عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

القرن السادس

-45-

ابن منير الطرابلسي

ولد 437 توفي 548

 

عـذبت طـــــرفي بالسهـــــر * وأذبـــــت قلبـــــي بالفــــكر

ومـزجــــت صفـــــو مودتي * من بعـــــد بعـــــدك بالــكدر

ومنحـــــت جثــماني الضنى * وكحلت جفـــــني بالســهــر

وجـــــفوت صبا مـــــا لــــه * عــن حسن وجهك مصطبر

5 يا قلب: ويحك كم تخادع * بالغـــرور ؟ ! وكم تغــر ؟!

وإلـــــى م تكلـــــف بالأغن * مـــــن الظـباء وبالأغـر ؟!

لئـــــن الشـريف الموسوي * ابـــــن الشـريف أبي مضر

أبـــــدى الجــــحود ولـم يرد * إلـــــي مملـــــوكـــي تــتــر

واليـــــت آل أميــــة الطهر * الميـــــاميـــــن الــــغـــــرر

10 وجحـــدت بيعة (حيدر) * وعـــــدلت عـــنه إلى عمر

وأكـــــذب الــراوي وأطعن * فـــــي ظـــــهور المنــــتظر

وإذا رووا خـــــبر (الغدير) * أقـــــول: مـــــا صح الخبر

ولبـــست فيه من الملابس * ما اضمحـــــل ومـــــا دثــر

وإذا جــــرى ذكر الصحابة * بـــــيـــــن قـــــــوم واشتهر

15 قلـت: المقدم شيخ تيم * ثـــــم صاحبـــــه عـــــمــــر

ما ســـــل قـــــط ظبــا على * آل النـــــبـي ولا شـــــهــــر

كـــــلا ولا صـــــد البــــتول * عـــــن التـــــراث ولا زجـر

وأقـــــول: إن يـــــزيد مـــا * شـــــرب الخـــمور ولا فجر

 

/ صفحة 327 /

ولجــيشـــه – بالكــف عن * أبــــناء فـــــاطـمة - أمـــــر

والشمــــر ما قتل الحسين * ولا ابــــن سعد ما غدر 20

وحلقــت في عشر المحرم * ما استطـــــال مــــن الشعر

ونويـــــت صــوم نهـــــاره * وصيـــــام أيـــــام أخـــــــــر

ولبســـــت فيــــه أجل ثوب * للمـــــواســــــم يـــــدخـــــر

وسهــرت في طبخ الحبوب * مــن العــــشاء إلى السحر

وغـــــدوت مكتحلا أصافـح * مــــن لقيت من البشر 25

ووقـــفت في وسط الطريق * أقـــــص شـــارب من عبر

وأكـــــلت جــرجير البقــول * بلحـــــم جـــــري الحـــــفـر

وجعـــــلتها خـــــير المـآكل * والفـــــواكه والخـــــضـــر

وغسلـــــت رجــلي حاضرا * ومسحـــت خفي في السفر

آمـــــين أجــهر فـي الصلاة * بهــــا كمن قبلي جهر 30

وأســـــن تسنـــــيم القــبور * لكـــــل قبـــــر يحتـــــفــــر

وأقـــــول فـــــي يــوم تحار * لـــــه البصيـــــرة والبصر

والصحـــــف ينـــــشر طيها * والنار تـــــرمى بالشــــرر

: هـــــذا الشـــريف أضلني * بعـــــد الهـــــداية والنــظر

فيـــــقال: خـــذ بيد الشريف * فمستقـــــر كـما سقر 35

لواحـــــة تسطـــــو فـــــمــا * تبـــــقي عـــــليه ومــا تذر

والله يغـــــفـــــر للمـــــسيئ * إذا تـــــنصـــــل واعــتـــذر

إلا لمـــــن جـــــحـد الوصي * ولاءه ولـــــمن كـــــفــــــر

فاخـــــش الإله بسوء فعلك * واحتـــــذر كـــــل الحـــــذر

* (ما يتبع الشعر) *:

هذه القصيدة المعروفة ب‍ [ التترية ] ذكرها بطولها 106 بيتا ابن حجة الحموي في (ثمرات الأوراق) 2 ص 44 - 48، وذكر منها في كتابه [ خزانة الأدب ] 68 بيتا، وتوجد برمتها في تذكرة ابن العراق، ومجالس المؤمنين ص 457، نقلا عن التذكرة،

 

/ صفحة 328 /

و (أنوار الربيع) للسيد علي خان ص 359، وكشكول شيخنا البحراني صاحب الحدائق ص 80، ونامه دانشوران 1 ص 385، وتزيين الأسواق للأنطاكي ص 174، ونسمة السحر فيمن تشيع وشعر، وذكر الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل منها تسعة عشر بيتا.

