عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

القرن الرابع

-21-

الأمير أبو فراس الحمداني

المولود 320 / 321  ــ المتوفى 357

 

الحـــــق مهتضـــــم والـــــدين مخــــترم * وفـــــئ آل رســـــول الله مـــــقــــتســـم

والناس عـــــندك لا نـــــاس فيحــــفظهم * ســــوم الرعـــــاة ولا شـــــاء ولا نـــعم

إني أبـــــيت قـــــلـــيل النـــــوم أرقــــني * قــــلب تـــــصـــــارع فـــيه الهم والهمم

وعــــزمة لا يـــــنام الليـــــل صــــاحبها * إلا على ظـــــفر فـــــي طـــــيه كــــــــرم

يصـــــان مهـــــري لأمـــــر لا أبــوح به * والدرع والرمح والصمصامة الحذم(1)

وكـــــل مـــــائرة الضبعـــــين مـــسرحها * رمــــث الجزيرة والخذراف والعنم (2)

وفـــــتـــــية قـــــلبهم قـــــلب إذا ركـــبوا * وليـــــس رأيـــــهم رأيـــــا إذا عــزموا

يا للـــــرجال أمـــــا لله منـــــتـــــصــــــر * مـــــن الطـــــغاة ؟ أمـــــا لله مـــــنــتقم

بـــــنو عـــــلي رعـــــايا فـــــي ديـــارهم * والأمـــــر تمـــــلكه النـــسوان والخدم

محـــــلئون فأصفـــــى شـــــربهم وشـــل * عـــــند الــــورود وأوفى ودهم لمم(3)

فـــــالأرض إلا عـــــلى ملاكـــــها ســعة * والمـــــال إلا عـــــلى أربـــــابـــــه ديم

فمـــــا السعـــــيد بهـــــا إلا الـذي ظلموا * ومـــــا الشقـــــي بهــــا إلا الذي ظلموا

للمتقـــــيـــــن مـــــن الـــــدنيا عــواقبها * وإن تعـــــجل منهـــــا الظـــــالم الأثــــم

أتفـــــخرون عـــــليهم لا أبـــــا لـــــكــــم * حـــــتى كـــــأن رســـــول الله جدكم ؟ !

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) الحذم من السيوف بالحاء المهملة : القاطع.

 (2) مار : تحرك. الضبع : العضد. كناية عن السمن. الرمث بكسر المهملة : خشب يضم بعضه إلى بعض ويسمى : الطوف.

 الخذراف بكسر الخاء ثم الدال المعجمتين : نبات إذا أحس بالصيف يبس. العنم بفتح المهملة. نبات له ثمرة حمراء يشبه به البنان المخضوب.

 (3) حلاء عن الماء : طرده. الوشل الماء القليل. لم : أي غب.

 

/ صفحة 400 /

ولا تـــــوازن فيمـــــــا بــــيــــنكم شرف * ولا تــــساوت لكــــم فــــــــي موطن قدم

ولا لكم مثلهم في المجـــــــد متــــــــصل * ولا لجـــــــدكم معـــــــاشـــــــر جـــــدهم

ولا لعـــــــرقكم مـــــــن عــــــرقهم شبه * ولا نثـــــــيلتكم مـــــــن أمهـــــم أمم(1)

قام النبي بهــا (يـــــــوم الغدير) لهـــــــم * والله يشهـــــــد والأمـــــــلاك والأمـــــم

حتى إذا أصبحـــــــت فــــي غير صاحبها * باتت تـــــــنازعـــــــها الــذؤبان والرخم

وصيروا أمـــــــرهم شـــــــورى كـــأنهم * لا يعـــــــرفون ولاة الحـــــــق أيــــــــهم

تالله ما جـــــــهل الأقـــــــوام مـــوضعها * لكنهم ستـــــــروا وجـــــــه الـذي علموا

ثم ادعـــــــاها بنـــــــو العــــباس ملكهم * ولا لهـــــم قـــــــدم فيـــــــها ولا قـــــــدم

لا يذكرون إذا مـــــــا معـــــــشر ذكـروا * ولا يحـــــــكم فـــــــي أمـــــــر لهـــم حكم

ولا رآهم أبـــــــو بـــــــكر وصـــــــاحبه * أهلا لما طلـــــــبوا منــــــــها وما زعموا

فهل هم مدعوها غـــــــير واجـــــــبة ؟ * أم هل أئمتهـــــــم فـــــــي أخـذها ظلموا؟

أما علي فـــــأدنى من قـــــــرابتـــــــكم * عند الولاية إن لـــــــم تكـــــــفر النــــــعم

أينـــكر الحبر عـــــــبد الله نعـــــــمته ؟ * أبوكم أم عـــــــبـــــــيد الله أم قثـــــــم؟!؟!

بئس الجـــــــزاء جــزيتم في بني حسن * أباهم العـــــــلم الهـــــــادي وأمـــــــهــــم

لا بيعة ردعتكم عـــــــن دمـــــــائهـــــم * ولا يميـــــــن ولا قـــــــربـــــــى ولا ذمـــم

هـــــــلا صفـحتم عن الأسرى بلا سبب * للصافحيـــــــن بـــــــبدر عــن أسيركم ؟ !

