على أن وجدي غير وجدك في الهوى * فدمعــــي مهــــراق ودمعــــك راقـــي

ومــــا كنــــت أدري بعـــد ما كان بيننا * مــــن الــــوصل أنـــي للفراق ملاقي

فهــــا أنـت قد هيجت لي حرق الجـوى * وأبديت مكــــنون الهــــوى لــــوفاقي

وأسهــــرتــــني بالنوح حتــــى كـــأنمـا * سقــــاك بكــــاسات التفــــرق سـاقي

فــــلا تحــــسبي إني نزعت عن الهوى * وكــــيف نــزوعي عنه بعد وفاقي ؟!

ولكنــــني أخفــــيت مـــا بي من الجوى * لكــــي لا يــرى الواشون ما أنا لاق

قال الشريف قطب الدين أبو يعلى محمد بن علي بن حمزة: أنشدني الربيب أبو المعالي سالم ابن العودي في منزلي مستهل صفر سنة خمسين وخمسمائة:

ما حبست الكتاب عنك لهجـر * لا ولا كـــان ذاكم عن تجافي

غير أن الزمان يحدث للمرء * أمــــورا تنسيـــه كل مصافي

شيــــم مــــرت الليالي عليها * واللــــيالي قليلــــة الانـصاف

وهذه أبيات حكمية كريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة الحيوية، وقال الحسن بن هبة الله التغلبي المعروف بابن مصري الدمشقي: أنشدني أبو المعالي سالم بن على العودي لنفسه:

دع الـدنــيا لمن أمسى بخيلا * وقــاطع مــن تراه لها وصولا

ولا تـــركن إلى الأيام واعلم * بـأن الدهــــر لا يـــبقي جليلا

فكـــم قد غــــرت الدنيا أناسا * وكم قد أفـــنت الدنيا قبــــيلا

وما هذي الحياة وإن تراخت * بممتعــــة بهــــا إلا قــليــــلا

فــــويل لابن آدم مــــن مقـام * يكــــون به العزيز غدا ذليلا

 

/ صفحة 383 /

قال: وأنشدني أبو المعالي لنفسه:

أ أخــــي إنــــك ميـــت * فــــدع التعـلل بالتمادي

لا تركنــــن إلى الحياة * فــــإن عــــزك في نفاد

أزف الرحيل فلا تــكن * ممن يسيــــر بغير زاد

يا غــافلا والموت يقــ * ـــدح في سنيه بلا زناد

لا بـــد يـــــومــــا للنبا * ت إذا تكامل من حصاد

وأنشدني لنفسه:

لا أقتضيك على السماح فإنه * لك عــــادة لكنــــني أنــــا مذكر

إن السحاب إذا تمسك بالندى * رغــــبوا إليــه بالدعاء فيمطر

وأنشدني نفسه:

سيدي عد إلى الوصال * فــــقــــد شفـــني الضنا

وتـرفــــق بعــــاشــــق * ما لـــه عـنك من غنى

إن تكن تطلب الصواب * بــــوصــــل فــــها أنــا

أو تــــرد بالنــــوى دنو * حــــمامي فــــقــــد دنا

وأنشد:

يا عــــاتبــــين عــــلى عان يحبكم * لا تجموا بين عتب في الهوى وعنا

إن كــــان صدكـم عني حدوث غنى * فــــما لنا عــــنكم حتى الممات غنى

ومن شعره قوله:

يقولون: لو داويت قبلك لأرعوى * بسلوانه عن حب ليلى وعن جمل

وهيهــــات يــبرأ بالنمائم والرقى * سليم الثــــنايا الغـر والحدق النجل

ولم أقف على سنة وفاة ابن العودي، إلا أن سنة ولادته [ أعني سنة 478 ] ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة 554 بالهمامية قرب واسط لا تتركان للظن أن يغالي في بقائه طويلا بعد سنة 454 المذكورة بل لا أراه قد جاوز سنة 558 فإنها تجعل عمره ثمانين سنة وذلك من نوادر الاعمار في هذه الديار. ا ه‍.