 أرسل ابن منير إلى الشريف المرتضى الموسوي (1) بهدية مع عبد أسود له فكتب إليه الشريف: أما بعد فلو علمت عددا أقل من الواحد أو لونا شرا من السواد بعثت به إلينا والسلام.

 فحلف ابن منير أن لا يرسل إلى الشريف هدية إلا مع أعز الناس عليه فجهز هدايا نفيسة مع مملوك له يسمى [ تتر ] وكان يهواه جدا ويحبه كثيرا ولا يرضى بفراقه حتى أنه متى اشتد غمه أو عرضت عليه محنة نظر إليه فيزول ما به، فلما وصل المملوك إلى الشريف توهم أنه من جملة هداياه تعويضا من العبد الأسود فأمسكه وعزت الحالة على ابن منير فلم ير حيلة في خلاص مملوكه من يد الشريف إلا إظهار النزوع عن التشيع إن لم يرجعه إليه وإنكار ما هو المتسالم عليه من قصة الغدير وغيرها، فكتب إليه بهذه القصيدة، فلما وصلت إلى الشريف تبسم ضاحكا وقال: قد أبطأنا عليه فهو معذور، ثم جهز المملوك مع هدايا نفيسة، فمدحه ابن منير بقوله:

إلى المــــرتضى حــــث المـطي فإنه * إمـــــام عــــلى كــــل البرية قد سما

ترى الناس أرضا في الفضايل عنده * ونجــــل الـزكي الهاشمي هو السما

وقد خمس [ التترية ] العلامة الشيخ إبراهيم يحيى العاملي (2) وهو بتمامه مع القصيدة مذكور في مجموعة شيخنا العلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء، وفي الجزء الأول من (سمير الحاضر ومتاع المسافر) له، وفي (المجموع الرائق) ص 727 لزميلنا العلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم أوله:

أفدي حبيبا كالقمر * ناديتـــه لمــا سفر

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كان نقيب الأشراف بالعراق والشام وغالب الممالك ورئيس أهل هذا المذهب وغيرهم وكان بينه وبين مهذب الدين مودة (تزيين الأسواق ص 174) ومهذب الدين هو أبو الحسن علي بن أبي الوفاء الموصلي الشاعر المقدم توفي سنة 543.

 (2) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر تأتي هناك ترجمته.

 

 

/ صفحة 329 /

يا صاحب الوجه الأغر * عــذبت طــرفي بالسهر

وأذبـــت قــــلبي بالفكر

أبــــلى صـدودك جدتي * وتـــــركتني في شدتي

وأطـــــلت فيــها مدتي * ومزجـت صفو مودتي

من بعـــــد بعدك بالكدر

ولهذه القصيدة أشباه ونظائر في معناها سابقة ولاحقة، منها: 1 - مدح الخالديان أبو عثمان سعيد بن هاشم وأخوه أبو بكر محمد [ من شعراء اليتيمة ] الشريف الزبيدي أبا الحسن محمد بن عمر الحسيني فأبطأ عليهما بالجائزة وأراد السفر فدخلا عليه وأنشداه:

قـال للشريف المستجار به * إذا عــــدم المـــــطــــــــــر

وابن الأئمـــــة مـن قريش * والميـــــامين الـــــغــــــرر

: أقـــــسمت بالــــرحمن و * النعــــم المضاعف والوتر

لأن الشـــــريف مضى ولم * ينعـــــم لعـــــبديه النـــــظر

لنشـــــاركن بنـــــي أمــية * فـــــي الضـــــلال المشتهر

ونقـــــول: لم يغـــصب أبو * بكر ولـــــم يظـــــلم عـــمر

ونـــــرى معـــــاوية إمـاما * مـــن يخـــــالفه كـــــفـــــر

ونقـــــول: إن يـــــزيــــــــد * ما قــــتل الحسين ولا أمر

ونعـــــد طلحـــــة والزبـــير * مـــــن الميـــــامين الغـرر

ويكـــون في عنق الشريف * دخــــول عــــبـديه سقــــــر

فضحك الشريف لهما وأنجز جائزتهما.