هلا كففتم عن الــــــديباج سوطكم (2) * وعن بنـــــــات رســـول الله شتمكم ؟ (3)

ما نزهت لـــــــرسول الله مهجـــــــتــه * عن الســـــــياط فهـــــــلا نـــــــزه الحرم ؟

مــــــا نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلــــــك الجـــــــرائر إلا دون نيـــــــلكـــــــم

كـــــــم غــــدرة لكم في الدين واضحة * وكـــــــم دم لـــــــرسول الله عـــــــندكـــــــم

أنتم له شيعـــــــة فيـــــــما ترون وفي * أظفاركـــــــم مـــــــن بنـــــــيه الطاهرين دم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نثيله هي أم العباس بن عبد المطلب. الأمم : القرب.

(2) الديباج هو محمد بن عبد الله العثماني أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت الحسين السبط ضربه المنصور مأتين وخمسين سوطا.

(3) لعله أشار إلى قول منصور لمحمد الديباج : يا بن اللخناء. فقال محمد. أي أمهاتي تعيرني ؟ أبفاطمة بنت الحسين ؟ أم بفاطمة الزهراء ؟ أم برقية ؟.

 

/ صفحة 401 /

هيهات لا قـــربت قــــربى ولا رحـــــم * يــــــوما إذا أقــــــصت الأخــــــلاق والشــيم

كــــــانت مــــــودة سلمــــان له رحما * ولــــــم يــــــكن بــــــين نــــــوح وابــنه رحم

يا جــــــاهدا فــــــي مسـاويهم يكتمها * غــــــدر الــــــرشيد بــــيحيى كيف ينكتم؟(1)

ليــس الرشيد كموسى في القياس ولا * مــــــأمونكم كالــــــرضا لــــو أنصف الحكم

ذاق الـــــزبيري غب الحنث وانكشفت * عــــــن ابــــــن فاطمة الأقــوال والتهم (2)

بــــــاؤا بقــــــتل الـرضا من بعد بيعته * وأبــــــصروا بعــــــض يـوم رشدهم وعموا

يا عــــــصبة شقيـت من بعد ما سعدت * ومعــــــشرا هــــــلكوا من بعــــد ما سلموا

لبئسمــــــا لقــــــيت منــــهم وإن بليت * بجــــــانب الطــــــف تلك الأعظم الرمم (3)

لاعـــــن أبي مسلم في نصحه صفحوا * ولا الهبــــــيري نجــــــا الحلف والقسم (4)

ولا الأمــــــان لأهـل الموصل اعتمدوا * فيــــــه الـــــوفاء ولا عن غيهم حلموا (5)

أبلــــــغ لــــــديك بـــــني العباس مالكة * لا يــــــدعوا مــــــلكها مــــــلاكها العـــــجم

أي المفاخــــــر أمــــــست فـي منازلكم * وغــــــيركم آمــــــر فــــــيها ومحــــــتكم ؟

أنــــــى يــــــزيدكم فــــــي مفخر علم ؟ * وفــــــي الخــــــلاف عــــــليكم يخفق العلم

يا باعــــــة الخــمر كفوا عن مفاخركم * لمعــــــشر بيــــــعهم يــــــوم الهــــــياج دم

خــــــلوا الفخــــــار لعلامين إن سئلوا * يــــــوم الســــــؤال وعــــــمالين إن عملوا

لا يغــــــضبون لغـــــير الله إن غضبوا * ولا يضيعــــــون حــــــكم الله إن حــــــكموا

تــــــنشى التــــــلاوة في أبياتهم سحرا * وفــــــي بيــــــوتكم الأوتــــــار والنـــغــــــم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) أشار إلى غدر الرشيد بيحيى بن عبد الله بن الحسن الخارج ببلاد الديلم ؟ ؟ سنة 176 فإنه أمنه ثم غدره وحبسه ومات في حبسه.

 (2) الزبيري هو عبد الله بن مصعب بن الزبير باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح ؟ ؟ : بطني بطني. ومات.

 (3) أشار إلى ما فعله المتوكل بقبر الإمام الشهيد.

 (4) أبو مسلم هو الخراساني مؤسس دولة بني العباس قتله المنصور والهبيري : هو يزيد بن عمر بن هبيرة أحد ولاة بني أمية حاربه بنو العباس أيام السفاح ثم أمنوه فخرج إلى المنصور بعد المواثيق والأيمان فغدروا به وقتلوه سنة 132.

 (5) استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل فآمنهم ونادى : من دخل الجامع فهو آمن. وأقام الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل : إنه قتل فيه أحد عشر ألفا ممن له خاتم، وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيام وذلك في سنة 132.

 

/ صفحة 402 /

منكم عــــلية أم منهم ؟ وكــــان لــــكم * شــــيخ المغــــنين إبــــراهيم أم لهم ؟ (1)

إذا تــــلوا ســــورة غــــنى إمــــامــكم * قــــف بالطــــلول الــــتي لم يعــــفها القـــدم

مــــا فــــي بــــيوتهم للخــــمر معتصر * ولا بــــيوتكــــم للــــســــوء معــــتــــصـــــم

ولا تــــبــــيت لهــــم خنــــثى تــنادمهم * ولا يــــرى لهــــم قــــرد ولا حــــشــــــم(2)

الــــركن والبــــيـــت والأستار منزلهم * وزمــــزم والصــــفى والحــــجــــر والحـرم

وليــــس مــــن قـــسم في الذكر نعرفه * إلا وهــــم غــــيــــر شــــك ذلــــك القــــسم

* (ما يتبع الشعر) *:

 توجد هذه القصيدة كما رسمناها 58 بيتا في ديوانه المخطوط المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له المتوفى بحلب في خدمة بني حمدان سنة 370، و خمس منها العلامة الشيخ إبراهيم يحيى العاملي 54 بيتا، وذكر تخميسه في [ منن الرحمان ] ج 1 ص 143 مستهله :

يا للرجــــال لجـــــرح ليــــس يلتئم * عمر الـــزمان وداء ليــس ينحسم

حــــتى متـــى أيهـــا الأقوام والأمم * الحق مهتضم . . . . . . . . . . . . .