 2 - حبس الشريف الحسن بن زيد الشهيد وزيره لتقصيره فكتب إلى الشريف بقوله:

أشكو إلى الله ما لقيت * أحبــبت قوما بهم بليت

لأشتم الصالحين جهرا * ولا تشيعــــت ما بقيت

أمسح خفي ببطن كفي * ولو على جيفــة وطيت

3 - كتب أبو الحسن الجزار المصري [ الآتي ترجمته ] إلى الشريف شهاب

 

/ صفحة 330 /

الدين ناظر الأهراء ليلة عاشوراء عندما أخر عنه إنجاز موعده بقوله:

قل لشهاب الدين ذي الفضل الندي * والسيــــــد ابـــن السيد ابن السيد

: أقسم بالفــــــرد العــــلي الصمد * إن لم يبــــــادر لنجــــــاز موعـدي

لأحــــــضرن للهنــــــاء في غـــــد * مكحــــــل العـيـنين مخــضوب اليد

والإثــــم في عنق الشريف الأمجد * لأنــــــني جنــــــنت فـــي التـــــردد

حتــــــى نصبــــــت وكسرت عددي * فــــــي شهر حــزني وجزمت لددي

4 - كتب القاضي جمال الدين علي بن محمد العنسي إلى شريف عصره قوله:

بالبــيــــت أقســـــم أو بأهل * البــيــــت ســــادات البـــشر

وبصـــــولة المــــولى الذي * تاهــــت به عــــليا مضـــــر

إن طــــال غــــصب مطــهر * عــــمد الــــدراري واستـمر

لأقــــلدن أبا حــــنــيــــفــــة * صــــاحــــب الــــرأي الأغـر

5 ولأســـمعــــن لــــه وإن * حــــل النبــيــــذ المعــــتـصر

حبــــا لقــــوم أنــــزلـــــــوا * بمطــــهر أقــــوى ضــــــرر

أعــــني بهــــم أبناء خاقان * الميــــاميــــن الــــــــغــــرر

ولأتــــركن التــــرك تـرفــل * مــــن مديحــــي فــــي حــبر

ولأنــــظـــمـــــن شــــواردا * فيــــهم تحــــار لهــــا الـكفر

10 وأســــوقها زمـرا إلى * زمــــر وتــتــــلوهــــا زمــر

ولأبكيــــن عــــلى الــوزير * بكــــل معــــنى مبــــتــــكـــر

أعــــني بــــه حــــسنا وإن * فعــــــل القبــــيح فمغــتــــفر

وأقــــول: إن سنــــانــهــــم * سيــــف نضــــته يــــد القدر

مـــــــا جــــار قــــط ولا أرا * ق دمــــا وبالتــــقوى أمـــر

15 وإذا جرى ذكر الخمور * ومــــــن حـــساها واعتصر

نــــزهتهم عــــنــــها ســـوا * لام المــــفــــنــــد أو عــــذر

أستغــــفــــر الله العــــظيـــم * ســــوى النبــــيذ إذا حــضر

فالــــرأي رأيــــهم الســـديد * وقــــد رووا فيــــه خـــبــــر

 

/ صفحة 331 /

ولا مقــتـــــن عـــــلـى بكير * فـــــي العـــــشايا والبـــــكر

أقضي بتربتـــــه الفـــروض * ومـــــن زيارته الوطر 20

ولأمـــــلأن عـــــلى العــوام * مســـــائلا فيـــــها غـــــرر

نقضـــــي بتـطويل الشوارب * عـــــنـــــد تقصير الشعــــر

ولأرخـــــين من العــــمائــم * ما تـــــكور واعـــــتــــــصر

ولأرفعـــــن إلــــــى الصلاة * يـــــدي وأرويـــــها أثــــــــر

[ وأقـــــول في يـــــوم تحار * لـــــه البصائر والبصر]25

[ والصحـــــف تنـــشر طيها * والنـــــار تـرمي بالشرر ]

[: هذا الشـــــريف أضـــلني * بعـد الهداية والنظر ] (1)

5 ـ كتب في هذا المعنى أبو الفتح سبط ابن التعاويذي إلى نقيب الكوفة الشريف محمد بن مختار العلوي يعاتبه على عدم الوفاء بما كان وعده به بقصيدة تأتي في ترجمة أبي الفتح أولها:

يا سمـــي النبي يا بن عــلي * قامع الشرك والبتول الطهور

* (الشاعر) * :

أبو الحسين مهذب الدين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي (2) الشامي نازل درب الخابوري على باب الجامع الكبير الشمالي عين الزمان الشهير بالرفا، أحد أئمة الأدب، وفي الطبقة العليا من صاغة القريض، وقد أكثر وأجاد وله في أئمة أهل البيت عليه السلام عقود عسجدية أبقت له الذكر الخالد والفخر الطريف والتالد، و قد أتقن اللغة والعلوم والأدبية كلها، أنجبت به الطرابلس فكان زهرة رياضها، و ورواء أرباضها، ثم هبط دمشق فكان شاعرها المفلق، وأديبها المدره، فنشر في عاصمة الأمويين فضايل العترة الطاهرة بجمان نظمه الرايق، وطفق يتذمر على من ناواهم أو زواهم عن حقوقهم محققا فيه مذهبه الحق، فبهظ ذلك المتحايدين عن أهل البيت عليهم السلام فوجهوا إليه القذائف والطامات، وسلقوه بألسنة حداد فمن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأبيات الثلاثة الأخيرة من قصيدة ابن منير.

 (2) طرابلس: بلدة على ساحل الشام مما يلي دمشق.

 

 

/ صفحة 332 /

قائل: إنه كان خبيث اللسان، وآخر يعزو إليه التحامل على الصحابة، ومن ناسب إليه الرفض، ومن مفتعل عليه رؤيا هائلة، لكن فضله الظاهر لم يدع لهم ملتحدا عن إطرائه وإكبار موقفه في الأدب بالرغم من كل تلكم الهلجات، وجمع شعره بين الرقة والقوة والجزالة، وازدهى بالسلاسة والانسجام، وقبل أي مأثرة من مآثره أنه كان أحد حفاظ القرآن الكريم كما ذكره ابن عساكر وابن خلكان وصاحب [ شذرات الذهب ].

 قال ابن عساكر في تاريخه ج 2 ص 97: حفظ القرآن، وتعلم اللغة والأدب، و قال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، كان رافضيا خبيثا يعتقد مذهب الإمامية، وكان هجاء خبيث اللسان يكثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الألفاظ العامية، فلما كثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق في السجن مدة وعزم على قطع لسانه فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له وأمر بنفيه من دمشق، فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ثم تغير عليه إسماعيل لشئ بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه فهرب واختفى في مسجد الوزير أياما ثم خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشمالية ينقل من حماة (1) إلى شيزر وإلى حلب ثم قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملك العادل لما حاصر دمشق الحصر الثاني، فلما استقر الصلح دخل البلد ورجع مع العسكر إلى حلب فمات بها، لقد رأيته غير مرة ولم أسمع منه، فأنشدني والأمير أبو الفضل إسماعيل ابن الأمير أبي العساكر سلطان بن منقد قال: أنشدني ابن منير لنفسه:

أخـــلى فصد عن الحميم وما اختلى * ورأى الحمـــــام يغــــصه فتــوسلا

ما كـــــان واديـــــه بـــــأول مرتـــع * ودعـــــت طـــــلاوته طـــلاه فأجفلا

وإذا الـــــكريم رأى الخـــمول نزيله * فـــــي منـــــزل فالحــزم أن يترحلا

كالبـــــدر لمـــــا أن تضــــاءل نوره * طـــــلب الكـــــمال فحــــــازه متنقلا

5 ساهمت عيسك مر عيشك قاعدا * أفــــــلا فليــت بهن ناصية الفلا ؟ !

فــــارق ترق كالسيف سل فبان في * متـــــنيه مـــا أخفى القراب وأخملا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بلدة شهيرة بينها وبين شيزر نصف يوم، وبينها وبين دمشق خمسة أيام للقوافل، و بينها وبين الحلب أربعة أيام.