أودى هدى الناس حتى أن أحفظهم * للخــــير صـار بقول السوء ألفظهم

فكــــيف توقــظهم إن كنت موقظهم * والنــــاس عندك . . . . . . . . . . .

 وهي التي شرحها م - أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي المتوفى 565، وشرحها ] ابن أمير الحاج بشرحه المعروف المطبوع وتوجد بتمامها في (الحدائق الوردية) المخطوط، وذكرها القاضي في (مجالس المؤمنين) ص 411، والسيد ميرزا حسن الزنوزي في (رياض الجنة) في الروضة الخامسة ستين بيتا، وهي التي شطرها العلامة السيد محسن الأمين العاملي.

 وإليك نص البيتين الزائدين :

أمـــــن تشـــــاد له الألحان سايرة * عليهم ذو المعالي أم عليكم ؟ (3)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) علية : بنت المهدي بن المنصور كانت عوادة. وإبراهيم أخوها كان مغنيا وعوادا.

(2) الخنثى : هو عبادة، نديم المتوكل. والقرد كان لزبيدة.

(3) بعد البيت ال‍ 53.

 

/ صفحة 403 /

صلى الإله عــليهم كـــــلما سجعـــت * ورق فهم للورى كهف ومعتصم (1)

وأسقط ناشر الديوان منها أبياتا وذكرها 53 بيتا وأحسب أنه التقط أبياتا ما كان يروقه مفادها ودونك الإشارة إليها :

 1 - وكل مائرة الضبعين مسرحها .

2 - وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا .

3 - فما السعيد بها إلا الذي ظلموا .

4 - للمتقين من الدنيا عواقبها .

5 - ليس الرشيد كموسى في القياس ولا .

6 - يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم .

7 - صلى الإله عليهم كلما سجعت هذه القصيدة تعرف ب‍ (الشافية) وهي من القصايد الخالدة التي تصافقت المصادر على ذكرها أو ذكر بعضها (2) أو الايعاز إليها، مطردة متداولة بين الأدباء، محفوظة عند الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمير السيف والقلم وإلى الآن، وستبقى خالدة مع الدهر، وذلك لما عليها من مسحة البلاغة، ورونق الجزالة، وجودة السرد، وقوة الحجة، وفخامة المعنى، وسلاسة اللفظ، ولما أنشد ناظمها (الأمير) أمر خمسمائة سيفا وقيل أكثر يشهر في المعسكر (3) نظمها لما وقف على قصيدة ابن سكرة العباسي التي أولها :

بنـــي عــــلي دعـــــوا مقالتكم * لا ينقص الدر وضع من وضعه

وللأمير أبي فراس هائية يمدح بها أهل البيت وفيها ذكر (الغدير) وهي :

يـــوم بسفـح الدار لا أنساه * أرعـى له دهري الذي أولاه

يوم عمرت العمر فيه بفتية * من نورهم أخذ الزمان بهاه

فكأن أوجـههم ضياء نهاره * وكـــــأن أوجههم نجوم دجاه

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) مختتم القصيدة.

 (2) ذكر سراج الدين السيد محمد الرفاعي المتوفى 885 في (صحاح الأخبار) ص 26 من القصيدة ثمانية بيتا وقال :

 القصيدة طويلة ليس هذا محل ذكرها.

 (3) كما ذكره الفتوني في كشكوله، وأبو علي في رجاله ص 349.

 

/ صفحة 404 /

ومهفهف كالغصن حــــسن قــوامــه * والظــــبــــي مــــنــــه إذا رنا عـــيـــناه

نازعــــتــــه كأســــا كــأن ضياءهـــا * لـــمــــا تبــــدت فــــي الظــــلام ضيـــاه

فــــي ليلــــة حــــسنت لنــا بوصالـــه * فـــكــــأنمـــا مــــن حــــسنهــــا إيـــــاه

وكــــأنما فــــيها الثــــريا إذ بـــــــدت * كـــــــف يــــشيــــر إلـــى الذي يهـــواه

والبــــدر منــــتـــصف الضياء كأنـــه * متبـــــــســــم بالــــكــــف يــــستـرقـــاه

ظــــبي لــــو أن الــــدر مــــر بخــــده * مـــــــن دون لحــــظــــة نـــاظــر أدماه

إن لم أكن أهواه أو أهـــوى الـــردى * فــــي العـــــــالمين لـــكــــل مــا يهواه

فحــــرمت قـرب الوصل منـــه مثل ما * حــــرم الحـــسين الــمــــاء وهو يراه

إذ قــــال : اسقـــوني. فعـــوض بالقنا * مــــن شـــــرب عــذب الماء ما أرواه

فاجتــــز رأســــا طالمــــا مـــن حجره * أدنــــتـــه كــــفــــــــا جــــده ويـــــــداه

يــــوم بعــــين الله كـــــــان وإنــــمــــا * يـــملــــي لظــــلـــــــم الظـــالمـين الله

وكــــذاك لــــو أردى عــــداة نبــــيــــه * ذو العــــرش مـا عـــرف النبي عـداه

يــــوم عــليه تغيرت شمس الضحــــى * وبــــكت دمــــا مــمــــا رأتـــه ســماه

لا عــــذر فــــيه لمهــــجة لـم تنــــفطر * أو ذي بــــكاء لــــم تــــــفـض عيــناه

تــــبا لقــــوم تابعــــوا أهــــوائــــهــــم * فــــيما يســــوئهم غــــدا عـــــقـــبــاه

أتــــراهم لم يسمعــــوا مــــا خـصــــه * منــــه النبي مــــن المقــــال أبــــاه؟!

إذ قــــال يــــوم (غــــدير خم) معــــلنا * مــــن كــــنت مــــولاه فـــــــــذا مولاه

هــــذا وصيــــته إلــــيه فـــــافهمــــوا * يا مــــن يقــــول بــــأن مــــا أوصـــاه

أقــــروا مــــن القرآن ما في فضلــــه * وتــــأملوه وافــــهمــــوا فــــــحــــواه

لــــو لــــم تــــنزل فـــيه إلا هل أتــــى * مــــن دون كــــل منــــزل لكــــــفـــــاه

من كان أول مـن حوى القرآن مــــن * لفــــظ النــــبي ونــــطــــقه وتــــــلاه؟!

من كان صاحب فتح خيبر ؟ من رمى * بالكــــف منــــه بــابــــه ودحــــــــاه؟!

من عاضد المختار من دون الورى ؟ * مــــن آزر المخــــتــــار مـن آخاه؟!؟!

مــــن بــــات فــــوق فـــراشه متنكرا * لمــــا أطــــل فــــــــراشــــه أعـــــداه؟

مــــن ذا أراد إلهــــنــــا بمــــقــــالــه * : الصــــادقون القــــانـــتون سواه ؟ !

/ صفحة 405 /

مــــن بــــات فــــوق فـــراشه متنكرا * لمــــا أطــــل فــــــــراشــــه أعـــــداه؟

مــــن خــــــصه جبريل من رب العلى * بتحـــــية مـــــن ربــــــــه وحــــباه ؟ !

أظـــنـــنـــتم أن تـــقــــــتـــــلوا أولاده * ويظـــــلكم يـــــوم المعـــــاد لـــواه ؟ !

أو تشـــــربوا مـــــن حـــوضه بيمينه * كـــــأسا وقـــد شرب الحسين دماه ؟ !

طـــــوبى لمـــــن ألقـــــاه يوم أو أمه * فـــــاستل يـــــوم حـــــياته وســـقـــــاه

قـــــد قـــــال قبـــــلي فـي قريض قائل * : ويـــــل لمـــــن شفعـــــائه خــصماه

أنـــــسيتم يـــــوم الكـــــسـاء وإنـــــه * ممـــــن حـــــواه مـــع النبي كساه ؟ !

يـــــا رب إنـــــي مهـــــتد بهـــــداهــم * لا أهتـــــدي يـــــوم الهـــــدى بـــسواه

أهـــــوى الـــــذي يهـــوى النبي وآله * أبـــــدا وأشنـــــأ كـــــل مـــــن يشنــاه

وأقـــــول قـــــولا يســـــتدل بـــــأنـــه * مستـــــبصر مـــــن قـــــالـــــــه ورواه

شعـــــرا يـــــود السامعــــون لو أنه * لا ينـــــقـــــضي طـــــول الـــزمان هداه

يغـــــري الـــــرواة إذا روتـه بحفـظه * ويـــــروق حــــسن رويـــــه معـــــنــاه

* (الشاعر) *:

 أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني التغلبي.

 ربما يرتج القول في المترجم وأمثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، أيطريه عند صياغة القول ؟ أو يصفه عند قيادة العسكر :

 وهل هو عند ذلك أبرع ؟ أم عند هذا أشجع ؟ وهل هو لجمل القوافي أسبك ؟ أم لازمة الجيوش أملك ؟ والخلاصة أن الرجل بارع في الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك، وظروف الأدباء، وضم إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء، وجمع له بين السيف و القلم، فهو حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية تعصيه، ولا الروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه، وقد ترجم بعض أشعاره إلى اللغة الألمانية

/ صفحة 406 /

كما في دائرة المعارف الإسلامية.

 قال الثعالبي في يتيمة الدهر ج 1 ص 27 :

 كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ونبلا، ومجدا وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز، وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة، ونقدة الكلام، وكان الصاحب يقول :

 (بدئ الشعر بملك وختم بملك) يعني امرؤ القيس وأبا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، فلا يتبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس، ويميزه بالإكرام عن ساير قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه في غزواته، ويستخلفه على أعماله، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه، ويوافيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته. ا ه‍.

 وتبعه في إطرائه والثناء عليه ابن عساكر في تاريخه ج 2 ص 440. وابن شهر آشوب في معالم العلماء. ابن الأثير في الكامل ج 8 ص 194. ابن خلكان في تاريخه ج 1 ص 138. أبو الفدا في تاريخه ج 2 114. اليافعي في مرآة الجنان ج 2 ص 369. و مؤلفي شذرات الذهب ج 3 ص 24. مجالس المؤمنين ص 411. رياض العلماء. أمل الآمل ص 266. منتهى المقال ص 349. رياض الجنة في الروضة الخامسة. دائرة المعارف للبستاني ج 2 ص 300. دائرة المعارف لفريد وجدي ج 7 ص 150. روضات الجنات ص 206. قاموس الأعلام للزركلي ج 1 ص 202. كشف الظنون ج 1 ص 502. تاريخ آداب اللغة ج 2 ص 241. الشيعة وفنون الاسلام 107. معجم المطبوعات. دائرة المعارف الإسلامية ج 1 ص 387. وجمع شتات ترجمته وأوعى سيدنا المحسن الأمين في 260 صحيفة في أعيان الشيعة في الجزء الثامن عشر ص 29 298.