 

 

/ صفحة 333 /

لا تحسبن ذهاب نفســـــك ميـــــتــــة * مــا الموت إلا أن تعيش مذللا (1)

للقـــــفــر لا للفـــــقـــــر هبـــها إنما * مغـــــناك ما أغـــــناك أن تــتوسلا

لا تـــــرض مــن دنياك ما أدناك من * دنـــــس وكــــن طيفا جلا ثم انجلى

وصـــــل الهجيــــــر بهجر قوم كلما * أمطرتهم عسلا جنوا لك حنظلا 10

من غـــــادر خبثـــــت مغــارس وده * فـــــإذا محـــــضت لـه الوفاء تأولا

أو حـــــلف دهـــر كيف مال بوجهه * أمسى كذلك مـــــدبرا أو مقـــــبـــلا

لله عـــــلمي بالـــــزمان وأهلـــــــه * ذنـــــب الفــــضيلة عندهم أن تكملا

طبعـــــوا عـلى لؤم الطباع فخيرهم * إن قلـــــت قـــــال وإن سكــت تقولا

وفي غير هذه الرواية زيادة وهي:

أنــا مــن إذا ما الدهر هم بخفضه * سامته همته السماك الأعزلا 15

واع خطاب الخطب وهو مجمجـــم * راع أكـول العـيس من عدم الكلا

زعـــم كمنـــــبلج الصــباح وراءه * عـــــزم كحد السيف صادف مقتلا

قال الأميني: والشاعر يصف في نظمه هذا مناوئيه من أهل زمانه الذين نبزوه بالسفاسف ورموه بالقذائف ممن أوعزنا إليهم في الترجمة وكل هجوه من هذا القبيل ولذلك كان يثقل على مهملجة الضغائن والإحن.

 وقال ابن عساكر: وأنشد أيضا له:

عـــــدمت دهرا ولـدت فيه * كــم أشرب المر من بنيه

ما تعـــــتريـني الهموم إلا * من صاحب كنت أصطفيه

فهـل صديق يباع ؟ ! حتى * بمهجـــــتي كنــت أشتريه

يكـــون فـــــي قلبــه مثال * يشبـــــه مـا صاغ لي فيه

وكــم صديق رغــبت عنه * قد عشت حتى رغبت فيه

وقال الأمير أبو الفضل: عمل والدي طستا من فضة فعمل ابن منير أبياتا كتبت عليه من جملتها:

يا صنــو مائدة لأكرم مطعم * مأهولة الأرجاء بالأضياف

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) هذا البيت وبيت واحد بعده ذكرهما ابن خلكان في تاريخه ج 1 ص 51.

 

 

/ صفحة 334 /

جمعـــــت أياديــه إلي أيادي الــ * آلاف بعـــــد الــــبـــــذل للآلاف

ومن العجائب راحتي من راحة * معـــــروفة المعـروف بالإتلاف

ومن محاسن شعره القصيدة التي أولها:

من ركـــــب البدر في صدر الرديني * ومـــــوه السحــــر في حد اليماني

وأنـــــزل النـــــير الأعــلى إلى فلك * مـــــداره فــــي القباء الخسرواني

طرف رنا أم قراب سل صارمـه ؟ ! * وأغـيـــــد ماس أم أعطاف خطي؟!

أذلنـــــي بعـــــد عــــز والهوى أبـدا * يستعــــبد الليــــث للظبي الكناسي

وذكر منها ابن خلكان أيضاً:

أمـــــا وذائب مســـــك مـــــن ذوائـبه * عـــــلى أعــالي القضيب الخيزراني

وما يجـــــن عقيقي الشفاه من الريـــ *  ـــق الرحـــــيقــــي والثغر الجماني

لو قيل للبدر: من في الأرض تحسده * إذا تحـــــلى ؟ لقـــــال: ابــن الفلاني

أربى عـــــلي بشتـــــى من محـاسنه * تألفـــــت بـــــيـــــن مسمــوع ومرئي

إبـــــاء فـارس في لين الشآم مع الــ * ــظـــــرف العراقي والنطق الحجازي

ومـــــا المـــــدامة بالألبـاب أفتك من * فـــــصاحة البـــــدو فـــي ألفاظ تركي

ويوجد تمام القصيدة 27 بيتا في (نهاية الإرب) ج 2 ص 23، وتاريخ حلب ج 4 ص 234: وذكر ابن خلكان له أيضا:

أنكــــرت مقلتـــه سفـــك دمي * وعـــلى وجنــــتــــه فـاعترفت

لا تخــــالوا خــــاله فـــي خده * قطــــرة مــــن دم جفـني نقطت

ذاك مـن نــــار فــؤادي جذوة * فيـه ساخـت وانطفت ثم طفـــت

وكان بين المترجم وابن القيسراني (1) مهاجاة واتفق أن أتابك عماد الدين زنكي صاحب الشام غناه مغن على قلعة جعبر وهو يحاصرها قول المترجم: ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل الواشي إليه حديثا كله زور سلمت فازور يزوي قوس حاجبه

* كأنني كأس خمر وهو مخمور فاستحسنها زنكي وقال: لمن هذه ؟ فقيل: لابن منير وهو بحلب فكتب إلى

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرف الدين أبو عبد الله محمد بن نصر الخالدي الحلبي الشاعر الفذ المتوفى بدمشق 548.

 

 

/ صفحة 335 /

والي حلب يسيره إليه سريعا فسيره فليلة وصل ابن منير قتل أتابك زنكي فعاد ابن منير صحبة العسكر إلى حلب فلما دخل قال له ابن القيسراني: هذه بجميع ما كنت تبكتني به.

 كان شاعرنا المترجم عند أمراء بني منقذ بقلعة شيزر وكانوا مقبلين عليه وكان بدمشق شاعر يقال له: أبو الوحش وكانت فيه دعابة وبينه وبين أبي الحكم عبيد الله (1) مداعبات فسأل منه كتابا إلى ابن منير بالوصية عليه فكتب أبو الحكم:

أبا الحــــسين اسمع مقال فتى * عـــــوجل فيــــما يقول فارتجلا

: هذا أبو الوحش جاء ممتدحا * للقـــــوم فاهنـــــأ به إذا وصلا

واتل عــليهم بحسن شرحك ما * أنقـــــله من حـــــديثه جـــــملا

وخبـــــر القـــــوم أنـــــه رجـل * مـــــا أبــصر الناس مثله رجلا

ومنها:

وهـــــو عـــــلى خـــــفـــــة به أبدا * معـــــتـــــرف أنـــــه مـــن الثقلا

يمـــــت بالثــــلب والرقاعة والســ * ــخـــــف وأمـــــا بغـــيـر ذاك فلا

إن أنـــــت فاتحـــــته لتخـــــبــر ما * يصـــــدر عـــــنه فتحـت منه خلا

فنـــــبه إن حـــــل خـــطـة الخسف * والهـــــون ورحــــب به إذا رحلا

وأسقـــــه الســـــم إن ظـــفرت به * وامزج له من لسانك العسلا (2)

وذكر النويري له في (نهاية الإرب) ج 2:

لاح لنـــــا عـــاطلا فصيغ له * مناطــق من مراشق المقل

حيــــاة روحي وفي لواحظه * حتفـــي بين النشاط والكسل

ما خاله من فتيت عنبر صد * غـيه ولا قطـر صبغة الكحل

لكـــن سويداء قلب عاشقه * طفـــت على نار وردة الخجل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) هو أبو الحكم عبيد الله بن المظفر المغربي الشاعر المتضلع في الأدب والطب والهندسة له أشياء مستملحة منها مقصورة هزلية ضاهى بها مقصورة ابن دريد ولد باليمن سنة 486 وتوفي بدمشق سنة 549. توجد ترجمته في تاريخ ابن خلكان 1 ص 295، ونفح الطيب 1 ص 385 وغيرهما.

 (2) نفح الطيب ج 1 ص 385.

 

 

/ صفحة 336 /

وله في النهاية أيضا:

كـــــأن خـــــديه ديناران قد وزنا * وحرر الصيرفي الوزن واحتاطا

فخف إحداهما عن وزن صاحبه * فحـــط فوق الذي قد خف قيراطا

وله في (بدايع البداية) ج 1 ص 44 في صبي صبيح سراج يسمى يوسف قوله:

يا سمي المتاح في ظلمة الجـــ * ــب لمـــن ساقــه القضاء إليها

والـــــذي قطع النساء له الأيـــ * ــدي ومكـــــن حبــله من يديها

لـــــك وجـه مياسم الحسن فيه * صكـــــة تطبـــــع البـدور عليها

كتب ابن منير للقاضي أبي الفضل هبة الله المتوفى 562 يلتمس منه كتاب [ الوساطة بين المتنبي وخصومه ] تأليف القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني وكان قد وعده بها:

يا حائزا غــاي كل فضيلة * تــضل في كنهه الإحاطة

ومــــن تــــرقى إلى محل * أحكم فوق السهى مناطه

إلـى متى أسعط التمني ؟ * ولا ترى المن بالوساطه

ولد المترجم [ ابن منير ] سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، وتوفي في جمادى الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة [ عند جل المؤرخين ] بحلب ودفن في جبل جوشن (1) بقرب المشهد الذي هناك، قال ابن خلكان: زرت قبره ورأيت عليه مكتوبا:

من زار قبري فليكن موقنا * أن الـــــذي ألقـــــاه يلقـــاه

فيــــرحم الله امرءا زارني * وقـــــال لـــــي يـرحمك الله

ثم وجدت في ديوان أبي الحكم عبيد الله أن ابن منير توفي بدمشق في سنة سبع وأربعين ورثاه بأبيات على أنه مات بدمشق وهي هزلية على عادته ومنها:

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) جوشن جبل في غربي حلب ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ويقال: أنه بطل منذ عبر سبى الحسين بن علي رضي الله عنه ونساؤه وكانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزا أو ماء فشتموها ومنعوها فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلى الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمى مشهد الدكة والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه (معجم البلدان 3 ص 173).

 

 

/ صفحة 337 /

أتـــــوا به فـــوق أعواد تسيره * وغسلوه بشطـــــي نهـــر قلوط

وأثخنوا الماء في قدر مرصعة * واشعــــلوا تحـــته عيدان بلوط

وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الجمع بين هذين الكلامين فعساه أن يكون قد مات في دمشق ثم نقل إلى حلب فدفن بها. ا ه‍.

 وأما أبو المترجم (المنير) فكان شاعرا كجده (المفلح) كما في (نسمة السحر) وكان منشدا الشعر العوني، ينشد قصائده في أسواق طرابلس كما ذكر ابن عساكر في تاريخ الشام ج 2 ص 97، وبما أن العوني من شعراء أهل البيت عليهم السلام ولم يؤثر عنه شئ في غيرهم، وكان منشده الشيعي هذا يهتف بها في أسواق طرابلس وفيها أخلاط من الأمم والأقوام كانوا يستثقلون نشر تلكم المآثر بملأ من الأشهاد، وبالرغم من غيظهم الثائر في صدورهم لذلك ما كان يسعهم مجابهته والمكاشفة معه على منعه لمكان من يجنح إلى العترة الطاهرة هنالك فعملوا بالميسور من الوقيعة فيه من أنه كان يغني بها في الأسواق كما وقع في لفظ ابن عساكر وقال: كان منشدا ينشد أشعار العوني في أسواق طرابلس ويغني.

 وأسقط ابن خلكان ذكر العوني وإنشاد المنير لشعره فاكتفى بأنه كان يغني في الأسواق - زيادة منه في الوقيعة وعلما بأنه لو جاء بذكر العوني وشعره لعرف المنقبون بعده مغزى كلامه كما عرفناه، وعلم أن ذلك الشعر لا يغني به بل تقرط به الآذان لإحياء روح الإيمان وإرحاض معرة الباطل.

 توجد ترجمة ابن منير في كثير من المعاجم وكتب السير منها: تاريخ ابن خلكان ج 1 ص 51. الخريدة للعماد الكاتب. الأنساب للسمعاني (1 ). تاريخ ابن عساكر 2 ص 97. مرآة الجنان 3 ص 287. تاريخ ابن كثير 12 ص 231. مجالس المؤمنين ص 456. أمل الآمل لصاحب الوسائل. شذرات الذهب 4 ص 146. نسمة السحر في الجزء الأول. روضات الجنات ص 72. أعلام الزركلي 1 ص 81. تاريخ آداب اللغة 3 ص 20. دائرة المعارف للبستاني ج 1 ص 709. تاريخ حلب 4 ص 231

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) قال: أدركته حيا بالشام وكان قد نزل شيراز في آخر عمره. قال الأميني: شيراز تصحيف (شيزر) وهى تشتمل على كورة بالشام قرب المعرة. وقال: توفي في حدود سنة 540 وهو كما ترى.