 كان المترجم يسكن منبج، وينتقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة، واشتهر في عدة معارك معه، حارب بها الروم، أسر مرتين فالمرة

/ صفحة 407 /

الأولى ب‍ (مغارة الكحل) سنة 348 وما تعدوا به (خرشنة) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال :

 إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن إلى الفرات والله أعلم.

 والمرة الثانية : أسرته الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351، أسر وهو جريح وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في الأسر أربع سنين، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355، وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شج، تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ لسلاستها، تسمى بالروميات.

 قال ابن خالويه : قال أبو فراس : لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه أسيرا قبلي، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه ثلاث سجدات أو نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري، فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [ برطسان ] يخدمني، و أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي، وبذل لي المفاداة مفردا، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت بوجوههم إلى (خرشنة) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة فقلت في ذلك شعرا :

ولله عــــندي فــــي الاســئار وغيره * مـــواهب لم يخصص بها أحد قبلي

حلــــلت عــــقودا أعجز الناس حلها * ومــــا زال عــــقدي لا يذم ولا حلي

إذا عــــاينتني الــــروم كبــر صيدها * كــــأنهم أســــرى لــــدي وفي كبلي

/ صفحة 408 /

وأوســــع أيــــاما حــــللت كــــرامة * كــــأني مــــن أهلي نقلت إلى أهلي

فقــــل لبني عـــمي وأبلغ بني أبي : * بــــأني فــــي نعـــماء يشكرها مثلي

ومـــا شاء ربـي غير نشر محاسني * وأن يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل

وقال يفتخر وقد بلغه أن الروم قالت : ما أسرنا أحدا لم نسلب ثيابه غير أبي فراس.

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى * ولا فــــرسي مهــــر ولا ربــــه غــمر

أراك عـــــصي الدمع شيمتك الصبر * أمـــــا للهــــــوى نهي لديك ولا أمر ؟

بلـــــى أنـــــا مشتاق وعــندي لوعة * ولكـــــن مثـــــلي لا يـــــذاع لـــه سر

إذ اللــــيل أضواني بسطت يد الهوى * وأذللت دمعا مـــــن خـــــلائقه الكـــبر

تكـــــاد تـــــضئ النــار بين جوانحي * إذا هـــــي أذكـــــتها الصبابـــة والفكر

ويقول فيها :

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى * ولا فــــرسي مهــــر ولا ربــــه غــمر

ولــــكن إذا حـــم القضاء على امرئ * فليــــس لــــه بــــر يقــــيه ولا بــــحـر

وقــــال اُصيحـابي : الفرار أو الردى * فقــــلت : هــــما أمران أحلاهما المر

ولكنــــني أمــــضي لمــــا لا يعـــيبني * وحــــسبك مــن أمرين خيرهما الأسر

يقــــولون لي : بعت السلامة بالردى * فــــقلت لهــــم : والله مـــا نالني خسر

هــــو الموت فاخــتر ما علا لك ذكره * ولــــم يمــــت الانســـان ما حيه الذكر

ولا خــــير فــــي رد الــــردى بمـــذلة * كــــما رده يــــوما بســــوأته عــــمرو

يمــــنون أن خــــلوا ثــــيابي وإنــــما * عــــلى ثــــياب مــــن دمــــائهم حــمر

وقــــائم سيــــفي فيــــهم دق نــــصله * وأعــــقاب رمحــــي منهم حطم الصدر

سيــــذكرني قــــومي إذا جــــد جد هم * وفــــي الليلــــة الظلمـــــاء يفتقد البدر

فــــإن عـــشت فالطعن الذي يعرفونه * وتلــــك القــــنا والبــــيض والضــــمر

الشقـــر وإن مت فالانسان لا بد ميت * وإن طــــالت الأيــــام وانـــفسح العمر

ولــــو سد غيري ما سددت اكتفوا به * ومــــا كــــان يغلو التبر لو نفق الصفر

ونحــــن أنــــاس لا تــــوسط عــــندنا * لنا الصــــدر دون العــــالمين أو القــبر

تهــــون عــــلينا فـي المعالي نفوسنا * ومــــن خــطب الحسناء لم يغلها المهر

أعــــز بني الدنيا وأعــــلا ذوي العـلا * وأكــــرم مــــن فــــوق التراب ولا فخر

/ صفحة 409 /

وقال لما أسر :

مـــــا للعبيد مـــن الذي * يقـــــضي بـه الله امتناع

ذدت الأســـود عن الفرا * ئس ثم تفرسني الضباع

وقال :

قــــد عـــذب الموت بأفواهنا * والموت خير من مقام الذليل

إنـــــا إلـــــى الله لمـــــا نابنا * وفـــــي سبيل الله خير السبيل

وقال لما ورد أسيرا بخرشنة :

إن زرت خرشنة أسيرا * فـــلـــــكم حللت بها مغيرا

ولقـــد رأيت السبي يجلــ * ــب نحـــونا حـــوا وحورا

ولقـــد رأيـــت النـــار تنـــ* ـــتهب المنازل والقصورا

من كان مثـــلي لم يـــبت * إلا أمــيـــرا أو أســـيـــرا

ليســت تحـــل ســـراتـــنا * إلا الصـــدور أو الـقبورا

ولما ثقل الجراح وآيس من نفسه وهو أسير كتب إلى والدته يعزيها بنفسه :

مصـــابي جـــليل والعـزاء جميل * وعـــلمي بـــأن الله سـوف يديل

وإنـــي لفـــي هذا الصباح لصالح * ولـــي كـــلما جــن الظلام غليل

ومـــا نـــال مني الأسر ما تريانه * ولكنـــني دامـــي الجــراح عليل

جـــراح تحـــاماه الأســاة مخافة * وسقـــمان بـــاد منهـــما ودخـيل

وأسر أقاسيه وليــــل نجـــومـــه * أرى كــل شيء  وغيرهن يزول

تطول بي الساعات وهي قصيرة * وفـــي كـــل دهــر لا يسرك طول

تنـــاساني الأصحاب إلا عـصابة * ستلحـــق بالأخـــرى غدا وتحول

وإن الذي يبقي على العهد منهم * وإن كـــثرت دعـــواهم لقـــلـــيل

اقـلب طرفي لا أرى غير صاحب * يمـــيل مـــع النعــماء كيف تميل

وصرنا نرى أن المـتارك محسن * وإن خـــليلا لا يـــضـر وصـــول

وليـــس زمـــاني وحـده بي غادر * ولا صـــاحبي دون الرجال ملول

ومـــا أثـــري يوم اللـــقاء مـذمم * ولا مـــوقفي عـــند الاسئار ذليل

/ صفحة 410 /

تصفـــحت أقوال الرجـــال فلم يكن * إلى غـــير شــاك للـــزمان وصول

أكــــل خــــليل هكـــذا غير منصف * وكــــل زمــــان بالــــكرام بخـــيـــل

نعـــم دعـت الدنيا إلى الغدر دعوة * أجــــاب إليــــها عــــالم وجــهـــول

وقبلي كان الغدر في الناس شيمة * وذم زمــــان واســــتلام خــــليــــل

وفــــارق عمرو بن الزبير شقيقه * وخــــلى أميــــر المــــؤمنين عـقيل

فيــــا حـسرتي من لي بخل موافق * يقــــول بشجــــوي مــــرة وأقــــول

وإن وراء الســــتر اُمّا بـكاؤهــــا * عــــلي وإن طــــال الـــزمان طويل

فيــــا أمــــنا لا تعــدمي الصبر إنه * إلى الخير والنجـــح القريب رسول

ويــــا أمــــنا لا تحــبطي الأجر إنه * عــــلى قدر الصــــبر الجميل جزيل

ويــــا أمنا صبــــرا فكــــل ملــــمة * تجــــلي عــــلى عــــلاتهـــا وتزول

أمالك في ذات النطاقين أسوة (1) * بمكــــة والحــــرب العــــوان تجول

أراد ابــــنها أخــذ الأمان فلم يجب * وتعــــلم عــــلمــــا إنــــه لــــقــــتيل

تأســــي كــــفاك الله مــــا تحذرينه * فــــقــــد غـال هذا الناس قبلك غول

وكــــوني كــــما كــانت بأحد صفية * ولــــم يشــــف منهـــا بالبكاء غليل

فمــــا رد يوما حمزة الخير حـزنها * إذا مــــا عــــلتها زفــــرة وعـــويل

لقــــيت نجــوم الأفق وهي صوارم * وخــــضت ظــــلام الليل وهو خيول

ولــــم أرع للنــــفس الـكريمة خلة * عــــشية لــــم يعــــطف عـلي خليل

ولــــكن لــــقيت الموت حتى تركته * وفــــيه وفــــي حــــد الحسام فلول

ومــــن لم يق الـرحمن فهو ممزق * ومــــن لــــم يعــــز الله فهـــو ذليل

ومــــن لم يـــرده الله في الأمر كله * فــــليس لمخــــلوق إليــــه سبـــيل

وإن هــــو لم يــدللك في كل مسلك * ظلــــلت ولــــو أن الســـــماك دليل

إذا مــــا وقــــاك الله أمــــرا تخافه * فــــما لك مــــما تــــتقيه مــــقــــيل

وإن هــو لم ينصرك لم تلق ناصرا * وإن جــــل أنــــصار وعــــز قبـــيل

ومــــا دام سيف الدولة الملك باقيا * فظــــلك فــــياح الجــــناب ظلــــيــل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) ذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر.

 

/ صفحة 411 /

قال ابن خالويه : وقال يصف أيامه ومنازله بمنبج وكان ولايته وأقطاعه وداره بها، ويعرض بقوم بلغه شماتتهم فيه وهو في أسر الروم :

قــــف في رسوم المستجاب * ونــــاد أكــــناف المــصلا

فالجــــوسق المــــيـــمــــون * فالسقــــياء فالنهر المعلا

أوطنــــتها زمــــن الصــــــبا * وجعــــلت منبـج لي محلا

حــــرم الــــوقوف بـها علي * وكــــان قــــبل الــيوم حلا

حيــــث التــــفت وجـدت ماء * سائحــــا وسكــــنـــت ظلا

تــــزداد واد غــــير قـــــاص * منـــزلا رحــــبا مطـــــــلا

وتحــــل بالجــــسر الجـــنان * وتســـكن الحصن المعـلى

تجــــلو عــــرائسه لــــنـــــا * بالبشر جنب العيش سهـلا

والمــــاء يفـــصل بين زهر * الروض في الشطين فصلا

كبــــساط وشــــي جـــــردت * أيــدي القيون عــليه نصلا

مــــن كــان سر بما عراني * فــــليمت ضــــرا وهــــــزلا

لــــم أخــــل فيــــما نابــــني * مــــن أن أعـز وأن احـــلا

مثــــلي إذا لــــقـــي الأسار * فــــلن يضــــام ولــن يـــذلا

رعــــت القــــلوب مهــــابة * ومــــلأتها نـــبـلا وفــــضلا

ما غــــص منــــي حــــادث * والقــــرم قــرم حــــيث حلا

أنــــى حــــللت فــــإنـــمــــا * يـــدعوني السيف المحـــلا

فلئن خــــلصت فــــإنـــــني * غيــــظ العدى طفلا وكـــهلا

مـــا كـنت إلا السيـــف زاد * على صروف الدهـــر صقلا

ولئــــن قــــتلت فــــإنــــما * مــــوت الكرام الصيــــد قتلا

لا يشمــــتن بمــــوتــــنــــا * إلا فــــتــــى يـــفنى ويـــــبلى

يغــــتر بالــــدنيا الجـــهول * وليــــس فـــي الدنيا مـــــملا

قال ابن خالويه : تأخرت كتب سيف الدولة عن أبي فراس في أيام أسره، فذلك أنه بلغه أن بعض الأسراء قال : إن ثقل هذا المال على الأمير كاتبنا فيه صاحب

 

/ صفحة 412 /

خراسان وغيره من الملوك وخففت علينا الأسر، وذكر أنهم فرروا مع الروم إطلاق أسراء المسلمين بما يحملونه، فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول، لضمانه المال للروم وقال : من أين تعرفه أهل خراسان ؟ فقال أبو فراس هذ القصيدة وأنفذها إلى سيف الدولة.

قال الثعالبي : كتب أبو فراس إلى سيف الدولة : مفاداتي إن تعذرت عليك فأذن لي في مكاتبة أهل خراسان ومراسلتهم ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فأجابه سيف الدولة : من يعرفك بخراسان ؟ فكتب إليه أبو فراس :

أسيــــف الهــــدى وقـريع العرب * إلام الجــــفاء وفــيم الغضب ؟

ومــــا بــــال كتــــبك قـــد أصبحت * تــــنكبني مــــع هــــذي النكب؟

وأنــــت الــــكريم وأنــــت الحــليم * وأنت العطوف وأنت الحدب(1)

ومــــا زلــــت تسبقــــني بالجـميل * وتنــــزلنــــي بالـمكان الخصب

وإنــــك للجــــبل المشــــمـــخــــر * إلــــي بــــل لقـــومك بل للعرب

وتــــدفع عــــن حـوزتي الخطوب * وتكشــــف عــن ناظري الكرب

عــــلا يستــــفاد وعــــاف يعــــاد * وعــــز يشــــاد ونعــــمى تـرب

ومــــا غــــض منــي هذا الأسار * ولكــــن خلصت خلوص الذهب

فــــفيم يعــــرضنــــي بالخــــمول * مــــولى بــــه نـلت أعلى الرتب

وكــــان عــــتيدا لــــدي الجـواب * ولكــــن لهــيــــبــــته لــــم أجب

أتــــنكر أنــــي شكــــوت الزمان * وأنــــي عــــتبــتك فيمن عتب؟!

وإلا رجعــــت فــــــاعــتـبتـنـــــي * وصيرت لــــي ولقــــومي الغلب

فــــلا تنــــسبن إلــــي الخــــمول * أقمــــت عــــليك فــــلم اغــترب

وأصبحــــت مـنك فإن كان فضل * وإن كــان نقـــص فأنــت السبب

وإن خــــراسان إن أنـــــكــــرت * عــــلاي فـــقــــد عــــرفتها حلب

ومــــن أين ينـكرني الأبعــــدون * أمن نقص جد أمن نقص أب؟!؟!

ألســــت وإيــــاك مــــن أســـرة * وبــــيني وبــــينك عرق النسب؟!

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) الحدب من حدب وتحدب عليه: تعطف.

 

/ صفحة 413 /

ودار تــــناسب فيــــها الــــكرام * وتــــربــــية ومــــحــــل أشــــــب

ونــــفس تكــــبر إلا عــــليـــــك * وتــــرغــــب إلاك عــــمن رغــب

فــــلا تعــــدلن فـداك ابن عمك * لا بــــل غــــلامك عــــمــــا يجــب

وأنصــــف فــــتاك فإنــــصافـه * مــــن الفضل والشرف المكــتسب

أكنــــت الحبــيب وكنت القريب * ليــــالي أدعــــوك مـن عن كثب؟!

فــــلما بعــــدت بــــدت جــــفوة * ولاح مــــن الأمــــر مــــا لا أحـب

فلــــو لــــم أكــــن بـك ذا خبرة * لقــــلت صــــديــــقك مـــن لم يغب

وكتب إليه أيضا :

زمـــاني كلــــه غـــضب وعتب * وأنــــــت عــــلي والأيــــــــام إلب

وعــــيش العــالمين لديك سهل * وعــــيشي وحــــده بفـــناك صعب

[ القصيدة 18 بيتا ]

وبلغ إليه نعي أمه وهو في الحبس فقال يرثيها :

أيـــــا أم الأسيـــر بمن أنادي ؟ * وقـــــدمت الأيـــــادي والشعور

إذا ابـــــنك ســـــار في بر وبحر * فمن يدعو له أو يستجير ؟ !؟!

حـــــرام أن يــــبـــيت قرير عين * ولـــــوم أن يـــــلم بـه السرور

وقـــــد ذقـــــت المــنايا والرزايا * ولا ولـــــد لـــــديك ولا عــشير

وغـــــاب حبـيب قلبك عن مكان * مـــــلائكة الســـماء به حضور

ليـــــبكك كـــــل يـــوم صمت فيه * مصـــــابرة وقـــد حمي الهجير

ليبـــــكك كـــــل ليـــــل قمـت فيه * إلـــــى أن يـبتدي الفجر المنير

ليـــــبكك كـــــل مضـطهد مخوف * أجــرتيه وقـــــد قـــــل المجـير

ليـــــبكك كـــــل مسكــــــين فقير * أعـنتيه وما في العظم رير(1)

أيـــــا أمـــــاه كـــــم هـول طويل * مـــــضى بـك لم يكن منه نصير

أيـــــا أمـــــاه كــــم سر مصون * بقـــــلبك مـــــات ليس له ظهور

إلـــى مــن أشتكي وبمن أناجي * إذا ضاقت بما فيها الصدور؟!؟!

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) مخ رار ورير. ذائب فاسد من الهزال.

 

/ صفحة 414 /

بأي دعـــــاء داعــــية أوقـــــي * بــــأي ضيـــاء وجه أستنير؟!؟!

يمــــن يستدفع القـــدر المرجى * بمـن يستفتح الأمر العسير؟!؟!

تســــلي عــــنك إنــــا عن قليل * إلى ما صرت في الأخرى نصير

ميلاده ومقتله :

ولد المترجم سنة 320 وقيل 321 ويعين الأول ما حكاه ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال له :

 إن في سنة 339 كان سني 19 سنة، وقتل يوم الأربعاء لثمان من ربيع الآخر (2) وعن الصابي في تاريخه (3) يوم السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى سنة 357 (4) وذلك أنه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص وتطلع إليها وكان مقيما بها فاتصل خبره إلى ابن أخته أبي المعالي ابن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه (1) وجرت بذلك بين أبي فراس وبين أبي المعالي وحشة، فطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فراس إلى [ صدد ] وهي قرية في طريق البرية عند حمص، فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه ب‍ [ صدد ] فكبسوه فاستأمن أصحابه واختلط هو بمن استأمن معهم، فقال قرعويه لغلام له : اقتله. فقتله وأخذ رأسه وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب.

 قال الثعالبي : دلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في مرثية أبي فراس على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين موالي أسرته.

 وقال ابن خالويه : بلغني أن أبا فراس أصبح يوم مقتله حزينا كئيبا وكان قد قلق في تلك الليلة قلقا عظيما فرأته ابنته امرأة أبي العشائر كذلك فأحزنها حزنا شديدا ثم بكت وهو على تلك فأنشأ يقول كالذي ينعي نفسه وإن لم يقصد، وهذا آخر ما قاله من الشعر :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) كامل ابن الأثير. تاريخ أبي الفدا.

 (2) حكاه عنه ابن خلكان في تاريخه، وصاحب شذرات الذهب.

 (3) أرخه ابن عساكر في تاريخه بسنة خمسين وثلثمائة وهو ليس في محله.

 (4) في كامل ابن الأثير : قرغويه. وفى الشذرات : فرغويه : وفي تاريخ ابن عساكر : ابن قرعونه.

 

/ صفحة 415 /

أبــــنيــــتي لا تحــــزنـــــي * كــــل الأنــــام إلـــى ذهاب

أبنــــيتي صــــبرا جــــميلا * للــــجليــــل مـــن المصاب

نوحــــي عــــلي بحــــسرة * من خلف سترك والحجاب

قــــولي إذا نــــاديتــــنــــي * فعـيـــيت عن رد الجواب :

زين الشباب أبــــو فـراس * مــــا تمــــتع بــــالشبــــاب

وفي غير واحد من المعاجم : إنه لما بلغ أخته أم أبي المعالي وفاته قلعت عينها، وقيل : بل لطمت وجهها فقلعت عينها، وقيل:

 قتله غلام سيف الدولة ولم يعلم أبو المعالي فلما بلغه الخبر شق عليه. ومن شعره في المذهب :

لســت أرجو النجاة من كلما * أخــــشاه إلا بأحــــمد وعـلي

وببنت الرسول فاطمة الطهر * وسبــــطيه والإمــــام عــــلي

والتــــقي النقي باقر علم الله * فــــيــــنا محــــمد بــــن عـلي

وأبي جعفر وموسى ومولاي * عــــلي أكــــرم بـــه من علي

وابنه العــــسكري والقــــائـم * المظــــهر حـقي محمد وعلي

بهـــــم أرتجــي بلوغ الأماني * يوم عرضي على الإله العلي

وله في المعنى :

شافعي أحمد النبي ومولاي * علي والبــــنت والسبـــطان

وعلي وباقر العلم والصادق * ثــــم الأميــــن بالتــــبــــيان

وعــــلي ومحــــمد بـن علي * وعــــلي والعـسكري الداني

والإمام المهــدي في يـوم لا * ينفع إلا غفران ذي الغفران

ومن شعره في الحكمة والموعظة :

غــــنى النـفس لمن يعقل * خــــير من غـــــنى المال

وفضل الناس في الأنفس * ليــــس الفـضل في الحال

وقال :

المرء نصب مصائب لا تنقضي * حـــتى يواري جسمه في رمسه

فمــــؤجل يلفي الـردى في أهله * ومعجــــل يلقى الردى في نفسه

/ صفحة 416 /

وله :

أنفـق من الصبر الجميل فإنه * لم يخش فقرا منفق من صبره

والمرء ليس ببالغ في أرضـه * كالصقــر ليس بصائد في وكره

 

(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)

 

إنتهى الجزء الثالث من كتاب (الغدير)

ويتلوه الرابع ولله الحمد أولاً وآخراً